أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4361
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قبل فترة تعرض صاحب هذا الموقع الزميل فوزي مسعود إلى مضايقات قضائية تحت مسميات كثيرة ، طبعا هذا ليس جديدا في الدول العربية التي تحاكم و تعادى الفكر الحر ، الجديد أن الزميل لا يزال رابضا في نفس مواقعه الفكرية و لا يزال ينتظر سقوط الرقيب القضائي بعد أن زال الرقيب السياسي بعض الشيء ، و مهما اختلفنا بشدة مع بعض أراء الزميل فوزي فقد وقفنا دائما مع حرية التعبير من ناحية المبدأ اعتقادا أنه لا يستقيم الحال بتكميم الأفواه و مصادرة الرأي ، و مع اقتناعنا اليوم أن السلطة الحاكمة لا تزال على نفس ‘مواقفها’ من حرية التعبير فانه لا بد من مواجهة هذا التعنت القبيح بمواصلة النضال ضد كل الذين يمتهنون سلطة الصنصرة و الرقابة على الفكر و الإبداع تحت داع ضرورات الأمن الاجتماعي و القومي في بعض الأحيان ، نقول هذا بمناسبة إحالة رئيس تحرير أسبوعية ‘ الثورة نيوز’ على الحاكم العسكري أو ما سمي بالمحكمة العسكرية بتهمة نشر أخبار كاذبة تخص صفقات سلاح فاسدة ، طبعا هذه التهمة ملفقة و المعلومة ثابتة و الصحيفة قدمت الدليل و كان بالإمكان اعتبار المقال من باب الإخبار للنيابة العمومية و الاكتفاء بفتح تحقيق في الغرض و بعده يرتب على الشيء مقتضاه .
لنتفق أولا أن هناك قانون للصحافة و هو المرسوم 115 و 116 و هو الذي ينظم العلاقة بين الخبر و المتلقي بمعنى أن الجريدة حرة في نقل الخبر و المتلقي حر في تصديقه أو لا تصديقه ، المرسوم أيضا يطالب الجريدة باحترام نواميس و ضوابط المهنة بمعنى أن يتم صياغة المقال و الخبر صياغة مهنية بعيدة عن الشوائب بما فيها من ثلب أو تلفيق أو رغبة في بث خطاب الكراهية و التحريض على العنف إلى غير ذلك من الثوابت المهنية المعلنة ، و يأتي السؤال ، هل يمكن اعتبار إعداد مقال حول شبهة صفقة سلاح فاسدة مدعم ببعض الأدلة و القرائن المتضافرة تعديا على ‘الذات الملكية العسكرية ‘ و هل من واجب الصحفي أن يلتزم الصمت حيال شبهة فساد في المؤسسة العسكرية و هل يقلل هذا المقال من هيبة هذه المؤسسة القوية التي تواجه الإرهاب ، طبعا الجواب بالنفي ، و إحالة مدير التحرير على القضاء العسكري هو إهانة للإعلام و لحرية التعبير و حق المواطن في المعلومة و هي حقوق دستورية تتفوق على هيبة المؤسسة العسكرية بأشواط كاملة .
لقد قيل الكثير حول هذه الصحيفة و طالتها سهام مسمومة متنوعة و لعل إحالة رئيس التحرير على القضاء العسكري هو ‘باكورة’ الضغط الرئاسي و ضغط الرباعي المتمثل في السادة عبد الستار بن موسى و شوقي الطبيب و نقيب الصحفيين ناجى البغورى إضافة إلى رئيس جمعية مديري الصحف الطيب الزهار الذي وصف الصحيفة في بيان شهير بصحيفة المجارى و هو وصف حقير لا يمكن أن يصدر عن مثل هذه الشخصيات المفترض أن تكون مثقفة و مقتصدة في عبارات القدح و الثلب و الضرب تحت الحزام ، أيضا يجب التنويه بأنه بصرف النظر عن السيد العميد عبد الستار بن موسى فان الصحيفة قد تعرضت إلى ملفات رشوة و فساد و خيانة أمانة ضد بقية الموقعين على هذا البيان الهابط ليبرز السؤال لماذا لم يتجه هؤلاء إلى القضاء بدل رئاسة الحكومة في عهد السيد الحبيب الصيد و رئاسة الدولة ، فأين خطاب ‘ترسيخ الديمقراطية’ أو خطاب ‘ حرية الإعلام و التعبير ‘ أو خطاب ‘ تفعيل المؤسسات الرقابية و مقاومة الفساد ‘ الذي يقدمه هؤلاء يوميا للعموم ، و هل أن هؤلاء على رأسهم ريشة كما يقال حتى لا يتم إخضاعهم للمحاسبة و التشهير و النقد و كشف العورات .
لقد قلنا دائما أن الصحافة المشاغبة و غير المحايدة و التي عليها شبهات ميول لهذه الجهة أو تلك هي مظهر صحي في عالم الصحافة أحببنا أم كرهنا ، و الأنظمة الغربية فيها من الصحف الخارجة عن الصف الكثير غير أنها تتعامل معها بالرد المهني القائم على مواجهة المقالات المغرضة أو الخاطئة بالأدلة و البراهين ، لذلك فان إحالة رئيس التحرير و إيداعه السجن من طرف القضاء العسكري يزيد في صورة الحريات الصحفية قتامة أكثر مما هي عليه و يوصل رسالة للمتابعين بأن المؤسسة العسكرية تحاول بكل الطرق إخفاء الحقيقة بما يترك مساحة كبيرة للإشاعات و نصب الكمائن السياسية بين الأحزاب و المتراهنين على فشل هذه المؤسسة في مقاومة الإرهاب التكفيري ، غير أنه من المثير أن نلاحظ اليوم بغضب و استنكار صمت دكاكين حقوق الإنسان و المدافعين عن حرية التعبير و عن هيبة الدولة سواء في ما يتعلق بهذه الحادثة أو بحادثة الاعتداء على معتمد السيجومى و هو ما يؤكد مرة أخرى وجود معايير و مكاييل مختلفة لدى هذه الألسنة المشبوهة التي طالما تحدث البعض عن تبعيتها للسفارات الأجنبية و تنفيذيها لأجندات تخريب للسلم الاجتماعية في البلدان العربية .
لقد جربت تونس سياسة تكميم الأفواه و حصدنا ما يحصل اليوم من إرهاب و قتل على الهوية و تخريب و اعتداء على الدين و المقدسات باسم نصرة الإسلام و جربنا الاعتقال و التعذيب و نحصد اليوم أعدادا كثيرة من الناقمين و الحاقدين ، فالاعتقالات لا تزيد إلا من ارتفاع منسوب الخوف و الإحباط و صحافة محبطة لا يعول عليها ، الممارسات التي تحدث اليوم قبيحة و ذميمة بكل المعايير و مكافحة الفساد لا يكون بإلقاء المشهرين بالفساد في السجون ، هذا اليوم من أيام الحزن في تاريخ الديمقراطية التونسية الناشئة لان ‘بناء’ صحيفة ليس أمرا سهلا و نسفها ليس أمرا مقبولا ، لذلك نشعر بالإحباط لكثرة ما سقطت فيه المؤسسة القضائية المدنية و العسكرية من أخطاء سواء في معالجتها لملفات الشهداء و الجرحى أو ملفات التحقيق و الإسراع بمحاكمة الإرهابيين ، نشعر بطعنة و بخيانة للثورة من هؤلاء المؤتمنين عليها و عندما يسقط القضاء كما هو حاصل منذ فترة فعلينا المسارعة بتقبل العزاء في هذه الديمقراطية الناشئة...عليه العوض و منه العوض .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: