أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4196
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
المواطن التونسي بات شخصية مركبة شديدة التعقيد، هذا واضح من السلوكيات في الشارع و في الإدارة و في كل المواقع بصورة عامة، فأنت تستمع إليه في المسائل الدينية تحار في قدرته على ‘التعامل’ مع كبار القضايا و المسائل الدينية، و أنت تجلس معه في إحدى الحانات تحار في ‘انتقاله’ المفاجئ من جبة المتصوف قبل قليل إلى جبة الإنسان المقبل على الحياة على معنى ‘ اليوم خمر و غد أمر ‘، هذا غيض من فيض من سلوكيات و قدرة هذا التونسي المتهم بقيادة ثورة نالت إعجاب العالم مع أن كل ‘الأبحاث’ و الدلائل المتضافرة تدفع إلى الاعتقاد بأنه بريء من الثورة و من 17 ديسمبر و من 14 جانفى، و لعل هذا المواطن نفسه هو أول من تنكر للثورة و من شكك فيها و من تنصل من بنوتها و من نسبها، و اليوم، يجد المتابع صعوبة في ربط الثورة بالمواطن و ربط المواطن بالثورة، فالثورة أصبحت معرة، و المواطن أصبح يتقى الثورة من باب درء الشبهات .
أين ذهب الملايين الذين كانوا يصفقون و يهتفون بحياة بن على ؟ من كان يخرج للهتاف باسم بن على ؟ كيف تحولت هذه الملايين فجأة و بلا مقدمات من ‘تجمع’ إلى ثوار ؟ من قام بالثورة ؟ الأحزاب نفت، الطبقات المثقفة نفت، الإسلاميون نفوا بشدة، من قام بالثورة إذا ؟ لم يبق في البلاد إلا هذا الشعب ‘ التجمع’ الذي قفز في لحظة معينة من هذا الكتف إلى هذا الكتف، مقابل ماذا ؟ مقابل كسكروت تن و قنينة كوكا كالعادة عند ‘التجمع ‘ أم مقابل حلم بمستقبل تبين مع الوقت أنه حلم مغشوش، لا هذا و لا ذاك، المسألة و ما فيها أن هذا الشعب ‘ العاطفي’ يميح مع الارياح كما يقال و بهذه المقاييس فهو شهال بدال، فهو الذي نادي بخبز و ماء و نويرة لا ثم عاد يترحم على أيامه و هو الذي نادي خبز و ماء و مزالى لا و عاد يترحم على أيامه و هو الذي نادي خبز و ماء و بورقيبة لا و عاد يخلد ذكراه و هــو الذي نادي خبــز و ماء و بن على لا و عاد يتنصل من هذه الثورة التي أطاحت بجبروته و سلطانه، فأي من هؤلاء هو الشعب التونسي ؟ .
صدقا، كل الشعوب تتلون في وقت ما أو في وقت الحاجة، و هناك شعوب تلونت بلون الاستعمار و قبلت بالذل و الهوان حتى جاء المنقذ، لكن أن يتحول التجمع إلى الشعلة الشعبية التي صنعت الثورة فهذا يستحق التمحيص و الدراسة و الاعتبار، لذلك لا تصدقون من يتنصل من ‘التجمع’ و من يريد إلباس نفسه لبوس الثورة بعد أن تلحف طيلة سنوات باللون البنفسجي، فالتجمع قد كان الفاتق الناطق في البلاد و الكل من حوله في فلك العبث السياسي يسبحون، فكيف يخرج هذا التجمعى من قشرته في لحظة معينة بعد أن عاش أكثر من خمسين سنة في نظام الفكرة و الحزب الواحد ليصنع ثورة على السائد ؟ يقال كشكل من أشكال التفسير و التحليل أن هناك أياد خفية قد حركت هذه الجموع لتخلق شكلا من أشكال التدافع الاجتماعي المتسرع بحيث يسقط النظام دون أن يقدر على فهم المتغيرات و من وراء المتغيرات، يقال أيضا أن التجمع قد كان مجرد واجهة كرتونية قابلة للسقوط بمجرد هبة بعض النسائم، لكن كيف لم يتفطن ‘التجمع’ و هو المتعود على الرقص على كل الحبال.
سنحتاج إلى عقدين لنفهم ما حصل في 14 جانفى 2010، و ستكشف كثير من الأوراق،و سيكون الشعب مع مواعيد متكررة ليفهم انه كان مجرد كومبارس في لعبة قذرة كبيرة صممتها قوى كبرى، فالذين يتحدثون عن دور المخابرات القطرية و التركية و دور محطة الجزيرة المشبوه ليسوا واهمين، و الذين رأوا القناصة بأم العين ليسوا كاذبين، و ما نقل من ‘محضر الجلسات’ في وزارة الداخلية ليلة السقوط و في ثكنة العوينة في علاقة ب’العائلة’ الحاكمة هو نزر قليل من الحقيقة،فما الذي تغير بين الساعات التي قضاها السيد محمد الغنوشى في رئاسة الدولة و بين تلك الانعطافة السريعة لإحدى فصول الدستور لتنصيب السيد فؤاد المبزع بدلا عنه، ثم كيف يتحول الجنرال سيك سالم من منقذ للبلاد من الفوضى إلى متهم مفترض بالاستيلاء على الحكم، و الأهم من ذلك، أين كان ‘ الإخوان’ و هم الذين رفضوا الاشتراك في قلب نظام بن على و من طلب من ‘ الإخوان’ هذا الصمت المريب، فهل لعبت المخابرات القطرية التركية لعبتها لتنصيب الإخوان و فتح المجال للإسلام السياسي بان يقتلع رقعة مهمة تصلح لإنشاء الخلافة في بلدان المغرب العربي، متى ستكشف حكايا الثورة، ثورة ‘ التجمع ‘ .
لقد قال الإخوان في لحظة غفوة شعبية أنها ثورة متدينة لكن الشعب اكتشف أنها ثورة سكيرة كذابة ، هذا لا يصدقه عقل لكن هذه هي الحقيقة، الإخوان لا يصنعون الثورات و فكر الإخوان رجعى و متحجر و متقلب و منافق و مخاتل و الثورات متحضرة نقية مرنة و ثابتة و صريحة، الإخوان شبكة انتهازية تتحايل حتى على نفسها فكيف لا تتحايل على التاريخ و الجغرافيا و على الثورات، الإخوان ظاهرها تدين صلب و باطنها تلاعب و استهتار و عربدة و نفاق ، في عرف الإخوان التدين يحرض على الكذب، الكذب في كل الأديان مرفوض إلا في ‘ دين’ الإخوان فهؤلاء يأتون الافتراءات تلو الافتراءات و يعملون على ترسيخها و تطبيقها تماما كما حدث ثلاثة سنوات و نصف من عمر هذه الثورة البائسة و حكم الإخوان، لقد مارسوا كل الافتراءات على الدين بلغة عنيفة لان العنف عند الإخوان طبع و طريقة حياة و ‘ إقناع’ لبقية الكفار و الطواغيت إلى ما هنالك من التسميات و المسميات التي يراد منها أن تجعل من الإخوان شعب الله المختار و بقية الخلق حثالة البشر ، و على يد هؤلاء رأينا كيف سقطت الثورة ذبيحة ملطخة بدماء الشهداء و على يد هؤلاء نهبت البلاد باسم الثورة و على يد هؤلاء جاء الإرهاب و الخطاب التكفيري باسم إحياء المساجد التي أغلقها ما سمي بالنظام البائد الذي كانوا جزءا منه .
ما أكثر المتظاهرين باسم الثورة بعد إن انتهت الثورة و هرب المخلوع، و سنحتاج إلى مدة من الزمن لنفهم ما حدث قبل و بعد الثورة، لنفهم مغزى ما كشفته وثائق بنما منذ أيام من مال حركة النهضة الفاسد، و سوف نعلم دور دول الجوار و دور فرنسا الاستعمارية و دور الموساد و دور المخابرات القطرية، سنفهم لماذا ‘صنعت’ حركة النهضة جهاز الأمن الموازى و لماذا دمرت جهاز أمن الدولة و لماذا كلفت حركة النهضة سهام بن سدرين بملفات رئاسة الجمهورية تحت شعار بائس قذر اسمه البحث عن الحقيقة و الكرامة، سنفهم لماذا سلم البغدادي المحمودى و من قبض الثمن، سنفهم لماذا أسقطت النهضة حكومة حمادي الجبالى، سنفهم دور السفارة التونسية في طرابلس في كثير من الأحداث و بالذات في العلاقة بين النهضة و بين جماعة الإرهاب في ليبيا و علاقة ذلك بالملف السوري، سنفهم طبعا دور حزبي المؤتمر و التكتل في إسقاط هيبة الدولة و هروب المستثمرين و حصول الاغتيالات السياسية و تعطيل المجلس التأسيسي لتمكين النهضة من التغلغل في مرافق البلاد العامة، سنفهم دور بعض وسائل الإعلام في التعتيم على اغتيالات الجيش و بالذات من ادعى موضوع الكنوز الشهير ، هذه بعض حكايا الثورة و الثوار و للحديث بقية .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: