أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4629
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حضر من حضر و غاب من غاب و تنكر من تنكر و تزلف من تزلف و شمت من شمت، ذرفوا الدموع الحارة و فيهم من ذرف دموع التماسيح، وقفوا في الصفوف الأولى لتقديم واجب العزاء، ‘قدموا’ وجوههم المنافقة للإعلام لقول بعض الكلمات الزائفة في وفاة الشاعر الصغير أولاد أحمد رحمه الله، تحصلوا على الصورة للذكرى و من باب تسجيل الحضور، لم يتفطن بعض هؤلاء أنه السابق و هم اللاحقون و أن النفاق ليست الجنازات و لا المقابر مكانه لكنهم تعودوا و ما بالطبع لا يتغير، كثير من هؤلاء يكره المرحوم كره العمى و كثير منهم كان يطالب بتكفيره و إعدامه في الساحات العامة، كثير من هؤلاء المنافقين الذين حضروا الجنازة كانوا من أشد أعداء المرحوم فكريا و كان حضورهم بمثابة الرغبة في التأكد من رحيل المرحوم الذي طالما تحدث عن نفاقهم و عن خيانتهم للوطن، هؤلاء جاؤوا ليس من باب أداء الواجب و من باب التسامح مع أنفسهم قبل التسامح مع الغير بل جاؤوا للتعبير بلغة الواثق ها نحن ما زلنا هنا و أنت قد رحلت أيها الشاعر الكافر الزنديق .
لقد وقف الشاعر المرحوم ضد الظلم و ضد الجهل و ضد الإسلام المزيف و ضد الخونة أعداء الوطن الذين حكموا بالاستبداد حينا و باستعمال الدين حينا آخر، لا أحد من هذه الأنظمة السابقة كان يحب الشاعر و لا أحد من هذه الأنظمة الفاسدة كان الشاعر يحبها، فقط كان أولاد أحمد مهووسا بحب عذري صادق لهذا الوطن لكن كان هناك حمقى يعشقون المال و السلطة و الخلافة و الدين الزائف ، هؤلاء من أقاموا الجنازات للشاعر قبل وفاته و من رشوه بالدم كما يقال، من المفارقات أن النظام و الإخوان هم أعداء الصغير أولاد احمد ، تحالف الشيطانين كاره للشاعر لأنه كشف مستور نظام الاستبداد باسم الحزب الواحد و كشف مستور نظام الاستبداد باسم الدين، لا أحد في حركة النهضة رأى في الشاعر صورة المبدع الرافض للكهنوت و لا أحد من هؤلاء الإخوان الذين ركبوا حمار الثورة القصير رأى في أولاد أحمد الثائر الرافض لكل السائد من الخطاب الديني الفاسد و التحريض المذهبي المنكر، فقط أساءوا إليه و طعنوه في شرفه الشعري لأنه خالف طريقهم المظلم و مشروعهم البائس و خططهم الجهنمية الدموية .
هؤلاء الذين حضروا في المقبرة فيهم من لا يعرف الشعر و لم ينطقه يوما غى حياته خوفا من سلطة المرشد العام للإخوان، و فيهم من لا يحب هذا الوطن كما أحبه الفقير المرحوم الصغير أولاد احمد و فيهم من يقف مع الإرهاب و مع مشروع دولة الخلافة، و هؤلاء طالما نقبوا في أدبياتهم القذرة عن معرة أو نكسة أخلاقية ليهاجموا الراحل طمعا في إسكاته تماما كما أسكتوا صوت الشهيد شكري بلعيد و الحاج محمد البراهمى، أليس هؤلاء من أطلقوا على الزعيم شكري بلعيد أنه تبول على القرآن فإذا رياح فتنة الشيخ المجرم خالد العبد الله على قناة ‘ الناس’ تشيع هذه الشائعة الكاذبة ليصبح الرجل مشروعا للاستهداف و القتل من الجماعات التكفيرية الإرهابية التي ‘ حكمت’ المشهد السياسي طيلة 3 سنوات و نيف من حكم الإخوان الفاسد المدمر لكل القيم الإنسانية و الحضارية .
عجبي أن يتكلم الإخوان اليوم عن الديمقراطية و محاسنها و عن حرية التعبير كمقصد سعوا إليه طيلة سنوات ما تحت الأرض لا ندرى كيف، عجبي أن يمدح الإخوان الإعلام و الدستور و الانتخابات و حرية المرأة و حرية المعتقد و حرية الضمير مع أن الشيخ حسن البنا و الشيخ قطب رحمهما الله قد كفروا بهذه المسلمات الحضارية و كفرا من ‘يعتنقها ‘ في بلاد العرب، و عجبي أن يعجب الإخوان بالشعر و هم لا ينطقون إلا بلغة القتل و الويل و الثبور، عجبي أن يتحول هؤلاء من النقيض إلى النقيض في بضعة سنوات و فيهم من يعزو ذلك إلى ‘ المراجعات’ و ضرورة التغيير و التغير مع الواقع، عجبي أن يترحموا على الشاعر أولاد احمد و هم قد رفضوا الرحمة على مؤسس تونس الحديثة الرئيس المرحوم الحبيب بورقيبة، عجبي أن نسمع من ‘ الشيخ ‘ محمد الهنتاتى رفضه القاطع للترحم على بشر مثله ذهب لملاقاة مولاه، عجبي أن هؤلاء الإخوان لا يخرجون للتنديد بموقف مثل هذا و تجدهم فى جنازة الشاعر يتحدثون عن الدنيا الفانية و عن التسامح و بقية أجزاء الاسطوانة المشروخة المكررة .
لقد نرك الشاعر للناس إرثا مميزا من الشعر و من المشاعر و من الحب و لم يترك إرثا من الكراهية و لغة التكفير و الانقسام، كان صادقا في حبه لهذا الوطن حبا على مدار الساعة و ليس حب المناسبات كما هو في ذهن الإخوان و بعض تجار السياسة الآفلين، رحل الرجل دون أن نفيه حقه من التبجيل و التكريم و لن نصدق أغلب الذين رثوه و عاهدوه على الاستمرار في نفس نهج حب الوطن، لقد رأينا كيف تناسب الجبهة زعيمها الشهيد شكري بلعيد في مقبرة الزعماء و تلهت بالحروب البينية،لن تصدق هذه الحكومة الفاشلة و لا وزيرة ثقافتها المتلهية بالاجتماعات و القشور، لن نصدق هذا المجتمع المدني الذي يرفض الثقافة و يكره المبدعين، لن نصدق هذا السرك الزائف الحاضر في الجنازة و لن نصدق التلفزيون الرسمي في مرثيته الحزينة و لا هذه التمثيلية الرخيصة لهؤلاء المهتمين بالشأن العام ، فقط، عاش الشاعر راغبا في عنقود من العنب بعد وفاته زرعوا مزرعة عنب ، هذه حال الدولة البائسة مع المبدع و حال المبدع مع الدولة المفلسة .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: