يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6436
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ندرك يقينا ما تعرضت له تونس من حملات تغريبية قوية وشديدة ومستمرة على مدى العقود السابقة، وندرك حجم العداء الذي وجهته الأنظمة للدين بشكل عام ولتدين الأفراد بشكل خاص، وندرك أنها وربما هي الدولة العربية الوحيدة التي استطاع نظامها القوي البوليسي من فرض قوانين على الشعب تُجرم المظاهر الإسلامية مثل الحجاب وتسميه بالزي الطائفي، وتحارب شعائر الدين كالصيام .
ندرك هذا كله عند الحديث عن التحول في حياة تونس والتونسيين، ولا نبالغ في مستوى الطموح في التحول بسرعة من النقيض للنقيض بين عشية أو ضحاها .
رأينا واستبشرنا بالشعب التونسي وهو يختار في انتخاباته حزبا ذا مرجعية إسلامية، ورأينا العديد من المواطنين التونسيين على اختلاف أفكارهم وهم يتخلصون من مظهر من أشد مظاهر العار، تلك البيوت التي كانت مخصصة للبغاء بشكل رسمي ومرخص له .
رأينا وطمحنا كمسلمين يسرنا ما يصل إليه شعب مسلم من إظهار وإعلاء لكلمة ربه وإقامة لدينه بعد أن كان مرغما، ولكننا مع هذا كله ندرك أن للتغيير سننا وقوانين تحتاج إلى وقت وتهيئة لكثير من الناس .
وكم دعا المسلمون لله سبحانه أن يحفظ تونس الخضراء وأن يحفظ على أهلها دينهم وخلقهم، فلتونس في أعناقنا دين إذ انطلقت منها أول شرارة لما وصل إليه كثير من الدول العربية اليوم، انطلقت منها أول صرخة ضد الظلم والاضطهاد والاستعباد، انطلق منها أول مشعل من مشاعل الثورة، فحمله بعدها أهل مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا، ولأهل تونس دين أيضا على دول ما قامت فيها ثورة نتيجة تعجل بعض الحكام في إصلاحات داخلية حتى لا يصلهم ذلك القطار الذي يجرف في طريقه كل مستبد ظالم، فلتونس بعد الله سبحانه هذا الفضل وهذا الدين في أعناقنا .
ولكننا في هذه الأيام نستشعر الخوف على التجربة التونسية، وأكثر ما نخشاه عليه هو الإجهاض والإجهاز على مكتسباتها الإسلامية الحقيقية التي تعددت بفضل الله من ظهور كبير لمظاهر الالتزام الإسلامي .
ونحن إذ نخشى على التجربة التونسية لا نخشى عليها وحدها، بل نخشى على كل التجارب بعدها، فالتجربة التونسية هي المرآة الصادقة لغيرها من التجارب، فكما قامت بها الثورة أولا، اختارت رئيسها الجديد أولا، وتكتب دستورها أيضا أولا، وهكذا تسبق التجربة التونسية الجميع والكل يأتي بعدها، فلهذا تمثل التجربة التونسية رصيد الخبرة لباقي التجارب التي تليها .
فتعددت مظاهر تدفعنا للخوف على التجربة التونسية :
- المرزوقي ونظرته للسلفيين
الحديث الذي أدلى به المرزوقي على الشبكة الرسمية للتلفزة بالبلاد، والذي شبه فيه من دعا الشيخ وجدي غنيم إلى تونس وهم من عموم الملتزمين السلفيين بالجراثيم، وتوعد فيه بعدم السماح لتلك " الجراثيم " بالنمو في البيئة التونسية، ملوحا بعودة النظام القمعي ثانية إلى تونس والذي ما كانت كل هذه الدماء إلا للقضاء عليه والتخلص منه .
- قضية منع النقاب والتعامل الأمني معها
ما حدث من منع لبعض الجامعات وخاصة كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة للفتيات التونسيات المرتديات للنقاب من الدخول إلى الحرم الجامعي وما صاحب ذلك من احتجاجات شبابية على ذلك المنع من شباب السلفيين وشباب آخرين ممن يدافعون عن القضية باعتبارها من الحريات وخاصة الثورة التونسية قد رفعت جدا سقف الحريات
ولكن الرد الأمني جاء بما يشبه الرد الأمني في النظام السابق وتعامل بنفس الكيفية من الاعتقال والأذى، ولم تزل تلك القضية معلقة رغم مرور أكثر من ثلاثة اشهر على اعتصام الطلاب الذين ليس لهم إلا مطلبان أساسيان وهما السماح بالنقاب وتخصيص قاعة للصلاة !!!
- صحيفة وإذاعة يصدران من تونس للشواذ جنسيا
وبالمنطق العكسي الذي لا يسمح للمنتقبات أن يرتدين النقاب يسمح فيه بصدور صحيفة تدعو صراحة للشذوذ الجنسي بكل ما تحمله من صور وتعارف وأخبار الشواذ واحتفالاتهم وأماكن تواجدهم دون أي استتار أو خجل بدعوى الحرية ومكتسبات ما بعد الثورة – وكأن نظام بورقيبه وزين العابدين كانا يقمعانهم !!! -، فصدرت تلك المجلة الكترونيا وصدر معها إذاعة خاصة بالشواذ المنحرفين ولم يصدر من الحكومة أي تصرف فعلي يدل على رفضها أو استنكارها لما يحدث وخاصة إن الموقع والإذاعة مسموحا بهما ولم يمنعا داخل تونس !!
وأعلن حزب النهضة رفضه للمجلة والإذاعة فقال ممثله "سمير ديلو" عضو الحركة النهضة والوزير المكلف بحقوق الإنسان في تصريحات نقلتها القناة الفرنسية إنه يعارض بشدة الشذوذ الجنسي، قائلا إن “حرية التعبير لها حدود”، ولابد من مراعاة خطوط حمراء يحددها تراثنا وديننا وحضارتنا "
- وزير الخارجية يرفض تجريم التطبيع مع "إسرائيل" في الدستور
فقد أعلنت عدة وكالات رسمية أن وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام رفض أن ينص الدستور التونسي الجديد على تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني معتبرا أن الدستور يُعبر عن مبادئ عامة وليس عن مواقف سياسية !!! .
وقائلا – أي وزير الخارجية – " إننا لن نقيم علاقات مع إسرائيل لأنها لا تحترم القانون الدولي ولا تحترم حقوق الشعب الفلسطيني "، وهذا التصريح من أخطر ما يقال من متحدث رسمي تونسي بعد الثورة، لأنه يعطي لهذا الكيان الحق في الوجود معلقا ذلك على شرط، وهو ما تحاول إسرائيل انتزاعه من حماس ومن غيرها من الدول العربية التي لم تعترف بذلك الكيان الغاصب .
وأخيرا أليست كل هذه الظواهر والأحداث المتلاحقة تدعو للقلق على التجربة التونسية وتدفعنا للخشية على ذلك الثورة الوليدة التي ولدت عملاقة ورائدة ؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: