أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1654
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
على أمواج إذاعة موزاييك ف م تحدث مهدي مبروك عن المرحوم هشام جعيط(1) فلاحظت أنه دلّس في التواريخ والوقائع واختلق من الأحداث ما لم نسمع به سابقا بقصد إظهار المرحوم في صورة المعارض لما قبل 14 جانفي وهو ما يحتاج إلى تصويب وتعليق من جهتين:
1) من جهة المتحدّث عنه كان المرحوم رجل علم وبحث شغل نفسه طوال حياته بالتأليف والدرس وإن صدرت منه بعض المواقف السياسية في قضايا بعينها فلا يمكن اعتمادها لتصنيفه ضمن هذا الخط أو ذاك، فدفاعه عن العراق في الحصار الظالم الذي تعرض له لا يجعل منه بعثيا لأنه من أصحاب الرأي وليس من أصحاب الجماعات واللوبيات، ففي الجامعة التي قضى فيها القسم الأكبر من حياته مدرّسا وباحثا ونظرا لنبوغه وتواتر كتبه المنشورة في كبرى دور النشر في الخارج وللنأي بنفسه عن السعي للمناصب الإدارية الأكاديمية وُوجِه بالإغفال والتجاهل من قبل المؤسسة التي اشتغل فيها وانتسب يقول: " يؤلمني النكران ويوجعني جحود الجامعة التونسية التي درّست فيها حوالي 30 سنة ومنها انطلقت أبحاثي التاريخية... إلا أن المؤسّسة الجامعية لم تقم ولو بمجرد القراءة لِما كتبت سواء في الفكر أو التاريخ في الوقت الذي اهتمّت فيه الصحافة والهياكل الثقافية والحكام على غرار بورقيبة بكتبي وإصداراتي..."(2) وهو ما يعني أنه لم يكن منشغلا بتكوين لوبي جامعي من الأساتذة والطلبة الذين يرعاهم حتى يكونوا عونا له وقت الانتخابات أو توزيع المغانم الجامعية كالتسميات والرحلات والساعات الإضافية والمناصب الإدارية وغيرها(3) ، ولأن الرجل لم يجد التقدير الذي يستحق داخل مؤسسته الأم لجأ إلى نشر كل أعماله خارج تونس ردا للفعل على الجحود الذي عرفه في بلده إذ لا نبي في قومه هذا إذا استثنينا إعادة نشر كتابين له في دار سراس قبل وفاته بمدّة قليلة، كل ما ذُكر سهّل استهدافه سواء بعدم التمديد له بعد التقاعد وربما كان ذلك بإيحاء ودفع ممّن يخشون إشعاعه من زملائه الذين كان بعضهم يحتل مواقع مؤثرة في السلطة أيامها وسهّل كذلك المسارعة بتقديم قضية فيه تخصّ مقاله الشهير في مجلة رياليتي الصادر في 22 ديسمبر 1988، ورغم ما ذكر فإن النظام السابق أكرمه مرّة أولى بإسناده الجائزة الوطنية التونسية للعلوم الإنسانية سنة 1989 أي بعد صدور مقاله في رياليتي بمدة قليلة كما مُنح وسام الجمهورية بمقتضى أمر بتاريخ 21 مارس 1996(4) وهو ما ينفي تماما الأكاذيب التي روّجها مبروك وغيره بخصوص انخراط المرحوم في معارضة السلطة ذلك أن العلاقة بين المثقف الحرّ وأي سلطة تبقى ملتبسة وأذكر هنا الموقف الحصيف للجنرال ديغول لمّا رفض اعتقال سارتر رغم معارضته الشديدة له في ثورة الطلاب قائلا فرنسا لا تُعتقل، فهشام لم يكن مثقف السلطة أو لسانها لا في عهد بورقيبة ولا في عهد ابن علي كما أنه لم يكن معارضا لنظاميهما فموقفه من الزعيم بورقيبة قبل وفاته هو غيره أيام شبابه ولو امتد به العمر لكان له موقف آخر من نظام ابن علي بعد الدمار الذي يشهده الوطن منذ سنة 2011، المواقف من الأحداث والوقائع السياسية تتغير لدى المثقف المستقل عن الانتماء بحسب الظروف وبحسب الخبرة والقراءات وتأملوا مليّا موقفه من أحداث 14 جانفي في أيامها الأولى وكيف أصبح فيما بعد، تلك هي ميزة المثقف المستقل عن التنظيمات سواء كانت في السلطة أو في غيرها.
2) أما من جهة المتحدث في الإذاعة فقد أطنب مهدي مبروك وزير الثقافة بعد أحداث 14 جانفي في ذكر أفضاله على المرحوم هشام موحيا بأنه ردّ إليه الاعتبار بعد أن عيّنه على رأس بيت الحكمة والحال أن تعيينه لم يكن إلا تعلة لحشر أسماء خلو من أي تميّز معرفي وليس لها من مبرّر في وجودها في بيت الحكمة سوى انتماؤها لحزب النهضة حيث نجد أن مهدي مبروك بعد أن عيّن هشام جعيط عيّن نفسه عضوا في بيت الحكمة وهو الذي لا يمتلك من المؤلفات سوى بعض المقالات البائسة عن الهجرة والتهريب والدفاع عن الإخوان المسلمين أولا وثانيا كنش شرح فيه مقولات البشير بن سلامة عن الأمة التونسية طبعته دار البراق التابعة لِما يسمى اليسار الإسلامي كما عيّن احميدة النيفر الذي اختص في النقل والسلخ من حسن حنفي والادعاء بأنه يمثل اجتهادا رغم أن حصيلته من المنشورات لا تتجاوز أطروحة دكتوراه أُعدّت في كلية الشريعة عن الصفحة الدينية في بعض الجرائد التونسية القديمة وأبو يعرب المرزوقي الذي لا يذكر له التونسيون سوى قوله: "أخجل ممّن يعتبر جهاد الشباب التونسي في سوريا جرما.."(5) وأسماء أخرى ليس لها في باب المعرفة سوى بعض الوريقات التي تنضح بنكران جميل من أحسن إليها خدمة لِمن جاؤوا بعد 14 جانفي، ومن الجدير بالملاحظة أن مهدي هذا يرأس حاليا الفرع التونسي للمركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية وهو مركز أسّسه الإسرائيلي عزمي بشارة الذي أقسم يمين الولاء لإسرائيل يوم دخوله الكنيست عضوا به، هذا المركز تموّله قطر وربّما جهات أخرى ويحصل منه مهدي على 15 ألف دولار شهريا (6) ومن مهامه اختراق النخبة التونسية عبر عقد الندوات المدفوعة الأجر والورشات التي يحضرها الطلبة حتى يتم توجيههم تحت ستار العلمية والحياد، ومن الجدير بالملاحظة أن هذا الفرع لا يختلف عن فرع اتحاد علماء القرضاوي فالمموّل نفسه والأجندة السياسية ذاتها غير أن المستهدفين ليسوا أنفسهم ففي بؤرة القرضاوي نجد العوام والدهماء والجهلة وفي بؤرة مبروك نجد أساتذة الجامعة والصحفيين والطلبة.
رحم الله الأستاذ هشام جعيط المثقف الوطني المستقل الذي لم يبع آخرته بدنياه.
-------
الهوامش
1) حديث مع الصحفي اللامع حسن الهمالي في إذاعة موزاييك رابطه كالتالي:
https://www.facebook.com/watch/live/?v=3974739159247579&ref=watch_permalink
2) "المفكر هشام جعيط: يؤلمني النكران... ويحزّ في نفسي جحود الجامعة التونسية" بقلم ليلى بورقعة في جريدة المغرب الإلكترونية بتاريخ 5 فيفري 2018.
3) عن ذلك انظر بالتفصيل الدراسة الهامة للمولدي القيسومي "قواعد لغة علم الاجتماع، في مدونة المؤرخ الهادي التيمومي" نشر دار نقوش عربية 2019، الأمثلة عن الباحثين الجادين الذين لم يقبلوا الانصياع لكهنة الجامعة ولوبياتها كثيرة يكفي أن أذكر أحد ألمع ما أنجبت الجامعة التونسية الدكتور محمد لطفي اليوسفي الذي هجر الوطن وانتقل للتدريس خارجه بعد أن حورب بما لا عين رأت ولا أذن سمعت لا لشيء إلا لألمعيته وللتقييم العالي الذي تجده كتاباته في الأوساط العلمية خارج الوطن فحُرمت الجامعة من واحد من أبرز أساتذة الأدب الحديث والنقد.
4) الرائد الرسمي للجمهورية التونسية العدد 64 بتاريخ 9 أوت 1996 الصفحة 2008.
5) جريدة السور بتاريخ 16 جوان 2013.
6) جريدة الشارع المغاربي العدد 81 بتاريخ 12 جوان 2017 تصريح للأستاذ حمادي بن جاء بالله ص14.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: