د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7549
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحلقة الخامسة :
كلمــــات :
- " ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله ، وأداء ما افترض الله ، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير " (عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ) ،
- " أما سلكتَ طريقا ذا شوك ؟ قال : بلى، قال : فما عملت ؟ قال شمَّرتُ واجتهدت، قال : فذلك التقوى " ، ( الصحابي الجليل أبي ابن كعب في رده على سؤال عمر ابن الخطاب له عن التقوى ) ،
- " الخلق الحسن صفة سيد المرسلين وأفضل أعمال الصديقين وهو على التحقيق شطر الدين وثمرة مجاهدة المتقين ، ورياضة المتعبدين. " ،
- قال ابن لقمان الحكيم لأبيه: يا أبت أي الخصال من الإنسان خير قال: الدين قال: فإذا كانت اثنتين قال: الدين والمال ، قال: فإذا كانت ثلاثاً قال: الدين والمال والحياء قال: فإذا كانت أربعاً قال: الدين والمال والحياء وحسن الخلق قال: فإذا كانت خمساً قال: الدين والمال والحياء وحسن الخلق والسخاء قال: فإذا كانت ستاً قال: يا بني إذا اجتمعت فيه الخمس خصال فهو نقي تقي ولله ولي ومن الشيطان بري وقال الحسن من ساء خلقه عذب نفسه "
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،
ابن آدم :
تزود للذي لا بد منه ***فإن الموت ميـــــــــقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم ***لهم زاد وأنت بغير زاد
أمـــا بعد :
كنا قد انتهينا في الحلقة السابقة إلى البعد الثالث من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي جاءت في الحديث الشريف : " إتق الله حيثما كنت .... الحديث " ، ذلك البعد الذي يضبط علاقة المؤمن بغيره من الناس والمتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : " وخالق الناس بخلق حسن " ، أي من غير تكلف ولا تصنع ، وبينا كيف أن التوجيه النبوي يؤكد على ضرورة تحلي المؤمن بالخلق الحسن في تعامله مع الناس كل الناس مؤمنهم وكافرهم ( مالم يكن محاربا ) ، وبرهم وفاجرهم ، كبيرهم وصغيرهم ، قريبهم وبعيدهم ، وتلك سمة من سمات عظمة الإسلام وعظمة رسول الإسلام ، لقد بلغ من روعة هذا الدين وعظمته - في مجال العلاقات الإنسانية – أن علمنا وحثنا على مقابلة الإساءة بالعفو عند المقدرة ، بل ومقابلة السيئة بالحسنة ، بمعنى أن يحسن المسلم لمن أساء إليه ، وقد ورد هذا المعنى في كثير من آيات الذكر الحكيم ، والأحاديث النبوية الشريفة ، المبينة لفضل حسن الخلق ، ومكانته في الإسلام ، واعتباره أساسا متينا وركنا ركينا في بناء العلاقات مع الآخرين ،
ولا شك أن أول الخلق الحسن في العامل مع الناس كف الأذى عنهم ، بمعنى أن تكف عنهم أذاك من كل وجه ، وتعفو عن مساوئهم وأذيتهم لك ، وفي هذا السياق نفهم معنى قول ابن المبارك يرحمه الله : " حُسْن الخُلُق : بسط الوجه ، وبذلُ المعروف ، وكفّ الأذى "
ثم من حسن الخلق أن تعامل الناس بالإحسان القولي والإحسان الفعلي وأخص ما يكون بالخلق الحسن : سعة الحلم على الناس ، والصبر عليهم ، وعدم الضجر منهم ، وبشاشة الوجه ، ولطف الكلام ، والقول الجميل المؤنس للجليس ، المدخل عليه السرور ، المزيل لوحشته ومشقة حشمته ، وقد يحسن المزح أحيانا إذا كان فيه مصلحة ، لكن لا ينبغي الإكثار منه ، وإنما المزح في الكلام كالملح في الطعام ، إن عدم أو زاد على الحد فهو مذموم ، ومن الخلق الحسن : أن تنزل الناس منازلهم ، وأن تعامل كل أحد بما يليق به ، ويناسب حاله من صغير وكبير ، وعاقل وأحمق ، وعالم وجاهل ،
- الخلق – كما هو معلوم - صورة الإنسان الباطنة ، والخلق الحسن في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم هو أس الفضائل ، وينبوع المكارم ، وعين الكمال الإنساني ، ولذلك جاء في حديث مسلم : " البر حسن الخلق " (1) ، والمعنى أن خير خصال البر وأعظمها وأعلاها وأسماها حسن الخلق ، وذلك نظير قوله صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفه " ، وناهيك أن الله سبحانه وتعالى امتدح محمدًا صلى الله عليه وسلم به لبيان فضله ، وعلو منزلته وشرفه فقال عز من قائل : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، وبينا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر مهمته التي لأجلها بعث ، وبها جاء من عند الله تعالى فيقول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وقال تعالى : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }( الفرقان : 63 ) ......إلى آخر ما جاء في هذه الآيات وما شاكلها من الآيات ولنا الأسوة الحسنة في قوله وفعله صلى الله عليه وسلم ،
- قال الإمام الغزالي رحمه الله : " الخلق والخلق عبارتان مستعملتان معاً يقال: فلان حسن الخلق والخلق - أي حسن الباطن والظاهر - فيراد بالخلق الصورة الظاهرة ويراد بالخلق الصورة الباطنة ، وذلك لأن الإنسان مركب من جسد مدرك بالبصر ومن روح ونفس مدرك بالبصيرة ، ولكل واحد منهما هيئة وصورة إما قبيحة وإما جميلة.
فالنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدراً من الجسد المدرك بالبصر ، ولذلك عظم الله أمره بإضافته إليه إذ قال تعالى " إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين ، والروح إلى رب العالمين " ( الغزالي : إحياء علوم الدين ) ،
- والوصية النبوية - التي نحن بصددها - تؤكد أن على المسلم الحق أن يُعامل الناسَ جميعاً معاملة حسنة ، منضبطة بضوابط الشرع الحكيم ، ومحكومة بالمنهج الإلهي القويم ، فيُعاملهم بمثل ما يحبُّ أن يُعاملوه به ، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه : " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير " ( قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7085 في صحيح الجامع ) ،
وفي الحديث الشريف : " فمن أحب أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة ، فلتأته منيته و هو يؤمن بالله واليوم الأخر ، و ليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه " (2) ،
وهكذا نعلم أن من اتقى الله ، وحقق تقواه ، وخالق الناس على اختلاف طبقاتهم بالخلق الحسن ، فقد حاز الخير كله ، لأنه قام بحق الله وحقوق العباد . ولأنه كان من المحسنين في عبادة الله ، المحسنين إلى عباد الله ،
وقد وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصّى به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من التعامل مع الناس بمحاسن الأخلاق ومكارمها فقال تعالى : ، { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } ( آل عمران (133 : 136) ) ،
- أن قوله صلى الله عليه وسلم " وخالِقْ الناس ...... " كما قال بعض أهل العلم : هذه الصيغة تدلّ على الأمر بمداومة التعامل مع الناس بالأخلاق الحسنة ، وأن هذا الأمر إما أنه على سبيل الوجوب وإما على سبيل الاستحباب ، وعلى أي حال يستفاد منه : مشروعية مخالقة الناس بالخلق الحسن وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم كيفية المخالقة , وهي تختلف بحسب أحوال الناس فقد تكون حسنة لشخص , ولا تكون حسنة لغيره , والإنسان العاقل يعرف ويزن ، وبعبارة أخرى : فإن قيل: معاملة الناس بالحزم والقوة والجفاء أحياناً هل ينافي هذا الحديث أو لا ؟ فالجواب : لا ينافيه ، لأنه لكل مقام مقال ، فإذا كانت المصلحة في الغلظة والشدة فعليك بها ، وإذا كان الأمر بالعكس فعليك باللين والرفق ، وإذا دار الأمر بين اللين والرفق أو الشدة والعنف فعليك باللين والرفق ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ اللهَ رَفِيْقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ " ،
- أن التعامل مع الناس ومخالقتهم بالخلق الحسن من شأنه أن يقود إلى أن تجتمع القلوب ، وتتفق الكلمة ، وتنتظم الأحوال ، وتقوى الأمة ، ويشتد عودها ،
- تؤكد الوصية على الترغيب في التحلي بحسن الخلق مع الناس ، وهو من خصال " التقوى " التي لا تتم التقوى إلا به ، وإنما أفرد بالذكر للحاجة إلى بيانه ، والتأكيد على أهميته ومكانته ، فإن كثيرا من الناس يظن أن التقوى تقتصر على مجرد القيام بحق الله تعالى ، دون حقوق عباده ، وليس الأمر كذلك ، بل الجمع بين حقوق الله وبين حقوق عباده هو المطلوب شرعا ، وهو عزيز لا يقوى عليه إلا الكمل من الناس ،
* ومن الأحاديث النبوية التي تحدثت عن حسن الخلق وبينت فضله ومكانته نذكر :
- أن حسن الخلق من أفضل الأعمال : ففي الحديث الشريف ( وإن كان به ضعف ) عن أبي العلاء بن الشخير رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أفضلُ الأعمال حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَأَنْ لَا تَغْضَبَ إن استطعت " ( قال الألباني : ضعيف ) (3) ،
- الصبر على سوء خلق الزوجة : يروى في الأثر أن نبيا من الأنبياء عليهم صلوات الله وتسليماته اشتكى إلى ربه سوء خلق امرأته ، فأوحى الله تعالى إليه : قد جعلت ذلك حظك من الأذى ،
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً ، وخيارهم خيارهم لنسائهم " ،
- أن إسلام المرء لا يكمل إلا بحسن الخلق : عنه صلى الله عليه وسلم : " إن الله اختار لكم الإسلام ديناً فأكرموه بحسن الخلق والسخاء ، فإنه لا يكمل إلا بها " ،
- أن أصول مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وأمهاتها ثلاث خصال : ، قال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } ( الأعراف : 199 ) ، قال في تفسير ذلك : أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتعطي من حرمك " (4)
- أن حسن الخلق مع الأعداء يذهب العداوة : قال الله تعالى :{ اُدْفَعْ بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } ( فصلت:34 ) ، فنحن أمام أمر إلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( ومن خلاله لعموم أمته والتابعين له ) بالتحلي بمكارم الأخلاق ومعامليها في التعامل مع الناس عامة والمسيء خاصة ، هذا الأمر مؤداه : ادفع - أيها الرسول - بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك , وقابل إساءته لك بالإحسان إليه , فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك ، شفيق عليك ،
- أن حسن الخلق يثقل ميزان العبد يوم القيامة : فعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن " (5)
- أن حسن الخلق يجعل صاحبه من أحب الناس إلى الله : ففي الحديث: " أحبكم إلى الله تعالى أحسنكم أخلاقاً " (6) ،
- خيار الناس أحسنهم أخلاقا : فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا " ( رواه البخاري ومسلم والترمذي ، صححه الألباني ) ، (7)
- أن خيار الناس أحسنهم قضاءا : فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ، فأغلظ له ، فهم به أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ثم قال أعطوه سنا مثل سنه ، قالوا يا رسول الله لا نجد إلا أمثل من سنه ، قال أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء " ( صححه الألباني ، رواه البخاري ومسلم والترمذي مختصرا ومطولا وابن ماجه مختصرا ) (8) ، وفي رواية أنه قال " وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، قَالُوا: لاَ نَجِدُ إِلاَ أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ ، قَالَ: « اشْتَرُوهُ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً " ،
- أن حسن الخلق سبيل إلى الجنة والنجاة من النار : ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل للنبي صلى الله عليه و سلم : يا رسول الله ! إن فلانة تقوم الليل ، وتصوم النهار ، وتفعل وتصدق ، وتؤذي جيرانها بلسانها ! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا خير فيها ، هي من أهل النار . قال : وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأتوار ( من الأقط ) ولا تؤذي أحدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هي من أهل الجنة ، ( أتوار : جمع تور بالمثناة : إناء من صفر ، وأثوار بالمثلثة وهو الصواب جمع ثور : وهي قطعة من الأقط وهو لبن جامد مستحجر ) ( قال الألباني صحيح ، السلسلة الصحيحة ، ج 1 ، ص : 369 )
* ومن مآثر السلف الصالح وأقوالهم في حسن الخلق نذكر ما يلي :
- قال الفضيل بن عياض يرحمه الله : " لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق " ،
- صحب ابن المبارك - رحمه الله - رجلاً سيئ الخلق في سفر ، فكان يحتمل منه ويداريه ( من المداراة ) ، فلما فارقه بكى ، فقيل له في ذلك فقال : " بكيته رحمة له فارقته وخلقه معه لم يفارقه " ،
- قال الجنيد سيد أهل الطائفة رحمه الله : " أربع ترفع العبد إلى أعلى الدرجات وإن قل عمله وعلمه الحلم والتواضع والسخاء وحسن الخلق وهو كمال الإيمان " ،
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " خالطوا الناس بالأخلاق وزايلوهم بالأعمال " ،
- قال يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى : " سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات وحسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات " ،
- سئل ابن عباس رضي الله عنهما : " ما الكرم فقال: هو ما بين الله في كتابه العزيز " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " قيل فما الحسب قال: أحسنكم خلقاً أفضلكم حسباً " ، وقال : " لكل بنيان أساس وأساس الإسلام حسن الخلق " ،
- قال عطاء رحمه الله : " ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن ولم ينل أحد كماله إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم فأقرب الخلق إلى الله عز وجل السالكون آثاره بحسن الخلق " ،
وصفوة القول أننا أمام واحد من الأحاديث النبوية الجليلة الجامعة المانعة ، وفيه من الفوائد ما الله به عليم ، ولعل على رأس تلك الفوائد بيان مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، وذلك بتوجيههم لما فيه الخير والصلاح ,
اللهم يا رب الأرباب ، ويا مسير السحاب ، يا من ليس على بابه حاجب ولا بواب ، نسألك يا من لا تضره المعصية ، ولا تنفعه الطاعة ، أيقظنا من نوم الغفلة ، ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة ، ووفقنا لمصالحنا ، واعصمنا من قبائحها ، ولا تؤاخذنا بما انطوت عليه ضمائرنا ، وأكنته سرائرنا من أنواع القبائح والمعائب التي تعلمها منا ، وامنن علينا يا مولانا بتوبة تمحو بها عنا كل ذنب ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين ، برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله علي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،
اللهم أنظمنا في سلك الفائزين برضوانك ، واجعلنا من المتقين الذين أعددت لهم فسيح جنانك ، وأدخلنا برحمتك في دار أمانك ، وعافنا يا مولانا في الدنيا والآخرة من جميع البلايا ، وأجزل لنا من مواهب فضلك وهباتك ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،
الهوامش والإحالات :
===========
(1) – الحديث عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" ( رواه مسلم ، وصححه الألباني ، أنظر : صحيح الجامع الصغير وزيادته ، ج2 ، ص : 4 ) ،
(2) – الحديث أخرجه الإمام مسلم وغيره عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال : " دخلت المسجد ، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة ، و الناس مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه ، فقال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا ، فمنا من يصلح خباءه ، و منا من ينتضل ، و منا من هو في جشره ، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة ، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ،
و ينذرهم شر ما يعلمه لهم ، و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها ، و تجيء فتنة ، فيرقق بعضها بعضا ، و تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف ، و تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة ، فلتأته منيته و هو يؤمن بالله و اليوم الأخر ، و ليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، و من بايع إماما فأعطاه صفقة يده ، و ثمرة قلبه ، فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " ( صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" ، ج 1 ، ص : 430 ) ،
(3) - محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني : " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة " ، دار المعارف ، الرياض - المملكة العربية السعودية ، 1412 هـ / 1992 م ، ج14 ، 1135
(4) - وروى القاضي عياض في كتابه ( الشفاء ) ، وهو مما رواه ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، وابنُ جرير في ( تفسيره ) لما نزل قوله تعالى : { خذ العفو ......} ( الأعراف : 199 ) سألَ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جبريلَ عن تأويلها فقال له جبريل : حتى أسأل العالِم ، فأتاه فقال : " يا محمد إن الله يأمرك أن تَصِل من قطعك ، وتُعطيَ من حَرمَك ، وتعفوَ عمن ظلمك " ، أنظر :
- الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير " ، الطبعة التونسية ، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م ، ج24 ، ص : 292،
(5) - محمد ناصر الدين الألباني : " صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته " ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ج3 ، ص : 6 ،
(6) – من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون ، ولإن أبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الإخوان ، الملتمسون للبرءاء العثرات " ( قال الألباني : أخرجه ابن أبي الدنيا من طريق صالح المري وهو ضعيف فلعل الحديث بهذا الشاهد يصير حسنا ) ،
(7) - محمد ناصر الدين الألباني : " صحيح الترغيب والترهيب " ، مكتبة المعارف – الرياض ، ط3 ، ج3 ، ص : 4
(8) – نفس المرجع السابق ، ج3 ، ص : 4 ،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: