أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4211
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كثر اللغط و الهرج و المرج بعد ‘ الثورة’ حول التعليم في تونس، و من كثرة ما طبق على هذا ‘ التعليم’ من نظريات مات جلده متعفنا رغم كل المضادات الحيوية التي حاول بعض المشتغلين على هذا القطاع حقنه بها أملا في أن يتعافى يوما من الأيام، لكن التعليم لن يتعافى بعدما استولت عليه عصابات من ‘شبه المعلمين و الأساتذة’ لتصنع منه ثروات تكدسها في البنوك و ليصبح التعليم فرصة للإثراء بدون سبب، هكذا تحول التعليم إلى منجم من ذهب و اكتشف شبه المثقفين الذين يمارسون هذه المهنة الكنز الذي لا يفنى فهرعوا إليه متصارعين تماما كما حصل زمن اكتشاف البترول و المناجم في أمريكا، هؤلاء الكاوبوى أو ‘ رعاة البقر ‘ يشتغلون اليوم في هذا القطاع المدر للأرباح بكامل طاقاتهم و يستنزفون طاقاتهم خارج المدارس و الجامعات بالتوازي مع استنزاف طاقات الأولياء لتبقى المؤسسات التعليمية بكل اختصاصاتها مكانا للسمر و المداعبات و عقد ‘ الصفقات’ مع التلامذة و ما إلى ذلك من فرص تقطيع الوقت.
بمفهوم قانون الملك التجاري أصبح التعليم اليوم نظريا وواقعيا خاضعا لقانون الملكية التجارية، فيكفى أن يتوفر في ‘بائع و تاجر الدروس الخصوصية ‘ بعض العناصر المطلوبة مثل ‘مناهج التعليم ‘ السرية و كراء محل متواضع و بعض ‘الزبائن’ و ممارسة مهنة تجارة الدروس الخصوصية لمدة عامين متتاليين دون مراقبة أو منازعة ليحوز هذا التاجر على حق ممارسة المهنة و يدخل تحت مفهوم الشركات الربحية التجارية التي تنظمها قوانين مجلة الشركات التجارية، العملية ليست معقدة كما يظن البعض، يكفى أن تكون تحت حماية نقابة التعليم و تحت حماية ‘ الاتحاد’ الحائز على جائزة نوبل للسلام لتنعم باستنزاف هذا الكنز الثمين خاصة و أن ‘الدولة’ لا تملك اليوم من السيادة و تطبيق القانون إلا الاسم ، لمتعد هناك مسؤولية أخلاقية للمعلم، ناهيك عن المسؤولية المهنية، و لم يعد هناك من يتحدث عن الأمانة و عن هذا ‘ الرسول ‘ الموعود ، فقط، المال، المال، المال .
تحول بائع التعليم من معلم إلى كائن جشع لا يشبع ينتقل من هذا المنزل إلى ذلك الدكان لممارسة مهنة بيع الدروس الخصوصية تماما كما يحصل لبعض الأطباء الفاقدين لشرف المهنة و الباحثين عن لذة تكديس الأموال على حساب المهمة النبيلة التي كانت مدار قسم المهنة، تحولت المدرسة و المؤسسة التعليمية بصورة عامة إلى مجرد مرحلة انتقالية ينتقل منها بائع الدروس الخصوصية من الهواية إلى الاحتراف تماما كما يحدث مع بعض اللاعبين الآتين من الفرق الصغرى، و في حين تختلف قيمة صفقات اللاعبين حسب قيمة و عراقة الفرق التي ينتقل إليها فقد أصبح هناك فارق في أجرة ‘الدروس الخصوصية’ حسب مكان تقديم هذه ‘الخدمة’، فالأحياء الغنية تكون فيها الأسعار ملتهبة على عكس الأحياء الفقيرة و بقدر المال المدفوع تقدم للزبون كل ‘التسهيلات’ لصعود الأقسام و نيل المراتب الأولى و حصد شهادات التشجيع.
من بركات ‘ الثورة’ أن مات التعليم في غفلة من الكل أو بعلم الكل، لا ندرى، موت سريري ( mort clinique ) من شدة التقصير و الإهمال و التجارب الفاشلة، فالدولة تتظاهر برغبتها في إصلاح التعليم لكنها تعلم أن كل الأمور قد أفلتت من أيديها نتيجة عدة عوامل مهمة من بينها تصاعد قوة النقابة التعليمية و قدرتها على فرض إرادتها على الدولة و على الشعب، و كما حصل لليهود حين تاهوا أربعين سنة في الصحراء المصرية فان التعليم قد تاه في جيوب سماسرة بيع الدروس المغشوشة و تجار بيع الأعداد و الامتحانات و الشهادات ما يزيد عن ثلاثين سنة، و رغم ما بذلته الدولة من تضحيات لنشر التعليم فقد تعمدت فئة مريضة لا تشبع إلى استنزاف المنظومة ليتحول المنهج التعليمي إلى مخابر تجارب لبعض ‘المؤلفين’ الذين أرهقوا ظهر التلميذ بأطنان من الكتب دون لزوم، و لان الأمور تدار في البلدان العربية بمقولة ‘إن جاءت أمة لعنت ما قبلها ‘ فقد تحول التعليم إلى مختبر تجارب لكل الساسة الذين تداولوا على هذا القطاع يمارسون فيه هواية الهدم المتعمد والانطلاق من الصفر و هو ما زاد في تعفن الجسم التعليمي المريض.
من بركات ‘ الثورة’ أيضا أن تصاعدت قوة النقابات التعليمية ليصبح التلميذ رهينة لدى قطاع مدمن على المال لا يأبه بمصير و مستقبل التلاميذ ، ولتتشكل أولى لبنات الانقسام الذهني بين الولي و بائع التعليم الجشع ، فالنقابات تشهر مسألة البحث عن تطوير المنظومة التعليمية ، هذا في الظاهر، لكنها تركن هذا الشعار في الرف عند المفاوضات لتتحول إلى عصابة مرتزقة لا تختلف عن عصابات القراصنة الذين يمارسون هذه ‘ الهواية’ في عرض البحر الأحمر و خليج باب المندب، فلم نسمع مثلا أن هذه ‘النقابات’ المشبوهة قد دعت إلى إضراب بسبب غياب سياسة تعليم واضحة أو فتحت باب النقاش حول ‘ الدروس الخصوصية ‘ مع أولياء الأمر و الاستئناس برأيهم، فالإستراتيجية الوحيدة المتبعة هي إستراتيجية العبث بمستقبل أبناء الوطن لتحويلهم إلى قطيع يتم استنزاف أمواله كما يتم استنزاف الثروة الحيوانية من بعض القصابين الجشعين الذين نشاهدهم على جوانب الطرقات الطويلة، لذلك يمكن القول اليوم أن صمت المواطن لم يعد مقبولا عندما يذبح الوطن على بعض عصابات مافيا التعليم .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: