أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3786
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
شرفني الصديق فوزي بتعليق يتناول بالنقد ما دونته في مقالتي الأخيرة ‘ الإخوان، الإرهاب و ما بينهما ‘، و أعيد القول مرة أخرى أن ما ‘ يزعجني ‘ حقا في تحليل الصديق فوزي و في جملة مقالاته عموما هو هذا الوقوف الفكري الدائم في نفس المحطة الفكرية و الإصرار على نفس الموقف و الانطلاق منه كحقيقة ثابتة لا تقبل الدحض سلبا أو إيجابا، و ربما يقول السيد فوزي أنه ينطلق في نقده و تحليله من قناعات راسخة لا تتزحزح و أنه بهذا الحال لا يمكن أن يغير مبادئه، هذا إن اعتبرنا أن الإصرار على تسليط الاتهامات الجزافية يدخل في باب المبادئ أو أن رمى الزعيم بورقيبة ببعض العبارات المزاجية يمكن وصفه بالتحليل و النقد الموضوعي، ثم من المهم التذكير أن السيد فوزي يتعامل في هذا الفضاء بصفته كاتبا و محللا و كان عليه من باب الموضوعية ‘المهنية’ أن يتعامل مع الرأي و نقيضه و يقدم الإرث البورقيبى بما له و ما عليه بلسان من عاشروا تلك الفترة و ليس بلسان من سمعوا عنها.
كحال البعض في الحركات الإسلامية، لا يخفى الرجل كراهيته لبورقيبة و لحكم بورقيبة، هذا منطقي و مفهوم من هؤلاء الذين ينطلقون من قناعة راسخة لا تتغير بكونهم هم الإسلام و هم من يمثلون قيم و تعاليم الإسلام و هم الحقيقة و الآخرون على خطأ، و لان بورقيبة يمثل الوجه الأخر للتحضر و الوسطية و الاعتدال فقد تناوب الجماعة على سلخه و تشويهه طيلة أكثر من نصف قرن، المثير في فكر ‘الجماعة’ أنهم لم يخصصوا مثل هذه المساحة الزمنية و الفكرية لا لنقد الفكر الصهيوني و لا لنقد الاستعمار الفرنسي و لا لطرح أفكارهم حول كيفية مواجهة التمدد التنصيرى و لا كيفية مواجهة تغول الفكر الامبريالي و لا كيفية الخروج من الوضع الاقتصادي و لا كيفية الأخذ بناصية العلوم و بقيت ‘أفكارهم’ في هذا الاتجاه خارجة عن سياق الزمن إن لم نقل مجرد أفكار مغلفة بكثير من الزئبقية و كثير من الكلام الفضفاض، المعيب أيضا أن هؤلاء قد عاشوا في المهجر في ظل الثقافة الفرنسية و لم نسمع صوتا ناقدا لهذه الثقافة و لا رافضا لهذه الإقامة و لا مصوبا على الحقبة الاستعمارية.
لا يتحدث هؤلاء عن بورقيبة كأحد أصحاب الفضل في استقلال تونس، و لا أحد يتحدث عن أن الاستعمار الفرنسي هو سبب تخلف تونس و بطيء نموها، فالتاريخ توقف عداده عند بورقيبة و انتهى عند بورقيبة و حتى فترة بن على هي مجرد فاصل في التاريخ كما يزعم هؤلاء، يزعم هؤلاء أن تونس لا تزال أرضا محتلة و أن هذا الاحتلال المفترض يفترض نشأة مقاومة مسلحة، تلاحظون أنهم ينطلقون دائما من فرضية مشوبة بكثير من التضليل لفرض حقيقة نهائية، و هم لا يؤمنون بالرأي المخالف و لا ينتظرون منا هذا الرأي فنحن في نظرهم مشروع قتل على الهوية و مستعمرون بلا قبعة و موالون لفرنسا أحببنا أم كرهنا و جاز مقاومتنا المقاومة المسلحة، بل أن السيد فوزي يستغرب كيف لم تنشأ هذه الحركة المسلحة ضد هذا ‘ الاستعمار’ المفترض و هو بذلك يسعى إلى تضليل المتابع لأنه يعلم علم اليقين أن ‘ الجماعة’ إياهم قد رفعوا السلاح و رفعوا شعار مواجهة النظام ( الاستعمار) و قسموا هذا الشعب إلى مسلمين و طواغيت منذ نشأة حركة النهضة و جناحها العسكري المعروف .
لم يكن المناضل لزهر الشرايطى جزءا من فكر الإخوان الذين قال عنهم مرشدهم أنه ليسوا إخوانا و لا مسلمين ( الشيخ حسن البنا ذات نفسه )، بل كان مناضلا تونسيا لحما و دما رفض بعض خيارات الزعيم بورقيبة و لم يكن يتزعم المقاومة المسلحة كما يريد و كما فعل الإخوان بل كان رافضا لفكر المجاهد الأكبر وهذا من حقه طبعا كمواطن و كمناضل، و لذلك فحشر الرجل هى محاولة توظيف تاريخية خاسرة، لكن كيف نفهم أن تونس يحكمها خونة و الحال أن غالبية قيادات الإسلام السياسي هم زوار دائمون للسفارة الفرنسية و يعيشون في فرنسا، بل هم يحكمون تونس اليوم بمشاركة ‘الخونة’ الذين انتخبهم الشعب في انتخابات نزيهة شفافة شهدت بها قناة الجزيرة و صفق لها أمير قطر و رحب بها رجب أوردغان و غازلها المعزول محمد مرسى، و من يصدق أن في النهضة صقورا و حمائم، معتدلين و رافضين ‘للاستعمار’ الفرنسي، و كيف لا نخلط بين الإخوان و الإرهاب و كل التحاليل و الدراسات تنطق بهذه الحقائق المرعبة، و كيف يتجرأ البعض على نفى هذا الأمر زاعما أن ‘الجماعات الإسلامية’ في باكستان و الإخوان المسلمين هي تمظهر لحالة رفض و الحال أنها قوات مسلحة ذات فكر متشدد متطرف ترفع السلاح و تعيش على أوهام دولة الخلافة و تحكم بغير شريعة الله و تقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق بل أن السيد فوزي يعتبر هذه الجرائم ضد الإنسانية مجرد تفصيل و تفاصيل .
نحن نعلم أن ‘ الانتماء’ لهذه الجماعات ينعكس غصبا على آراء السيد فوزي مسعود و تحليله و منهجيته، لذلك لن نطالب الرجل بأن يخضع ‘ حقائقه’ للمنهج النقدي بالسعي إلى تأكيدها أو نفيها بالبرهان و الحجة، و لن نطالبه بعدم الانطلاق من القوالب و القناعات الجاهزة عند محاولة كتابة و نقد التاريخ، و سنتركه يسقط كل الشوائب على حكم بورقيبة لعله يستريح من هواجسه السلبية، أو لعله سيسقط أو يلغى تاريخ بورقيبة بغثه و سمينه مثلما أخفت الملكة البريطانية فيكتوريا ذات يوم هولندا من الخريطة و قالت للمتابعين المنبهرين، هذا البلد لم يعد موجودا في هذه الخريطة و في هذا العالم، و سنترك الصديق فوزي يخلع رداء الأسطورة على فكر الإخوان و على فكر الجماعات الإسلامية مغطيا شجرة الحقيقة برداء الإرث البورقيبى في أبشع مظاهر تزييف الحقيقة التاريخية، لعله يكتشف يوما بعد فوات الأوان أن الحديث عن بورقيبة لا يمكن اختزاله في مجرد تجميع بعض ‘ المعلومات’ المغلوطة أو في عملية قص و لصق لبعض الأحداث الغير مترابطة لكن في تمحيص و دراسة الأحداث بشكل موضوعي لمحاولة الخروج منها برأي منطقي من خلال التناقض الذي تفرضه الحقيقة التاريخية . و يفرضه العقل المستنير.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
22-03-2016 / 10:11:34 فوزي
رد
الأستاذ احمد السلام عليكم، ما يلي رد على بعض ما كتبت في مقالك أعلاه:
- تلومني أنى لم اتزحزح في نقدي لبورقيبة، طيب ها إنك انت وعموم مساندي بور قيبة لا تتزحزحون عن موقع الدفاع عنه ولا تحاولون تغيير موقفكم منه رغم الواقع الذي يكشف ادواره الخطيرة في تأسيس مسار الالحاق بالغرب
- اذن المشكلة انكم معشر ضحايا بورقيبة لا تعملون العقول في مواقفكم المساندة، وعلى اية حال ذلك هو ديدن كل من شب ونما ووجد نفسه على موقف لا دور له فيه، لانهم ضحاياهم لم يختاروا موقف المساندة بطريقة مستقلة، وانما كبروا ووجدوا قطيعا كبيرا من الناس على حال فاتبعوهم
- بالنسبة لي عكس ضحايا بورقيبة، فإن مواقفي تقوم على اعمال العقل، ولذلك فاني مستقل انتقد كل الحركات الإسلامية: النهضة، التحرير، السلفية الجهادية، واكثر من هاجم ال سعود ممولو ورعاة ما اسميه الإسلام الوظيفي
- ثم إن نقد بورقيبة لا يجب ان يكون بمقابلات اطلاقية فضفاضة من نوع ان كل من هو ضد بورقيبة فهو اخواني، وان كل اخواني هو إرهابي، انا مثلا ضد بورقيبة ولست اخوانيا بل ضد الكثير من مواقف وسياسات الاخوان، والكثير ضد بورقيبة وليسوا اخوانيين، كالقوميين مثلا
- الحركة الإسلامية طيف متنوع وكلما مرّ الوقت كلما تنوع طيف الإسلاميين حد التناقض، فلا يعقل حين تناول صف الإسلاميين اخذ بعضهم بجريرة بعضهم الاخر والحال انهم هم انفسهم ضد بعضهم، كأن تقول لي ان بعض النهضة مرتدادو سفارات، هذه أمور انا والعديد غيري من ابناء النهضة والصف الإسلامي عموما ضدها، وانا الذي كتبت فيها ناقدا لها من قبل ان تكتب انت ولا غيرك ضدها
- الازهر الشرايطي وعموم المناضلين وحاملو السلاح ضد المحتل الفرنسي ومنهم الوالد رحمه الله، هم أقرب للإسلاميين منهم من أي طيف سياسي اخر، لان الإسلامي –عكس ما يصور في الة الدعاية الموجهة المضادة-ببساطة هو كل من لا يعادي لغته ودينه ويعمل على تحكيمهما في الحياة وهو كل من يكره ويعادي من احتال بلده ويريد ادامة التبعية، وهذا بعض ما حرك الشرايطي وصحبه لحمل السلاح ضد فرنسا وهو ما دعاه لحمل السلاح مرة أخرى ضد سيئ الذكر
- لايجب إعطاء قيمة كبيرة لمسالة التوصيف بالإرهاب ومشتقاته حتى تستعمل كل مرة لمهاجمة الخصوم، بل اني أزعم انه كلما كانت جماعة موصوفة بالتشدد والإرهاب من طرف الغرب -وبالطبع بقاياه بتونس يفعلون نفس الشيئ-، فذلك دليل على صواب ولو نسبي لها، تذكر ان عمر المختار كان يوصف بالارهابي والمارق، وان المقاومة الجزائرية كانت توسم بالارهابية، والمقاومون بتونس ضد الفرنسيس كانوا يوسمون بالفلاقة وكرس هذا الوصف سيئ الذكر تحقيرا لهؤلاء الاشاوس لكي يسهل تقزيمهم واخضاعهم، والمقاومة العراقية ضد الامريكان كانت توسم بالإرهاب من طرف الغرب ومن طرف بن علي واعلامه، وان حماس وحزب الله كانا يوسمان بالإرهاب
- إذن يجب ان ننتبه لتوصيفات الإرهاب خاصة الصادة من الغرب واتباعه حتى وان كانت كما تقول صادرة عن مراكز أبحاث ودراسات علمية مزعومة، فهي في الاخر مراكز تخدم أيديولوجيات وليس تخدم العلم كما يتصور البعض منا
- بالنسبة للقضايا الأخرى التي ترى انه يحسن تناولها كعمليات التنصير وغيرها، أولا موقع بوابتي اكثر المواقع التونسية ولعلها العربية الذي نشر حول خطورة هذه العمليات (اكتب كلمة تنصير بخانة البحث بالموقع وسترى المقالات)، ثانيا ان تناول بورقيبة هو نوع من التنبيه على الخطورة التي تستهدف التونسيين، لان بورقيبة اكثر خطرا من التنصير ذلك خونة الصف من الداخل اشد خطرا من خونة واعداء الخارج، وها انك نفسك لا تستوعب ان بورقيبة خائن وممرر مشروع التدمير المنهجي للتونسيين والالحاق بالغرب، بينما حينما تقول لهم ان التنصير خطير تجد من الناس استعدادا للقبول بذلك
22-03-2016 / 10:11:34 فوزي