تقويم تجربة برنامج الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء(4)
د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5267
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ثانيا : مفهوم الخدمة الاجتماعية وماهيتها :
لعل من الملائم أن نقدم للقاريء - من خلال العرض السابق – أن رؤية شبه واضحة، وأقرب إلى الدقة حول ماهية الخدمة الإجتماعية ومضمونها، تلك الرؤية مفادها أن الخدمة الاجتماعية في مفهومها العام إنما تعني – في واقع الأمر - تلك المهنة الإنسانية التطبيقية المؤسسية، القائمة على ركيزة من العلم والفن معاً، - بمعنى أنها تعتمد على المعرفة العلمية المتراكمة من ناحية، والمهارات الفنية المهنية من ناحية أخرى - وتعمل مع الإنسان ( في كافة صور تواجده في الحياة ( فردا كان أو جماعة صغيرة، أو أسرة، أو منظمة، أو مجتمع محلي، أو مجتمع قومي، أو مجتمع دولي ) ، وفي شتى مجالات وميادين تلك الحياة ( الشخصية، والأسرية، والتعليمية، والصحية، والإنتاجية، ...... وغيرها ) وذلك بهدف تدعيم وتحسين نوعية الحياة الإنسانية Human Life Quality سواء كان ذلك من خلال :
- العمل على تيسير العلاقات الاجتماعية السليمة والمرضية بين الناس، وشتى الأنساق الإجتماعية،Social Systems
- أو عن طريق العمل على و/أو المساهمة في إشباع الإحتياجات الاجتماعية للإنسان ، Social Needs
- أو عن طريق المساهمة في مساعدة الإنسان على أن يصبح قادرا على التعامل مع ما يعترض حياته من مشكلات وصعوبات، ( سواء كانت مشكلات شخصية أو إجتماعية )، Personal And Social Problems
- أو عن طريق المساهمة في مساعدة الإنسان على إكتشاف وتنمية الطاقات والقدرات الكامنة لدى الإنسان، Human Potential Capacities
- أو عن طريق المساهمة في إحداث التغيير الاجتماعي Desired Social Change المنشود والتنمية المطلوبة في مجالات الحياة الإنسانية،
ويلاحظ القاريء أننا أسرفنا في إستخدام لفظة " المساهمة أو المساعدة " وكأن الخدمة الاجتماعية كمهنة لا تستطيع القيام بتلك " بامكانها تحقيق ذلك حتى لو أرادت وإنما هي تعمل مع غيرها من التخصصات التطبيقية ومهن المساعدة الإنسانية الأخرى كالطب، والإرشاد النفسي، والتربية، والمحاماة، .... وغيرها، نظرا لتعدد وتنوع جوانب الحياة الإنسانية وتعقدها، ولذلك فنحن دائما – أو على الأقل – غالبا ما نشير إلى أهمية " العمل الفريقي " Team Work عندما نتحدث عن العمل مع الإنسان والجماعات والمجتمع،
أما إذا جئنا إلى الحديث عن تعريف الخدمة الاجتماعية وتحديد مفهومها فيمكن القول أنه وعلى الرغم من أن لدينا اليوم كما هائلا من تلك التعريفات، إلا أنها – أو في معظمها – لا تزال عاجزة عن تقديم مفهوم جامع مانع للخدمة الاجتماعية، وليس هذا وقفا على الخدمة الاجتماعية فحسب بل يمتد إلى العديد من المفاهيم والمصطلحات الشائعة الإستخدام في ميدان العلوم الإجتماعية، لما تتسم به من درجة عالية من التجريد من ناحية، وما تتعرض له من تغييرات وتطورات مستمرة من ناحية أخرى، ولاختلافها حسب المتغيرات الأيديولوجية والثقافية والحضارية والتاريخية والاجتماعية ....إلخ، وبالنظر إلى تعريفات الخدمة الاجتماعية التي تذخر بها أدبيات المهنة وتراثها العلمي نجد أن بعض تلك التعريفات يتسم بالسعة والشمول والامتداد بحيث يضم جوانب أخرى لا تدخل بطبيعتها في نطاق الخدمة الاجتماعية، وبعضها الآخر يتسم بالمحدودية والضيق والقصور عن أن يشمل بعض الجوانب التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الخدمة الاجتماعية (1)،
هذا ولقد تأثر مفهوم الخدمة الاجتماعية عبر مسيرة تطورها بالعديد من العوامل، وهو ما أشار إليه " هاري سبكت " Harry Specht من أن ثمة عوامل رئيسة ثلاث أثرت على طبيعة الخدمة الاجتماعية ومفهومها ومسيرتها – وخصوصا في فترة الستينيات من القرن الماضي ( القرن العشرين ) – تلك العوامل تمثلت في :
- العامل الأول والمتمثل في : تطور نظريات السلوك الإنساني Human Behavior Theories، التي تمخضت عنها العلوم الاجتماعية كعلم النفس، وعلم السياسة، والأنثروبولوجيا، والإدارة، ونظرية المنظمات، وتحليل السياسة الاجتماعية، ولقد أدى هذا العامل إلى إثراء وازدياد خصوبة الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية على مدى السنوات الماضية،
- العامل الثاني : ظهور ما يسمى بـ " الحقوق المدنية " Civil Rieghts في الغرب، فقد ظهرت القوى الاجتماعية من خلال نضالها ضد الفقر والتمييز العنصري، وظهرت حركات التغيير الاجتماعي من قبل المرأة، والطلاب، والجماعات الصغيرة الدينية والعرقية التي تعاني الفقر والحرمان، وبروز العديد من القضايا السياسية والاقتصادية مثل تلك المتعلقة بالتجارب النووية، والحروب، وقضايا توزيع الثروة، والعدالة الاجتماعية وحماية المستهلك، وأمام هذه الأضواء المبهرة الناتجة عن انفجار تلك القضايا الساخنة، أصبحت قضية الإصلاح الاجتماعي Social Reform Issue، والتي كانت تحتل أهمية خاصة، ومكانة تاريخية بارزة في العمل المهني، أصبحت بالنسبة إلى تلك التغيرات والتحولات السريعة باهتة وهزيلة ومحدودة الأثر،
- العامل الثالث : أن الخدمات الاجتماعية أصبحت في حد ذاتها - في تلك الفترة – قوة اجتماعية كبيرة، وتحظى بإنفاق كبير، وأصبحت تحتل جزءا كبيرا من ميزانية كل الدول الصناعية، والأخصائي الاجتماعي يقوم بدور رئيس في إدارة وتنظيم وتقديم تلك الخدمات والمنظمات التي أصبحت نظاما اجتماعيا ثابتا (2)
ولعل إشكالية التعريف للخدمة الإجتماعية، وعدم إمكانية التوصل إلى تعريف محدد ودقيق ومتفق عليه بين المشتغلين بالخدمة الاجتماعية، هي السبب الذي دفع الجمعية القومية للأخصائيين الاجتماعيين ( National Association Of Social Workers ) بالولايات المتحدة الأمريكية إلى محاولى تقديم تعريف عامل لممارسة الخدمة الاجتماعية في العام 1958م يرتكز على أساس تحليل الممارسة المهنية إلى مجموعة من المكونات الرئبسة المتمثلة في :
- القيم المهنية Professional Values
- المعارف Knowledge
- الأغراض والأهداف Aims
- الطرق الفنية Technical Methods
- التصديق ( المصادقة ) المجتمعية Sanction (3)
( يتبع )
أحمد بشير
======
المصادر :
======
(1) – إبراهيم عبد الرحمن رجب : " نماذج ونظريات تنظيم المجتمع "، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، 1986م، ص : 7
(2) – Harry Specht And Anne Bickery ,eds, " Integrating Social Work Methods , London ,George Allen Unwin , 1977,p: 23
(3) – Harriet Bartiette, : " Towards The Clarification And Improvement Of Social Work Practice " , in , Social Work, Vol.3 No. 2, April, 1958, pp: 3-9
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: