د- هاني ابوالفتوح - مصر / الكويت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4889
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لدينا طباع تميزنا عن كل شعوب العالم من حب انتماء لوطن ووطنية جيش وعقول نابهة ومفكرين عظماء لم نستفد بهم كما يجب وإرادة صلبة قوية عند الشدائد ,
ولدينا أيضا عادات سيئة لم أجد مثلها في قارات العالم الخمس تتسبب في تشويه كل جميل في الوطن كرمي القمامة في الشوارع والإزعاج والضوضاء وعدم احترام الوقوف في صفوف أو طوابير منتظمة وعدم احترام قواعد وارشادات المرور السليمة أيا كانت ,
آخر صيحات التشويه لدينا هي تشويه الحوائط والجدران بكل أنواع التشويه الغبي ,
وأسوأ الكتابات هي المنشورات السياسية أيا كان كاتبها ولا أدري أي سعادة تعتريه فهناك نوع من البشر يتلذذ بما يفعل وكأنه قد حقق بعمل تافه هدفا عظيما يرضيه ويحقق له ذاته ,
وكتابات اليوم على الحائط تعدت كل مراحل الانحطاط الخلقي والديني فوصلت للسب والقذف وكل ما يعاقب عليه القانون ولكن من أمن العقاب أساء الأدب ,
أسوأ ما آلمني أن هناك جيلا جديدا صغيرا يرى تلك الأفعال ويتساءل عنها وربما قلدها ,
لقد فوجئت بصغرى بناتي ذات العشر سنوات حين قرأت كلمة عبيد البياده فسألتني عن معناها, استوقفني السؤال واجابته وقررت ان اشرح لها معنى البياده الحقيقي عمليا لبيان قيمتها التي غابت عن البعض منا فتذكروا السباب بصفاقة وتناسوا القيمة بحماقة ,
أخذت عائلتي في رحلة ضمت اجيالا متعاقبة لأعلم أولادي معنى و حقيقة وفضل البياده و أين وضعت خطاها وكيف ضحت و ما قيمتها ,
ذهبت بهم الى حيث سارت الخطى الذكية الطيبة في خط القنال العظيم من الضفة الغربية ثم عبورا الى الضفة الشرقية حيث أرض المعارك الطاهرة , فكانت الرحلة الى فايد مرورا بمعسكرات قواتنا المسلحة والشعارات التي تضعها لتنمي الروح الوطنية واتجهت من فايد بالسيارة الى سرابيوم ثم الى معدية سرابيوم متجها الى الضفة الشرقية للقناة حيث موقع معدية نمرة 6 ومنها الى موقع معركة تبه الشجرة على بعد 10 كيلومتر من مدينة الإسماعيلية الذي تم بناؤه في أعلى تبه على طول القناة مرتفعا عن سطح البحر 74 متر ليتحكم في 18 موقع استراتيجي بطول خط بارليف و قد سُمي بـ ( تبه الشجرة) لأنه حينما كان يُري من الجو كانت ممراته علي شكل شجرة ذات الـ 19 فرعا و كان يطلق عليه اليهود اسم (الأفعى) ,
والموقع مصنوع من صخر مطاطي شديد القوة من يحاول تحطيمه ولو بالطائرات ازدادت صلابته بتفتيت الحصى فكان من الصعب هدمه و اعتقد الجيش الاسرائيلي ان اختراقه مستحيل,
وضم موقعين حصينين متصلين بواسطة أنفاق , هذا الموقع الاستراتيجي الحصين شيد في مبنيين تم بناءهما من صخور رفعت من أرض القناة استغلوا فيها أسرى النكسة لإذلالهم ,
استقبلنا عند البوابة في أدب جم واحترام رائع بعض من جنود القوات المسلحة واستأذنوا ضابط الموقع ليسمح بدخول والدتي بالسيارة لنكون معا ثم اصطحبنا احد الجنود ليشرح لنا الموقع كاملا بدءا من حقول الألغام على الجانبين التي لاتزال قائمة ثم تفاصيل الأسلحة المتواجدة هناك وأنواع الأسلحة الثقيلة التي تم أسرها ثم أخذنا في جولة داخل الحصن حيث بدأنا الجولة من داخل المبنى الأول فرأينا كافة تجهيزات واستعداد العدو وخططه ومراكز التجسس والاستخبارات وغرفة العمليات العسكرية والموقع هو مقر القيادة وغرفة العمليات المزودة بالأجهزة المخصصة للاتصال بالوحدات والقيادات الفرعية والقيادة الجنوبية والقيادة العامة وكذا أجهزة الاتصال والمعدات الإلكترونية ومجموعة الوثائق والخرائط ,
ثم انتقل بنا لأعلى نقطه حيث الموقع الثاني المحصن المخصص للعمل الإداري والمكيف الهواء وبه غرف مبيت جنود وضباط العدو وميس الطعام ويضم مكتب للقائد ونقطه طبيه ونقطه وقود والمغسلة وغرفة عمليات طبية مصغرة وبابي دخول وخروج ,
كان انبهارنا جميعا بالموقع يفوق الوصف لأننا بحثنا عن أسلحة مصرية فلم نجد نهائيا وتساءلنا كيف تم احتلال الموقع وأسر من فيه فكانت المفاجأة في لوحة الشرف والنصب التذكاري بها لأبطال الفرقة 12 مشاة بقيادة اللواء محمد بدر وشملت قائمتين , الأولى ناحية الموقع للشهداء الأبرار من خضبوا بدمائهم الطاهرة أرض المعركة و رووا بأرواحهم الزكية رمل سيناء الغالية ,
واللوحة الثانية للأبطال العظام من اقتحموا الموقع بأجسادهم غير مبالين الموت ولا النيران بعد أن اكتشفوا الموقع الحصين محض الصدفة في اليوم الثالث للحرب فهاجموه في معركة شرسة لخمس ساعات كاملة وأسروا من فيه بأسلحتهم وكامل تجهيزاتهم واستولوا عليه يوم 8 اكتوبر بعد ذلك تم تحويله لمزار سياحي و أثر تاريخي بكل معداته من اسلحة العدو وتجهيزاته ودباباته ودشمه المحصنة ليكون شاهدا علي بعض الانجازات الخاصة بأبطال حرب اكتوبر , أثرا ومزارا لمن أراد أن يرى بعينيه جزء حقيقي لمعركة العزة والكرامة التي قادها ضباط وجنود عبروا القناة بقلوبهم وأرواحهم تحملهم أقدامهم في خطى مباركة ,
طلبت من الجندي المرافق لنا أن يسير ببيادته على الرمال فتعجب للسؤال وفعل , ثم توجهت لأبنائي جميعا و قلت لهم هذا أثر البياده الخالد في رمل سيناء الحبيبة ولم يكن لها أن تتطهر حتى اليوم من دنس اليهود الا بعبور الأبطال والجنود ببياداتهم التي تتحمل وعورة الطريق وصعوبة الخطى وطول المعاناة من أجل أن نحيا نحن في أمن وسلام مطمئنين سعداء آمنين فيخرج من بيننا من لم يتعلم الأدب او يجعل في قلبه وعقلة ذرة من احترام ووعي ليعلم قيمة البياده ورفعتها ويضعها فوق رأسه لتحميه بدلا من أن يسبها ليل نهار ويتهم من أحبها وعرف قيمتها وأهميتها فيصفهم بأنهم عبيدا لها ,
خرجنا جميعا من الموقع يلفنا شعور بالزهو والفخر وحين بادرت بشكر الجندي المرافق لنا وإعطائه علبة عصير فرفض لأن واجبهم ضيافتنا وأنهم يؤدون دورهم في خدمتنا وخدمة القوات المسلحة شرف العسكرية المصرية ,
هكذا مدرسة الرجال تربي فيهم العزة والكرامة والواجب ,
خرجنا أكثر حبا وتقديرا واحتراما لهم وتوجهنا الى موقع معدية نمرة 6 وعبرنا من الضفة الشرقية للقناة الى الضفة الغربية حيث نقطة استشهاد القائد المعلم الفريق عبدالمنعم رياض لنعود بمشاعر عزة و فخر ان في هذا الوطن رجال هانت عليهم دماؤهم من أجله ولم يتاجروا به ولم يتأخروا عن ندائه ,
كانت سعادة الصغار معي قبل الكبار سعادة لا توصف في رحلة وصفوها بأنها الأجمل والأهم لأنها رحلة لقلب الوطن ومن أجله , رحلة الى نبض سيناء ورمالها ,الى الضفة والقناة بجلالها , نعم كانت بكل فخر وعزة وشرف ..... رحلة الي البياده .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: