أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6381
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" إذا كانت مناهج التربية التي يضعها البشر لأنفسهم، بمعزل عن شريعة الله وهديه ـ تلتقي كلها على أن هدف التربية هو (إعداد المواطن الصالح) بصفاته التي تحددها له، فإن الإسلام ـ كما يقول الأستاذ محمد قطب ـ لا يحصر نفسه في تلك الحدود الضّيقة ولا يسعى لإعداد المواطن الصالح فحسب، وإنما يسعى لتحقيق هدف أكبر وأشمل هو إعداد " الإنسان" الصالح، الإنسان عل إطلاقه ؛ بمعناه الشامل، من حيث هو إنسان لا من حيث هو مواطن في هذه البقعة من الأرض أو في ذلك المكان، وذلك معنى أشمل - ولا شك- من كل مفهوم للتربية عند غير المسلمين " ( عثمان ضميرية )
الحمد لله رب العالمين، سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }( سبأ : 1 )، فالحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد
تمهيــــد :
للقرآن الكريم منزلته العظيمة، ومكانته المرموقة في قلب كل مؤمن، غير أن سورة يوسف من السور القرآنية التي لها في نفسي وقلبي مكانة خاصة منذ زمن ليس باليسير ( ما يقرب من ثلاثين عاما )، ولعل أحد الأسباب الكامنة وراء هذا الشعور هو أني قرأت يوما بعض الآثار عن السلف الصالح تبين بعض مزايا هذه السورة وخصائصها، ومن تلك المزايا أن أهل الجنة يتفكهون بها في مجالسهم في الجنة، وأنها تسلى المحزون، فلقد قال خالد بن معدان اليمنى ( المتوفى104هـ ) : " سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بها أهل الجنة فى الجنة "، وقال عطاء ( المتوفى114هـ ) : " لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليه0 " (1)
ولذلك فإن من الأمور المحببة إلى نفسي، والتي لا لا أنفك عن القيام بها منذ ذلك الحين أو أعيش مع تلك السورة بين الحين والآخر تاليا لآياتها، متدبرا لمعانيها الفذة، ومضامينها العجيبة، ومتوقفا عند عجائبها ودروسها التي لا تنتهي، أشرك معي في ذلك إخواني المصلين، حيث كنت ألقي منها بعض الدروس عليهم في المسجد الذي كنت أؤم الناس فيه، وكم من مرة جال بخاطري أن أسجل كتابة بعض تلك الدروس والمواقف، وبعد مرور تلك السنوات الطوال، قررت اليوم أن أشرع في هذا الأمر، مستعينا بالله تعالى، مفوضا إليه الأمر، وسائلا إياه التوفيق والسداد، وأن ينفع بها كل من قرأها، وأن يغفر لي أي خطأ فيها، فأقول وبالله التوفيق :
هذه وقفات مع بعض الدروس والمواقف من سورة يوسف، أسوقها لإخواني رجاء أن يجدوا فيها بعض الفائدة، وهي ليست – بأي حال من الأحوال – تفسيرا ولن تكون، لسبب بسيط وهو أن كاتب هذه السطور لا يؤهله علمه لأن يكون من أهل التفسير ولا حتى من تلاميذهم، وهي كذلك لا تدعي لنفسها أنها بلغت مرتبة الحقائق، وإنما هي عبارة عن محاولة متواضعة، وقراءة خاصة لبعض الآيات من سورة يوسف عليه السلام ( من زاوية الرؤية الاجتماعية والتربوية )، والكاتب هنا متأثر بالتخصص العلمي الذي ينتمي إليه وهو تخصص الاجتماعيات ( التخطيط الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، والتنمية الاجتماعية، والخدمة الاجتماعية )، وهو يعتقد أن فيها من الدروس والعبر، والفوائد والحكم ما نحن في أمس الحاجة إلى التفكر فيها، طلابا وأساتذة، ممارسون وأكاديميون، ومما زاد من حماسي لتنفيذ هذه الفكرة هي أني أقوم بتدريس بعض المقررات المتعلقة بمهنة الخدمة الاجتماعية ومجالات ممارستها المهنية كمجال رعاية الأسرة والطفولة ، والشباب، والمسنين، وتنمية المجتمع، والتخطيط الاجتماعي، والسياسة الاجتماعية، ........وغيرها، وكنت كثيرا ما أستشهد ببعض المواقف لخدمة بعض الموضوعات التي تحويها تلك المقررات من سورة يوسف، وها أنذا أقدم هذه المحاولة لطلابي في مرحلة البكالوريوس، ومرحلة الدراسات العليا، وإلى أبنائي من المعيدين والمدرسين المساعدين، كما لا أخجل أن أقدمها بكل تواضع إلى الزملاء الأفاضل من أعضاء هيئة التدريس، عسى أن يجدوا فيها ما أطمع أن يجدوه من بعض الفائدة، وأسأل الله تعالى أن يجعله عملا خالصا لوجهه الكريم، وأن يغفر لي جرأتي على كتابه الكريم، فما دفعني إلى ذلك سوى محبتي للقرآن الكريم، ورغبتي في أن أنال رضا الله تبارك وتعالى، ونصب عيني قول المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول :
يا سيدي يا رسول الله معذرة ***إذا كبا فيك تبياني وتعبيري
ماذا أوفيك من حق وتكرمة ***وقد علوت على ظني وتقديري
الحلقة الأولى : علاقة الأبناء بالآباء :
- بعد أن بدأت السورة المباركة بالحديث عن القرآن الكريم، المنزل من عند الله تعالى على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باعتباره الكتاب البيِّن الواضح في معانيه وحلاله وحرامه وهداه، وكيف أنه نزل بلغة العرب، وتضمن أحسن القصص التي كان الناس عنها غافلين، ليجدوا فيها الدروس النافعات، والعبر الغاليات، إذا بالقارئ للسورة يجد نفسه وجها لوجه أمام المشهد الأول من مشاهد القصة، قصة يوسف عليه السلام كما جاءت في القرآن الكريم، وهو المشهد الذي جسدته الآيات آيات ثلاث ( الآية 4، 5، 6 )، وهي قول الله تعالى : {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }( يوسف : 4-6)،
ويدور هذا المشهد الجليل في بيت يعقوب وهو بيت من بيوت النبوة، وأطراف المشهد طرفان هما : نبي الله يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم على نبينا وعليهم جميعا الصلاة والسلام، وولده يوسف ابن يعقوب على نبينا وعليهما أضل الصلاة والسلام، والمشهد كما حكاه القرآن هو جلسة ملؤها الحب والمشاعر الحانية الضافية بين الوالد وولده، وما وقع بينهما من حوار حول رؤيا منامية رآها يوسف الصبي اليافع، وجاء ليقصها على أبيه النبي الكريم،
وموجز المشهد يقول :
- يوسف في عمر الشباب يرى رؤيا في منامه، فلم يمر عليها مرور الكرام – كما يحدث عادة في دنيا الناس اليوم - وإنما توقف عند هذه الرؤيا، واستولت على تفكيره واهتمامه، وأراد أن يعرف تأويلها فإلى من يذهب، وقرر عرضها على أبيه لعله يعطيه تأويلا لها يفهمه ويستفيد منه ، وهذا يدل على :
0 ان الرؤى عندهم كانت لها أهميتها وقيمتها، وكيف لا ويوسف من بيت نبوة، وأهله يعرفون للرؤى شأنها ومكانتها،
0 ظل يوسف محتفظا في ذاكرته بتفاصيل ما رأي في منامه،
0 لم يعرض يوسف رؤياه على أي أحد، وإنما اختار من يعرفه ويثق فيه ليقص عليه ما رأى ويسمع منه تأويلها، فذهب إلى أبيه يعقوب،
0 وهذا يعني أن العلاقة التي كانت تربط بين يوسف الابن ويعقوب الأب هي من القوة، ومن الثقة المتبادلة، بحيث تسمح للإبن ان يقص على ابيه ما رآه في المنام، ويوسف يعلم أن أباه لدى أبيه من الوقت ما يمكن أن يخصصه لسماع رؤياه، كما أنه يثق في رجاحة عقل أبيه، ولذلك التمس منه تأويل الرؤيا،
* صورة نموذجية للعلاقة الوالدية في رحاب الأسرة المسلمة :
- لقد وجهت دراسة استطلاعية في إحدى الجامعات هذا السؤال إلى مجموعة من الطلبة : " ما الشيء الذي تأسفون له في حياتكم أكثر من غيره؟ "، وكانت إجابة الاغلبية الساحقة على السؤال : " أنّي لا أعرف والدىّ جيّدا " !!!، فعلى الرغم من أنهم ( الوالدين والأبناء ) يعيشون في رحاب أسرة واحدة، وتحت سقف واحد، فإنهم لم يعرف بعضهم بعضاً، أو يتفهم أحدهم الاخر كما يجب "، تلك إحدى آفات العصر الذي نعيشه، الكل مشغول عن الكل، والجميع غافلون عن معرفة الجميع، وهو أمر يتناقض مع طبيعة الإنسان، واحدى غايات وجوده، التعارف، والتعايش، والتعاون وتوثيق الصلات والأواصر، ولذلك نقرأ قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }( الحجرات : 13 )، و " التعارف " يستلزم ضمن ما يستلزم " الرغبةَ " الصادقة والحقيقية في اللقيا والتفاعلِ الحَنُون معنوياً ومادياً، وإذا كان هذا مطلوبا على مستوى دائرة الإنسانية جمعاء، ومختلف الشعوب والقبائل باعتبار عالمية رسالة الإسلام من ناحية، وبالنظر إلى تصدير النداء في الآية بقوله تعالى : " يا أيها الناس "، وهو خطابٌ للبشرية كلها بتنوعها وتعددها واختلاف ألسنتها وألوانها .. وهو نداءٌ يخاطب " الكينونة الإنسانية " في جميع البشر – ولازِمُ ذلك تساويهم في " المقام " و " الكرامة " و " التكريم " -, ومن ثم : فهو خطاب " عالمي " و " إنساني " التوجه والوِجهة (2) من ناحية أخرى،
أقول إذا كان ذلك كذلك، فالأمر يصبح أكثر تأكيدا على مستوى الدائرة الأولى في التجمع الإنساني، وهي دائرة الأسرة التي هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع الإنساني، والتي أسسها الإسلام على أواصر المودة والرحمة بين الزوج الزوجة اللذان هما أساس التكوين الأسري، قال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }( الروم : 21 )،
* الإسلام ومنظومة العلاقات الأسرية :
- لقد حدد الإسلام الضوابط الشرعية التي تحكم منظومة العلاقات الأسرية ، تلك المنظومة التي تتكون من الأساس المتين المتمثل في العلاقة بين الزوج والزوجة، حيث جعل كل واحد من الزوجين سكنًا لصاحبه، وجعل بينهما مودة ورحمة ليحصل بذلك مقصود هذا العقد العظيم الذي هو عقد الزواج الذي وصفه الحق تعالى بأنه " الميثاق الغليظ " قال تعالى : { ......وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً }( النساء : 21 )، وتتم بذلك المصلحة التي شرعه لأجلها العزيز الحكيم، وعلى ذلك فالعلاقة الزوجية في التصور الإسلامي تقوم على ثلاثة أركان تجعل منها نموذجا فريدا من العلاقات في دنيا الناس :
- الركن الأول : السكون، أي سكون كل من الزوجين إلى الآخر، هو الشعور بالاستقرار والراحة، ويتوقف هذا الركن على حسن اختيار كل منهما للآخر، وهذا الركن الخاص بالزوجين عليه تبنى سعادتهما وهناء معيشتهما، وتَحققه شرط لتَحقق الركنين الآخرين، أو كمالهما، والسكن لابد أن يتوافر فيه عنصران هما : الهدوء والطمأنينة، قال الشعراوي " رحمه الله : والزوجة سميت سكنا كما جاء في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} ( لروم : 21)، لأن الهدوء والرحمة والبركة تتوافر في الزوجة الصالحة، والحق سبحانه وتعالى يقول : {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} ( التوبة : 103 ) (3)،
- الركن الثاني : المودة، والمودة هي الترجمة العملية للحب، أي : " هي الحب المتبادل بين الزوج والزوجة في (مشوار) الحياة وشراكتها، فهو يكدح ويُوفر لوازم العيش، وهي تكدح لتدبر أمور البيت وتربية الأولاد ؛ لأن الله تعالى يقول {إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى} ( الليل : 4 ) هذا في إطار من الحب والحنان المتبادل " (4)، والمودة في اللغة هو خالص المحبة أي أن المودة هي أعمق من الحب فهي الحب وزيادة،
- الركن الثالث : الرحمة، وهي التأثر النفسي لوجود نقص أو حاجة عند الطرف الآخر بما يبعث على السعي لسد هذا النقص، " ولقد جاءت الرحمة في مؤخرة هذه الصفات والأركان : سكن، ومودة، ورحمة، ذلك لأن البشر عامة أبناء أغيار، وكثيراً ما تتغير أحوالهم، فالقوي قد يصير إلى الضعف، والغني قد يصير إلى فقر، والمرأة الجميلة تُغيِّرها الأيام أو يهدّها المرض ... إلخ، لذلك يلفت القرآن أنظارنا إلى أن هذه المرحلة التي ربما فقدتم فيها السكن، وفقدتُم المودة، فإن الرحمة تسعكما، فليرحم الزوج زوجته إنْ قَصُرت إمكاناتها للقيام بواجبها، ولترحم الزوجة زوجها إنْ أقعده المرض أو أصابه الفقر. . إلخ " (5)
- وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى :
0 أن الركن الثاني كما قال " رشيد رضا " وهو " المودة " ليس خاصًّا بالزوجين ؛ لأن المودة تصل بين عشيرتيهما بما تصل به بينهما ولذلك لم يقل الحق تعالى : ( لتسكنوا إليها وتودوها ) بل قال : {....وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً ....} ( الروم : 21)،
0 والخطاب للناس لا للأزواج خاصة ؛ أي أنه أي أنه جعل من مقتضى الفطرة البشرية التواد بينكم بسبب الزوجية بين الزوجين، ومن يتصل بهما بلحمة القرابة والنسب كما هو معروف بالاختبار فيمن سلمت فطرتهم من الفساد، وعرفوا قيمة الحياة الاجتماعية فعاشوا عيشة الاجتماع لا عيشة الأفراد، وما زال البشر يعدون المصاهرة من أسباب العصبية بين البيوت والعشائر والقبائل (6)،
0 وبتحقق الأركان الثلاثة تكمل فائدة هذه الحياة الفائدة التي أرشدنا الله تعالى إلى طلبها منه بقوله في صفات المؤمنين {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} (الفرقان: 74)،
0 يقول الشعراوي رحمه الله : " ولو تأملنا هذه المراحل الثلاثة لوجدنا السكن بين الزوجين، حيث يرتاح كُلٌّ منهما إلى الآخر، ويطمئن له ويسعد به، ويجد لديه حاجته..... فإذا ما اهتزتْ هذه الدرجة، ونفرَ أحدهما من الآخر، جاء دور المودّة والمحبة التي تُمسِك بزمام الحياة الزوجية وتوفر لكليهما قَدْراً كافياً من القبول، فإذا ما ضعف أحدهما عن القيام بواجبه نحو الآخر جاء دور الرحمة، فيرحم كل منهما صاحبه. . يرحم ضَعْفه. . يرحم مرضه. . وبذلك تستمر الحياة الزوجية، ولا تكون عُرْضة للعواصف في رحلة الحياة، فإذا ما استنفدنا هذه المراحل، فلم يَعُدْ بينهما سَكَن ولا مودّة، ولا حتى يرحم أحدهما صاحبه فقد استحالتْ بينهما العِشرة، وأصبح من الحكمة مفارقة أحدهما للآخر (7)،
- وبعد العلاقة بين الزوجين التي هي بمثابة الجذور التي يتأسس عليها بناء الأسرة في تصور الإسلام، وتتفرع منها سيقانها وفروعها وأوراقها، تأتي أشكال العلاقات بين الأطراف الأخرى المكونة للأسرة،
- فتأتي العلاقة بين الآباء والأبناء التي شيدها الإسلام على الرحمة والعطف والحنو من قبل الآباء، وعلى البر والتوقير والاحترام والإجلال من قبل الأبناء،
- وتأتي العلاقة بين الأبناء بعضهم والبعض الآخر، والتي تحكمها أواصر الأخوة والمودة والرحمة والتقدير المتبادل،
- ثم تأتي العلاقة بالأصول ( الأجداد والجدات ) القائمة على التوقير والرعاية والصلة والمودة والبر،
- ثم تأتي العلاقة بالنسق القرابي ( نسبا وصهرا )، .... وهكذا،
- كل هذه الألوان من العلاقات في محيط الأسرة تشكل منظومة مترابطة متكاملة بينها تساند وظيفي، واعتماد متبادل، فعلاقة الإنسان بأصوله ( الوالدين وإن علوا )، أو بفروعه ( الأبناء وإن نزلوا )، أو بذوي أرحامه ( الأقارب من الوالدين )، أو بالأصهار ( بأولئك الذين يرتبط بهم بعلاقة المصاهرة )، أو حتى بالأباعد، كلُّها علاقات متشابكة متماسكة متسلسلة كحبات المسبحة، إذا انفرط طرف العقد، تساقطت كلُّها واحدة بعد الأخرى،
- إن نقطة البدء في منظومة العلاقات الإنسانية كان ولابدَّ أن تكون بعلاقة الإنسان بوالديه، لأنها الأساس والركيزة، وهي أولى المعاملات، وأصل العلاقات، ومَن ساءت علاقته بوالديه فلا خير يُرجى منه في باقي العلاقات، ومَن عقَّ والديه، فمن باب أولى أن يعق المجتمع، ويعيث في الأرض بالفساد والقطيعة، وعندئذٍ نفتقد الخضر - عليه السلام - ونذكر له تدخُّله في قصة الغلام الذي كان أبواه صالحين، وتفاصيل القصة في سورة الكهف، ومن هنا كان التنظيم الإلهي لعلاقة الإنسان بوالديه، حيث إن نسبة هذه العلاقة في المعاملات كالصلاة في العبادات، لأن في العلاقة بالوالدين أمر الله - سبحانه - أن تكون إحسانًا : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} ( الإسراء : 23 )، وقد بيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الإحسان في العبادات : " أن تعبدَ الله كأنك تراه " (8)، وأنقى صورة لهذه العبادة إنما تكون في الصلاة التي هي عماد الدين وعموده، وكما أنَّ الصلاة هي عماد الدين، فإن العلاقة بالوالدين هي عماد الخُلُق الفاضل، وهي الأساس الذي ترتكز عليه كلُّ العلاقات الإنسانية مع الخَلْق، وبالتالي فهي البوابة الرئيسة التي تدخل منها إلى بقية المداخل، وكما أنَّ الصلاة لا تسقط فرضيتها عن الإنسان في أيِّ حال من الأحوال ؛ مريضًا كان أو مسافرًا، فكذلك علاقة الإنسان بوالديه يَجب أن تكون موصولةً، بصرف النظر عن ظروف الحياة التي تحيط بالأبناء والآباء، وبصرف النظر عن معتقدات الأطراف كلِّها، وبصرف النظر عن مكان حياة الأبناء أو الآباء، ويكفي أن نقرأ قول الله تعالى في أهمية ومحورية تلك العلاقة حتى ولو كان الوالدان كافرين : {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ( لقمان : 15)، والمعنى كما جاء في التفسير : وإن جاهدك- أيها الولد المؤمن- والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتك إياي مما ليس لك به عِلم, أو أمراك بمعصية مِن معاصي الله فلا تطعهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وصاحبهما في الدنيا بالمعروف فيما لا إثم فيه, واسلك- أيها الابن المؤمن- طريق مَن تاب من ذنبه, ورجع إليَّ وآمن برسولي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إليَّ مرجعكم, فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا, وأجازي كلَّ عامل بعمله (9)، وفي الحديث عن أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها قَالَتْ : أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً، ( وكانت مشركة ) فِي عَهْدِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أصِلُها؟ قَالَ : "نَعَمْ"، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين} ( الممتحنة: 8 )،
هذا ولا تنتهي أهمية هذه العلاقة الوطيدة بين الأبناء والآباء حتى بعد موت أحد الأطراف، وكما جاء في الحديث، فإن عمل ابن آدمَ ينقطع عن الدنيا إلاَّ من ثلاث : أولها : " ولدٌ صالح يدعو له " (10)،
* رؤيا صبي وتأويل نبي :
- ويبين لنا القرآن الكريم أن العلاقة بين يعقوب ويوسف على نبينا وعليهما الصلاة والسلام كانت نموذجا فريدا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الوالد والولد من العمق والرحمة والمودة والمحبة والعطف والتوقير والاجلال والتقدير،
كان يوسف عليه السلام صبيا في ريعان الصبا، وذات ليلة رأى في منامه رؤيا، فماذا فعل ؟ على الفور يمضي إلى والده يعقوب ويقص عليه ما رأى، والمشهد القرآني الذي يروي لنا تلك الواقعة مفعم بإبراز ما تنطوي عليه علاقة يوسف بيعقوب من ارتباط وثيق، قال تعالى : {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }( يوسف : 4 – 6 )،
* جلسة تربوية نموذجية في بيت النبوة :
إذا ....تبدأ أحداث القصة بمشهد افتتاحي ليوسف يتحدث مع أبيه وهي جلسة تربوية نموذجية، يمكن للآباء والمربين أن يتعلموا منها العديد من القواعد والأسس التي ينبغي أن تتوفر في الجلسات التربوية بين الآباء والأبناء، وبين المعلمين والمتعلمين، ونوجز فيما يلي بعض تللك الفوائد والاستنباطات :
0 نحن أمام مشهد حميمي يجمع يعقوب الأب، ويوسف الإبن وحدهما، كأنهما تعمدا ألا تتضمن الجلسة سواهما من أفراد الأسرة، لأن هناك أمرا ذا بال يريد الإبن أن يقصه على أبيه، وهذا يعكس قوة العلاقة بينهما، وأن هذا أمرا معتادا، وليس طارئا،
* يا أبت نداء ......ذلك النداء المفقود في دنيا الناس اليوم :
0 ويبدأ يوسف الحديث مخاطبا لأبيه بقوله : " يا أبت "، وهي لفظة تحمل من الأدب والرقة في مخاطبة الإبن لأبيه، وتحمل من التوقير والتعظيم والبر والاجلال ما الله به عليم، إن كلمة ( يا أبت ) حين ينادي بها الابن أباه، أو الابنة أباها تحمل في ثناياها أسمى معاني وظلال الأبوة والأمومة معا (11)، وأين هذا التوقير مما نراه اليوم ونلمسه من صور الخطاب الصادرة من الأبناء للآباء، نداءات أبسط ما يمكن أن يقال عنها أنها بلغت من الجرأة على مقام الأبوة، درجة لم نعهدها من قبل، حتى بلغ الأمر أن كثيرا من الأبناء اليوم – باسم التحضر والتطور والحداثة – ينادون آباءهم بأسمائهم مجردة دون أدنى توقير أو تقدير، والعجيب أن الآباء يتقبلون هذا النداء ضاحكين أو مبتسمين من فرط السعادة، وكلنا يذكر ما حدث في إحدى المسرحيات الشهيرة حين ينادي الأبناء أباهم باسمه مجردا ممزوجا بالسخرية والاستهزاء، وفي المقابل رأينا كيف أن الأنبياء في القرآن الكريم ينادون آباءهم بقولهم " يا أبت " وتكررت على لسان الأنبياء في القرآن الكريم سبع مرات، قالها يوسف لأبيه مرتين في سورة يوسف : { يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ....} ( يوسف : 4 )، وأيضا : { .....وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ...}( يوسف : 100 )، وقالها إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك أربع مرات : {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً }( مريم : 42 )، وأيضا : {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً }( مريم : 43 )، وأيضا : {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً }( مريم : 44 )، وأيضا : {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }( مريم : 45 )، وقالها إسماعيل لأبيه إبراهيم على نبينا وعليهما الصلاة والسلام : قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }( الصافات : 102 )، تلك سبع مرات على لسان الأنبياء، والثامنة قالتها ابنة العبد الصالح عن موسى عليه الصلاة والسلام في سورة القصص : {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }( القصص : 26 )،
ومن كل ذلك نعلم أن كلمة يا أبتِ هذه فيها من أنواع التكريم والتعظيم اللائق من البنوة إلى الأبوة، ما ينسجم مع قوله تعالى : { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } ( الإسراء : 23 )،
0 وبعدما سمع الأب من ولده تفاصيل ما رأى في المنام، إذا بالأب يقبل على ولده باهتمام بالغ، وبكل مشاعر الرحمة والعطف والحنو ، يفسرها له الأب الحنون بعد أن يصدر خطابه لولده بقوله : " يا بني "، وبعدما ينصحه بألا يخبر أخوته بما رأى، وهنا أيضا نلاحظ أن كلمة " يا بنيّ " حين ينادي بها الأب ابنه فإنها تحمل في ثناياها أسمى معاني وظلال الأبوة الحانية، قالها نوح عليه السلام لابنه المشرك : { .....وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ }( هود : 42 )، وقالها العبد الصالح " لقمان " لابنه ثلاث مرات، وهو يعظه : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }( لقمان : 13 )، وأيضا : {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }( لقمان : 16 )، وأيضا : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }( لقمان : 17 )، وقالها إبراهيم لابنه إسماعيل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام : {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ...} ( الصافات : 102 )،
هكذا ينبغي أن تكون العلاقة بين الآباء والأبناء في رحاب الايمان والإسلام، وهكذا ينبغي أن تؤسس تلك العلاقة على تقوى الله تعالى وطاعته، واستلهام المبادئ والقيم الإسلامية التي تشكل قوام المنهج الإسلامي لتوجيه تلك العلاقة وحراستها بتلك المبادئ والقيم، رحمة ورعاية وتأديب وتربية على القيم الايمانية من قبل الآباء للأبناء، ووفاء بما رسم الإسلام لهم من حقوق مادية ومعنوية، ويأتي على رأس تلك الحقوق وقايتهم من عذاب الله تعالى يوم القيامة، استجابة للنداء العلوي لكل مؤمن : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }( التحريم : 6 )، فهو أمر إلهي لكل مؤمن كان له شرف الانتماء لعصبة المؤمنين أن يحفظ نفسه بفعل ما أمره الله به، وترك ما نهاه عنه، وأن يحفظ أهله بما يحفظ به نفسه من نار وقودها الناس والحجارة، يقوم على تعذيب أهلها ملائكة أقوياء قساة في معاملاتهم، لا يخالفون الله في أمره، وينفذون ما يؤمرون به، قال القرطبي في تفسيره : " وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأْمُرُوا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ حَتَّى يَقِيَهُمُ اللَّهُ بِكُمْ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: قُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ وَقُوا أَهْلِيكُمْ بِوَصِيَّتِكُمْ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ " (12)،
وإلى الحلقة القادمة إنشاء الله ..........
***********
الهوامش والحواشي :
============
(1) - محمد بن سيدي محمد مولاي : " التفسير والمفسرون ببلاد شنقيط "، مكتبة الإمام مالك، العين، الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2008م،
(2) - يحيى رضا جاد : " لِتَعَارَفُوا.. رؤية معرفية "، موقع يقظة فكر، المصدر : http://feker.net/ar/2012/03/08/10850/
(3) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، ج 1، ص : 263،
(4) – " نفس المرجع السابق "، ج18، ص : 11360،
(5) – " نفس المرجع السابق "، ونفس الجزء والصفحة،
(6) – محمد رشيد رضا ( المتوفى : 1354هـ ) : " الحياة الزوجية – 5 – "، مجلة المنار، مجلد : 8، ص : 572، المصدر : موقع المكتبة الشاملة، http://shamela.ws/
(7) – محمد متولي الشعراوي : " مرجع سبق ذكره " ج13، ص : 8077،
(8) – الحديث عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فأسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ قَالَ : " الْإِسْلَامُ : أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا "، قَالَ : صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قَالَ صَدَقْتَ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ : «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ : «مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا. قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ» . قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ» ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم دينكُمْ» ( رَوَاهُ مُسلم في صحيحه، وصححه الألباني )،
(9) – عبد الله بن عبد المحسن التركي (إشراف ) : " التفسير الميسر "، إعداد : مجموعة من العلماء، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، ص : 401، المصدر : موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف :
http://www.qurancomplex.com
(10) – الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "خَيْرُ مَا يَخْلُفُ الرجل بعده ثلاث ولد صالح يدعوا لَهُ وَصَدَقَةٌ تَجْرِي يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ"، أنظر خ:
- محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي ( ت : 354هـ) : " الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان "، الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي ( ت : 739 هـ)، تحقيق : شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1408 هـ - 1988 م،
(11) - فتحي رمضان محمد الأغا : " لسان عربي مبين "، 28/8/2005م، المصدر موقع دنيا الوطن : http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/27310.html
(12) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، (المتوفى : 671 هـ) : " الجامع لأحكام القرآن "، تحقيق : هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423 هـ/ 2003 م، ج18، ص : 194، المصدر : موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
-------------
أ . د / أحمد بشير – جامعة حلوان، القاهرة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: