حول منهجية الدراسة العلمية للظواهر والمشكلات الاجتماعية
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 16055
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تمهيد :
معلوم أن الإنسان كائن اجتماعي (Social being) بطبعه وفطرته ، فهو لا يستطيع العيش بمعزل عن غيره من أفراد جنسه، لسبب بسيط وهو أنه لابد له من الاجتماع بغيره لإشباع احتياجاته التي لا يتسنى له اشباعها بمفرده ، ولذلك كان عزل الإنسان التام عن الآخرين سواء بالسجن ، أو الحبس ، أو الاعتقال يعتبر من أقصى أنواع العقاب الذي يؤدي به إلى الجنون.
وينتج عن تلك الحياة الاجتماعية Social Life ما يسمى بالظواهر الاجتماعية Social phenomenon ، منها ما هو إيجابي يخدم الحياة الانسانية والاجتماعية ، ومنها ما هو سلبي بحيث يؤثر سلبا على الإنسان والمجتمع على حد سواء ،
فقد يشعر كل منا بأن الأمور تسير على ما يرام ، وقد نشعر أحياناً بعدم الارتياح، ومن ثم فإن العقل الجمعي والطبقي Collective Mind المستنير في المجتمع مطالب بضرورة البحث عن أسباب هذه الحالة حتى يمكن القضاء عليها، هذه الحالة نطلق عليها " مشكلة اجتماعية " Social Problem ،
وقد تعتقد بعض المجتمعات بأن المشكلات والصعوبات التي تواجهها في حياتها الانسانية والاجتماعية هي أمور حتمية ، وغير قابلة للتغيير بحيث ينظر إليها على أنها إرادة الله تعالى ، وأن السلوك يجب أن يكون مجسداً على أساس هذه المعتقدات والقيم ، ومعنى هذا أن المشكلات قد تنشأ دون أن ينتبه لها المجتمع ، وتتطور تلك المشكلات وتتضخم ، وقد يكتشفها أفراد مجتمع آخر ، أو الطبقة المستنيرة في المجتمع ذاته ، ومعلوم أن كل مجتمع له نظمه المتعددة، وتختلف هذه النظم من فترة لأخرى تحت تأثير التغير، فالإنسان والمجتمعات دائمة التغير، حيث هو سنة كونية ماضية ، وقد يحدث اختلال في هذه النظم يترتب عليه أن تبدأ في الظهور علامات التفكك والانحلال وهو ما نعبر عنه بالمشكلات الاجتماعية.
ويمكن القول أن المجتمع إنما يتكون من :
- النظم الاجتماعية أو القواعد الاجتماعية .
- الظواهر أو الوقائع الاجتماعية ، وهي أنماط متكررة من السلوك الجماعي يشعر بها أفراد المجتمع .
- قوى عقلية أو فكرية أو تيارات فكرية ثقافية تتحكم في السلوك أو الفعل الاجتماعي
ومن الملائم بداية أن نعرض لمفهوم كل من الظواهر الاجتماعية ، والمشكلات الاجتماعية ،
مفهوم الظاهرة الاجتماعية : Social Phenomenon
هي : " توافق في طرق التفكير والشعور والعادات يؤدى إلى نظم وقواعد دينيه وخلقيه وتشريعيه تتلاءم مع طبيعة المجتمع " ،
أو هي " طرق للسلوك والتفكير والشعور خارجة عن الفرد ، ولها من قوة التأثير ما تستطيع به أن تفرض نفسها على الفرد " (1)،
وعلى ذلك فأهم ما تتميز به الظاهرة الاجتماعية أنها عامه بالنسبة لمجتمع معين ، سواء أكان هذا المجتمع صغيراٌ Micro ، ( Community ) ، أم كبير Macro ، ( Society ) ،
- هي نتائج تأثير شخص او اكثر على شخص اخر ، وينطوي هذا التأثير على كل نماذج السلوك الذي يحدث بين الناس ، ( سواء كان فيزيقيا أو نظاميا ) وعلى جميع المواقف الاجتماعية ، وتعتبر الظواهر الاجتماعية بمثابة الوقائع الإمبيريقية (2) ، التي يمكن ملاحظتها في الحياة الاجتماعية للإنسان ، أي نماذج الحوادث والسلوك والفكر التي تكون من البيانات الاساسية لعلم الاجتماع ، وينظر بعض المؤلفين الى الظاهرة كمرادفة للواقعة Fact ، بينما يعرف آخرون الواقعة على أنها قضية أو حكم على ظاهرة ما (3)
وتأسيسا على تلك التعريفات يمكن لنا أن نستخلص أهم صفات وخصائص الظاهرة الاجتماعية على النحو التالي :
• الظاهرة الاجتماعية هي ظاهرة موضوعية لها وجود خاص خارج شعور الأفراد الذين يلاحظونها ويحسون بها لأنها ليست من صنعهم بل يتلقونها من المجتمع الذي تنشا فيه.
• الظاهرة الاجتماعية ليست هي وليدة التفكير الذاتي عند الأفراد .
• الظواهر الاجتماعية هي ظواهر شيئية وهذه الخاصية هي التي اعتمد عليها دوركايم في تأسيس علم الاجتماع ذلك انه شبه حقائق العالم الاجتماعي بحقائق العالم الخارجي .
• الظواهر الاجتماعية هي أشياء خارجية بالنسبة لشعور الأفراد .فالفرد يقبل الظاهرة ويخضع لها ويستسلم كما لو كانت قوة خارجية .
• للظاهرة الاجتماعية صفة الإلزام أو القهر.أي تفرض نفسها على شعور وسلوك الفرد .
• الظاهرة الاجتماعية هي ظاهرة إنسانية تنشا بنشأة المجتمع الإنساني .
• تمتاز الظاهرة الاجتماعية بأنها تلقائية أي من صنع المجتمع ومن خلقه .
• الظاهرة الاجتماعية هي ظاهرة عامة وعمومية الظاهرة ناجمة من صفة القهرية .
• تمتاز الظاهرة الاجتماعية بصفة الترابط .بمعنى أن كل ظاهرة اجتماعية مترابطة مع الظاهرة الأخرى (4)
أنواع الظواهر الاجتماعية :
لا بد من التأكيد دائما أن دراسة الوقائع الاجتماعية بشكل عام تكون باعتماد المنهج العلمي بمعناه الحديث، ولكن يمكننا أن نميز مع ذلك، وكما فعل محمد المبارك بين نوعين من الظواهر الاجتماعية :
- بين الظواهر الاجتماعية التي تقع تحت سمعنا وبصرنا والقابلة للمشاهدة والدراسة والوصف والتصنيف، والتي نعتمد في دراستها على المنهج العلمي.
- وبين الظواهر التي يتعذر إخضاعها لطرائق المنهج العلمي مثل البحث في أصل اللغة والدين، وغير ذلك من المواضيع التي لا يمكن ملاحظتها في الواقع أو الاستدلال عليها بالطرق التي تحقق اليقين العلمي، وقد أطلق محمد مبارك على هذا النوع من المواضيع التي تعزب عن الملاحظة "ميتافيزيقا علم الاجتماع " (5) ،
مفهوم المشكلة الاجتماعية :
بالنظر إلى مصطلح المشكلات الاجتماعية (Social Problem) ، ندرك على الفور أنه مصطلح مركب من كلمتين : الأولى : مشكلة (Problem) وهي تعني سلوك أو موقف أو وضع غير مرغوب فيه ومتكرر الحدوث ، وتعني أيضاً وجود عائق أمام الطريقة المألوفة والمقبولة والمرغوبة للوصول إلى الأشياء والأهداف الاجتماعية ، وأما الثانية فهي كلمة : اجتماعية (Social) ، وهي تشير إلى أن هذا السلوك أو الموقف يحدث نتيجة لاجتماع الانسان مع غيره من الناس في وحدة اجتماعية ، ويدركه عدد كبير من أفراد المجتمع ، وهذه الكلمة تدل على المظهر الاجتماعي أو الجمعي في المجتمع، وتعبر عن التفاعل المباشر والعلاقات المتبادلة بين أفراد المجتمع.
فالمشكلة بوجه عام ما هي إلا انحراف عن معايير وقيم المجتمع ، فالمجتمع وحده هو الذي يحدد المشكلة ، وتوجد المشكلة حينما يكون هناك تناقض بين مثل المجتمع وقيمه من ناحية ، والواقع الفعلي لهذا المجتمع من ناحية أخرى ،
ولقد واجه مفهوم " المشكلة الاجتماعية " - شأنه شأن الكثير من المفاهيم الاجتماعية - العديد من الصعوبات والاختلافات حول تحديه ، ومن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات في تحديد ماهية المشكلة الاجتماعية وتعريفها وذلك لعدة أسباب نذكر منها :
- صعوبة التوصل إلى تعريف محدد ينطبق على ، ويصلح لتفسير كافة المشكلات الاجتماعية.
- نسبية المشكلات الاجتماعية.
- ارتباط ميدان الدراسة في مجال المشكلات الاجتماعية بواقع وظروف المجتمع الذي توجد فيه ، وبالرؤية والتوجيه الفكري للباحث المهموم بها والملتزم بدراستها من جهة أخرى.
ولذك تعددت تعريفات المشكلة الاجتماعية ، وكنماذج لتلك التعريفات نعرض ما يلي :
* "المفارقات بين المستويات المرغوبة ( مجتمعيا ) والظروف الواقعية ، فهي مشكلات بمعنى أنها تمثل اضطراباً وتعطلاً لسير الأمور بطريقة مرغوبة كما يحددها القائمون بدراسة المجتمع".
* وعرفها " جيروم. ج مانيس " : "تلك الحالات أو الظروف الاجتماعية التي تتحدد عن طريق البحث العلمي والقيم العلمية باعتبارها معوقة للخير الإنساني".
- وثمة من يعرفها بأنها : " هي موقف يؤثر في عدد من الافراد بحيث يعتقدون – أو يعتقد الاعضاء الاخرون في المجتمع – بان هذا الموقف هو مصر الصعوبات والمساويء " ،
وهكذا تصبح المشكلة الاجتماعية موقفا موضوعيا من جهة وتفسيرا اجتماعيا ذاتيا من جهة اخرى
والمشكلات الاجتماعية الأساسية التي يعاني منها المجتمع هي : انحراف ( جناح ) الاحداث Juvenile Delinquency – الجريمة Crime – الانتحار Suicide – القتل Killing – الادمان Addiction – الطلاق Divorce – الضعف العقلي Mental Weakness – التمييز العنصري Apartheid – الصراع الصناعي – الاسكان غير الملائم – المناطق المتخلفة Slums – البطالة Unemployment – والفساد الحكومي وغيرها (6)
هذا وقد ميز " روبرت ميرتون " في كتابه " المشكلات الاجتماعية المعاصرة " بين المشكلات الاجتماعية ، والمشكلات السوسيولوجية ، أو المشكلات العلمية ( في إطار علم الاجتماع ) ، فالأخيرة في نظره هي مشكلات معرفية ، وتظهر حينما لا تكون العلاقات بين الاحداث معروفة ، أما المشكلة الاجتماعية فهي موقف منحرف عن موقف مرغوب فيه ،
بين المشكلات الاجتماعية والمشكلات السوسيولوجية :
وهناك من يميز بين المشكلات الاجتماعية (Social Problems)والمشكلات السوسيولوجية (Sociological Problems) فلقد لاحظ دوركايم في نهاية القرن التاسع عشر أن مصطلح اجتماعي (Social) يستخدم بصفة شائعة ويطبق على جميع الظواهر المنتشرة في المجتمع، بالرغم من ضآلة الأهمية الاجتماعية لهذه الظواهر، فهناك فرق بين الصفة اجتماعي (Social) والصفة سوسيولوجي (Sociological) فالصفة الأولى تنطبق على أية ظاهرة اجتماعية يتدارسها أي علم من علوم المجتمع، بينما الصفة الثانية لا تنطبق إلا على تلك القضايا والظواهر التي يركز عليها علم الاجتماع وينفرد في دراستها.
ولقد ميز " ويرث " في مؤلفه "المشكلات الاجتماعية المعاصرة"، بين المشكلات الاجتماعية والمشكلات السوسيولوجية أو العلمية، فالمشكلات الاجتماعية هي مواقف منحرفة عن مواقف مرغب فيها، أما المشكلات السوسيولوجية أو العلمية هي مشكلات معرفية، تظهر حينما لا تكون العلاقات بين الأحداث معروفة (7)
ومن هنا فإن المشاكل الاجتماعية تعكس بصفة عامة ما يهتم به الأشخاص دائماً، وما يرونه أنه يجب أن يحدث بخصوص شيء ما، وما يرونه أنه أمر غير مرغوب وفي حاجة ماسة للتخلص منه، وتعتمد هذه المشاكل على أهمية بعدي الزمان والمكان، فهي تخضع لعملية التغير، وهي تتراوح من ضرب الزوجة (Wife battering) إلى الأمية (illiteracy) ومن التمييز العنصري (racial discrimination) إلى التلوث البيئي (Environmental Pollution) ومن المخدرات (Drugs) إلى الإجهاض (abortion) ومن الكحوليات (alcohol) إلى الاعتداء الجنسي (Sexual assault) ومن عدم المساواة في الجنس إلى انحراف الأحداث.
أشار " بيفول " في 1977م ، إلى أنه في أوائل السبعينات من القرن العشرين فقط تم تحديد إساءة معاملة الطفل (child abuse) باعتبارها مشكلة ، وعلى الرغم من أن الأطفال كان يتم ضربهم من قبل ، وكانت تساء معاملتهم إلا أن ذلك لم يكن موضوعاً يجذب انتباه الجماهير.
ولقد تم تحديد الأنواع المختلفة أيضاً وفي فترات متباينة كمشاكل اجتماعية فمثلاً السطو (Robbery) أي السرقة بالعنف، فقد تم تحديدها من قديم الأزل باعتبارها جريمة، إلا أنه في أوائل السبعينات من القرن العشرين فإن شكل معين منها أصبح يسمى بالنهب (Mugging) وتم درجه في مرتبة أية مشكلة اجتماعية خطيرة، وحدث ذلك بعد نداءات رجال السياسة والشرطة والصحافة (8)
أما " المشكلات السوسيولوجية " فهي تلك المشكلات التي يتم اشتقاقها من الاهتمامات التي تحرك التساؤل السوسيولوجي وتعكس هذه الاهتمامات الاتجاهات النظرية المختلفة التي يستخدمها علماء الاجتماع، وربما تكون مشكلة النظام الاجتماعي العام (Social Order) هي أهم تلك الاهتمامات، ومن المهام الأخرى التي تشغل اهتمام علماء الاجتماع هي فهم الفعل الاجتماعي (Social Action) وتحديد الخبرات الاجتماعية والثقافية داخل الهيئات البنائية المتغيرة، ووصف العمليات الاجتماعية بما فيها الهوايات الاجتماعية، وتوجد البناءات التنظيمية للتفاعل الاجتماعي، كما تشمل أيضاً المناظرات المنهجية عن مشاكل النظرية والتطبيق والبناء والعوامل الموضوعية والمعنى، فمثلاً إذا ما تناولنا الجريمة فكيف يمكن دراستها كمشكلة سوسيولوجية حيث يتطلب ذلك دراستها دراسة موضوعية لا دخل للعواطف والأهواء الشخصية، وتناول كافة الاتجاهات النظرية التي تناولت الجريمة، وما هي مناهج البحث الملائمة لدراستها، وحينما تتكون لدينا فكرة واضحة عن هذه الظاهرة، وأن تكون هذه الفكرة مبنية على أسس علمية هنا فقط يمكن أن نخطو خطوة أخرى نحو الإصلاح والعلاج بمعنى أن اهتمامنا بالجريمة امتد من اعتبارها مشكلة سوسيولوجية إلى اعتبارها مشكلة اجتماعية ، والجريمة كمشكلة اجتماعية هي مجال اهتمام ضباط الشرطة ورجال السياسة وضحايا العنف .. إلى أن الاهتمام بالجريمة أو غيرها كمشكلة سوسيولوجية فهذا هو ما ينفرد به علماء الاجتماع (9)
بين المشكلات المجتمعية والمشكلات الاجتماعية :
ويرى علماء الاجتماع الأمريكيين أن هناك فرقاً بين (Societal Problems) أي المشكلة بالمعنى العام وما يطلقون عليه (Social Problems) أي المشكلة بالمعنى الخاص، والمشكلة بالمعنى العام هي محاولة الإجابة عن سؤال عام لا يتعلق بمجتمع معين ولا بدولة بذاتها ولكنه يخص المجتمعات عامة ذلك مثل التفرقة العنصرية في العالم، أو مشكلة الحرية الفردية أو مشكلة السلوك الإجرامي.
أما المشكلة بالمعنى الخاص فهي محاولة الإجابة عن سؤال معين يتعلق بمجتمع خاص وفي عصر معين، ولحل المشكلات الخاصة نحتاج بالضرورة إلى دراسة المشكلات العامة ،
وثمة مجموعة من العناصر التي يجب توفرها في أية حالة أو ظرف حتى يحكم عليه بأنه مشكلة اجتماعية :
- موقف أو حالة أو شكل متكرر من السلوك الإنساني ،
- أن هذا الموقف أو السلوك يؤثر في عدد كاف من الناس سواء بصورة مباشرة ، أو غير مباشرة.
- أن الحكم التقديري للموقف أو السلوك الاجتماعي يحدد باعتباره أمراً غير مرغوب فيه في المجتمع.
- أن هذا الموقف أو السلوك يهدد قيماً اجتماعية معينة ،
- ثقة وإيمان عدد كاف من أعضاء المجتمع بأن شيئاً ما يمكن القيام به بشأن تحسين أو تعديل الموقف غير المرغوب فيه من خلال العمل المشترك والحل الجماعي.
- أن هذا الحل الجماعي أو العمل الجماعي يجب أن يتم من خلال فعل اجتماعي مناسب ، بمعنى ألا يكون الحل مستعاراً من خارج البيئة التي خلقت المشكلة ، ولكن يجب أن يكون في الإطار الاجتماعي الذي تخلّقت فيه ،
هذا وتعد المشكلات الاجتماعية ظاهرة موجودة في كل مجتمع إنساني، وتتميز هذه الظاهرة بعدة خصائص:
- أن المشكلات الاجتماعية نسبية، وغير مطلقة، ولا يتأثر بها كل عضو في المجتمع بشكل متساو.
- أن أسباب المشكلات الاجتماعية مركبة ومتعددة ، ولا ترجع إلى عامل أو سبب واحد ،
- أن المشكلات الاجتماعية ربما تحدث نتيجة أسباب غير معروفة ولا يمكن التحكم فيها، حيث ينبغي استخدام مصطلح سبب بكل حرص وحذر وذلك للأخطاء الخطيرة التي يمكن أن تحدث عند دراسة الظواهر الاجتماعية في مصطلحات سبب وعلة وتأثير ومعلول، وقد تظهر هذه الصعوبات في مثل هذا التفكير من خلال ما قد نعتبره أو نعتقد أنه سبب أو علة فإنه يمكن أن يكون تأثير أو معلول لسبب أو علة أخرى، ومن ثم فالأسباب التي يكون لها تأثيرات متعددة سواء كانت مرغوبة أو غير مرغوبة، تؤدي إلى صعوبة وضع مقاييس قادرة على إصلاح وعلاج المشكلات الاجتماعية.
- أن المشكلات الاجتماعية مرتبطة ومتداخلة ومتفاعلة ببعضها، فالمشكلة الواحدت قد تكون جزءا من مشكلة أخرى.
- أن المشكلة الاجتماعية غير منفصلة عن الوظيفة التي تقوم بها في سياق التفاعل والمشاركة، أي أنه ليست هناك مشكلة اجتماعية في حد ذاتها، وإنما توجد المشكلة في سياق معين وظروف اجتماعية وثقافية محددة، مثلاً ارتفاع معدل المواليد قديماً شيئاً ضرورياً بل وظيفياً لأنه يعمل على الاحتفاظ بالمجتمع، أما اليوم فقد أصبح الارتفاع يمثل إحدى المشاكل الخطيرة، فالمشاكل الاجتماعية ترتبط بقيم مجتمع معين ومعاييره.
- تتميز المشاكل الاجتماعية عن غيرها بعلاقتها الوثيقة بالسياقات النظامية والمعيارية، فهي اجتماعية لأنها متصلة بالعلاقات الإنسانية والسياق القيمي الذي توجد فيه العلاقات الاجتماعية.
- أن حل المشكلات الاجتماعية قد يتضمن صراعاً مع قيم اجتماعية راسخة أخرى، حيث أن السعي نحو حل مشكلة اجتماعية قد يواجه معوقات لأن هذا الحل تضمن صراعاً مع قيم اجتماعية أخرى، حيث أن هناك عدد من القيم الاجتماعية الراسخة في أذهان الريفيين كالعزوة والاعتزاز بالعصبية أدت إلى إنجاب عدد كبير من الأطفال في ظل ظاهرة الزواج المبكر التي ما زالت سائدة في الريف وهذه القيم تتعارض تماماً مع حل مشكلة الانفجار السكاني.
- إن المشكلات الاجتماعية ترتبط بأحكام مع التغير الاجتماعي، فالتغير واهتمامه بما هو مرغوب فيه في المجتمع قد يؤدي إلى حدوث مشكلات اجتماعية، فالحقوق والامتيازات التي حصلت عليها المرأة تعتبر من التغيرات المرغوبة في المجتمع والتي أتاحت للمرأة الدخول في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والقضائية، فقد أدى ذلك إلى ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية المتعلقة بدورها في المنزل كزوجة وأم من ناحية ودورها في العمل من ناحية أخرى وأن عدم قدرتها على التوفيق بين أدوارها قد يؤدي إلى خلق مشكلات متعددة.
هناك أربع مسلمات يطرحها علماء الاجتماع حول حدوث المشكلات الاجتماعية وهي:
- أن المشكلات الاجتماعية تعد بمثابة نتاج لتأثيرات غير مباشرة أو غير متوقعة لأنماط سلوكية شائعة، فمثلاً القيمة الاجتماعية المتمثلة في إنجاب عدد أكبر من الأطفال أدت إلى مشكلة الانفجار السكاني.
- أن للبناء الاجتماعي دور في انحراف بعض الأفراد في المجتمع، فنظام الملكية باعتباره عنصراً أساسياً في البناء الاجتماعي الأمريكي، يلقى قبولاً اجتماعياً من جانب بعض أعضاء المجتمع، إلا أنه لا يشبع طموحات قطاعات كثيرة من أفراد المجتمع وخاصة الطبقة الوسطى والدنيا، الأمر الذي يشجعهم على البحث عن طريق أخرى للكسب والتملك بأسلوب غير مشروع قانونياً وغير مقبول اجتماعياً كالسرقة والرشوة والسطو المسلح.
- أن التنوع الطبقي الذي يتضمنه البناء الاجتماعي لأي مجتمع يؤدي إلى تناول متباين للمشكلات الاجتماعية السائدة، فالتعليم والدخل والمهنة وتراكم الخبرة الشخصية كلها عوامل لا تؤثر فقط في إدراك الفرد للمشكلات الاجتماعية، بل تؤثر على طبيعة الأساليب المقترحة لمعالجة هذه المشكلات.
- أنه من الصعب التوصل إلى اتفاق عام حول ماهية المشكلات الاجتماعية وأساليب مواجهتها حيث أن المشكلات الاجتماعية لا تؤثر على كافة أعضاء المجتمع بشكل متساو.
* تفسير المشكلات الاجتماعية :
تجدر الإشارة إلى أن الخدمة الاجتماعية كمهنة حديثة النشأة نسبيا كانت منذ نشأتها الأولى في العصر الحديث تهتم اهتماما خاصا بمساعدة الناس على مواجهة " مشكلاتهم الشخصية " Personal Problems ، إضافة إلى العمل على التخفيف من ويلات "المشكلات الاجتماعية" إلى أقصى حد مكن ، ولقد اتجه اهتمام المهنة في العقود الأخيرة – وتزايد هذا الاهتمام – إلى الأمور التي تتعلق بقضايا الوقاية من المشكلات الفردية والاجتماعية ، الأمر الذي يتطلب بالضرورة توافر قاعدة نظرية متماسكة لتفسير تلك المشكلات تكون أساسا لتصميم البرامج الوقائية وتحديد طرق التدخل العلاجية الفعالة .
وإذا رجعنا إلى الكتابات النظرية الحديثة لتتعرف على التفسيرات التي تقدمها لنا للمشكلات الفردية والاجتماعية ، فإننــــا سنجد أن ما قرره " روبرت مرتون " ، و " روبرت نيزبيت " منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمان لا يزال يصدق اليوم ، من جهة أنه "لا توجد حتى الآن نظريـة شاملة (لتفسير) المشكلات الاجتماعية ، ولكنها قد تكون في طريقها إلى الوجود ،
والصورة التي تعكسها الكتابات الحالية لازالت تكشف عن وجود عدد كبير من النظريات الجزئية المتنافسة التي تحاول تفسير هذه الظاهرة ، والتي لم تفلح أي منها في تقديم صياغة تفسيرية متكاملة لها.
ويرى ميرتون أن من الممكن تقسيم "المشكلات الاجتماعية" من الناحية التحليلية المجردة إلى فئتين عريضتين إحداهما تتمثل في التفكك الاجتماعي Social disorganization (10) ، والأخرى تتمثل في السلوك الانحرافي Deviant behavior (11) ، وهاتان الفئتان هما في الواقع متشابكتان متفاعلتان تؤدى كل منهما إلى الأخرى ، بحيث أنك إذا تعرضت لدراسة أي مشكلة واقعية فستجد ما يشير إلى كل منهما ولكن بدرجات متفاوتة ، وتتبع معظم الكتابات النظرية في الموضوع هذا التصنيف (12) ،
ولذلك فإن أدبيات علم الاجتماع تشير إلى أن هناك نظريتين أساسيتين لتفسير أسباب وعوامل المشكلات الاجتماعية :
الأولى : نظرية التفكك الاجتماعي Social Disorganization Theory : التي تذهب الى أن مرجع المشكلات الاجتماعية هو انفصال الافراد عن الثقافة ، ويعتبر مفهوم " الأنومي " Anomie ( اللامعيارية ) (13)عند " إميل دور كايم " مصدر هذا الاتجاه ، وقد صاغ " هيرمان " وجهة نظره في ضوء نظرية " أوجبرن " عن التخلف الثقافي ، فالمشكلات الاجتماعية تنشا حينما يقبل المجتمع ادوات التغير الاجتماعي ويفشل في فهم وتوقع وتناول نتائج هذه التغيرات ،
والتفكك الاجتماعي بصفة عامة يشير إلى عدم قدرة النسق الاجتماعي على تأدية وظائفه في إشباع احتياجات أعضائه على الوجه المطلوب ، ومن مظاهر فشل المجتمع أو النسق الاجتماعي في أداء وظائفه ما يلي :
1 – عدم التنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال داخل الأسر.
2 – فشل الدور الديني الذي تؤديه دور العبادة.
3 – فشل المجتمع في أداء وظيفته الاقتصادية من حيث الإنتاج وتوزيعه وتوزيع الثروة.
4 – فشل المجتمع في تحقيق النجاح السياسي من حيث منع الجريمة والانحراف الاجتماعي بصوره المختلفة وتقديم الخدمات للمجتمع المحلي والدفاع عن الأمة.
5 – ظهور أنماط من السلوك الاجتماعي غير المتمسك بها.
6 – التوترات الشخصية التي تسيطر على النسق ولا يمكن التحكم فيها حيث تتخذ قنوات معينة.
7 – الارتباط غير المتوافق بين النسق الاجتماعي والبيئة التي يقع فيها، سواء من حيث ضبطها أو التكيف معها.
8 – عدم تجانس العلاقات بين الأعضاء ولو إلى الحد الأدنى الضروري للأنشطة ذات القيمة.
9 – عدم إمكانية وصول الأعضاء إلى أهداف تبرر وجودهم بسبب بناء النسق الاجتماعي.
الثانية : نظرية صراع القيم أو القيم المتصارعة (Value Conflict Approach): حيث ترجع المشكلات الاجتماعية الى صراع المصالح والقيم ، وهنا نجد تطبيقا لنظرية الصراع في دراسة هذه المشكلات ومن رواد هذا الاتجاه ماركس – وزيمل وسورل (14) ،
وترتبط القيم الاجتماعية بالمشكلات الاجتماعية ، ويظهر هذا الارتباط من خلال تدخل القيم في موقفين أساسيين هما :
الأول : في حالة حدوث تعارض أو تناقض بين القيم من خلال تعبيرات الناس والسلوك الفعلي لهم.
الثاني : حينما يكون هناك صراع في القيم بين التجمعات الفرعية المتباينة في المجتمع (Sub-groupings) ومثال ذلك : التضارب بين قيم الطبقات الغنية والوسطى والفقيرة في المجتمع ، أو التضارب بين قيم المتعلمين وغيرهم ، أو التضارب بين قيم المتدينين وغيرهم .. الخ.
وكما يقول " فيشتر " إن أهم ما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار هو أن أية مشكلة اجتماعية يتم تحديدها أو تعريفها في ضوء التفاوت بين مستوى القيم الاجتماعية ومستوى السلوك الاجتماعي.
ويتضح ذلك من خلال:
أولاً: المعايير الاجتماعية (Social Norms): تعد المعايير أمراً جوهرياً في أي مجتمع، حيث أنها تحدد مستويات سلوك الناس (Standards of behavior) التي ترتكز على المعتقدات (beliefs) والمثل (ideals) التي يقررها المجتمع ، وتعد بمثابة مستوى أو معيار تجاه ذلك السلوك الاجتماعي الذي يقدره الأفراد والجماعات حيث أن تحديد شيئاً ما على أنه حسن أو رديء أو تحديد حالة معينة على أنها مرغوبة أم لا أمر يرتكز على ما تقرره القيم الاجتماعية، وهي دائماً تكون خارج متناول الناس، وأنها تعد بمثابة شيء ما يكافحون من أجله، ولذلك فهناك فجوة بين القيم الاجتماعية وسلوك الناس في المجتمع الذي لا يكون متفقاً مع تلك القيم بصورة مطلقة، وهذا الموقف يخلق مشكلات اجتماعية، وهذه القضية يمكن أن تنسب إلى القيم الاجتماعية.
ثانياً: على الرغم من التأثير الموحد للقيم الاجتماعية على الناس في المجتمع، إلا أنه توجد حالات متكررة من الصراع بين مجموعة من القيم ضد مجموعة أخرى، وربما تكون الجماعات في المجتمع في حالة منافسة أو ندية (rivalry) من أجل زيادة التأثير (influence) أو التحكم (control) في المجتمع، فقد يحدث صراع بين القيم الدينية من ناحية والقيم السياسية أو الاقتصادية، حيث أن إعطاء الصدقة أو الإحسان (alms) للفقراء وتفشي ظاهرة التسول في ثقافات معينة يوضح مثالاً للصراع بين القيم الدينية والاقتصادية، فالقيم الاقتصادية المتعلقة باستخدام عمالة الأطفال قد تصطدم مع القيم الدينية والأخلاقية، حيث يؤدي ذلك إلى أن قطاع كبير من المجتمع يخلق شباباً غير متعلم، هؤلاء الذين يعملون مبكراً، وذلك يؤدي إلى خلق مشكلات اجتماعية كجناح الأحداث والبطالة والفقر.
هذا ويرى " دفليور " أن هناك أربعة أنواع من المشكلات :
الأول : المشكلات المألوفة وهي ألوان من السلوك والتصرفات مارسها أفراد ليسوا على وفاق مع المجتمع مثل الجريمة ، والانحراف ، وسوء استخدام العقاقير والمخدرات ......وغيرها ، ولا شك أن لهذه المشاكل جذورها في البناء الاجتماعي للمجتمع ،
الثاني: المشاكل المتصلة بالتنظيم الاجتماعي والتدرج الطبقي.
الثالث: المشاكل الاجتماعية التي تنشأ نتيجة الممارسات غير القانونية التي تصدر عن المؤسسات الاجتماعية : (كالعمل الحر ، والحكومة ، والتعليم ، والأسرة ..ألخ).
الرابع: المشاكل الاجتماعية الناتجة عن عملية التغير الاجتماعي، فالتغير من شأنه أن يؤدي إلى وجود صراع بين القيم التقليدية والقيم المستحدثة.
وثمة من يرى أن هناك ثلاثة أنواع من المشكلات الاجتماعية وذلك على النحو التالي :
أولاً: السلوك المنحرف(Deviant behavior):
إن دراسة السلوك المنحرف تضرب بجذورها في الاهتمام المستمر بمشكلات الامتثال (Conformity) والضبط الاجتماعي (Social Control) ولقد انصب اهتمام البحث الاجتماعي على الشخص المنحرف (Deviant Person) أو المجرمين أو الأحداث الجانحين أو البغايا مع الاهتمام بخصائصهم السيكولوجية وأحوالهم البيئية وهذا الاهتمام بالمنحرف الفرد اتجه إلى البحث عن سبب الانحراف، والمقصود بالانحراف هنا هو احتراف الانحراف، فإذا كان معظم الناس يقومون بأفعال انحرافية خاصة في مرحلة الصبا فإن معظم الناس أيضاً لا يقعون في نمط احتراف الانحراف (Deviant Career) لأن هؤلاء الآخرين يصبحون كذلك نتيجة لتكرار ارتكابهم لبعض أنواع السلوك الانحرافي، وفي الوقت الذي يقيمون فيه علاقات وثيقة مع غيرهم من المنحرفين في إدمان المخدرات مثلاً فإنهم يقللون تفاعلاتهم مع غيرهم الذين لا يوافقون على مثل هذا السلوك.
حيث أن الاختلاط مع المنحرفين يمدهم بالدعم وكذلك بمبررات مخالفة القواعد والمعايير، والحماية من القوى التي تحافظ على تلك القواعد والمعايير وهكذا يتوفر لهم الوسط الذي يمكن من خلاله السلوك الانحرافي أن ينمو بدون مراجعة أو نقد.
ثانياً: المرض العقلي:
منذ قيام الثورة الفرنسية عام 1789م بدأ النظر إلى المرض العقلي باعتباره كأي مرض جسمي آخر، وبدأ الاهتمام بالنظرة الإنسانية إلى المرضى العقليين ،
ويرى علماء الاجتماع أن المستشفيات العقلية في الماضي كانت تلعب دوراً تحفظياً (Custody) لا علاجياً (therapy) ، حيث كان يتم حجز الأشخاص المضطربين عقلياً بعيداً ، مع توفير عدد من الضوابط التي تساعد على استمرار السيطرة عليهم وإجبارهم على الامتثال لظروف مغايرة للحياة اليومية.
وقد أكد الطبيب النفسي " توماس ساز " أنه ليس هناك وجود لشيء يطلق عليه مرض عقلي (Mental illness) ، فالمرض العقلي ما هو إلا أسطورة (the Myth) وما ننظر إليه على أنه مرض عقلي ما هو إلا مشكلة في المعيشة، فالمرض العقلي من وجهة نظر " ساز " هو صفة تلصق على أنواع معينة من السلوك الانحرافي، حيث ينظر إلى هذا السلوك باعتباره قرينة المرض العقلي، ويستشهد بالمرض العقلي باعتباره سبباً لهذا السلوك، وربما ينطوي ذلك على مغالطة منطقية، ولذا فإن " ساز " يرفض مفهوم المرض المشتق من الطب ، حيث أن عجز الكائن العضوي عن أداء وظائفه يتجلى في مظاهر متباينة يمكن التعامل معها من خلال العلاج الطبي ، إلا أن المشكلات العقلية يمكن قياسها بواسطة رجوع الطبيب النفسي للمعايير التي يتوقعها الإنسان من الأشخاص العاديين ، وهذه المعايير ليست معايير طبية وإنما معايير اجتماعية ونفسية وأخلاقية بل وقانونية ، حيث يمكن الحكم على العدوانية (hostilely) المزمنة ووصفها بالمرض العقلي حيث أنها تقوم على انتهاك المعايير الأخلاقية ، ومن هنا يقترب تعريف المرض العقلي من تعريف " بيكر " للانحراف ، حيث يرى " ساز " أن المرض العقلي يوجد عندما ينحرف الناس بطريقة مثيرة في تفاعلاتهم مع الآخرين، وأن وصف الشخص بأنه مريض عقليا هو لقب يضيفه الآخرون عليه ، وكما هو الشأن فيما يتعلق بحالات الانحراف الأخرى، فإن الأشخاص الذين يلقبون بهذا اللقب يتصرفون كما لو أنهم مرضى عقليين.
ثالثاً: مشكلات التنظيم الاجتماعي (Problems of Social organization):
من أمثلة مشكلات التنظيم الاجتماعي عمالة الأطفال ، والزواج العرفي ، والفقر ، والمناطق المتخلفة ، و التجديد الحضري ، ومشكلات التعليم ، والتحصيل الدراسي ، والأطفال المحرومين ، ومشكلة الإسكان الحضري ....وغيرها ،
ولقد ثبت أن هناك تداخل بين مجموعة المشكلات الاجتماعية الأمر الذي يجعل من الصعب دراسة مشكلة واحدة دون غيرها، إلا أن إعطاء الأولوية لمشكلات معينة يجعل منها مشكلات رئيسية كمشكلات الاغتصاب ، والزواج العرفي ، والفقر ، والإدمان ، والمواصلات ، والتلوث البيئي ، وضبط النسل .. الخ، حيث تحظى مثل هذه المشكلات بقدر كبير من اهتمام صناع السياسة الذين يسعون إلى تطوير برامج للتغلب على هذه المشكلات.
وحيث أن التنظيم الاجتماعي لا يعد ظاهرة استاتيكية أو ثابتة فإن التغير الاجتماعي هو المفهوم الوحيد الذي يساعدنا على فهم العلاقة بين المشكلات الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي.
وعن الكيفية الذي يؤدي فيها التغير الاجتماعي إلى حدوث مشكلات اجتماعية يمكن القول أن هناك على الأقل طريقتين يسبب من خلالهما التغير الاجتماعي حدوث المشكلات الاجتماعية:
الأولى: عندما يظهر سلوك جديد يؤدي إلى اضطراب البناء القائم، ويتحدى القيم الاجتماعية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنماط القديمة من السلوك وتحدث مثل هذه العملية مع ظهور مهارات جديدة ومهن نتيجة للتنمية التكنولوجية وتعد الآلية (automation) أحد الأمثلة التي تحدث اضطراباً في أنساق العمل القديمة وتهدد المهن القائمة.
الثانية: عندما يحدث – كنتيجة للتغير الاجتماعي- إعادة تحديد جديد للتنظيم الاجتماعي حيث يبدو عدم ملائمة الأدوار القديمة للوقت الحاضر مثال ذلك مكانة المرأة والعلاقات الجيلية ( أي العلاقات بين الاجيال ) ،
ويقسم " روبرت لوير " المشكلات الاجتماعية إلى : (1)
- Robert H. Lawer ; " Social Problems And The Quality Of Life ", Seventh Edition , Boston: Megrow- Hill, 1998, pp: 4-5
* مشكلات الانحراف : مثل الجريمة ، وجناح الأحداث ، العنف ، الإرهاب ، إدمان الكحول والمخدرات ، الانحراف الجنسي ،
* مشكلات التفاوت والظلم الاجتماعي :
مثل الفقر ، عدم المساواة بين الجنسين المرأة والرجل ، إنعدام تكافؤ الفرص ، مشكلات المسنين ، الشذوذ الجنسي ،
* مشكلات النظم الاجتماعية :
مثل مشكلات العمل والنظام الاقتصادي ، مشكلات النظام التعليمي ، مشكلات النظام الأسري ، مشكلات نظام الرعاية الصحية ، الأمراض الجسمية والنفسية والعقلية ،
* المشكلات الاجتماعية ذات البعد العالمي :
مشكلات البيئة الطبيعية ، تلوث البيئة ، استنزاف الموارد ، المشكلة السكانية ، الحروب والنزاعات المسلحة ،
المنهجية العلمية في دراسة الظواهر والمشكلات الاجتماعية :
ولدراسة الظواهر والمشكلات الاجتماعية بالأسلوب العلمي ثمة مجموعة من الخطوات التي ينبغي اتباعها ، والاعتبارات التي يجب الاهتمام بها وهي على النحو التالي :
• - تعريف الظاهرة أو المشكلة وتحديدها بدقة ووضوح – ماهيتها ، حدودها ، تميزها عن غيرها من الظواهر والمشكلات ، وطبيعة العلاقة بينها وبين الظواهر الاخرى : ارتباط مباشر ، أو غير مباشر ،
• - الخلفية التاريخية للظاهرة والمشكلة بوجه عام ، وفي مجتمع الدراسة بوجه خاص ، متى نشأت ، كيف نشأت ، الظروف ذات العلاقة بالنشأة ، كيف تطورت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ،
• - العوامل التي تميز الظاهرة أو المشكلة في مجتمع البحث واختلافها عن المجتمعات الاخرى ( العربية والاسلامية – المجتمعات النامية ، المجتمعات الغربية ) ،
• - حجم الظاهرة أو المشكلة احصائيا ، ودرجة انتشارها أو تمركزها ، أعداد المتأثرين بها ، ونوعيتهم ، وسمات المناطق التي تنتشر فيها أكثر من غيرها ،
• - الجهود السابقة في التعامل معها سواء على مستوى البحث العلمي والدراسة ( دراسات سابقة ) ، أو على مستوى البعد العملي ( التدخل والمواجهة : سياسات – خطط – برامج – مشروعات ) ، وإلى أين وصلت تلك الجهود ، ودرجة نجاحها في التعامل مع الظاهر او المشكلة ، الصعوبات والظروف التي واجهتها ،
• - الاطار النظري المفسر للظاهرة او المشكلة ( نظريات مفسرة ) وتحديد العوامل المسببة لها ، والظروف التي تؤدي إلى استفحالها ،
• - التخصصات العلمية والمهنية ذات العلاقة بالظاهرة أو المشكلة ، على مستوى الدراسة والبحث والتناول ، أو على مستوى التدخل والمواجهة ،
• - النتائج والآثار المترتبة على الظاهرة أو المشكلة سواء بالنسبة للأفراد ، أو الجماعات ، الأسر ، المجتمعات المحلية ، المجتمع القومي ، وبمختلف أبعادها ،
• - التصورات المطروحة للتعامل مع الظاهرة أو المشكلة على الدى القريب والبعيد ، من حيث :
• برامج التدخل ، التخطيط متوسط المدى ، السياسات والاستراتيجيات بعيدة المدى ،
وهناك مجموعة من الابعاد المختلفة التي ينبغي أن توضع في الاعتبار دراسة الظواهر والمشكلات والتعامل معها من أهمها : بعد البحث العلمي ، البعد التربوي ، البعد القانوني ، البعد الاعلامي ، البعد الخدمي الرعائي العلاجي ، البعد الديني ، البعد المتعلق بالتعاون الاقليمي والدولي
************
***************
الهوامش والحواشي :
============
(1) - يحيى مرسي بدر : " علم الاجتماع مقدمة في سوسيولوجيا المجتمع " ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر , الإسكندرية , 2008م ، ص : 77 ،
(2) – يشير مصطلح " إمبيريقي " Empirical أساسا إلى كل ما يقوم على التجربة ، أو الملاحظة والتجريب ، وتستخدم الكلمة الآن لتشير إلى الملاحظات والقضايا التي تعتمد أساسا على الخبرة الحسية ، أو التي تشتق من الخبرات التي تم التوصل إليها عن طريق المنطق الاستقرائي ، وبالاعتماد على الرياضيات والاحصاء ، ولقد أشار " فيرفي " Furfey إلى أن هذا المصطلح ظهر في العلوم الاجتماعية مرتبطا بالتعميمات الامبيريقية التي تعتمد اعتمادا مطلقا على الخبرة ، أي على استقراء ما هو قائم ، دون الاهتمام بالدلالة النظرية ،
وقد فرق " جون ديوي " J. Dewey بين استخدامين لهذا المصطلح : فما هو امبيريقي عكس ما هو عقلي ، Rational ، أما الاستخدام المبكر لهذا المصطلح فإنه يطبق فقط على النتائج التي ترتكز على ما يمكن استنتاجه من تراكم الخبرات السابقة بصورة تجعل التوصل الى بعض الاستبصارات ممكنة ،
- أنظر : محمد عاطف غيث : " قاموس علم الاجتماع " ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1979م ، ص ص : 431 – 157 ،
(3) - محمد عاطف غيث : " قاموس علم الاجتماع " ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1979م ، ص ص : 431 – 432 ،
(4) - احسان محمد الحسن : " رواد الفكر الاجتماعي " ، دار وائل للنشر ، بغداد ، 1999م ، ص ص : 227-229 ،
(5) - محمد المبارك، "نحو صياغة إسلامية لعلم الاجتماع"، مجلة المسلم المعاصر، العدد9، سنة1397، ص23-24.
(6) - محمد عاطف غيث : " مرجع سبق ذكره " ص : 433 ،
(7) - عدلي السمري : " الاتجاهات السيكولوجية الحديثة في دراسة المشكلات الاجتماعية " ، في : محمد الجوهري وآخرون : " علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية " ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 1998 ، 134
(8) - السيد غنيم : " المشكلات الاجتماعية " ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 2001 م ، ص :241-242 ،
(9) – عدلي السمرى : " مرجع سبق ذكره " ، ص :135،
(10) - التفكك الاجتماعي هو عجز النظم الاجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة ، ويرى " ويليامسون وزملاؤه " : أن التفكك الاجتماعي يحدث عادة نتيجة للتغير الاجتماعي السريع الذي يؤدى إلى اختلال التوازن في المجتمع ، مما يؤدى إلى الخلط والاضطراب في المعايير الاجتماعية ، فيصعب التنبؤ باستجابات الآخرين ، ويضعف تأثير القواعد المتفق عليها للسلوك على الأفراد ،
(11)- السلوك المنحرف ( الانحرافي ) Deviant behavior هو السلوك الذي يتعارض أو يتناقض مع المستويات والمعايير المقبولة ثقافيا واجتماعيا داخل مجتمع أو جماعة اجتماعية أو نظام اجتماعي معين
(12) - ابراهيم عبد الرحمن رجب : " الإسلام والخدمة الاجتماعية " ، الثقافة المصرية للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1421هـ /2000م ، ص : 80 ،
(13) – يعتبر " دور كايم " أول من أدخل هذا المصطلح في علم الاجتماع في دراسته الشهيرة عن " الانتحار " ، حيث تحدث عن الانتحار اللامعياري باعتباره واحدا من بين اشكال اخرى للانتحار تزايد انتشارها في المجتمع الحديث ، وقد نمى دوركايم فكرة اللامعيارية في دراساته الأخرى ، حتى اصبحت تستخدم في تحليل عدد من المشاكل الاجتماعية المشخصة ، وأعطاها مضمونا عكس مضمون التضامن الاجتماعي ، فإذا كان التضامن الاجتماعي يعبر عن حالة من التكامل الايديولوجي المجتمعي ، فإن اللامعيارية تعتبر حالة من التخبط ، وانعدام الامن ، وفقدان المعايير الأمر الذي تصبح معه التمثلات الجمعية منهارة تماما ، وبهذا تفترض اللامعيارية ظرفا مسبقا يكون فيه السلوك محددا معياريا ، وتتسبب أزمة اجتماعية طاحنة في قلب التوازن ، وظهور القلق عند عدد كبير من الناس ، مما يؤدي إلى زلزلة القوة القاهرة للتقاليد ، وإشاعة لا معيارية على نطاق واسع ،
- أنظر : - محمد عاطف غيث : " قاموس علم الاجتماع " ، مرجع سبق ذكره ، ص : 24 ،
وباختصار فإن استمرار الاختلال في المقاييس والمعايير الاجتماعية التي تساعد على التنبؤ بالسلوك المرغوب فيه من أفراد المجتمع ، يؤدي في نهاية الأمر إلى انهيار كامل لتلك المعايير وظهور وضع اللامعيارية ( الانومي ) ، ونتيجة لذلك الوضع الجديد تنطلق شهوات الفرد المحررة من كل قيد فيرتكب أفعالاً تتعارض مع النظام العام للمجتمع .
أنظر : - إبراهيم الطخيس : " دراسات في علم الاجتماع الجنائي " ، دار العلوم للطباعة والنشر ، الرياض ، 1405هـ ، ص ص : 81-82 .
(14) - محمد عاطف غيث : " مرجع سبق ذكره " ص: 433 ،
*****************
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: