د- هاني ابوالفتوح - مصر / الكويت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5364
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما بين فيديو العار وفيديو النار وجدتني أحترق ووجدتني أتمزق كما تمزق الوطن ويئن و يصرخ أين العقل فيما يحدث و حين يغيب العقل فلا عقل ولا عسكر ولا ثوار ولا وطن للأحرار
المكان : صدر ميدان التحرير
التاريخ : العاشرة من مساء السبت 17 ديسمبر
المشهد الأول - فيديو العار :
جريدة يومية يحملها بعض الرجال والشباب والنساء والفتيات يقفون وسط الميدان بطريقة منظمة جداً ويتكلمون بلغة واحدة جميعاً ويقولون للمارة انظروا هؤلاء هم حماة الوطن وها هي الضحية البلطجية في الصورة ومعهم الجريدة لعرضها على كل من مر من ميدان التحرير ليرى الجميع الصورة البشعة لفتاة ترقد ممدة أمسك بها بعض الجنود وهي عارية البطن وهم يكيلون لها ضرباً،
- استكملت هذا المشهد حين عدت لمنزلي متأخرا ليلاً محترقاً مما رأيت يعتصرني الألم لأستكمل المشهد البشع المطبوع في الجريدة في فيديو معروض على أحد المواقع لنفس الصورة المنشورة في الجريدة وتمنيت ألا أرى في حياتي فيديو هكذا لفتاة مصرية حقاً، كان عقلي طوال الطريق يتساءل من الذي دفعها لهذا الأتون وتلك المحرقة التي لا ترحم وطناً ولا أرضاً وكان عقلي يتساءل أيضاً عن شكل اللباس الظاهر عليها في هذا الجو البارد وراجعت المشهد عدة مرات لأدرس كل مافيه بأمانة وعما فعلت حتى يصل بنا الأمر لهذا الحد، المشهد للوهلة الأولى يصعقك وأنت تراها ممدة هكذا وبعض الجنود نزعت من قلوبهم كل رحمة وشفقة وإنسانية ممن قاموا بهذا الفعل أو رد الفعل في مشهد هوعار على جبين الوطن وسبة في تاريخه،
إن كان ما رأيته في فيديو العار صحيحاً فعار علينا أن نسكت ونصمت ونقول أنهم كانوا جميعا في ساحة الحرب وفي الحرب كل شيء مباح وعلينا أن ندرس جيدا ما الذي أخرج الجميع هكذا عن كل شعور وعن كل عقل وعن كل فعل ورد فعل،
فلنأتي بهم جميعا على رؤوس الأشهاد خاصة هذا الذي كال لها الضرب بقدميه الغليظتين في أعلى الصدر ليحصل لنفسه على نيشان الخزي بلا منازع وهي ممدة عارية حتى قام أحدهم فستر منها ما تعرى، ولنناقش بحكمة ما الذي وصل بهم لهذا الحال حتى يكون هذا هو رد الفعل وكلنا يعلم أن الله يشهد ويسمع ويري ،
وأكرر إن كان الفيديو حقيقة لا لعب فيه لاخير فينا إن سكتنا عما رأينا وأتينا بالأصل له وأتينا بكل من فيه وفي نفس الموقع لنقيم العدل بالحق إن أردنا دولة العدل والحق التي أمر الله تعالى بها، ولا تأخذنا مشاعر متناقضة فالحق أبلج لامراءة فيه ولا تسويف فلنقم بالتحقيق السريع العادل في هذا الأمر ولنتذكر أن امرأة نادت يوماً وامعتصماه فهب لها من يعي النداء ويفهم لغته ويفهم معني الشرف والنخوة فظل النداء قائماً يعيش بيننا على مر السنين وسيبقى ما بقي الزمان إلى أبد الدهر،
لا خير فينا إن سكتنا عن هذا الأمر ولم نحقق فيه بعدالة، ولا خير فينا إن لم نطالب بإحقاق الحق للفتاة أولا ثم نبحث بعد ذلك عن الأسباب التي دفعتها للتواجد ودوافعها التي جعلتها تقف في قلب ساحة الحرب فوقفت صورتها في قلوبنا وألجم مشهدها ألسنتنا عن النطق والكلام ولكنه لن يلجمنا عن إعمال العقل والمنطق، فإما أن نتقي الله تعالى وإما أن نصمت صمت القبور لاخير فينا ولا حياة،
- وإن كان مارأينا في الفيديو والصورة قد تم تزويره وتحريفه وإعداده لإثارة رأي عام وإشعال نار الفتنة فلنأتي أيضا بمن فعل ذلك ولينل جزاءه وعليه لعنه الله والوطن فقد أراد أن يشعل أمة بأكملها فاللهم إجعله يحترق بنار أشد وعذاب أبقى،
المشهد الثاني فيديو النار :
حين ترجلت من السيارة لأرى بعيني مشهد أرض المعركة حقيقةًً وعن قرب رؤيا العين وأترك التساؤلات التي تدور بذهني لما كل هذا العنف فينا، غلٌ وأحقادٌ وثأرُ دفينٌ وكرٌ وفرٌ وفرضٌ للقوة وإستعراضٌ للعضلات ولعب على كل الأوتار بالضغط على الآخر هنا وهناك، كل هذا وأكثر رأيته في ساحة الحرب والوغى، حرائق تشتعل وألسنة اللهب تتصاعد من شبابيك المجمع العلمي لتحرق قلب مصر ويبكي التاريخ وتذرف صفحاته الدمع ألماً وحزناً، كنت أشاهد كل هذا وأكثر ليحرق قلبي ويدمي روحي وفؤادي كمداً وحسرةً وأسفاً ويتوقف عقلي عن التفكير وأنا أسير وسط جموع متفاوتة الأعمار والثقافات والأهداف فهناك المشاهدون من فئة محبي الإستطلاع وهناك الباحثون عن حب الظهور بالكلمات والشعارات وهناك من يقف بداخل المحرقة بالفعل متسلحاً بما داخله من فكر أو معتقد أو هدف أو سلاح، وهناك أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخمسة عشرة عاما لا أدري من أين أتوا ومن ألقى بهم هنا، وهناك وجوه لا تسعد برؤيتها تكر وتفر وتصم آذانك عن ألفاظٍ إعتادوها وهي لك عورة ومسيئة، وهناك أيضاً الباعة الجائلون ممن افترشوا الميدان وجعلوه مرتعاً لهم وهم أصحاب الحظوة من إزدياد أعداد سكان الميدان، ترجلت لأصل هناك عند المدخل المظلم ناحية شارع الحرب حاليا ( شارع القصر العيني سابقاً ) ثم ذهبت إليه من الناحية الأخرى لأقف أمام الأسلاك الشائكة التي يقف خلفها جنود الوطن بلباسهم وزيهم العسكري وعلى الطرف الآخر مجموعة من مختلف الأعمار تقع في المواجهة مباشرة وكلاهما في حالة تأهب وترقب كل وأهدافه إستعداداً لجولة وجولات من المعارك بين طرفي الحرب من أبناء الدولتين القائمتين على أرض مصر سابقاً ( ساحة الحرب حاليا ) ولا أدرى حقيقة متى تم تقسيم الحدود بينهما ولا أدري كيف تم توزيع السكان على الدولتين ولا أدري أيضا لأي الدولتين تم إختزالي وتسكيني،
لاأدري كيف يمر هذا المشهد علينا كمجرد حدث تكرر كثيرا، أين الضمائر الحية والعقول المتفتحة وأين القلوب التي تعي وتحق الحق وتزهق الباطل، كيف لنا أن نصمت عن حرق تاريخ أمة من قبل فئة ضالة لاعقل ولا إدراك ولا وعي لديها بما تفعل بنا وبأمة بأكملها وكيف نتركها تفلت من بين أيدينا لتحرق قلبنا مرات ومرات وكيف لاتلقى مصيرها الذي تستحقه، فعلى كل من فعل ويفعل هذا بمصرنا الغالية عليه لعنة الله والوطن والتاريخ
- إن المشهد جميعه حالة من الغثيان والحزن والألم فكلما أخذنا خطوة للأمام نعود للخلف عشرات ولا ننجح حتى الآن إلا في زيادة الحصيلة ممن لقوا وجه ربهم ونزيد حصيلة المرضى ونزيد حصيلة الغل والأحقاد فيما بيننا وبين مواطني الدولتين ممن إختاروا دولة الفوضى وتناسوا وغضوا الطرف عن دولة القانون وإحترام آدمية الإنسان وكرامته،
اللهم وحد شتات قلوب وعقول هذه الدول المتناحرة لتعود مرة أخرى كما خلقتها دولة واحدة مصر الغالية التي ذكرتها في كتابك وشرفتها بقرآنك ووعدتها أمانك وقدرت علينا أن ندخلها آمنين فهان علينا أمنها وأمانها .
... اللهم ياجبار السماوات والأرض يا قاهر فوق عباده اقصم ظهر كل من أراد بمصر سوءاً وكاد لها فرد اللهم كيده في نحره وأرنا فيه يوماً كيوم عادٍ وثمود واكتب لمصر أمنك وأمانك الذي وعدتنا به بمشيئتك وقدرك وألهمنا الصبر على ماآذونا فيها من أبنائها وغيرهم فأدموا قلوبنا وأرواحنا وأبكوا مدامعنا ،
اللهم يا واسع الرحمة والمغفرة إرحم مصر برحمتك وهييء لها من يقيم العدل فيها كما أمرت ويحكم فيها بالقسط وارزقه البطانة الصالحة التي تعينه على ذلك ....
اللهم ارحم مصر .. اللهم ارحم مصر .. اللهم ارحم مصر
القاهرة – الثالثة من فجر الأحد 18 ديسمبر 2011
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: