بيان حركة النهضة بمناسبة الذكرى 40 على تأسيسها:عجائب وغرائب
أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1843
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيسها نشرت حركة النهضة بيانا فضفاضا من الكلمات والجمل التي لا علاقة لها بما يعيشه الوطن من أزمات وهَوَان نتيجة السياسة التي انتهجتها طوال العشر سنوات الماضية من حكمها وبيان ذلك:
1) جاء في البيان قولها بأن مسيرتها تميّزت بـ: " دفاعها عن الهوية العربية الإسلامية لتونس" وبيّن أن الحركة تعترف بأنها إنما كانت تدافع عمّا سمّته الهوية ولا شيء غير ذلك وهو لفظ ملتبس لا يحيل إلى معنى سياسي محدّد بل هو إلى المفاهيم الحضارية أقرب، فما سمّته هوية لديها نجد تفسيره في "الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي" التي تحكم عقيدتها وما زالت متشبثة بها ونجدها منشورة على صفحتها إلى يوم الناس هذا رغم أنها ادعت في ما سُمّي المؤتمر العاشر بأنها فصلت الدعوي عن السياسي، ومما جاء في هذه الرؤية أن منهج الحركة يقوم على فهم النص الديني وحدّدت لذلك ضوابط على المنتسب لنحلتها الالتزام بها وإلا عُدّ مارقا فالهوية المتحدث عنها ليست في حقيقتها سوى أركان الإيمان كما وردت في كتب العقيدة وهو أمر يحمل في طياته تكفير المخالف وتفسيق المتردّد في مساندتها ومن نتائجه التي عشناها وخبرناها رشها إماما خالفها الرأي في فهمها لبعض الآيات بماء الفرق أو إحراق حارس مقر لحزب صنّفته حزبا كافرا أو استهداف رجال الأمن والجيش ووصفهم بالطواغيت فضلا عن تكفير المثقفين والفنانين والسياحة وغير ذلك، فالهوية في فهم الحركة لا تخرج عن تطبيق الشريعة وإجبار الناس على الاعتقاد بما تعتقد والتسليم لها بالحكم وهو أمر نلحظه في خط سيرها خصوصا في العشر سنوات الأخيرة التي حكمت فيها وهي السنوات التي واجهت فيها الشعب بنخبه المستنيرة ولكنها لم تستطع تمرير أو جمع المواطنين حول أي من مفاهيمها الفاسدة وهو ما اصطلح على تسميته بالممانعة الشعبية لأخونة الدولة والمجتمع التونسيين.
2) جاء في البيان: "ودفعت ضريبة ذلك عشرات الشهداء وآلاف المشرّدين والمساجين من مناضليها وأنصارها" وهو كلام عملت الحركة على ترويجه وتضخيمه بقصد الحصول على التعويضات ودليلي على ذلك أن أحد قادة الحركة المسمى لطفي العمدوني المتحصل على دكتوراه من جامعة الزيتونة نشر كتابا ضخما في طبعة أنيقة بمناسبة المؤتمر العاشر لحركته عنوانه "شهداء النهضة من أجل الهوية والحرية والكرامة في تونس" في 540 صفحة حشر فيه من أسماء وصور الموتى الذين انتسبوا لحركته وعدّهم شهداء يتحمل النظام السابق المسؤولية في وفاتهم من ذلك أنه اعتبر شهداء الذين توفوا نتيجة مرض السرطان الصفحات 291 و294 و351 و358 و400 و402 و407 و409 و411 و418 و434 و442 و446 و452 و455 و499 و514 كذلك الذين توفّوا بالسلّ ص291 والكبد الوبائي ص293 و423 و460 والرئتين ص413 والجلطة القلبية ص421 والسكري ص421 و462 والمالاريا الدماغية ص488 والأزمة القلبية في المغرب ص531 وآخر توفي لأمراض كثيرة كما جاء في الكتاب ص260 وغيره توفي في مستشفى الرابطة قسم الأمراض الجرثومية ص212، وكذلك من توفّوا جرّاء حوادث مرور ص176 و345 و348 والغريب أن أحد هؤلاء كان جنديا توفي في حادث سيارة وانتظمت له جنازة عسكرية ص376، هنالك صنف آخر من شهداء هذا الحزب الكاذب وهم الذين قتلوا أنفسهم فأحدهم رمى نفسه من أعلى سور بنزرت ص465 وآخر شرب كمية كبيرة من الأدوية ص467 وثالث شنق نفسه ص469 ورابع اختنق ص 472، وهنالك نوع آخر من الشهداء أحدهم سقط من نخلة ص405 وثان سقط من مبنى عال ص182 وثالث غرق في السودان ص493 أما الذين توفّوا في بيوتهم واعتبرهم العمدوني شهداء نتيجة القتل البطيء كما قال فمنهم من انقطع له عرق في الدماغ سنة 2003 وأجريت له عملية أولى وثانية وتوفي بعد ذلك بسنتين سنة 2005 ص435 ومنهم من خرج من السجن سنة 1989 وتوفي سنة 2005 ص355 وثالث خرج من السجن سنة 1997 وتوفي سنة 2004 ص359 ورابع خرج من السجن سنة 1997 ووقع له حادث شغل سنة 2010 وتوفي سنة 2011 ص363 والغريب حقا أن أحد شهداء الحركة حسب مقاييس العمدوني تاه في الصحراء هربا من التجنيد فأكلته الذئاب ص378. هذا التضخيم في الأعداد مقصود للحصول على التعويض المادي فعشرات الآلاف من منتسبي الحركة تم إدماجهم في الوظيفة العمومية كما أن عددا كبيرا منهم ظهرت عليه آثار الثراء المفاجئ للكميات المهولة من الأموال التي حصلوا عليها في شكل تعويض وهو ما أحدث خللا في الموازين المالية التي تحمّل تبعاتها المواطن في شكل غلاء أسعار وتفقير مستمرين.
3) تُوهم الحركة نفسها أن نتائج انتخابات 2011: "تعكس تجذر الحركة في وجدان الشعب التونسي والمصداقية العالية التي تحظى بها لدى شرائح اجتماعيّة واسعة" والحال أن نتائج أوّل انتخابات بعد أحداث 2011 إنما كانت انتخابات عوقب فيها النظام السابق بعد الحملة الشعواء التي شُنّت عليه داخليا وخارجيا ولم تكن لها أي دلالة محدّدة لا في خصوص النهضة ولا في غيرها من الأحزاب التي اندثرت جميعها أما النهضة فإنها لم تحافظ على الأصوات التي جمعتها فيها فمن بين مليون ونصف المليون صوت لم يتبقى لها سوى الثلث وهم المستفيدون من التعويضات والمنافع التي حصلوا عليها من حكم النهضة ويخشون زوالها بزواله، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى القول بأن الحركة متجذرة في وجدان الشعب التونسي فكذب مصمّت وهراء لأن الحركة نبت أجنبي في مرجعياته وفي انتماءاته الإيديولوجية وحتى التنظيمية فهي جزء من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يقول الغنوشي: "لم تكن الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس من ثمار جامع الزيتونة بل لم يكن للجامع دور يذكر في نشأتها كانت الحركة الإسلامية إلى حدّ كبير انعكاسا لأثر الفكر الإصلاحي في المشرق... واصطدمنا في المجتمع التقليدي بمشايخ جامع الزيتونة"(1) وهو اعتراف بأن الحركة لا علاقة لها بتونس الأرض والتاريخ والجماعة وما يؤكد ذلك الغربة الكبيرة التي تعيشها حيث لا نجد لها حضورا في النخبة المثقفة وفي أي فرع من فروع الإبداع كل ما هنالك بعض الأسماء التي يقتصر دورها على التبرير أو إيجاد المسوغات كالادعاء بجدّ مشترك أو أن لها علاقة ما بصالح بن يوسف وغيرهما من الأكاذيب التي تنفيها الوقائع والدراسة، حركة النهضة نبت غريب لن يثمر في التربة التونسية وإن لوّثها فإلى حين.
4) جاء في البيان: "دعوتها مجدّدا إلى الترفّق بالتجربة الديمقراطية التونسية الوليدة.... والاستقرار السياسي" وهو كلام كان من المفروض أن تكون الحركة هي المبادرة به وتعطي المثال عليه فالترفق بالتجربة يستلزم المحافظة على التوازنات الهشة للحكم ففي فترة الباجي حثت الشاهد على الاستعصاء على من عيّنه بتعلة الاستقرار السياسي وفي الفترة الحالية أعادت نفس السيناريو مع المشيشي وفي كلتا الحالتين لا يعني الاستقرار السياسي لديها سوى تحقيق المزيد من المكاسب لأن المطالب بالاستقرار والصمت هو الآخر حليفا كان أو تابعا.
5) ادعت الحركة في بيانها هذا أنها تعرضت إلى: "المؤامرات المحلية والدولية التي استهدفتها على مرّ السنين" وهو أمر لا دليل لها عليه إذ يعلم الجميع أن هذه الحركة شاركت مشاركة فعلية في كل المؤامرات الدولية التي استهدفت بلدانا شقيقة وصديقة كسوريا وليبيا ومصر كما أنها منخرطة انخراطا كليا في المخطط الصهيوني سواء عن طريق العلاقات المباشرة مع الأيباك أو غير مباشرة من خلال فتح فرع للمؤسسة التي يرأسها عضو الكنيست السابق الصهيوني عزمي بشارة ولا يجب أن يغيب عن البال أن الحركة تمثل أحد أهم أضلاع الحلف التركي القطري.
إن المتأمل في حصيلة 40 سنة منذ تأسست هذه الحركة يلاحظ أنها في فترة السرية التي دامت 30 سنة وتخللتها فترات من العمل العلني حيث شاركت في الانتخابات ونشرت الجرائد وأمضت المواثيق فإن الحركة لم تترك سوى الذكر السيء لأنها لم تقتصر على مواجهة السلطة بل تجاوزت ذلك إلى التنكيل بالمواطنين من خلال التفجيرات والاعتداءات المنظمة التي طالتهم رشا بماء الفرق واحتجازا لعميد وإحراقا لمواطنين أبرياء واندساسا في الجيش للانقلاب على الشرعية أما في الفترة العلنية التي حكمت فيها طوال العشر سنوات الماضية فالحصيلة كارثية على الدولة التي قاربت التفكك والمالية العمومية التي أفلست والطبقة الوسطى التي اندثرت لم يعد لها وجود والصناعات المحلية التي انهارت بسبب إغراق السوق بالسلع التركية والمواطن الذي أصبح يقتات من المزابل في مشهد لم نعرفه منذ أن فتحت عيوننا في دولة الاستقلال.
وآخر قولنا: "لله الأمر من قبل ومن بعد" وأهلكهم بما فعلوا ويفعلون.
-------------
الهوامش
1) من تجربة الحركة الإسلامية في تونس" دار المجتهد للنشر والتوزيع، طبعة تونس الأولى 2011، ص41 و44.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: