أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3707
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعد خطاب رئيس الجمهورية في عيد المرأة 2017 المتعلق باقتراحه المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى وإلغاء المنشور 73 الذي يمنع زواج المسلمة من غير المسلم نشرت الجامعة الزيتونية بيانا باسم مجلس الجامعة وأساتذتها بتاريخ 17 أوت 2017 ضمنته مواقف سياسية من المبادرة حتى ليخيّل للمرء أنه بإزاء منشور حزبي وليس أكاديمي وبيان ذلك:
1) جاء في البيان أن المبادرة معارضة لأحكام الدستور وهو أمر غريب إذ لم نتعوّد من هذه المجموعة دفاعها عن الدستور لأنها لا تؤمن به أصلا ويذكر الجميع أنه بمناسبة كتابته أقامت الدنيا ولم تقعدها فيما يخص تطبيق الشريعة وحرية الضمير كما أنها صمتت صمتا مطبقا أيام منع الرعاع أداء صلاة الجمعة لمدة شهر كامل في جامع سيدي اللخمي بصفاقس في سابقة لم تعرفها البلاد الإسلامية على الإطلاق.
2) بالنسبة لأنصبة الورثاء الواردة في آية المواريث وإن كنت معترضا على تغييرها بشكل فجّ إلا أنني أجد من المخارج الشرعية ما يؤدي إلى الوفاء بالمبادرة الرئاسية دون أن نلمس النص القرآني وذلك بإعمال القاعدة الأصولية التي تنص على أنه يمكن لولي الأمر أن يوقف العمل بنصوص القرآن والسنة إذا تحقق أن مصلحة يمكن أن تفوت أو أن أسباب الحكم انتفت بمقتضى التطور، والأمثلة على ذلك متعدّدة من أشهرها أن عمر بن الخطاب أوقف إعطاء المؤلفة قلوبهم ما حدّد لهم الشارع في مصارف الزكاة ومن الجدير بالملاحظة أن إيقاف العمل بحكم لا يعني فسخه أو إلغاءه بل تعليق العمل به إلى أن تنتفي أسبابه، ففيما يخصّ الأنصبة حدِّدت في الآية بناء على أن نفقة الأنثى واجبة على عائلها كالأب أو الزوج أو الابن أو الأخ فهي على هذا الأساس معفيّة من الكثير من النفقات التي يتحملها من ذكر، أما اليوم فقد تغيّرت الأوضاع وخرجت المرأة للعمل وأصبحت مسؤولة عن نفسها في نفقاتها وفي غيرها من متطلبات الحياة فالسبب الذي لأجله ورد الحكم تغيّر، لذا تقتضي الحكمة إيقاف العمل بالحكم لانتفاء سببه فتصبح آية المواريث شبيهة بآية الزكاة أبطل العمل بالحكم الوارد فيها مع التعبد بها وهو أمر يجيزه الشرع، قال الإمام الطوفي: "أما المعاملات ونحوها فالمتبع فيها مصلحة الناس كما تقرّر، فالمصلحة وباقي أدلة الشرع إمّا أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا فبها ونعمت.... وإن اختلفا فإن أمكن الجمع فاجمع بينهما... وإن تعذر الجمع بينهما قُدِّمت المصلحة على غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار" وهو خاص في نفي الضرر المستلزم لرعاية المصلحة فيجب تقديمه ولأن المصلحة هي المقصودة من سياسة المكلفين بإثبات الأحكام وباقي الأدلة كالوسائل والمقاصد واجبة التقديم على الوسائل... ولا يقال إن الشرع أعلم بمصالحهم فلتؤخذ من أدلته لأنا قد قررنا أن رعاية المصلحة من أدلة الشرع وهي أقواها وأخصّها فلنقدمها في تحصيل المصالح"(1) هكذا يتبين أن الذين يدعون إلى الجمود الحرفي عند أحكام انتفت أسبابها إنما يصدرون عن تخشب حاربه الأسلاف لأنه معيق لديمومة الحياة وتطورها، قال الزرقاني (ت 1710م) في شرحه لموطأ الإمام مالك: "ولا غرو في تبعية الأحكام للأحوال"(2) وبعده بقرنين قال جمال الدين الأفغاني "وتتبدل الأحكام بتبدّل الزمان"(3) الأمر الذي يعني أن ما جاء في بيان ما سمي الجامعة الزيتونية مناقض تماما للمقاصد العليا للشرع ولا يعدو أن يكون تبريرا لموقف سياسي.
3) ذهب البيان إلى القول بأن زواج المسلمة من غير المسلم ممّا انعقد الإجماع على تحريمه وقد سبق لي أن بيّنت فساد هذا الإجماع وعدم استناده إلى أي دليل شرعي وذكرت أن ما أثر عن الرسول (ص) يدل على أنه لم يفرّق بين المسلمة وزوجها المشرك وذلك في جريدة الصريح بتاريخ 22 أوت 2017، ثم يضيف صاحب البيان قوله عن هذا التحريم بأنه "حكم استقرت عليه الفتاوى في بلادنا قديما وحديثا" والذي أعلمه أن الموقف الوحيد المنشور في المسألة هو للشيخ محمد المنستيري جوابا عن سؤال نور الدين بن محمود عن الموقف من زواج أخت الملك فاروق من شاب قبطي نشرت في جريدة الأسبوع العدد 211 لسنة 1950(4) والمتأمل في هذا النص يلاحظ أنه ينسخ ما قال سابقوه في الموضوع حيث يظهر إجماع الأمة على موقف ولكن بدون دليل شرعي.
4) أوصى أصحاب البيان باستشارة ذوي التخصص الشرعي الجامعة الزيتونية والمجلس الإسلامي الأعلى ووزارة الشؤون الدينية ودار الإفتاء، وفي هذه النقطة بالذات يتجاوز أصحاب البيان حدود ما تقتضي وظائفهم فهم مدرسون وليس من مهامهم كهيكل التدخل فيما لا علاقة لهم به ولا دعوة السلطة إلى استشارة أي كان فللدولة مستشارها الديني الذي هو الشيخ المفتي تستشيره متى رأت في ذلك مصلحة أما باقي الأجهزة فقد ضبط لها القانون مهامها ولا مجال للخلط بينها تحت ستار التشريع أو التخصّص وهو تخصّص مشكوك فيه ولا تجد له أثرا على مستوى الكتابة والنشر ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت إن الأطاريح التي تجيزها هذه الجامعة لا تنشر وما نشر منها يعدّ على الأصابع ولا يترك أثرا في حياتنا الثقافية رغم أن هذا الهيكل يقيم الدنيا ولا يقعدها كلما كان هنالك خطب سياسي.
-----------------
الهوامش
1) "المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي" مصطفى زيد، دار الفكر العربي القاهرة 1945، نص رسالة الطوفي ص46 و48.
2) " العقيدة والشريعة في الإسلام" لجولد تسيهر، دار الكتاب المصري 1946، ص228.
3) خاطرات جمال الدين الافغاني، دار الحقيقة، ط2، بيروت 1980، ص165.
4) نقلا عن أطروحة مخطوطة للأستاذ محمد السويسي عن "الفتاوى التونسية في القرن الرابع عشر الهجري" ج2 ص805 وما بعدها، الفتوى رقم 322.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: