أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4590
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تقول حركة النهضة أنها لم تشارك في الثورة و كذلك تقول بقية الأحزاب الكرتونية التي صنعها بن على و كانت وكالة الاتصال الخارجي تمولها بما فيها حزب السيد نجيب الشابى الذي يقدم نفسه بصفته أكبر معارض لبن على، الوحيد الذي كان في زنزانة الرئيس السابق يوم 13 جانفى 2011 و في قبو وزارة الداخلية بالذات هو السيد حمة الهمامى،و بعض مساجين السياسة من الدرجة العاشرة، إذن، بإجماع كل الأحزاب أنها لم تشارك في الثورة، و بعملية جرد بسيطة للمشهد السياسي عشية سقوط الرئيس السابق نتأكد أن ‘ التجمع ‘ هو من قام بالثورة ضد بن على و أن كل تلك الملايين التي عمت شوارع و ساحات كل المدن التونسية هي ملايين المنتسبين السابقين لحزب التجمع، فالرئيس السابق كان يحكم بحزب التجمع و التجمع كان يحكم الشعب بعصا الخوف من رئيس التجمع، المنطقي إذن أن تلك الملايين التي كانت تنتمي لهذا الحزب الواحد لم تنشق الأرض لتبتلعها بل كانت جزءا من الخروج عن النظام نتيجة شعورها بالإحباط من سياسة الرئيس و وصولها إلى زقاق مسدود أو لعدم حصولها على المنافع المرجوة .
منذ ساعات تطايرت العبارات الجارحة من أفواه البعض في مؤسسة التلفزيون التونسي ضد من أسموهم أزلام التجمع و أزلام النظام السابق أو ما عرف اصطلاحا بإعلام العار، طبعا هناك خوف من عودة التجمع تحت يافطات أخرى كثيرة، ملايين رؤوس الأموال و تجار التهريب جاهزة لتمويل هذه العودة المنتظرة سواء بالقيام بحملات علاقات عامة مع بعض الشخصيات التي تحكم البلاد و تخضع لاملاءات الخارج مثل حزب الوطني الحر و نداء تونس و حركة النهضة على وجه الخصوص، و بعد أن بدأت السيد نبيل القروي حملات تبييض التجمع تمهيدا لعودة رموزه السابقين لاحتلال الشاشات الممولة و الجاهزة لإطلاق حملات جاهزة و مدروسة بإمكانها أن تفرض حالة من ‘ التطبيع’ الذهني بين المواطن و فكرة عودة الرئيس السابق بدأت ماكينة ‘إعلام العار ‘ تشتغل من جديد تحت عناوين و يافطات مبتكرة، و في هذا الإطار يفهم انتقال السيد برهان بسيس من قناة ‘ العائلة’ إلى قناة ‘كلنا أولاد بن على ‘ عفوا أولاد تسعة، و تأتى الكاميرا الخفية ‘ ألو جدة ‘ لفضح المستور .
لا تصدقوا تماما كل الذين حضروا هذه الكاميرا الخفية و لا تتعجبوا، في الحقيقة يجب الإقرار بأن معز بن غربية قد نجح في انتزاع بعض التصريحات ‘المهمة’ من الضيوف تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن التجمع لم يضمحل في الهواء بل هو واقع سيظل ملازما لحياة التونسيين أحبو أم كرهوا و أن الرئيس السابق سيبقى يطارد من جدة هواجس كثيرا من السياسيين المرتبكين المتوجسين من عودته القريبة، و لعل هناك من لم يصدق تلك الدموع و الزفرات التي سقى بها البعض أستوديو التاسعة لمجرد إطلالة الرئيس، و لعل هناك من أوهم الناس بأن بن على لا يملك أتباعا أو مريدين لكن تبقى هناك حقيقة لا يجب نكرانها بأن حملة بن على قد أتت أكلها و كشفت أن الثورة لم تحقق أهم أهدافها و هي القضاء نهائيا على منظومة الحكم السابقة بل بالعكس ثبت اليوم لكل المتابعين أن عودة بن على قد أصبحت مسألة وقت لا غير .
كنت أتمنى أن يملك البعض في هذا الإعلام المتذبذب الشجاعة المهنية و الأدبية ليطرح مسألة عودة بن على على بساط النقاش، الأمر يحتاج إلى ترتيبات جدية معينة و إلى حضور من يمثل الشق المعارض و الموافق و أن يشمل التمثيل شخصيات معينة بإمكانها طرح هذا الموضوع دون تشنج و بكثير من العقلانية الجدلية حتى يفهم المتابع حقيقة ما حدث طيلة 23 سنة من حكم الرئيس السابق، و بعد أن اختلط الحابل بالنابل بعد الثورة لا بد من عملية فرز دقيقة لكل الذين ظلموا و تعرضوا للمظالم و من بين هؤلاء جميع الذين ركبوا التاريخ المزور للثورة لتقديم أنفسهم بكونهم من ضحايا بن على مع أن اغلبهم كانوا من أتباعه و من المشاركين و لو بالصمت في منسوب الاستبداد و التسلط و الفساد ، و لكن صرحاء فان من حمل مشروعا ذاتيا للتخلص من النظام السابق مثل قيادة حركة النهضة لا يدخل في خانة المظلومين بل أن الأمر يعنى كل الذين وقفوا ضد بن على في الحوض المنجمى و كل الذين تعرضوا للمظلمة بسبب كتاباتهم أو مواقفهم الثابتة و بطبيعة الحال كل الذين سلبت أعراضهم أو ممتلكاتهم أو أموالهم من طرف عائلة النظام إلى غير ذلك من المظلومين الذين دمرت حياتهم بسبب مواقفهم المبدئية الإنسانية الرافضة للتسلط أو للتغول البوليسي .
نحن ندرك أن عودة بن على ‘ الفعلية’ لن تحصل مهما حاول البعض تجميل الصورة بكل مساحيق التضليل و ندرك أن هذا الشعب لن يدجن مرة أخرى لكن من المهم التأكيد على أن الذين يرفضون عودة بن على يساهمون عن قصد أو بدونه في ارتفاع منسوب ‘ شعبيته’ المنهارة من الأساس و يطيلون في حلقات هذا المسلسل الكريه بدون مبرر لان تونس لن تقاد مرة أخرى بنظام الحزب و العقل و اليد السلطوية الواحدة فضلا عن أن الذي تعود طيلة 23 سنة على قيادة هذا الشعب بعصا الاستبداد لن يتحول في لحظة معينة إلى كيان ديمقراطي، كلمة لهؤلاء الذين شاركوا في حلقات ألو جدة و كشفوا عن وجوه منافقة كثيرة بأن هذا الشعب قد فهم كل قواعد اللعبة بحيث أثبت في ثورته التي فاجأت هؤلاء السياسيين ماد إن تايوان بأنه قادر على تغيير مسار التاريخ و أن بعض المنافقين الذين نفخوا صدورهم مثل سامية عبو و منصف بن سعيد و منذر بلحاج على و لزهر العكرمى كانت أصواتهم خافتة زمن الجمر و لن يفلحوا اليوم في ركوب حافلة ألو جدة لاكتساب عذرية سياسية طالما لطخوها في السفارات الأجنبية و في ‘ مواقع’ أخرى نستحي من ذكرها .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: