لطائف قرآنية : أربع من كن فيه كن له وثلاث من كن فيه كن عليه (2)
أ.د /أحمد يوسف بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 5324
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ،
لك الحمد يا رحمان ما هل صيب* وما تاب يا من يقبل التوب مذنبُ
لك الحمد ما هاج الغرام وما هما *الغمام وما غنى الحمام المطربُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، سبحانه هو الغفور : {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }( الحجر : 49 ) ، أخبرهم -أيها الرسول- أني أنا الغفور للمؤمنين التائبين , الرحيم بهم ،
سبحانه هو الغافر : {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }( غافر : 3 ) ، غافر الذنب للمذنبين , وقابل التوب من التائبين , شديد العقاب على مَن تجرَّأَ على الذنوب , ولم يتب منها , وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضُّل على عباده الطائعين , لا معبود تصلح العبادة له سواه , إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب , فيجازي كلا بما يستحق. ،
سبحانه هو الغفار: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ }( ص : 66 ) ، مالك السموات والأرض وما بينهما العزيز في انتقامه , الغفار لذنوب مَن تاب وأناب إلى مرضاته.
يا غافر الذنب العظيم وقابــــــــــلا *** للتوب قلب تائب نـــــاجاكا
يا رب جئتك ثاويا أبـــــــــكي على *** ما قدمته يداي لا أتبـــــاكى
أخشى من العرض الرهيب عليك يا *** ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
يا رب عدت إلى رحابك تـــــــــائبا *** مستسلما مستمسكا بعــراكا
مالي وما للأغنياء وأنــــــــــــت يا *** ربي الغني ولا يــحد غناكا
مالي وما للأقوياء وأنت يــــــــــــا *** ربي عظيم الشأن ما أقواكا
إني أويت لكل مأوى في الحــــــياة *** فما رأيت أعز مــن مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة *** فلم تجد منجى ســوى منجاكا
وبحثت عن سر الســـعادة جاهدا *** فوجدت هذا الســر في تقواكا
فليرضَ عني الناس أو فليسخطوا*** أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، إمام الموحدين ، وسيد الأولين والآخرين ، علمنا أن نضرع إلى الله تعالى في كل زمان ومكان ، وعلمنا أن نسأل الله تعالى باسمه الأعظم ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَقُولُ : اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ بأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدُكَ لا شَرِيكَ لَكَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ، فَقَالَ :«لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ ، الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ " ( أخرجه ابن ماجه ( 3858 ) ، وقال الألباني : "حسن صحيح".
سيدي أبا القاسم يا رسول الله
الحق أنت وأنت إشراق الهدى * ولك الكتاب الخالد الصفحات
من يقصد الدنيا بغيرك يلقها * تيها من الأهوال والظلمات
صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبت النسائم ، وماناحت على الأيك الحمائم ، عليك وعلى آلك وأصحابك الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
أما بعـــــد
وما زال الحديث موصولا حول أربع صفات إذا كانت في المؤمن كانت له ، وهي الإيمان والشكر والاستغفار والدعاء ،
ولقد تحدثنا في الحلقة الأولى عن الصفتين الأولى وهي الشكر ، والثانية وهي الإيمان ، وفي هذه الحلقة نتناول الصفة الثالثة وهي الاستغفار،
ثانيا : الاستغفار :
فالإنسان خطاء بطبيعة تكوينه وفطرته ، وتلك حقيقة إيمانية وواقعية في الوقت ذاته ، أثبتتها النصوص المقدسة ، وأكدها الواقع المعاش ،
فالقرآن يؤكد أن الإنسان ضعيف أمام شهواته ورغباته ، قال تعالى : {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }( النساء : 28 ) ، فهو ضعيف لا يصبر عن النساء والشهوات (1) ،
وفي الحديث القدسي : " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم " (2) ،
وفي الحديث أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " لو أنكم لا تخطئون لأتى الله بقوم يخطئون يغفر لهم " ( قال الألباني حديث حسن ) أنظر : "السلسلة الصحيحة" 2 / 692 ) ،
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " ( رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم ، قال الألباني : حديث حسن ) (3) ،
وما دام الإنسان خطاء بطبعه ، فهو في حاجة للتوبة من زلاته وأخطائه ، والعودة إلى طريق الحق والالتزام ، وفي حاجة ماسة إلى أن يطلب من ربه العفو عن الزلات ، والصفح والستر والمغفرة للذنوب والسيئات ، وهذا هو الاستغفار الذي نتحدث عنه ، فهو صفة محمودة في المؤمن ينبغي أن تكون ملازمة له في كل زمان ومكان ، وهي دليل على أن جذوة الإيمان في القلب متقدة ،
والله تعالى فتح الباب أمام عباده ليستغفروه ويتوبوا إليه ، ووعدهم بالمغفرة وقبول التوبة ، وفي الحديث القدسي " قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان فيك و لا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني غفرت لك و لا أبالي ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة " (رواه الترمذي عن أنس ابن مالك ، قال الألباني : حديث حسن ، "السلسلة الصحيحة" 1 / 200 ) ،
ومن كانت فيه تلك الصفة كانت له أمنا وأمانا وخيرا في الدنيا ، ونجاة وفوزا يوم القيامة وفي الآخرة ، بدليل قول الله تعالى : {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }( الأنفال : 33 ) ،
الله أكبر ، الخطاب لسيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنا أريدك أن تعيد النظر في هذه الآية المباركة لتقف عند ملمحين من العجب بمكان :
الأول :أن في هذه الآية الكريمة ما فيها من الكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، تعلم هذا حين تسمع قوله تعالى ( وما كان الله ليعذبهم ( أي هؤلاء المشركين الكافرين المتمردين الطغاة ) وأنت فيهم ) أي إكراما لك فما دمت بين ظهرانيهم فلن يأيتهم العذاب ، ولأن العذاب إذا نزل عمَّ ، ولم يقتصر على المشركين ، ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها ، وتلك سنة الله مع خلقه المكذبين للرسل ، أنه سبحانه وتعالى قبل أن ينزل العذاب يخرج الرسول والمؤمنين به ، مثال ذلك أمْره نُوحاً عليه السلام بأن يصنع السفينة ، لينجو من الطوفان ، وكل رسول لم تستجب أمته أصابها شيء من هذا ، وعلى ذلك يخرج الرسول أولا ومن آمنوا به معه ، ثم ينزل الحق عذابه على الكافرين المكذبين ،هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أرسل رحمة للعالمين " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " والآية تؤكد أنه حتى أولئك الذين كفروا به صلى الله عليه وسلم نالهم شيء من رحمته ، فأمنهم الله من العذاب والهلاك ما دام فيهم رسول الله ،
الثاني : أن في الآية من الضمان والعهد بالأمان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها ، وهو قوله تعالى : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ،
- وأنظر يا رعاك الله إلى الآية التي سبقت هذه الآية من سورة الأنفال ، ستجد أنها تقول عن هؤلاء المشركين المعاندين : { وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، أي غباء هذا ، وأي جبروت هذا ، وأي تمرد هذا ، لقد قالوا أيضا في موضع آخر : :{ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً }[الإسراء: 92] ، وهو وهذا دليل على التخبط في الكلام، وفقدان الوعي العقلي.
ورغم كل ذلك جاءت الآية التي نحن بصددها : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }
يقول الشعراوي : " والحق سبحانه وتعالى قادر على أن يصيب بالعذاب قوماً بعينهم وقادر على نجاة المؤمنين من بينهم ، وشاء الله سبحانه ألا ينزل العذاب؛ لأن رؤية المتألم حتى ولو كان عدوّاً، فيه إيلام - لذلك قال الحق سبحانه وتعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ... }(4)
أيها الإخوة الأحباب :
* الأمر بالاستغفار :
لقد أمر الله تعالى بالاستغفار وندب إليه في العديد من الآيات القرآنية
- قال تعالى : {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }( المائدة : 74 ) ، أفلا يرجع هؤلاء النصارى إلى الله تعالى, ويتولون عمَّا قالوا, ويسألون الله تعالى المغفرة؟ والله تعالى متجاوز عن ذنوب التائبين, رحيمٌ بهم ،
- وقال تعالى في شأن الحجيج :{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }( البقرة : 199 ) ،
- وقال : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }( النساء : 64 ) ، وما بعَثْنَا من رسول من رسلنا, إلا ليستجاب له , بأمر الله تعالى وقضائه ، ولو أن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم باقتراف السيئات والذنوب , جاؤوك - أيها الرسول - في حياتك تائبين سائلين الله أن يغفر لهم ذنوبهم , واستغفرت لهم , لوجدوا الله توابًا رحيمًا.
- وقال تعالى : {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }( هود : 3 ) ، أي واسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم, ثم ارجعوا إليه نادمين يمتعْكم في دنياكم متاعًا حسنًا بالحياة الطيبة فيها, إلى أن يحين أجلكم, ويُعطِ كل ذي فضل من علم وعمل جزاء فضله كاملا لا نقص فيه, وإن تعرضوا عمَّا أدعوكم إليه فإني أخشى عليكم عذاب يوم شديد, وهو يوم القيامة. وهذا تهديد شديد لمن تولَّى عن أوامر الله تعالى وكذَّب رسله.
- وقال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ }( فصلت : 6 ) ، والمعنى – والله أعلم - قل لهم -أيها الرسول- : إنما أنا بشر مثلكم يوحي الله إليَّ أنما إلهكم الذي يستحق العبادة، إله واحد لا شريك له, فاسلكوا الطريق الموصل إليه, واطلبوا مغفرته. وعذاب للمشركين الذين عبدوا من دون الله أوثانًا لا تنفع ولا تضر, والذين لم يطهروا أنفسهم بتوحيد ربهم, والإخلاص له ,
- وقال تعالى : {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }( المزمل : 20 ) ،
* أمر الله رسوله بالاستغفار :
قال تعالى موجها الخطاب لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }( محمد : 19 ) ، والمعنى – والله أعلم - فاعلم - أيها النبي- أنه لا معبود بحق إلا الله , واستغفر لذنبك, واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والله يعلم تصرفكم في يقظتكم نهارًا, ومستقركم في نومكم ليلا ،
وقال تعالى : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ }( غافر : 55 ) ، فاصبر - أيها الرسول- على أذى المشركين, فقد وعدناك بإعلاء كلمتك, ووعْدُنا حق لا يتخلف, واستغفر لذنبك, ودُمْ على تنزيه ربك عمَّا لا يليق به, في آخر النهار وأوله.
وقال تعالى : {وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }( النساء : 106) ، واطلب من الله تعالى المغفرة في جميع أحوالك, إن الله تعالى كان غفورًا لمن يرجو فضله ونوال مغفرته, رحيمًا به.
بل وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الاستغفار عندما يأتيه النصر ويتمكن من فتح مكة فقال جل جلاله :{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }( النصر : 3 )
- وأمره بالاستغفار للمؤمنين فقال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }( النور : 62 ) ،
- قال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }( آل عمران : 159 ) ،
- ونهاه عن الاستغفار للمنافقين فقال تعالى : {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }( التوبة : 80 ) ، استغفر - أيها الرسول - للمنافقين أو لا تستغفر لهم, فلن يغفر الله لهم, مهما كثر استغفارك لهم وتكرر; لأنهم كفروا بالله ورسوله. والله سبحانه وتعالى لا يوفق للهدى الخارجين عن طاعته.
* الثناء على المستغفرين :
وقال تعالى في معرض الثناء على عباده المؤمنين الصالحين {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }( الذاريات : 18 ) ،
وقال أيضا : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }( آل عمران : 135 ) ، أي والذين إذا ارتكبوا ذنبًا كبيرًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه, ذكروا وعد الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين, يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم, وهم موقنون أنه لا يغفر الذنرب إلا الله, فهم لذلك لا يقيمون على معصية, وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم .
* الملائكة يستغفرون للذين آمنوا :
قال تعالى : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }( غافر : 7 ) ، فالذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ، ومَن هم حول العرش ممن يحف به منهم , ينزِّهون الله عن كل نقص , ويحمَدونه بما هو أهل له , ويؤمنون به حق الإيمان , ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين ويغفر لهم , قائلين : ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا, فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي , وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام , وجَنِّبْهم عذاب النار وأهوالها.
وقال عز من قال في الملائكة أيضا : {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }( الشورى : 5 ) ، أي تكاد السموات يتشقَّقْنَ ، كل واحدة فوق التي تليها ، من عظمة الرحمن وجلاله تبارك ربنا وتعالى وتقدس , والملائكة يسبحون بحمد ربهم , وينزهونه عما لا يليق به ، ويسألون ربهم المغفرة لذنوب مَن في الأرض مِن أهل الإيمان به ، ألا إن الله هو الغفور لذنوب أوليائه ومؤمني عباده , الرحيم بهم ، وهو الرحمن الرحيم ،
* دعوة الأنبياء أقوامهم إلى الإستغفار :
وكان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يأمرون أقوامهم ويحضونهم على الإستغفار ،
- قال تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام : {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }( هود : 52 ) ، والمعنى – والله أعلم - ويا قوم اطلبوا مغفرة الله والإيمان به, ثم توبوا إليه من ذنوبكم, فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم متتابعًا كثيرًا, فتكثر خيراتكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النِّعم عليكم, ولا تُعرضوا عما دعوتكم إليه مصرِّين على إجرامكم.
- وقال على لسان نبيه صالح عليه السلام : {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }( هود : 61 ) ، أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا, فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة, هو الذي بدأ خَلْقكم من الأرض بخلق أبيكم آدم منها, وجعلكم عُمَّارا لها, فاسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم, وارجعوا إليه بالتوبة النصوح. إن ربي قريب لمن أخلص له العبادة, ورغب إليه في التوبة, مجيب له إذا دعاه.
- وقال على لسان نبيه شعيب عليه السلام :{وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }( هود : 90 ) ، واطلبوا من ربِّكم المغفرة لذنوبكم, ثم ارجعوا إلى طاعته واستمروا عليها. إن ربِّي رحيم كثير المودة والمحبة لمن تاب إليه وأناب, يرحمه ويقبل توبته. وفي الآية إثبات صفة الرحمة والمودة لله تعالى, كما يليق به سبحانه.
- وقال على لسان نبيه نوح عليه السلام : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }( نوح : 10 – 12 ) ،
* معنى الاستغفار :
الاستغفار لغة مصدر من استغفر يستغفر، ومادته "غفر" التي تدل على الستر، فالغفر هو الستر، والغفر والغفران بمعنى واحد يقال غفر الله ذنبه غفراً ومغفرةً وغفراناً ، قال الراغب : الغفر إلباس ما يصونه من الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الدعاء ، والغفران والمغفرة ، من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب ، والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال، وقيل اغفروا هذا الأمر بمغفرته أي استره بما يجب أن يستر به ، والغفور والغفّار والغافر من أسماء الله الحسنى ومعناها الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم.
قال الغزّالي : الغفار هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة .
وقال الخطّابي: الغفّار هو الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد مرة كلما تكررت التوبة من الذنب تكررت المغفرة، فالغفّار الساتر لذنوب عباده المسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته؛ فلا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم.
فضل الاستغفار عظيم :
يروى عن بعض السلف أنه قال في شأن هذه الآية : " كان لنا أمانان من العذاب : النبي صلى الله عليه وسلم ، والاستغفار، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم ذهب أحدهما وبقي الآخر، والمقصود من الآية: بيان ما كان الموجب لإمهاله لهم والتوقف على إجابة دعائهم، وهو وجوده صلى الله عليه وسلم أو من يستغفر فيهم.
وقال المدائني عن بعض العلماء قال : كان رجل من العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مسرفا على نفسه ، لم يكن يتحرج ، فلما أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف ورجع عما كان عليه ، وأظهر الدين والنسك ، فقيل له : لو فعلت هذا والنبي صلى الله عليه وسلم حي لفرح بك ، قال : كان لي أمانان ، فمضى واحد وبقي الآخر ، قال الله تبارك وتعالى : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } فهذا أمان ، والثاني قال تعالى : {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(5) ،
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه و سلم والاستغفار ، فذهب النبي صلى الله عليه و سلم وبقي الاستغفار ، وما لهم أن لا يعذبهم الله ، قال : هو عذاب الآخرة وذلك عذاب الدنيا ،
- قال الفضيل بن عياض قول العبد أستغفر الله معناه أقلني.
- يروى عن الحسن البصري أن رجلاً شكا إليه الجدوبة ( أي أن أرضه قد أجدبت فلا تنبت من قلة المياه ) فقال له استغفر الله ، وشكا آخر إليه الفقر فقال له استغفر الله ، وشكا إليه آخر قلة غلة بستانه ، فقال له استغفر الله وقال له آخر ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له استغفر الله، فقيل له في ذلك ، فقال: ما قلت من عندي شيئا إن الله يقول في سورة نوح {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} (6)
* الفرق بين التوبة والاستغفار :
أما التوبة فمعناها الرجوع عن الذنب ، والندم عليه والتزام الطاعة، وأما الاستغفار فهو طلب المغفرة وهي ستر الذنب على العبد في الدنيا وعدم المؤاخذة به في الآخرة ، وهما قرينان متلازمان تدل على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة كما في قوله تعالى: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه }( هود : 3 ) وفي قوله تعالى : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } ( هود : 52 ) ،
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " ( رواه البخاري ) ،
والتوبة والاستغفار يكونان في أي وقت وفي كل مكان، وعلى كل حال فيجب على المسلم أن يبادر إلى التوبة ويلازم الاستغفار في كل أوقاته ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " ( رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم ) ،
والتوبة والاستغفار يكونان من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها.
ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا ) (7) ،
قال ابن القيم في ( مدارج السالكين ) : " الاستغفار المفرد كالتوبة بل هو التوبة بعينها مع تضمنه طلب المغفرة من الله وهو محو الذنب وإزالة أثره ، ووقاية شره ، وقال وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى فالاستغفار : طلب وقاية شر ما مضى ، والتوبه الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله " ،
وقال السعدي الاستغفار طلب المغفرة من الله ، فان اقترن به توبة فهو الاستغفار الكامل الذي رتبت عليه المغفرة وان لم تقترن به التوبة ، فهو دعاء من العبد لربه أن يغفر له ، فقد يجاب دعاؤه وقد لا يجاب ، وهو بنفسه عباده من العبادات فهو دعاء عباده ودعاء مسألة ،
* هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاستغفار :
- كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار في كل يوم وليلة حتى تصل عدد مرات استغفاره إلى مائة مرة ، ففي الحديث عن الأغر المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة " ( رواه مسلم ، وصححه الألباني ) ،
- علمنا بعض صيغ الاستغفار ، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف "(8) ،
- وعلمنا صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار فعن شداد بن أوس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " سيد الاستغفار : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي و أبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة ( صححه الألباني ) (9) ،
* ثمرات الاستغفار :
هذا وللاستغفار والمداومة عليه ثمراته العظيمة وفوائده الجمة على الإنسان ، في الدنيا والآخرة ومن تلك الثمرات نذكر بإيجاز ما يلي :
- الاستغفار أول طريق التوبة إلى الله عز وجل ،
- أعظم سبب لنزول رحمة الله تبارك وتعالى على العبد ،
- يطهر القلب من آثار الذنوب والمعاصي والمخالفات ،
- أمان ووقاية من عذاب الله ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) ،
- أعظم القربات إلى الله عز وجل ،
- سبب عظيم لمحبة الله للعبد ،
- الملائكة يستغفرون لعباد الله المؤمنين الموحدين ،
- ومن أعظم الأسباب للفوز بالجنة ، والسرور يوم القيامة ،
- من أسباب السعادة الحقيقية في الدنيا ،
- سبب للقوة ووفرة الرزق ،
ونختم حديثنا بما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله إذ بقول : " من المعلوم أن الله قد يغفر الذنوب بالتوبة ، وقد يغفرها بالحسنات أو بالمصائب وقد يغفرها بمجرد استغفار العبد وسؤاله أن يغفر له فهذه مغفرة من عنده " (10) ،
وفي زمن زادت فيه الفتن واتسعت رقعتها ، وأثقلت فيه الذنوب والمعاصي ظهورنا ، فما أحوجنا إلى التزام الاستغفار في كل وقت وحين ، عسى الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا ، وتجاوزاتنا ، وإسرافنا في أمرنا ، ولنهتف من أعماق القلوب مع القائل :
يا رب قد عظمت ذنوبي كثرة ** ولقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ** فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا ** وجميل عفوك ثم إني مسلم ،
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،
وإلى الحلقة الثالثة إنشاء الله
أحمد بشير ، القاهرة .
***********
الهوامش :
(1) - جلال الدين المحلي – جلال الدين السيوطي : " تفسير الجلالين " ، دار الحديث ، القاهرة ، ط1 ، تفسير سورة النساء ، الآية رقم : 28 ،
(2) - الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " ، قال سعيد كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه ( رواه مسلم واللفظ له ، قال الألباني : صحيح ) ، أنظر :
- محمد ناصر الدين الألباني : " صحيح الترغيب والترهيب " ، مكتبة المعارف – الرياض ، ط3 ، ج2 ، ص : 126 ،
(3) – تفس المرجع السابق : ج3 ، ص : 121 ،
(4) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي " ، مطابع أخبار اليوم ، القاهرة ، ج 1 ، تفسير سورة الأنفال ، الآية رقم : 33 ،
(5) - أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (المتوفى : 671هـ) : " الجامع لأحكام القرآن " ، تحقيق : أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش ، دار الكتب المصرية – القاهرة ، ج7 ، ص : 399 ،
(6) - جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري : " أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " ، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية ، ط5 ، 2003م ، ج7 ، ص : 330 ،
(7) – الحديث عن عبد الله بن بسر يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم : " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا " ( قال الألباني : صحيح ، أنظر :
- محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي : " مشكاة المصابيح " ، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الاسلامي ، بيروت ، 1985م ، ط3 ، ص : 236 ،
(8) - أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ( ت : 676هـ ) : " رياض الصالحين " ، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي – بيروت ، ج1 ، ص : 639 ،
(9) - شيخ الإسلام ابن تيمية : " الكلم الطيب " ، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي – بيروت ، الطبعة : الثالثة – 1977م ، ص : 69 ،
(10) - تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى : 728هـ) : " جامع المسائل لابن تيمية " ، تحقيق : محمد عزير شمس ، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع ، 1422هـ ، ج4 ، ص : 67 ،
7-03-2013
|