دراما رمضان...المال لإنتاج الرداءة و كلّ قبيح لديهم جميل
الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7464
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
خمر، مخدرات، زنا، إغتصاب، الإتجار بالأعضاء، القتل و غيرها من الموبقات و الفواحش التي يستحي اللسان من ذكرها في هذا الشهر الفضيل ...هذه تقريبا حصيلة أغلب الأعمال الدرامية الرمضانية أو بالأحرى ما جادت به قريحة منتجي و صانعي هذه الأعمال...فبعد صوم لسنة كاملة عن إنتاج ما يمكن ان يشاهده التونسي على قناته المسمّاة إصطلاحا بالوطنيّة أعلنت الأخيرة عن أكبر و أضخم إنتاج درامي في تاريخها و حين تسمع ما قيل عن العمل من خلال الومضات الإشهارية يخيّل إليك أنّه يضاهي الأعمال العربية الكبرى بل و يمكنه منافستها لكن منذ الحلقة الأولى من مسلسل ناعوة الهواء و للأمانة ليس هذا المسلسل فقط بل أغلب الأعمال التي تبثّ على القنوات الخاصّة أيضا تكتشف زيف ما تمّ الترويج له فهذا العمل الدرامي و غيره ليس كبيرا و لا ضخما في شيء سوى في الأموال التي صرفت عليه من المالية العمومية التي تعاني حسب ما يتمّ ترديده على مسامعنا كلّ يوم بل تكتشف أيضا ضحالة في المضمون المقدّم للمشاهد و إنحدارا شديدا في المستوى الأخلاقي الأدنى الذي يجب إحترامه لدرجة جعلت العديد من الوجوه المعروفة يطلقون سهام نقدهم تجاه هذه الإنتاجات و الجدوى منها، إذ هل يعقل أن تكتفي التلفزة الوطينة طوال السنة " بتسخين البايت " ثمّ تتحفنا في شهر من المفترض أن يكون الأكثر روحانية و قربا من الله سبحانه و تعالى بعمل أكثر من ثلثي مشاهده زنا و قتل؟
أحد الممثلين في مسلسل ناعورة الهواء هدد بالإضراب إن واصلت إدارة التلفزة الوطنية صنصرة بعض المشاهد من هذه الرداءة اللاّفنيّة، طبعا له الحقّ في ذلك طالما أنّه قبض بعض الملايين المتأتية من الضرائب المفروضة على المساكين من هذا الشعب الذي يسلبوه ماله ثمّ يجبروه على مشاهدة ما ينتجونه من قبح، بل و الأقبح من ذلك أنّه دعا العائلات التونسية الغير راغبة في مشاهدة مسلسله أن يناموا مبكّرا او يغلقوا التلفزة، فهل نسي هذا أنّ القناة الوطنية هي قناة عمومية و تمويلها يأتي أساسا عبر جيوب الفقراء الذين يخاطبهم بهذا المستوى الهابط ثمّ عليه ان يتذكّر أنّ " الكاشي " الذي قبضه نظير أجره متأتّي بدوره من دافعي الضرائب التي لا نظنّ ان شخصا مثله يدفعها.
من سنة إلى أخرى تثبت النخب التونسية فشلها في إنتاج ثقافة سليمة تلاءم الذوق العام أو يمكنها أن تنافس عربيّا و حتى مغاربيا بل أنّ الفجوة الحاصلة بين النخبة و عامة الناس تزداد إتساعا مع الإصرار المتعمّد من قبل منتجي الثقافة على النأي بهذه الثقافة عن عادات و تقاليد و هوية هذا الشعب الذي مهما قيل عن مستوى تمسّكه بها إلاّ أنّه من المؤكّد يبقى أكثرا رفعة و سموّا من هذه النخب المنبتّة التي تحاول جاهدة فرض ما تؤمن به من معتقدات فكرية على هذا الشعب الغير آبه بها مستعينة كما هي العادة بإعلام لا همّ له سوى كسب المال على حساب الأخلاق.
حتما المال ليس كافيا لإنتاج ثقافي يحظى بالإحترام بل يجب توافر عدّة عوامل أخرى أهمّها معرفة الحاجة الثقافية لهذا الشعب، فالمثقّف ينتج أسمى و أرقى ما يحتاجه الإنسان من غذاء للروح لذلك يجب عليه أن يكون أحرص من جميع بائعي و مروّجي سلعهم إذ لا يجب على المثقّف أن ينتج أيّ شيء ثمّ يطالب النّاس بإستهلاكه غصبا مستعملا تلك العبارة " أشرب و إلاّ طيّر قرنك "، الأمور لا تدار بهذه الطريقة الفجّة بل على المثقّف أن يكون أكثر الناس تواضعا و غوصا في أغوار المجتمع باحثا عن مشاكله الحقيقة و التي عليه أن يسعى لمعالجتها بطريقة فنيّة أو على الأقلّ طرحها للعلن و إخراجها من دائرة الصمت، فالمثقّف هو الرئة بالنسبة لمجتمعه إذا أحسن الإنتاج نعم المجتمع بثقافة نظيفة و إن لم يحسن كما هو حالنا في تونس إستنشق المجتمع كلّ ما هو قيبح و رديء فيصدق فيها قول القائل " نكبة تونس في نخبتها ".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: