أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5111
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يحار المتابع أحيانا كيف يرد على بعض الكتابات و يحار كيف يتحدث بلغة المنطق مع مقالات غير المنطق، تعالوا معي لنفهم ما يعنى البعض اليوم بمفهوم ‘ المنظومة القديمة ‘ ، و من هي ‘ المنظومة الجديدة ‘ و لماذا ينتقد البعض المنظومة القديمة و من هؤلاء الذين يعطون لأنفسهم الحق في انتقاد هذه المنظومة القديمة و هل عادت المنظومة القديمة و ما الضرر من عودتها ... من متابعتي لجملة القراءات السياسية يعنى البعض بالمنظومة القديمة عودة نظام بن على بما فيه من فساد العائلة و فساد الحاكم و فساد القضاء و فساد الإعلام يضاف إلى ذلك طبعا المنظومة الأمنية التي كانت تحمى النظام و تمثل للجميع العصا القوية في مواجهة ما يسمى نفاقا بالمعارضة، يعلم الجميع اليوم أنها كانت معارضة السفارات و المخابرات الأجنبية أو ما يسمى بمعارضة الصالونات .
كان النظام السابق فاسدا هذا ليس سرا و لكن المعارضة كانت فاسدة أيضا على الأقل في كثير من الشخصيات المعروفة بعلاقتها بالمخابرات و السفارات الأجنبية، إثبات علاقة البعض بالمخابرات و السفارات لم يعد مهما بعد أن كشفت عديد الصحف الأجنبية و التونسية هذه العلاقات الآثمة و من يقف وراء هذه المعارضة، حركة النهضة لم تكن تمثل معارضة بالمعنى السياسي و الموضوعي للمصطلح لأنها ببساطة شديدة حركة لا تنتمي أساسا للمشروع الحضاري التونسي و لا لنمط العيش الذي اختارته الأغلبية بل لنقل بمنتهى الوضوح و الصراحة أن خطاب مرشد الإخوان السيد راشد الغنوشى في افتتاح مؤتمر الحركة العاشر يعتبر أول ‘اعتراف’ رسمي بمفهوم الدولة الحديثة و بحق المجتمع التونسي في أن يكون له نمط عيش مستقبل و بعيد عن أطروحات الإخوان، و ‘ المعارضة’ في مفهوم حركة النهضة هي قلب نظام الحكم بالقوة المادية و المعنوية المتمثلة في الجناح المسلح للحركة و في الجناح الدعوى التكفيري المتزمت المنثور في كل دور العبادة .
بهذا المفهوم كانت النهضة تمثل أيضا ‘ المنظومة القديمة ‘ في حركة الإخوان و في المشهد السياسي التونسي، منظومة قروسطية بنيت على الفكر المتطرف و النفاق و بث الفوضى و إرباك مفهوم الدولة المعاصرة و العمل على هدم الاقتصاد بالتعرض للسياحة و التعامل الاقتصادي الحر، منظومة تؤمن بالعنف كوسيلة للوصول إلى انتزاع الحكم متجاهلة أن هذه الحرب الضروس بين منظومة الاستبداد و منظومة الفكر التكفيري سيكون الشعب حطبها و أول ضحاياها رغم أنها حرب دامية لا تهمه و حرب على الكراسي و المشاريع البعيدة كل البعد عن المصالح العليا للشعب المطحون بداء الاستبداد و داء الفكر المتطرف ، لذلك كان مفهوما أن لا تشارك حركة النهضة في الثورة لإسقاط المنظومة القديمة لأنها كانت تخشى فعلا مطالبات المتظاهرين بالحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و القضاء على الرشوة و محاسبة الفساد، مفاهيم لا نجد لها أثرا في الفكر المتطرف الذي بنت عليه الحركة ما سمته بمشروعها السياسي للحكم .
لقد دفع الشعب المظلوم من دمه و عرقه و مستقبله ثمن كل أخطاء حركة النهضة، فالأغلبية الشعبية لم تكن مع هذا المشروع و لا مع مضامينه التكفيرية المظلمة بل كانت في تناقض معه تمام التناقض و ترفض أن يحكم الإسلام السياسي بمفهومه المتأخر هذا العقل التونسي المنفتح على كل الحضارات، كانت الأغلبية مع التغيير لكن المقصود لم يكن تغيير نظام بن على أو منظومته الفاسدة بنظام الإخوان أو منظومتهم المتعفنة بل كان المقصود هو تغيير كامل المنظومة الفاسدة بإحلال مؤسسات الرقابة و القضاء و الإعلام النزيه الضمانات الوحيدة التي يراها الشعب قادرة على دفع تونس إلى مرتبة مدنية متقدمة تستحقها و تحتاجها بعد سنوات الجمر الذي قضاها بين فكر النظام الواحد المستبد و فكر الإخوان الغارق في الظلام، لذلك نؤكد مرة أخرى أن حركة النهضة لم تكن في وارد محاسبة النظام القديم أو تغيير الوضع نحو الأحسن بعد توليها الحكم اثر الثورة بل سعت جهدها لترسيخ ‘ ثقافة ‘ أكثر شمولية و استبدادا فضلا عن رغبتها الجامعة في الإسراع بضرب مؤسسات الدولة الجمهورية من أمن و قضاء و جيش و مخابرات في تصرف لئيم يؤكد مدى كراهية الإخوان للنمط المجتمعي الوسطى التونسي و انخراطهم في نمط تكفيري مضر تبينت ارتداداته اليوم فيما يحصل من حرب إرهابية معلنة ضد الدولة .
إن تبرأ الإخوان من ‘ المنظومة القديمة ‘ و تبرأ البعض أيضا من معارضي السفارات من هذه المنظومة القديمة هو تكتيك سياسي للإيحاء بوجود فارق بين هؤلاء و بين المنظومة الاستبدادية القديمة لكن الجميع يكتشفون اليوم خاصة بعد حكم النهضة المدمر للبلاد و العباد و تعرى عديد الحقائق المذهلة و المرعبة التي كشفتها وثائق ويكيليكس و وثائق بنما و بعض الكتابات و المقالات الأكاديمية الجادة فضلا لما ثبت من وجود علاقة الحركة بتمويل الإرهاب و مدى تجذر علاقتها المشبوهة بحركة الإخوان العالمية أن ‘ منظومة الإخوان المسلمين’ لم تكن يوما منظومة صالحة للحكم أو لمعالجة قضايا الأوطان العربية بل هي منظومة شديدة التزمت و الانغلاق ترفض وجود علاقة عادية بينها و بين المبادئ الكونية الثابتة المتمثلة في الديمقراطية و حقوق المرأة و حقوق الإنسان و الحق في التفكير و الحياة، و لعل المؤتمر الأخير للحركة قد كشف زيف قناع الحركة و مدى تورطها في قلب الحقائق و تزوير التاريخ و ‘ الادعاء بالباطل’ كما كشف للجميع أن الحركة هي أيضا منظومة قديمة وعد مرشدها السيد راشد الغنوشى الجميع بمراجعتها و التخلي عن كثير من أفكارها الفاسدة .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: