د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4730
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مسرحية نوري كامل المالكي فاشلة حتى قبل أن تقدم عرضها الأول. ومع ذلك فقد أحتملها مؤلف ومخرج وسيناريست المسرحية والشعب العراقي قبل كل شيئ، لأكثر من مدة 8 سنوات منها عشرة شهور استيلاء على الحكم بدون وجه حق، وبطرق لا هوادة فيه على جمجمة الدستور والقوانين والأعراف، وحتى الأخلاق العامة والخاصة، وإهانة لإرادة الناس قبل ذكاءهم.
والأمريكان قبل غيرهم يدركون من خلال معاينة سطحية لنوعية رجل مثل السيد المالكي، أن الرجل يفتقر إلى أبسط الامكانات، فهو ليس لديه سوى مستوى متواضع جداً من التعليم، لا تتيح له أكثر من أن يكون كاتب صادرة وواردة في مديرية غير مهمة. كما أن الرجل لم يسبق له أن مارس أو تدرج في الخدمة العامة لتسعفه تلك التجربة على أداء مهام رئيس وزراء في دولة يتجاوز عدد سكانها 36 مليون نسمة، وميزانية تفوق ال 120 مليار دولار، معبئة بالمشاكل الطاحنة التي يتطلب حل كل منها عقلاً جباراً ورؤية عميقة، لا شك أن السيد المالكي يفتقر لها بشدة.
وإذا كان الإيرانيون يتعمدون وضع الرجل الغير مناسب في المكان الغير مناسب، من أجل تدمير مناسب، لكل ما تطاله أيدي هذا المسؤول أو ذاك، ولكن الأمريكان يعلمون ماذا يفعله حداد مثلاً عندما يكلف بإعادة البصر لعين مريض ...! فلماذا وافقوا يومها على استبعاد الدكتور علاوي وحلوا محله السيد المالكي ؟ ترى هل هذه حزورة سياسية أم مخابراتية، أم ماذا ..؟
واليوم، يدرك الأمريكان وحلفائهم الإيرانيون، يدركون تمام الإدراك أن حليفهم المالكي قادهم ومصالحهم إلى الهاوية، وأن يوم القارعة قد أصبح قاب قوسين أو أدنى ... فمالعمل ..؟
لا ريب أن المالكي لم يبق للقوس من منزع، سواء مع أصدقاءه وخصومه، بل وحتى مع أصدقاؤه وشركاؤه في العملية السياسية، وغطس في العديد من الأخطاء التي لم يكن لها من داع، وركب مراكب صعبة، ببراءة وسذاجة منقطعة النظير، كقوله (ما ننطيها)، (بينا وبينهم بحور من الدم)، و(هذه مواصلة لمعارك أنصار الحسين وأنصار يزيد)، ولكن لم تكن تلك الأسباب الجوهرية ليقلب الأمريكان للمالكي ظهر المجن، فما ترى هي الأسباب الجوهرية ؟
بالطبع لم يكن غضب الأمريكان بسبب تراجع مستوى التعليم لتحت الصفر، ولا بسبب الفساد الذي ينخر الدولة ويجعل من كل عملية تنمية أمراً مستحيلاً، فذلك يسعد الأمريكان بالتأكيد. ولا بسبب سياسته الوطنية .. ولا القومية ... ولكن الأمريكان يرون في المالكي شخصاً أهوجاً يرتكب عدداً كبيراً من الأخطاء التي لا داع لها، ويضرب ويقتل عشوائياً بما في ذلك من هم أصدقاء العملية السياسية، بسبب نزوعه الديكتاتوري الغريب، فهذا الرجل على درجة بدائيته يمسك بأيدي من حديد على مفاصل الدولة الرئيسية وغير الرئيسية، لمجرد شهوة لا تصدق في ممارسة الحكم، يحيط به أعوان لا هم لهم سوى إضافة أصفار جديدة لثرواتهم في الخارج، ولم يعمل على إصلاح أي من المشكلات، بل تفاقمت، لدرجة انظمام عامة الناس للمقاومة المسلحة في ثورة شعبية عارمة.
وفي هذا المقال نريد أن نوضح ببساطة شديدة، أن الموقف في العراق يفوق كثيراً في مستحقات الحلول، استبدال المالكي بالعبادي، فكلا الرجلان من خريجي مدرسة واحدة، فالمطلوب هو إزالة النظام الذي نجم عن الاحتلال بكافة مفرداته، وفي مقدمة ذلك الدستور الذي يكرس الطائفية والمحاصصة، فالمالكي لم يكن مسؤولاً لمفرده في كل ما حدث في العراق منذ 2003 وحتى 2014 وينطوي على أستصغار لعقل الشعب إذا تلصق كل ما حدث بظهر رجل واحد، المسألة وحجم الدمار والتخريب أكبر من ذلك بكثير، فلا المالكي تسبب بها جميعاً، ولا العبادي سيتمكن من إصلاحها، ومثل هذه النتيجة الكبيرة ليست من فعل رجل واحد، ولن يكون بوسع البديل من حلها. وقراءة ابتدائية للموقف تشير أن حفلة تبديل الوجوه ستكون فاشلة، بل ستعلن عن فشلها بأقرب من المتوقع.
سقوط المالكي يجب أن يقرأ ويفهم كما هو دون لبس أو التباس، سقوط المالكي هو إشهار إفلاس للنظام الذي أنتجه الاحتلال والحكومات المتعاقبة (العلاوي، الاشيقر، المالكي 1، المالكي 2) ، لابد من الأعتراف أخيراً أن الاحتلال وما تبعه كان السبب في تدمير بلد كان على وشك مغادرة العالم الثالث والبلدان النامية، إلى بلد يقبع في آخر قائمة التخلف في كل أصعدة الحياة.
في الاقتصاد عندما تفلس شركة، أو محل تجاري كبير تعلق لافتة على بوابة المحلات (كل شيئ يجب أن يخرج) (Everything must go!)، والإفلاس الذي شهدناه هو إفلاس تنقصه الصراحة، وجماهير الشعب التي تصر على أن تنال أخيراً فجراً نظيفاً بعيد عن المؤامرات والدسائس المطبوخة في السفارات بدأ بالتعبير عن إرادته مبكراً : بالمالكي أو بغيرة ... بالعراق الموحد ... الحرية ... السيادة ... المجتمع المدني الديمقراطي.
إذن نحو عراق بلا فاسدين، ولا مرتهن للسفارات الاجنبية، عراق للجميع ومن أجل الجميع، عراق هو قادم ... قادم ...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: