كتاب منظومة حقوق الإنسان من منظور الخدمة الاجتماعية (16)
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5617
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
4-3 الحقوق السياسية والمدنية : Political & Civil Rights
" الحقوق المدنية " مصطلح يعني : الحريات والحقوق التي يتمتع بها الفرد بصفته مواطنًا في مجتمع أو ولاية أو دولة ، وتشمل هذه الحقوق حرية التعبير وحرية الصحافة والعقيدة وحرية التملك. أما المسلم فليس له أن يغير دينه لقوله ص (من بدل دينه فاقتلوه) أخرجه البخاري وأحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجة والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه ،
ونشير إلى أن الحكومات المستبدة عادة أنها تحترم هذه الحقوق ، ولكن هناك فجوة – في الواقع - بين القول والفعل في هذا الصدد ، ففي الدول الشيوعية - على سبيل المثال - يُحرم المواطنون من حقوقهم الأساسية ، كحرية التعبير وحرية الصحافة ، رغم أن دساتير هذه الدول تكفل تلك الحقوق ،
ويضع بعض الناس حدودًا فاصلة بين مفهومي الحريات المدنية، والحقوق المدنية. وَيرى هؤلاء، أن الحريات المدنية تشكل الضمان ضد التدخل الحكومي. أما الحقوق المدنية فهي تعبر عن ضمانات لتحقيق العدل والمساواة بين المواطنين. فعلى سبيل المثال، تشمل الحريات المدنية، كفالة حق المواطنين في التعبير من غير تدخل حكومي. أما الحقوق المدنية، فتنطوي على حق المواطنين في المساواة، والحماية أمام القانون. كما يعني مفهوم الحقوق المدنية في سياق آخر وضع الأقليات، وأسلوب معاملتها داخل المجتمع. أما في هذه المقالة، فيشتمل مصطلح الحقوق المدنية على كل من الحريات المدنية والحقوق المدنية.
ونذكر هنا أربعة حقوق وهي : - حق الحرية ، حق العمل ، حق المشاركة السياسية ، حق الملكية.
* حق الحرية : Freedom Right
وينقسم الحق في الحرية إلى الحرية الشخصية ، وحرية العقيدة ، وحرية الفكر والتعبير عن الرأي ،
ويقصد بالحرية الشخصية Personal Freedom : أن يكون الفرد قادراً على التصرف في شؤون نفسه ، وهي تتفرع إلى عدة فروع تشكل بمجموعها قوام تلك الحرية ، وهي من أخص خصائص الإنسان وهي: حرية الذات ، حرية التنقل ، وحق الهجرة واللجوء ، حق الأمن ، حرمة المأوى ، حق سرية المراسلات.
أما حرية الاعتقاد Belief Freedom فهي أول حقوق الإنسان التي يثبت بها وصف إنسان ، فالذي يسلب إنساناً حرية الاعتقاد إنما يسلبه إنسانيته ابتداء ، وفيها يتجلى تكريم الله للإنسان ، واحترام إرادته وفكره ومشاعره ،
أما حرية الفكر والتعبير Thought & Opinion Freedom عن الرأي فهي من أهم الحريات التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، لأن الفكر أثمن المواهب الإنسانية ، وهو وسيلة المرء لاكتساب العلم والمعرفة والحكمة ، كما أنه أداة تعبير عن حرية إرادة الإنسان ، وتمكنه من التمييز بين الفضائل والرذائل ، وبين الخير والشر.
* حق العمل : Labor Right
وخلاصة ما يهدف إليه الإسلام أن يضمن للعامل حق المعيشة في مستوى لائق، ويشمل ذلك التغذية والملبس والمسكن، والعناية الصحية ، وذلك بتوفير فرص العمل له وإعطائه أجره كاملاً لقاء عمله، وأن يكون أجره مساوياً لعمله، إن لم يكن زائداً عليه، وتشجيعه من خلال الحوافز، وتنمية مهاراته ومواهبه، وتحسين مستوى أدائه المهني وصقل مواهبه، وألا يكلف ما لا يطيق من العمل ،
* حق المشاركة السياسية : Political Participation Right
وهي تعني أحد أمرين :
الأول: حق كل إنسان في تولّي الوظائف الإدارية - صغارها وكبارها- ما دام بكفايته أهلاً لتوليها ،
الثاني: حق كل إنسان أن يبدي رأيه في سير الأمور العامة وتخطئتها أو تصويبها وفق ما يعتقده ويراه في إطار الضوابط الشرعية ،
إذا فالأمرالأول تتحقق فيه المشاركة بين المجتمع المسلم ، وتتحقق فيه الحرية السياسية ، والعدالة الاجتماعية الهادفة إلى تكوين مجتمع المودة والرحمة ، أما الأمر الثاني - وهو إبداء الرأي - فصاغ الإسلام ذلك في أمور ثلاثة :
- أنه جعل أمر المسلمين شورى بينهم ،
- إنه ليس في الإسلام ذات مصونة لا تمس، بل الجميع في ذات الله وأمام شرعه سواء، كل يصيب ويخطئ ،
- ما أوجبه الإسلام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
* حق الملكية : Ownership Right
لقد وقف الإسلام موقفاً وسطاً في حق الملكية، مما يحقق التوازن بين الفرد والجماعة، فلا يطغى جانب الفرد على جانب الجماعة، فيزداد الغني غنى، ويزداد الفقير فقراً، ولا يطغى جانب الجماعة على الفرد، فيصبح مهمشاً لا قيمة له أشبه بعجلة في آلة، فتموت في نفسه جميع الحوافز الإنتاجية ، أما القيود الواردة على الملكية نذكر منها ثلاثة قيود :
الأول: من حيث الحصول عليها. فاشترط الإسلام أن تكون ناشئة عن أسباب مشروعة ، وتتمثل في الآتي:
- العمل بكل أنواعه.
- العقود والتصرفات الناقلة.
- التولد من المملوك.
- الميراث.
الثاني: من حيث تنميتها. وقد نظم الإسلام طرق تنمية المال وفق الضوابط المشروعة. فحرم الغش بكل أنواعه، وحرم الربا، وحرم الاحتكار.
الثالث: من حيث إخراجها. فقد شدد الإسلام في إخراج الملكية حتى لا تتعرض للسفه. ولذلك وضع الإسلام طرقاُ صحيحة مبنية على أسس وقواعد شرعية، وحرم كل طريق يتنافى مع ذلك. ومن الوسائل التنظيمية التي قررها:
- أن الإسلام حرم التبذير والتقتير، وجعل الاعتدال صفة للمؤمنين.
- فرض الإسلام الحجر على صاحب الملكية، إذا لم يحسن التصرف فيها، كأن يكون صغيراً، أو مجنونا،ً أو سفيهاً مبذراً.
- توظيف الملكية بإخراجها مقابل ثمنٍ عالٍ، كإنفاقها في الجهاد في سبيل الله، ومقابل ذلك الجنة.
- استخدام المال، وذلك بتوظيفه في المشروعات التي تعود على المسلمين بالخير والنفع.
- الميراث، وهو سبب من أسباب الحصول على الملكية.
وقد رتب الإسلام حقوقاً على الملكية بما يضمن العيش الكريم لكل الأفراد، فأمر رب الأسرة بالنفقة على من تلزمه نفقته، وكذا النفقة على القريب الفقير، وصلة الرحم، وهكذا. وقد ذكر المؤلف بعض الحقوق المترتبة على الملكية منها: الزكاة ، الصدقات ، الوقف ، الوصية ،
وفي ختام مناقشتنا للحقوق المدنية نود التأكيد على أن هناك مجموعة من الضوابط المنظمة للحقوق المدنية في النظم الديمقراطية ، والتي تشكل حدودا ينبغي مراعاتها ، مثل (1) ،
- أنه قد يحرم الفرد من إبداء رأيه في بعض الظروف تستلزم ذلك للصالح العام ، خاصة إذا كان مثل هذا الفعل ( حرية إبداء الرأي ) يؤدي إلى تقويض الحياة الاجتماعية ،
- كما لا يمكن السماح بالحقوق المدنية لتبريرعمل يمكن أن يلحق الضرر بالصحة العامة ، أو يهدد الأمن والرفاهية والأخلاق في المجتمع ،
- كمالا يمكن السماح باستخدام هذه الحقوق المدنية لانتهاك حقوق الآخرين ، أو الاعتداء عليها ، فحرية التعبير- على سبيل المثال - لا يمكن أن تعني حق التشهير بالآخرين ،
- وإذا كانت حرية التملك التي ينص عليها القانون تتيح للملاك حق التصرف في ممتلكاتهم ، فإن القانون ( أي قانون ) لا يسمح للملاك بعدم بيع ممتلكاتهم للآخرين بسبب إنتمائهم العرقي أو الديني، لأن هذا يعني انتهاكًا صارخًا لحق حرية الإختيار الذي ينص عليه القانون.
4-4الحقوق الخاصة :
وإلى جانب تلك الحقوق السابق ذكرها فإن ثمة حقوق خاصة في الإسلام ترتبط بفئات معينة من الناس بحكم وضعيتهم أو ظروفهم الخاصة مثل حقوق : الوالدين ، والمستضعفين ، المرأة ، الطفل ، اليتيم ، السجين ، المتهم ، ضحايا الجريمة ، وهي لا تقل أهمية عن الحقوق العامة ، إذ عليها تتوقف الممارسة الكاملة للحقوق العامة الأساسية (2)
* حقوق الوالدين :
فلقد شدد الإسلام على بر الوالدين، وطاعتهما ، والتواضع لهما ، وشكرهما على يقدمونه من رعاية للأبناء ، وتحريم عقوقهما ،
قال تعالى : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " ( الإسراء : آية : 23-24)
ويبين الإسلام العديد من ثمرات بر الوالدين وطاعتهما :
- أن يصبح الإنسان مستجاب الدعوة.
- أن بر الوالدين سبب في طول العمر، وسعة الرزق.
- ومن ثمرات البر أن يُصرَف السوء عن الإنسان البار بوالديه.
- ومن الثمرات أن يبره أبناؤه، فيرزقه الله ذرية صالحة بارة، كما كان باراً بوالديه، فتتصل سلسلة البر من الأبناء بالآباء عبر الأجيال.
- أن بر الوالدين سبب في تكفير الذنوب.
* حقوق المرأة :
حيث أكد الإسلام على المساواة بين الرجل والمرأة في الكرامة الإنسانية ، وأهلية المرأة ، ودور المرأة في بناء المجتمع ، وهكذا فالأمر في الإسلام لم يقف عند الحفاظ على حقِّ المرأة في الحياة فقط ، وإنما رغَّب الإسلام في الإحسان إليها صغيرة ؛ ففي الحديث الشريف : "مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ" (3) ، كما أمر الإسلام بتعليمها كما في الحديث : "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا.. فَلَهُ أَجْرَانِ"(4). وكان يجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ، ويذكِّرَهُنَّ، ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى " (5) ،
وما أن تشِبَّ البنت وتصير فتاة بالغة ؛ حتى يُعْطِيَها الإسلام الحقَّ في الموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوِّز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده ، وفي الحديث : " الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" (6) ، وفي حديث آخر: "لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ". قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: "أَنْ تَسْكُتَ" (7) ،
ثم لمَّا تصير زوجةً يحثُّ الشرع الحنيف على حُسْن معاملتها وعشرتها بالمعروف ؛ مبيِّنًا أن حُسْن عِشْرَة النساء دليل على نُبْل نفس الرجل وكريم طباعه ، ففي مجال الترغيب في ذلك جاء في الحديث : " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْـمَاءِ أُجِرَ" (8) ، وفي مجال الترهيب جاء في الحديث : "اللَّهُمَّ، إِنِّي أُحَرِّجُ (9) حَقَّ الضَّعِيفَيْن ِ: الْيَتِيمِ وَالْـمَرْأَةِ" (10) ،
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة عملية في ذلك ؛ فكان في غاية الرقَّة واللُّطف مع أهله، يروي في ذلك الأسود بن يزيد النخعي، فيقول: سألتُ عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي يصنع في أهله ؟ قالت: "كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ (11) ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، قَامَ إِلَى الصَّلاةِ" (12) ، وإذا ما كرهت الزوجة زوجها ولم تُطِق الحياة معه، فقد سنَّ لها الإسلام حقَّ مفارَقة الزوج ، وذلك عن طريق الخُلْع ِ؛ فعن ابن عباس قال: " جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي فقالت: يا رسول الله، ما أَنْقِم على ثابت في دِينٍ ولا خُلُق، إلاَّ أنِّي أخاف الكفر ، فقال رسول الله: " فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَه ُ؟" فقالت: نعم. فردَّتْ عليه حديقته، وأمره ففارقها (13) ،
وإضافةً إلى ما سبق، فقد أثبت الإسلام للمرأة ذِمَّة ماليَّة مستقلَّة تمامًا كالرجل؛ فلها أن تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكل وتهب، ولا حِجْر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة، وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) (النساء: آية : 6) ،
وهكذا فالإسلام يقرر مبدئيا - وكحكم عام ومطلق - المساواة بين الرجل والمرأة ، قال تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .... " ( الحجرات : آية : 13)
فالقرآن والسنة النبوية الشريفة حررا النساء من الظروف غير المقبولة التي سادت في الجزيرة العربية قبل الإسلام ، وان الأخير منح النساء موقعا يفوق ما منحته لهن التعاليم الدينية الأخرى، إذ كان عليهن في الديانات الأخرى بذل مجهود عظيم لإحراز المستوى والوضع العالي الذي ضمنه لهن القرآن قبل أربعة عشر قرنا ، ومن ناحية الحقوق التي ضمنها الإسلام للنساء ، حق الحياة، التعليم، إدارة الأعمال، الإرث، الاحتفاظ بالملكية، المحافظة على أسمائهن، في الوقت الذي ما زالت في العادات الاجتماعية السائدة تمنع المرأة في كثير من الأحيان من الحصول على تلك الحقوق(14)
* حقوق الطفل : Child Rights
فيؤكد الإسلام على رعاية الصغار وحضانتهم والاهتمام بشؤنهم في كافة المجالات ، بل يبدأ الإهتمام بالطفل في التصور الإسلامي حتى قبل أن يأتي إلى الحياة ، فمن حقوق الطفل حسن اختيار أمه عند الزواج ، ثم يمتد الأمر إلى حماية الجنين وهو في بطن أمه وتقرير العديد من حقوقه إلى أن يولد ، ثم عني الإسلام بالطفل في شتى مراحل نموه منذ أن يولد إلى أن يبلغ الحلم ، وجعل كل ذلك له حقاً على الوالدين ، أما حقوق الطفل في الإسلام فيمكن تلخيصها غيما يلي : حق النسب إلى أبيه ،
حق الإرث ممن يموت من مورثه ، استحقاق ما يوصى له به ، ستحقاق ما يوقف عليه ، النفقه ، هذا إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى للطفل مثل حق الطفل في تسميته اسما حسنا، وحق الطفل في العقيقة والختان، وحق الطفل في الرضاع ، وحق الطفل في الحضانة ، وعدم تكليفه ما لا يطيقه ،
* حق اليتيم :
اليتم في اللغة هو انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه ، قال الراغب : وفي سائر الحيوان من قبل أمه، وكل منفرد يتيم، يقال: " درة يتيمة " تنبيها علي انه انقطع مادتها التي خرجت منها، وقيل " بيت يتيم " تشبيها بالدرة اليتيمة ، وقيل: اليتيم: من فقد أباه قبل ان يبلغ ، وأما اللطيم: فهو من فقد أمه ، وأما القطيع : فهو من فقدهما معا (15) ، وقد أولي القرآن الكريم اليتيم عناية خاصة، ووضع الأسس الواضحة والقواعد القاطعة، والحدود الصارمة لحسن رعايته، والاهتمام به ، والحفاظ علي حقوقه العشرة حتي يبلغ سن الرشد، وهي:
- حق حماية مال اليتيم : يقول تعالي: " وآتوا اليتامي أموالهم ولاتتبدلوا الخبيث بالطيب " ( النساء: آية : 2 ) ، ويقول تعالي: " ان الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما، انما يأكلون في بطونهم نارا " ( النساء: آية : 10) ، ويقول تعالي: " ولاتقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده " ( الأنعام: آية : 152) ،
- حرمة القهر: القهر: هو الغلبة مع عدم القدرة علي الإنتصار للحق أو الأخذ علي يد المعتدي، يقول تعالي: " فأما اليتيم فلاتقهر ...." ( الضحي: آية : 9) ،
- حق الاكرام: الكرم: هو الإعطاء بسهولة، دون عوض مادي أو معنوي، والكرم اذا كان بالمال فهو الجود، وان كان بكف ضرر مع القدرة عليه فهو العفو، وان كان ببذل النفس فهو الشجاعة، يقول تعالي: " كلا بل لاتكرمون اليتيم " ( الفجر: آية : 17) ،
- حرمة الدع (الدفع): الدع: الدفع بجفاء وعنف، يقول تعالي: 'أرأيت الذي يكذب بالدين. " فذلك الذي يدع اليتيم " ( الماعون:آية : 2،3) ،
- حق الاطعام : يقول تعالي : " ويطعمون الطعام علي حبة مسكينا ويتيما وأسيرا " ( الانسان:آية : 8) ، ويقول تعالي: " أو اطعام في يوم ذي مسبغة. يتيما ذا مقربة " ( البلد:آية : 15، 16)
- حق الايواء: يقول تعالي: " ألم يجدك يتيما فأوي " ( الضحي: آية : 6) ،
- حق حفظ الميراث حتي بلوغ سن الرشد: يقول تعالي: 'وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا " فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك " ( الكهف :آية : 82) ،
- حق الإحسان: الإحسان: لغة فعل ماينبغي ان يفعل من الخير، والاحسان أعم من الأنعام، والاحسان فوق العدل وذاك ان العدل ان يعطي ماعليه ويأخذ ماله، أما الاحسان فانه يعطي أكثر مماعليه، ويأخذ أقل ماله، فتحري العدل واجب، وتحري الاحسان ثواب وتطوع، والاحسان في الشريعة ففي الحديث " ان تعبد الله كأنك تراه .........." ويقول تعالي: " وبالوالدين احسانا وذي القربي واليتامي " ( البقرة: آية : 83) ، ويقول تعالي: " وآتي المال علي حبه ذوي القربي واليتامي والمساكين " ( البقرة:آية : 177) ، ويقول تعالي: " قل ماانفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامي والمساكين" ( البقرة:آية : 215) ،
- حق القسط: بكسر القاف وسكون السين، هو العدل، والقسط لضم القاف هو الجور، يقول تعالي: " وان تقوموا لليتامي بالقسط " النساء: آية : 127) ،
- الحق في الفيء: الفيء: لغة الرجوع ، وعند الفقهاء: هو مايحل أخذه من أموال الكفار، بلا قتال، كالخراج والجزية، وهو لكافة المسلمين، ولايخمس، واما المأخود بقتال فيسمي: الغنيمة: والبعض يطلق الفيء علي كل ما أخذه الامام (الخليفة) من أموال الكفار، غنيمة أو جزية أو اخراجا او مال صلح، والفيء في الاصطلاح هو مايوضع في بيت المسلمين، يقول تعالي: " ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل " ( الحشر: آية : 7) ،
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام يلحق اللقيط ( مجهول الأبوين ) بالأيتام في الرعاية والاهتمام ، وجعل الإسلام ترك اللقيط وإهماله من الأمور التي حرمها الإسلام ، وهو من أعظم الإثم، لأنه هلاك لنفس محرمة مصونة، ولا عذر في تركه
- حقوق المتهم : وأهمها تحريم التعذيب والإهانة بكافة صوره وأشكاله ، ومعاملته معاملة البريء حتى تثبت إدانته ،
حقوق المسجونين في الإسلام : توفير كافة سبل الرعاية المتكاملة للمسجونين ومنع الاهانة والتعذيب ،
* حقوق الضعفاء والمستضعفين :
- الضمان الإجتماعي : Social Security
يعرف الضمان الاجتماعي بأنه : " مجموعة من الأنظمة التي تضعها الدولة لحماية الفرد في حاضرة ومستقبله حماية يعيش هو وأسرته في مستوى لائق من المعيشة وتمتد هذه الحماية إلى أسرته من بعده " ،
و قد أوضح العلماء أنه يوجد فرق في المعنى بين كلمتي التكافل الاجتماعي والضمان الاجتماعي رغم تشابههما ، فالضمان الاجتماعي هو التزام الحاكم نحو رعيته أو باللغة المعاصرة التزام الحكومة نحو شعبها. فالسلطة يجب أن تحرص على إبقاء الحد الأدنى من المعيشة اللائقة للشعب و توفير المساعدة لكل من يحتاج إليها ،
وقد سمى القرآن أصنافا كثيرة من المستضعفين، بل لقد أحصاهم إحصاء ، فهم الضعفاء من ذوي القربى ( العجزة من الآباء والأمهات وبقية الأقارب ) ، والفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل والسائلين والعبيد والأسرى… وقد خص القران هؤلاء بعناية بالغة فأكد مرارا وتكرارا حقوقهم وأوصى بالوفاء بها وتوعد كل من مسها أو هضمها أو اعتدى عليها ، كما في قوله تعالى : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذاعاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " ، ( البقرة : آية : 177) ، والمستضعفون الذين ذكرتهم الآية هم : ذوي القربى (والمقصود المحتاجين منهم) ؛ اليتامى؛ المساكين (وهم الذين لا يملكون ما به يعيشون، وهو بالاصطلاح المعاصر العاطل الذي لا يجد عملا يتكسب منه قوته وقوت عياله) ؛ ابن السبيل (هو المسافر الذي تقطعت به الطريق ، ويمكن أن يحمل عليه بالمعنى المعاصر " اللاجئ السياسي " ؛ السائلين (الذين يسألون الناس الصدقة سواء بسبب فقر أو بسبب ظرف طارئ) ؛ الرقاب (أي العبيد، فقال بعض المفسرين أن المقصود هو شراء العبيد وعتقهم) ، إضافة إلى الأصناف المذكورة وردت في القرآن أصناف أخرى من المستضعفين مثل قوله تعالى " فكلوا منها وأطعموا البائس والفقير " (الحج : آية : 28 ). فالبائس هو الذي أصابه عسر وشدة ، أما الفقير فهو الذي لا يكفيه ما في يده لقوته وقوت عياله ، وأما الزكاة فهي لأصناف ثمانية ذكرهم القرآن في قوله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وأبن السبيل فريضة من الله " ( التوبة : آية : 60 ). أما المساكين والرقاب وابن السبيل فقد سبق ذكرهم. ويبقى ذكر العاملين عليها أي الذين يقبضونها ويجمعونها ويأتون بها إلى ولي الأمر، وهؤلاء تدفع لهم الزكاة تعويضا لعملهم. وأما المؤلفة قلوبهم فهم بعض أشراف العرب كان الرسول يستألفهم بها ترغيبا لهم في الإسلام. وأما الغارمين فهم الذين كثرت عليهم الديون فأصبحوا لا يملكون شيئا بعدها. أما في سبيل الله فهم فقراء المجاهدين والحجاج الذين تقطعت بهم الطريق. وهكذا نرى إن صنفان: حق في الزكاة، وحق في البر. والفرق بينهما هو أن الزكاة « حقوق المستضعفين » جعلها الله ركنا من أركان الإسلام مثل الشهادة والصلاة والصيام والحج، بمعنى أن إسلام المرء لا يكتمل إلا بالإقرار بها كفريضة من الله، وهي رمز لولاء الفرد المسلم نحو المجتمع الإسلامي ككل ،
(6) – الخلاصة
وبناء على ما تقدم نجد إن منظومة حقوق الإنسان في الإسلام هي منظومة متكاملة ، تلحظ بعين الاعتبار الجوانب المختلفة من حياة الإنسان وعلاقاته في إطار الجماعة التي يعيشها ، والطبيعة المتغيرة والمتطورة للمجتمعات مع تقدم الزمن وتعقد جوانب الحياة الإنسانية ،
(7) – تدريبات على الوحدة الخامسة
التدريب الأول :
أكمل الفراغات في العبارات التالية بما يناسبها من وجهة نظرك ؟
أ - إن محاولة تفسير الأسباب الكامنة وراء وراء تزايد الإهتمام بالكتابة حول المنظور الإسلامي لحقوق الإنسان تطرح عدة إفتراضات منها :
حدد وناقش أهم الخصائص والممييزات التي تتميز بها الرؤية الإسلامية لتلك لحقوق الإنسان عن الرؤية الوضعية ؟
التدريب الثالث :
يرى البعض أن حقوق الإنسان في الإسلام تنطلق من ثلاثة مبادئ لا يمكن تجاهلها، لأنها تحدد منظور الإسلام إلى هذه الحقوق، وتحدد مواطن الإختلاف والائتلاف بينها وبين الحقوق في الشرعية الدولية ، ناقش هذه العبارة تفصيلا مبينا تلك المباديء ؟
التدريب الرابع :
- أذكر الأدلة التي توضح الحقوق التالية للإنسان من منظور الإسلام :
* حق الكرامة والتفضيل وخلافة الأرض :
* حق الحياة :
* حق التمتع بالحياة :
* الحق في حرية الاعتقاد:
* الحق في الأمن والعيش بأمان :
يتبـــع إنشاء الله ،
***************
الهوامش والإحالات :
===========
(1) - منقول من موسوعة المعرفة
http://www.airssforum.com/showthread.php?t=58492
(2) - محمد عابد الجابري ، ومحمد محمود الإمام : مرجع سبق ذكره ، ص : 65
(3) – أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (5649)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الإحسان إلى البنات (2629).
(4) - البخاري عن أبي موسى الأشعري: كتاب النكاح، باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها (4795).
(5) - عن أبي سعيد الخدري: قالت النساء للنبيغلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك. فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن. رواه البخاري: كتاب العلم، باب هل يجعل للنساء يوم على حده في العلم (101)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه (2633).
(6) مسلم عن عبد الله بن عباس: كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (1421).
(7) -البخاري عن أبي هريرة: كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها (4843).
(8) -أحمد عن العرباض بن سارية (17195) وقال شعيب الأرناءوط: صحيح بشواهده..، وقال الألباني: حسن لغيره. انظر: صحيح الترغيب والترهيب (1963).
(9) - أحرِّج: أي ألحق الحرج والإثم بمن ضيعهما، فأحذره من ذلك تحذيرًا بليغًا، وأزجره زجرًا أكيدًا، انظر: المناوي: فيض القدير 3/27.
(10) - ابن ماجه عن أبي هريرة (3678)، وأحمد (9664) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده قوي، والحاكم (211) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم. والبيهقي (20239)، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (1015).
(11) - أي يساعدها ويعاونها في مهنتها.
(12) - البخاري: كتاب الجماعة والإمامة، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج (644)، وأحمد (24272)، والترمذي (2489).
(13) - البخاري: كتاب الطلاق، باب الخلع وكيفية الطلاق فيه (4973)، وأحمد (16139).