أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8292
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
المنهج في قسم الحضارة في منوبة
يلحُّ الحمامي في كلّ ما سوّد على أمرين اثنين الأوّل منهما الحياد والموضوعية والعلمية معتقدا أن مجرد رفع الشعار كاف، وغاب عنه أن هذه الصفات لا يمكن أن تظهر إلا من خلال المكتوب والثاني الإشادة بجماعة منوبة وتقديمهم في ثوب غير ثوبهم الحقيقي يقول:"والطريف عند دارسي القضايا الحضارية انسجام الرؤى عندهم إلى حدّ بعيد حتى لكأنهم يؤلفون مدرسة قائمة الذات"(98) والمفهوم من هذا الكلام أن ما صدر عـن قسم الحضارة في منوبة من دراسات ومقالات يشير إلى وجود مدرسة فكرية وهو كلام مجانب للحقيقة ولا أساس له من الصحة فمن خلال ما عرضنا في كتابنا هذا وفي صنوه السابق نستطيع القول جازمين إن قسم الحضارة في منوبة ليس إلا جمعية للتساند المهني والارتقاء الوظيفي(99) لأن الحصيلة العلمية لما هو منشور في تونس أو خارجها للمنتسبين إلى هذا القسم خصوصا منهم الذين تتلمذوا للشرفي وأشرف على بحوثهم هي حصيلة هزيلة تشترك في:
1) الأخطاء العلمية الفظيعة والخلط الشنيع بين المصطلحات والجهل بآليات الموضوع المدروس وهي سمات يتلمسها القارئ بجلاء ووضوح، فقد سبق للإمام الشيخ محمد الطاهر ابـن عاشور أن حذر من هؤلاء الذين يتملكهم وَهْمُ المعرفة بالعلوم الدينية دون اكتساب أدواتها قال:"وقد دلت شواهد الحال على ضعف كفاية البعض لهذا العمل العلمي الجليل، فيجب على العاقل أن يعرف قدره، وأن لا يتعدى طوره، وأن يردّ الأشياء إلى أربابها كي لا يختلط الخاثر بالـزباد، ولا يكون في حالك سواد، وإن سكوت العلماء على ذلك زيادة في الورطة وإفحاش لأهل هذه الغلطة، فمـن يركب متن عمياء ويخبط خبط عشواء فحق على أساطين العلم تقويم اعوجاجه وتمييز حلوه من أجاجه، تحذيرا للمطالع وتنزيلا في البرج والطالع"(100)، فإذا علمنا أن أستاذهم عند حديثه عـن التصوف الذي هو تجربة روحية ذاتية يقول:"وقد آل هذا التنظيم (يقصد الفرق الصوفية) إلى ما كان منتظرا لا محالة من كلّ تنظيم يفتقر إلى قواعد التسيير الديمقراطية، أن تكلس وتحوّل التصوف فيه تدريجيا، منذ القرن السادس الهجري بالخصوص، إلى طـُرُقِـيَّـة بكلّ ما لها من آثار ايجابية وسلبية"(101) فهل نلوم تلامذته إن خلطوا بين الاجتهاد والتجديد أو طالبوا بالإباحة الشرعية للـزنا أو السحاق أو نكاح المتعة؟ .
2) غياب الوطن وإغفال ذكر رموزه، والناظر فيما نشر الشرفي وجماعته يلحظ أن تونس غائبة بامتياز فمن بيـن 72 بحثا أشرف عليها الشرفي لا نجد إلا ثلاثة لها علاقة بالوطن أحدها عـن بيرم الخامس والثاني عـن الشيخ محمد الطاهر ابـن عاشور والثالث هذا الذي نحن بصدده وكلـّه شتم لخيرة أبناء تونس ونكأ للجراح واستهداف للوحدة الوطنية وكأني بعبد الرزاق الحمامي يترجم بكتابه هذا اعتقاد الشرفي الذي صرح به في المقدمة بوجود:"أقليات دينية ومذهبية محلية ليست هامة عدديا مثل اليهود والأحناف والأباضية"(102) وبـيِّـنٌ أن الحديث عـن أقلية يستلزم وجود أكثرية تقهر وتظلم وتمنع الآخرين من حقوقهم لأسباب دينية أو عرقية، فهل عرفت تونس هذا النوع الاضطهاد الطائفي؟ وهل يصحّ القول بأن الأباضية أقلية وهم الذين درج شعبنا على تسميتهم بالخوامس باعتبارهم المذهب السني الخامس؟ ثم ما القول في الدور الذي أدَّوه إبان الحركة التحريرية؟ ومن ذا الذي يمتلك الجرأة على القدح في قامات نضالية من وزن الشيخ صالح بـن يحيى أحد كبار مموِّلي الحزب الحرّ الدستوري الذي كان يسافر إلى بني مزاب في الجزائر لجمع التبرعات أو الشيخ محمد الثميني الذي كانت مكتبته ملتقى المناضلين أيا كانت توجهاتهم أو الشاعر مفدي زكريا أو الصحافي سليمان الجادوي؟ فهل كانوا يصدرون عـن شعور أقلي فيما قدموا للوطن من جليل الأعمال ممّا نذكره لهم باعتزاز وفخر وامتنان؟ ونفس الشيء يقال عـن اليهود لأن جيلنا لن ينسى مثلا نضال المناضلين جورج عدّة من أجل استقلال البلاد ومساهمة ابنه سيرج في تجذير ثقافة حقوق الإنسان في تربة هذا الوطن، أما إدراج الأحناف من بين الأقليات فأمر ينفرد به الشرفي من بين خلق الله جميعا. وحتى نكون منصفين من الضروري أن نشير إلى أنه بجانب هذا السعي من الشرفي وجماعته إلى خلق أقليّات لا وجود لها(103) أشرف المذكور على إنجاز بحوث تهمُّ الظواهر الحضارية في تونس بمقتضى عقد مع الإدارة العامة للبحث العلمي والتقني بوزارة التعليم العالي وبدعمها المالي.
3) الإصرار على تناول القضايا العامة التي تسمح بتناول كلّ المواضيع دون ضابط أو رابط لهذا السبب بالذات نلحظ أن عناوين الأطروحات التي أشرف عليها الشرفي تشترك جميعها في تغييب أيِّ دلالة لها من ذلك استعمال ألفاظ من نوع الاختلاف أو الائتلاف أو العبور أو المصير أو العجيب والغريب أو المخيال أو السائد والمُهمّش وغير ذلك حتى يسهل على الطالب أن ينتقل من بيئة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر ومن كتاب إلى غيره ملتقطا الشاذ من الروايات والشارد من الأخبار والغريب من الأفهام لتأكيد أحكام مسبقة.
4) اللهاث وراء الكنيسة والاستمرار في الدعـوة إلى الحوار بين الأديان حتى بعد أن تحقق الناس جميعا ومن بينهم الداعون إلى ذلك سابقا من أنه حوار لا هدف له إلا التلهية وإشاعة الأوهام إن لم نقل ما هو أدق في الوصف وأنكى.
ولسائل أن يسأل لماذا ينفرد قسم الحضارة بمنوبة من بين أقسام الجامعة التونسية بما ذكر؟ والجواب صرّح به عبد الرزاق الحمامي في أطروحته قال:"وتظل ثنائية الدين والسياسة من الشواغل البارزة عند دارسي الحضارة الإسلامية في تونس"(104).
الهوامش
1) الفكر الإسلامي، ص28.
2) نفسه ص27.
3) نفسه ص75.
4) نفسه ص77.
5) نفسه ص100.
6) نفسه ص221.
7) نفسه ص 153.
8) نفسه ص17 وأهل التخليط، ص18 وما بعدها.
9) الفكر الإسلامي، ص114.
10) نفسه ص97.
11) نفسه ص108.
12) نفسه ص114.
13) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ص199.
14) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص137.
15) الفكر الإسلامي في تونس، ص194 و195.
16) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ص203.
17) الفكر الإسلامي في تونس، ص132.
18) انظر دراستين للأستاذة مديحة مشرفية الأولى عـنوانها "أولى المدارس الفرنسية بالإيالة التونسية" تونس 2009 والثانية عـنوانها "المدارس الحرة الفرنسية في البلاد التونسية" مسيكلياني للنشر، د ت.
19) أطروحة الدكتور محمود عبد المولى عـن الجامعة الزيتونية الصادرة بالفرنسية سنة 1971، ص195.
20) أطروحة الدكتور محمود عبد المولى، ص134.
21) المفيد السنوي، ص242 وما بعدها.
22) انظر الدراسة المهمة للأستاذ محمد المسعود إدريس:"المساهمة الثقافية للزيتونيين من خلال نشاط الجمعيات خلال فترة الحماية" منشور ضمن أعمال الندوة الدولية الحادية عشر (حول الـزيتونة: الدين والمجتمع والحركات الوطنية)، منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية، تونس2003، ص327 وما بعدها.
23) دراسات في العلاقات الإسلامية المسيحية، ص47.
24) مقال "بين الصادقية والـزيتونة" للمؤرخ علي الزيدي، المجلة التاريخية المغربية، العددان 61 و62، جويلية 1991، ص119 وما بعدها.
25) "حمادي الساحلي في آخر كتاباته" إعداد وتقديم محمد العزيز الساحلي، سلسلة ذاكرة وإبداع الصادرة عـن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، العدد 28، تونس 2008، ص21 و127 و128.
26) مجلة رحاب المعرفة، السنة 7 العدد 42 بتاريخ نوفمبر وديسمبر 2004.
27) تونس الشهيدة، ص70 و71.
28) المدرسة الصادقية والصادقيون، ص49.
29) مقال "علي الورداني" لمحمد الصالح المهيدي، مجلة مرآة الساحل، السنة الأولى، العدد الثاني، جويلية 1966، ص20.
30) من محاضرة ألقاها محمد الصالح المهيدي بمعهد علي باش حامبة ننشر نصها كاملا في كتاب "من أعلام الصحافة في تونس".
31) ذكريات عصفت بي، ص109.
32) ذكريات وخواطر، ص694.
33) جريدة الشروق بتاريخ 3 فيفري 2009.
34) العدد الخامس لسنة 1963، انظر تعليق الدكتور علي الشابي في صدى الذكريات ص239.
35) من مقال"المخطط التربوي الأوّل للجمهورية التونسية" لإبراهيم العبيدي منشور في جريدة الصريح بتاريخ 20 سبتمبر 2010. انظر كذلك شهادة الدكتور علي الشابي في كتابه صدى الذكريات ص208 وما بعدها.
36) جريدة الصريح بتاريخ 25 أكتوبر 2010، انظر كذلك شهادة محمد المزالي في مذكراته "نصيبي من الحقيقة".
37)"الإسلام والتحليل النفسي" للدكتور فتحي بـن سلامة، ترجمة رجاء بـن سلامة، دار الساقي، بيروت 2008، ص30.
38) جريدة الصحافة ملحق الضاد بتاريخ 15 ماي 2008.
39) جريدة الصريح بتاريخ 5 جانفي 2009. عـن إلغاء الشعبة العصرية الزيتونية (شعبة أ) ومشروع دوبياس الذي قضى على صفاء اللغة العـربية في منظومتنا التربوية وأدى إلى شيوع خليط من الألفاظ شوَّه الفصحي وأصاب لهجتنا العامية بإعاقة تمنعها عـن البوح بمكنونات النفس وخبايا المشاعر، انظر الدراسة المتميزة "تأريخ النظام التربوي للشعبة العصرية الزيتونية، 1951ـ 1965" الدكتور علي الزيدي، منشورات مركز البحوث في علوم المكتبات والمعلومات التابع للمعهد الأعلى للتوثيق، تونس1986.
40) الفكر الإسلامي في تونس، ص681.
41) تونس الشهيدة، ص8.
42) الأعمال الكاملة، 1/9.
43) التيارات الأدبية في تونس المعاصرة، ص119 و120.
44) مستدرك الفهرس التاريخي، ص117.
45) "أضواء على الأدب التونسي" أبو زيان السعدي، دار العمل للنشر والتوزيع، تونس 2006، ص203.
46) نفسه 3/81.
47) نفسه 2/161.
48) نفسه 2/172.
49) نفسه 2/173.
50) محمود المسعدي وكتابه السد، ص44 و45 و52.
51) "طه حسين والمغرب العـربي" منشورات ابـن عبد الله، تونس 2001.
52) التيارات الأدبية في تونس المعاصرة، ص79 و80، وطه حسين في المغرب العـربي ص57.
53) مجلة "رحاب المعرفة" السنة 10، العدد 58، جويلية وأوت 2007.
54) جريدة الصريح بتاريخ 29 ماي 2004.
55) كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، 1/814.
56) الحركات التبشيرية في المغرب الأقصى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ص9.
57) مقال "معبد التفاهم، المخطط الامبريالي ومجلس الأديان العالمي" د.مراد وهبة، مجلة الطليعة السنة السادسة، العدد الثامن، أوت 1970.
58) عيال الله، ص164.
59) الحركات التبشيرية، ص14.
60) مجلة"جون أفريك" العددان 2346 و2347 بتاريخ 25 ديسمبر2005، وليطمئن قلبي ص40 و41.
61) خلاصة تاريخ تونس، ص130.
62) المؤنس، ص166.
63) خلاصة تاريخ تونس، ص156.
64) من حديث مع الأب جان فونتان منشور في جريدة الصدى بتاريخ 3 أكتوبر 1992.
65) المسلم في التاريخ، ص3.
66) ليطمئن قلبي، ص238 و241 و248.
67) الفكر الإسلامي، ص621.
68) الاجتهاد، ص40 والفكر الإسلامي، ص652.
69) الإسلام والحداثة، ص155 و156.
70) الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص49 و51 و52.
71) الاجتهاد، ص40.
72) المستصفى، 2/392.
73) الإرشاد إلى قواطع الأدلة، ص358
74) الاجتهاد، ص42 والفكر الإسلامي، ص652 و653.
75) حاشية ابـن عابدين، 5/278.
76) الاجتهاد، ص49.
77) الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص11.
78) الاجتهاد، ص166 والفكر الإسلامي، ص662.
79) الاجتهاد والتحديث، ص15 و16.
80) الاجتهاد، ص177 والفكر الإسلامي، ص662 و663.
81) الاجتهاد، ص169.
82) الاجتهاد، 172 و173.
83) الفكر الإسلامي، ص662.
84) الاجتهاد، ص164.
85) انظر"نظرية الضرورة الشرعية حدودها وضوابطها" لجميل محمد بـن مبارك، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع المنصورة، ط1 مصر 1988. و"حالة الضرورة في الشريعة الإسلامية" د.عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، ط2 بيروت 1988.
86) انظر"علم أصول الفقه" عبد الوهاب خلاف، دار القلم، ط1 الكويت 1972. و"ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية" د.محمد سعيد رمضان البوطي، مؤسسة الرسالة والدار المتحدة، ط5 بيروت ودمشق 1990. و"المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي" مصطفى زيد، دار الفكر العـربي، ط1 القاهرة 1954.
87) الاجتهاد، ص176.
88) الاجتهاد، ص177 والفكر الإسلامي، ص663.
89) الاجتهاد، ص167 والفكر الإسلامي، ص661.
90) الاجتهاد، ص175.
91) الاجتهاد، ص177.
92) الاجتهاد، ص185 و186.
93) الاجتهاد، ص187.
94) دراسات إسلامية، ص74.
95) الاجتهاد، ص187.
96) الاجتهاد، ص195.
97) الفكر الإسلامي، ص664.
98) الفكر الإسلامي، ص663.
99) انظر مقال "الحضارة في الجامعة التونسية علم بلا موضوع" لعبد الجليل الحمودي، جريدة الموقف بتاريخ 29 جوان 2009، ومقال"الفرائض ومنزلة الإنسان الوجودية" لأبي يعـرب المرزوقي، موجود في الشبكة العنكبوتية كما نشر في جريدة القدس إلا أننا لم نعثر على العدد أو تاريخه.
100)التحرير والتنوير، الجزء الأول الكتاب الأول، ص37.
101) الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص193.
102) مقدمة الشرفي للفكر الإسلامي في تونس، صXI.
103) في موقع الأوان الذي تشرف عليه رجاء بـن سلامة نشرت ملفات عـن الشواذ والسود وغير ذلك باعتبارهم أقليات مسلوبة الحقوق؟؟؟.
104) الفكر الإسلامي في تونس، ص637.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: