أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4335
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا يحق للزوج محاسبة زوجته الخائنة، القران لا يحرم الزنا، طاعة الزوج أهم من زيارة الأم المريضة، انتظار ‘اللايكات’ على الفيس بوك مرض، الانترنت و التلفزيون إثم كبير، الانضمام للأحزاب السياسية حرام، يجوز للزوجة ضرب زوجها إذا لم ينصفها القضاء، هذه عينة مثيرة لأبرز 10 فتاوى غريبة صدرت عن بعض الأئمة و شيوخ الإسلام في مصر من بينهم مفتى مصر السابق على جمعة، طبعا لا يختلف الحال في مصر عن بقية الدول العربية، فاغلب هؤلاء الشيوخ يعيشون العصر الحجري الفكري بكل تضاريسه و يمارسون الحق في الإفتاء بغير وجه حق و يتعسفون على مقاصد الإسلام حتى تحولت فتاويهم إلى مهازل يتسلى بها العامة و ينطق بها كبار الجهلة الذين يطوعون تلك الفتاوى لخاصة أفكارهم التكفيرية الجهنمية فتصبح الفتوى قنبلة موقوتة و أداة للغش الفكري .
بعد الثورة، خرج علينا من بين هؤلاء من يدعو إلى حرق مقامات الأولياء الصالحين، بالنتيجة حرقت الزوايا و المقامات بما فيها من مصاحف قرآن و كتب دينية، رغم ذلك لم يخرج المثقفون لمواجهة هذا المد التكفيري المثير للرثاء و تغلف البعض بغلاف الصمت عن النقد المباح منتظرين مرور العاصفة، و بعد الثورة، جاء إلى إفريقية من يريد ‘فتحها ‘ من جديد ، فرأينا البعض يتسارعون للقاء هؤلاء ‘ العلماء ‘ و الدعاة متذرعين راكعين على بساط المطار حامدين الله أن متعهم بهذا اليوم التاريخي الموعود ، و إلى إفريقية جاء هنري برنار ليفي الوجه الأخر لعلماء الفرنجة، و بعده جاء الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزى ، و بين هذا و ذاك كانت للسفير الأمريكي و السفير الفرنسي صولات و جولات، جاء الجميع في محاولة لاستغلال بركات هذه الثورة الملوثة بكل النفاق العالمي و بكل العناوين البراقة الجذابة الكاذبة، فبين مصدق و مكذب، و بين ناصح و مغازل، شبع هذا الشعب بالكلام المعسول حتى كشر الإرهاب عن أنيابه القاتلة ، فتبين أن هذه الثورة العرجاء قد ولدت حاملة عديد العاهات و الشكوك و أن من بشروا بمجيء الربيع قد أفرطوا في البشرى .
حيث وقف الرئيس أوباما في الكونغرس وقفته الشهيرة و نطق بتحيته الشهيرة لهذه الثورة، فرح البعض، و انتشى آخرون، لكن الذين يعلمون بواطن و خفايا هذه الثورة كانوا في داخلهم يستهزؤون، فهذه الثورة لم تبح بأسرارها و خفاياها، و الذين سارعوا للقبض على رؤوس النظام السابق كانوا يعلمون علم اليقين أنها الفرصة الذهبية الوحيدة التي ستجعلهم يستلمون الحكم في بغتة من الزمن و في غياب الوعي الشعبي بحقيقة ما حصل و ما سيحصل، و اليوم يقف ابن العقيد السرياطى القائد السابق لقوات الأمن الرئاسي ملوحا بإشارات محتالة خفية تتهم بعض هذه القيادات في النظام السابق بكونها قد دبرت انقلابا على ‘ الشرعية ‘ و بأنها طردت الرئيس المخلوع لغايات في نفس يعقوب، فهل كانت الجموع الغفيرة التي نادت بطرد الرئيس السابقة مغفلة إلى هذه الدرجة، و هل أن الذين ‘اندسوا’ وسط هذه الثورة المشبوهة من شيوخ الكفار التابعين بعض المخابرات الغربية و شيوخ الإسلام التابعين للمخابرات الخليجية كانوا يعلمون أنه بمقدور المال و الإعلام المضلل أن يصنع ثورة على المقاس .
تعرف المناعة طبيا بأنها مقاومة المرض عن طريق الحصانة الطبيعية للجسم، الأنظمة العربية كانت مريضة و كانت هرمة و كانت قابلة ‘للموت’ الطبيعي أو الموت المصنوع، كل المؤشرات حول مناعة الجسم التونسي كانت سلبية و كان بإمكان المخابرات الأجنبية أن تصنع ‘ثورة’ في النفوس و أن تعد العدة لمن سيرتقى للحكم و لم سيتقلد مقاليد قيادة ما بعد هذه ‘الثورة’، و إذا كان للسيد برنار ليفي يد في تغذية المناخ السلبي داخل النفوس باستعمال منظومة الإعلام الموجه فان شيوخ ‘ الإسلام’ في الشرق قد تكفلوا بمليء النفوس بالحقد و الكراهية ضد النظام السابق، و اجتماع الفئتين هو الذي منح الفرصة لهذه الثورة المصطنعة أن ترى النور دون أن يفهم المتابعون العقلاء أن ما يحدث هي مجرد لعبة من لعب الأمم و المخابرات و المال النفطي الفاسد، و إلى اليوم ما زالت الفئتان النافذتان تعبثان بجسم الثورة و تلطخه بالدم و بالنعرات الجهوية حتى يصبح الانقسام فعليا و ظاهريا و غير قابلا للرتق، فهل هناك من لا يزال يثق بان ما حدث هي ثورة الشعب ضد الاستبداد و ثورة بائع الخضار ضد منظومة الإهمال .
لم يعد هناك مجال للبكاء على الحليب المسكوب بعد أن تحول إلى البكاء على الدم البريء المسكوب، و رغم ذلك ما زال شيوخ الظلام من سفا رديم الخليج يزعمون أن هذا الشعب قد ثار لإحلال و ‘استقدام’ الخلافة التائهة منذ سقوط الخلافة العثمانية في حين يصر جماعة برنار ليفي من شيوخ الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية السابقة على أن هذا الشعب قد ثار محبة و عشقا في ‘الديمقراطية’ الغربية التي رأينا بعض الأمثلة المعبرة منها في سجن أبو غريب و في ‘التاريخ’ الفرنسي في الجزائر و في المثال النازي الذي تحاول السيد أنجيلا ميركل مواراته دون جدوى، بالتأكيد، ما يحصل اليوم في تونس يفوق ما جسده الروائي المصري الراحل يوسف السباعي في روايته الشهيرة ‘ أرض النفاق ‘، و كل الذين نشاهدهم اليوم يتباكون على الثورة هم مجرد شهود زور استعان بهم شيوخ ‘الإسلام’ و شيوخ الكفار للتعتيم على حقيقة ما حصل أسابيع قليلة قبل رحيل المخلوع، و يبقى السؤال، هل حدثت ثورة ؟ .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: