أنس الشّابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10595
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لمّا وقع بين يدي كتاب " مذكرفات ناشر " الصادر عن دار المعارف بسوسة لصاحبه وصاحبها حسن (1) سارعت إلى الإطلاع عليه لأني توقعت أن يتعرّض لشخصي بحكم الوظائف التي تحمّلتها في وزارتي الثقافة والداخليّة إبّان هجمة تتار العصر وحلفائهم على منجزات دولة الاستقلال فهالني الكمّ الهائل من الشتائم التي طالت الأحياء والأموات بسبب وبدون سبب.
ولأنّ الوالد رحمه الله ربّاني وعلّمني أن الإساءة لا تردّ بمثلها فإنّي سأغفل ما نالني من قذف وشتم وافتراء لا سند له موجّها اهتمامي أساسا لما يمكن أن ينفع الناس, أقول وعلى الله الاتكال.
الحاج محمد مدبولي وحسن
قبل أشهر معدودات انتقل إلى رحمة الله الناشر المصري الأبرز الحاج محمد مدبولي الذي أغنى المكتبة العربيّة بعدد لا يحصى من المصادر الأصليّة والنصوص الإبداعية والدراسات العلميّة رغم أنّ الرجل لا يحمل أي شهادة علميّة، ففي حديث تلفزيوني له عن تجربته في ميدان النشر ذكر أن بداياته كانت على بسطة لبيع الجرائد استطاع بجدّه أن يحوّلها إلى كشك ثمّ إلى أهمّ مكتبة وينتقل هو من بائع جرائد إلى الناشر الأهمّ في العالم العربي كلّ ذلك لأنّه كان متواضعا ويعرف حدوده بحيث لم ينسب لنفسه مالا تستحقّ ولا كلّف نفسه ما لا طاقة له به.
أحاط الحاج نفسه بنخبة من خيرة المثقفين الذين أفادوه بحسن نصحهم له فاستفاد وأفاد الثقافة والنشر وترك بصمته التي لن يمحوها الدهر مخلّدا اسمه كواحد من بين أهمّ روّاد النهضة والنشر.
ذاك رجل أمّا لدينا فإنّ حسن كان متسرّعا فاعتقد واهما أنّ تحويل حانوت قرطاسيّة إلى دار نشر يكفيه الاستحواذ على اسم دار المعارف المصريّة بما تحمل من إرث، وتصوّر خطأ أن مجرّد وضع اسمه على نصّ ما سيجعله كاتبا وأديبًا كما ادّعى (2) فيصف حياته التي ملأها وشايات وكتابة تقارير في خلق الله (3) بحياتي الأدبيّة (4) ويسمح له ذلك بالوعد بأنّه سيتفرغ للبحث والقراءة(5).
يعلم القاصي والداني أن للكتابة شروطها وللتأليف منهجيته وللنشر قواعده فهل فيما نسب حسن لنفسه ما ينضبط لما ذكر؟ وهل فيما نشر ما يعدّ إضافة للمكتبة العربيّة؟
وهل أنّ البضاعة التي رمى بها حسن في سوق الكتاب تستأهل أن تدفع فيها المجموعة الوطنيّة أموالها وتضعها في مكتبات المطالعة العموميّة والمدارس؟
إجابة عن هذه الأسئلة سوف نتناول ثلاث شخصيات يدّعي حسن أنّه نفض عنها الغبار وأحيى ذكرها بما نشر لها أو عنها، و سنضع ما أخرجت مطبعة المعارف بسوسة في ميزان النقد العلمي وأصول البحث وقواعد النشر حتى يتّضح لكلّ ذي عينين جناية حسن وإساءاته البالغة لتاريخنا وشخوصه.
طه حسين
في مذكرفاته وفيما قبلها أقام حسن الدنيا ولم يقعدها لأنّه أعاد نشر بعض الكتب لطه حسين مقدّما ذلك في صورة مخالفة للحقيقة ادّعى فيها لنفسه الرّيادة والإضافة خصوصًا بعد نشره كتاب " في الشعر الجاهلي " سنة 1997 يقول : " لا يستطيع أحد أن يدّعي أنه يمتلك نسخة منه قبل سنة 1997 ......وبفضل طبعتنا، هذه أصبح في الشعر الجاهلي متوفرًا في المكتبة العربية وفي متناول الباحثين والدارسين بل أصبح ينشر في كلّ من لبنان ومصر دون حرج" (6) مضيفا لما ذكر في غرور وصلف : " أخشى أنا على مؤلفات طه حسين من أن تمسّها أيادي المتعصبين.. خاصة بعد أن أسهمت أنا شخصيّا في كسر الحصار الذي كان مضروبا منذ حوالي ثلثي قرن على كتاب في الشعر الجاهلي " (7) .
يعلم كلّ مبتدئ أنّ إعادة نشر النصوص التي أثارت ضجّة إبّان صدورها يجب أن تحمل إضافة من شأنها تجلية النصّ ووضعه ضمن سياقه التاريخي والاجتماعي والسياسي، لهذا السبب بالذات يلجأ الناشرون الأذكياء إلى إثراء نشراتهم بــ :
- دراسات علميّة تقدّم النصّ وتعرّف به.
- نماذج من المقالات السجالية التي صدرت في الجرائد والمجلات أيامها.
- نصوص الأحكام والقرارات القضائية.
- بيبليوغرافيا لأهمّ الدراسات التي تناولت الأثر بالبحث.
- فهارس يحدّدها المضمون كأن تكون للأعلام أو القبائل أو الشعر...
والمتـأمّل في نشرة حسن يلحظ بجلاء أنها ليست إلا استنساخا في النشرة الأولى وتصفيفا للنص الأصلي في النشرات اللاحقة ولم تحمل أي إضافة تذكر، علما بأن هذا الناشر لم يلتزم بما تقتضيه أصول وقواعد النشر من التقيد بالنص وملحقاته إذ أسند لطه حسين صفة عميد الأدب العربي ووضعها على الغلاف وهي صفة لاحقة لا وجود لها سنة 1926 حيث اكتفي في الطبعة الأولى بوصفه بأنّه : " أستاذ الآداب العربية بكلية الآداب بالجامعة المصرية ". فالتزيّد في هذه الحالة لا يمكن عدّه إلاّ تزويرا وتزييفا وتصحيفًا.
أمّا ادعاء حسن بأنه ساهم في كسر الحصار عن الكتاب وأن طبعته هي الطبعة الأولى فعار عن الصحّة لا تسنده الوقائع والدراسات فمنذ صدور" في الشعر الجاهلي " وبعد سحبه من السوق لم تتوقف الأقلام عن مناقشته إذ صدرت عشرة كتب تردّ عليه من بينها " تحت راية القرآن " لمصطفى صادق الرافعي وكتب أخرى ألفها الشيخ الخضر حسين ومحمد الغمراوي ونجيب البهبيتي وناصر الدين الأسد ومحمود محمد شاكر، هذا فضلا عن مئات المقالات المنشورة في مختلف المجلات والجرائد، فالحصار الذي أدعى حسن كسره إنما مردّه هَوَانُ بضاعته وعدم متابعته الحياة الثقافية, إنّ غياب الكتاب في الأسواق لا يعني غيابه في المناهج والدراسات ففي مصر عقد المجلس الأعلى للثقافة ندوة بعنوان " سبعون عامًا على كتاب في الشعر الجاهلي" يومي 16 و 17 أفريل 1996 شارك فيها حوالي أربعين شخصية أدبيّة كما قامت مجلّة " القاهرة " بنشر نصّ الكتاب في عددين متواليين، أما طبعات الكتاب التي سبقت النشرة المشوّهة لحسن فهي التالية :
1) نشرة دار الجديد اللبنانية وهي صورة طبق الأصل كما هو مثبت على ظهر الغلاف اكتفى فيها الناشر بتصوير الكتاب دون أي إضافة، علما بأنّ الطبعة الأولى لسنة 1926 رائجة عن طريق آلات التصوير وكاتب هذه السطور يمتلك واحدة منها منذ عشرين سنة خلت.
2) سنة 1994 قامت " دار النهر للنشر والتوزيع " المصريّة بإعادة تصفيف الكتاب الذي كتب مقدّمته أحد كبار النقاد في مصر وتلميذ طه حسين الدكتور عبد المنعم تليمة (8) تحت عنوان " مدخل لقراءة في الشعر الجاهلي " وقد أعيد طبع الكتاب طبعة ثالثة سنة 1996.
3) " قضايا وشهادات " كتاب ثقافي دوري صدر العدد الأوّل منه في ربيع 1990 وخصّص لـ " طه حسين , العقلانية، الديمقراطية ، الحداثة " في 500 صفحة عنون القسم الثالث منه بدءا من الصفحة 295 بـ " طه حسين وأزمته في الشعر الجاهلي " حيث نجد مقالا لسيد البحراوي عنوانه " قراءة في الشعر الجاهلي" ذكر في خاتمته " كتبت هذه الدراسة في الأصل كمقدمة لطبعة جديدة من كتاب في الشعر الجاهلي تصدر قريبا عن دارسينا للنشر" (9).
والذي نخلص إليه ممّا ذكر أعلاه أنّ نشرة حسن الرديئة سبقتها بسنوات طبعات أخرى أدق وأثرى وأجود، أما قوله بأن الكتاب كان أحد مشاريع دار المعارف منذ سنة 1988 (10) فلا دليل له عليه.
واللافت للانتباه أن حسن كتب مقدّمة في صفحتين أتى فيها بالعجب العجاب من ذلك قوله: " بعد أن وضعت الحرب العالميّة الأولى أوزارها خرجت المجتمعات العربيّة من سباتها. " مضيفا : " في نفس الوقت ظهرت نزعة جريئة لا شك أنها من آثار الحرب الكبرى وتأثيراتها الخطيرة تمثلت في ميل بعض الكتاب إلى التمرّد على ما يشدّهم إلى الماضي. " (11) وهو كلام لم يسبقه إليه أحد ولأن حسن لم يسمع بمحمد علي الكبير وبحملة نابليون على مصر ودخول المطبعة وصدور الجرائد وإرسال البعثات العلميّة إلى فرنسا وانجلترا وتأسيس المدارس الأهليّة وترجمة الكتب ودخول الاستعمار وغير ذلك توهّم أنّ صدور بعض العناوين إنّما يعود إلى نهاية الحرب الأولى وغاب عنه – بجانب ما ذكر- أنّ الثورة العرابيّة وما تلاها من أحداث كثورة 1919 ودستور 1923 لعبت دورًا أساسيا في دفع النخب المصرية إلى المزيد من المساهمة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية. ولسائل أن يسأل صاحب المذكرفات ترى ما دخل الحرب العالميّة الأولى في سبات المجتمعات العربيّة وكيف أثرت فيها ؟ وما علاقة طه حسين أو سلامة موسى أو علي عبد الرازق ... بها ؟ وما الذي يجمع بين ماضينا ونهاية الحرب الكونية الأولى؟
لأيّ كان أن يسوّد لنفسه من الأوراق ما يشاء أمّا أن يشيعها بين الناس ويختلق لذلك الأعذار فلا يجب أن يمرّ دون التنبيه إلى خطورته إذ لكلّ فن أربابه ولكل علم شيوخه فالتهافت على الكتابة دون امتلاك أدواتها واللّهاث لنشر الاسم دون تروّ وتأنّ لن يجعل من صاحبه إلاّ أضحوكة لهذا السبب بالذات أساء حسن لعميد الأدب العربي إساءات بالغة وروّج بين الناس سلعة مغشوشة لقصور في الآلة وضعف في الأدوات وخلل في ترتيب الأولويات وجهل بأبجديات الكتابة.
إن الاكتفاء بصورة عن الأصل الصادر سنة 1926 من كتاب " في الشعر الجاهلي " هو في تقديرنا أفضل بكثير من نشرة حسن التي كان من المفروض أن تعدم.
عبد العزيز الثعالبي
إثر تغيير السابع من نوفمبر عثرت على كتيّب صغير للمرحوم عبد العزيز الثعالبي صادر عن دار المعارف بسوسة جاء في غلافه " وثيقة تاريخية، عرض وتقديم وتعليق حسن... يتضمّن هذا الكتاب حقائق خطيرة ظلت ممنوعة أكثر من نصف قرن".
وتساءلت أيّامها من يكون هذا العارض والمقدّم والمعلّق؟ فلا هو ممن لهم سابقة في العمل السياسي لا قبل الاستقلال ولا بعده ولا هو من الذوات العلميّة التي سبق لها التصدّي لدراسة تاريخ الوطن والتعريف بشخوصه.
إلا أنني بعد الاطلاع على الكتيّب تيقنّت أني وقعت ضحيّة مغالطة بطلها صاحب دار المعارف الذي يتصيّد الأحداث والنصوص فينشرها بين الناس على علاّتها لغايات تجاريّة وهو ما صرّح به بعضلة لسانه قال : " منذ أن بدأت أمارس مهنة النشر وأنا أفكّر في طبع مصحف القرآن لغاية تجارية طبعا إذ كان إقبال المواطنين على المصاحف كثيرا خاصة في بعض المناسبات لا سيما شهر رمضان " (12) فمن كان هذا حاله مع القرآن هل ننتظر منه أن يتورّع عن الإساءة لأبناء الوطن إن توهّم حصول مكسب من وراء ذلك؟
إثر الخلاف بين أعضاء اللجنة التنفيذية والديوان السياسي للحزب الحرّ الدستوري وبعد فشل محاولات الصلح التي قام بها الشيخ عبد العزيز الثعالبي كتب هذا الأخير بيانا في الموضوع نشره في جريدة الإرادة العدد 250 مؤرّخ في 3 أكتوبر 1937 . وقد ردّت جريدة العمل على " الكلمة الحاسمة " بافتتاحية عنوانها " ردّا على مزاعم وافتراءات " في عددها المؤرّخ في 10 أكتوبر 1937.
ولأن ّ حسن لا علاقة له بتاريخ الوطن توهّم أنّ النسخة التي مكّنه منها المرحوم محمد المنصف المنستيري فريدة واصفا إياها بأنها : " من مخبآته .... سلمنا إياها قبل وفاته بحوالي شهر سنة 1971 ".(13)
والحال أنّ " الكلمة الحاسمة " لم تمنع ولم تصادر بل راجت وردّ عليها الديوان السياسي ويمكن لأيّ كان العودة إلى قسم الدوريات بالمكتبة الوطنية ومكتبة إبلا ومركز التوثيق القومي حتى يمكّن من نسخة منها.
ولأنّ حسن لا يحسن استعمال المصطلحات ولا يضعها في موضعها الصحيح أضاف لنفسه صفات العارض والمقدّم والمعلّق دون أن يبرّر ذلك. فتعاليقه على النصّ لم تتجاوز السبعة هي التالية:
- ص 41 الانقلاب المقصود به الثورة.
- ص 42 حبّي المقصود به ودّي.
- ص 49 التجانس في العمل المقصود به التنسيق في العمل.
- ص 50 طابقني : أيّدني.
- ص 51 جمادى الآخرة: جمادى الثاني ( كذا).
- ص 58 الإيالة : المملكة أو ما يعرف بالجمهوريّة التونسية الآن.
- ص 66 فيريفيل: منزل بورقيبة .... كما أصبحت تسمّى بعد الاستقلال. [وكأني به يعترض على التسمية الجديدة]
تلك هي تعليقات حسن على النصّ وتلك هي حدوده المعرفية التي لم تمكّنه من إثرائه بالتعريف بالشخصيات الوارد ذكرها أو الأحداث المشار إليها...
أمّا التقديم فقد أتى فيه حسن بما لا يخطر على بال وبيان ذلك:
1) يقول حسن " اندمج نفر من الشباب التونسي الذين أتموا دراستهم في الخارج في عضوية مجلس إدارة الحزب".(14) وهذه أوّل مرّة نسمع فيها أنّ للحزب الحرّ الدستوري مجلس إدارة.
2) يقول حسن بأن جماعة الديوان السياسي عملوا : " على استدراج الشيخ إلى تصريح صحفي يفيد أنه يؤيّد النخبة المنشقة التي تعمل إلى ( كذا) تجديد في أساليب العمل يلائم المركز الدولي الذي يجتازه العالم"(15)
وقد حاولت جاهدًا أن أفهم هذا الذي كتب وأن أفكّ ألغازه فلم أتمكّن من ذلك وقلّبت الأمر على مختلف وجوهه إلاّ أني فشلت لأن المركز الدولي الذي يجتازه العالم صياغة لا معنى لها ولا تحمل أي مضمون إلاّ في ذهن كاتبها.
واللافت للنظر أنّ حسن طيلة المقدّمة التي سوّدها لم يتوقف عن مدح وإطراء المرحوم عبد العزيز الثعالبي لفصاحته وبلاغته ورحلاته وتريثه وحكمته دون أن يتعرّض بكلمة واحدة إلى مواقفه السياسية داخل الوطن وخارجه ودون أن يشير إلى مصدر واحد معتمد اللّهم إذا استثنينا مقالا لإبراهيم بورقعة صدر في مجلّة مكارم الأخلاق سنة 1937.
والذي نخلص إليه أن بيان " الكلمة الحاسمة " إنّما أعادت دار المعارف بسوسة عرضه على العموم استغلالا منها للظرف السياسي بهدف تحقيق الرّبح لا غير. تلك إساءة حسن الأولى للمرحوم الثعالبي أمّا الإساءة الثانية فقد وردت في مذكرفاته، حيث ذكر أن المرحوم الثعالبي طبع كتابه " معجزة محمّد " والصحيح معجز محمّد في مطبعة الإرادة وتساءل حسن عن السبب الذي دعا المؤلف لكتابة الجزء الثاني على الغلاف فلم يفده الحاج الحبيب اللّمسي الذي سارع بطبع الكتاب (16) وفي تقديرنا أنّ إلحاح حسن على الشيخ المنستيري بالسؤال عن ذلك دفع هذا الأخير إلى إجابته بأيّ كلام حيث قال له: " ألّـــف الشيخ عبد العزيز الثعالبي الجزء الأوّل من كتابـــه (معجزة محمّد ) [ كذا للمرّة الثانية والصّواب معجز محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ] وهو مقيم في الجزيرة العربيّة... ولمّا بلغه أنّ هناك من سرّب خبر هذا الكتاب للسلط في المملكة السّعودية... قرّر الشيخ الثعالبي في تلك السنة الرحيل إلى العراق... ولما لاحظت عيون المراقبة غيابه ... أدركت السلط المعنيّة أنّه فرّ حتى لا ينكشف أمر المخطوط الذي بحوزته فأرسلوا خلفه فرسانا لتعترض طريقه ... فأمكن له أن يدفنه في الرّمال قبل أن يلحقه الفرسان".(17)
ثمّّّ يضيف حسن من عندياته أنّ الحاج اللّمسي: " لا بدّ أنّه كان يعرف مثل هذه المعلومات أو بعضها بطريقة ما "(18) . هذه القصة ينفرد بروايتها حسن لأنّ كتاب ( معجز محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) هو في حقيقته مختصر موجز لكتاب آخر عثر عليه صالح الخرفي لدى المرحوم الحبيب شلبي أحد أوفى أصدقاء الثعالبي الذي احتفظ بأصل الكتاب بخطّ يد صاحبه ولم يخبر بذلك أحدا فنشره في 765 صفحة عن دار ابن كثير في طبعة أولى سنة 1997 تحت عنوان " الرّسالة المحمّديّة من نزول الوحي إلى وفاته صلّى الله عليه وسلّم ". والثابت لدينا أن الشيخ المنستيري بروايته أراد التخلّص من إلحاح في غير محلّه لأنّه يعلم علم اليقين وهو من صقور اللجنة التنفيذية وأحد أبرز أعضائها أن تراث المرحوم الثعالبي آل إلى شخصين لا ثالث لهما الأوّل هو المرحوم الحبيب شلبي الخلّ الوفيّ وكاتم السرّ والثاني هو الحكيم المرحوم أحمد بن ميلاد الذي اشترى وثائق ورسائل الثعالبي من ابنه بعد وفاته وقد حافظ عليها إلى أن نشر بعضها بمساعدة الأستاذ محمّد المسعود إدريس.
حافظ المرحومان على تراث الثعالبي وكتما سرّه حتى لا تناله أيدي الخصوم وتتلفه ولم يظهر أمره إلا بعد تغير الأحوال وتبدّل الزمان فرحم الله الشيخ المنستيري وطيّب ثراه وجازاه عن أمّته خير جزاء لأنّه حفظ السرّ بفذلكة عدّها
حسن " معلومات خطيرة تعدّ من أسرار تاريخ الأدب العربي" (19).
الجلال السيوطي
عقد صاحب المذكرفات فصلا تحدث فيه عن اهتمامه بالجنس وعن الأسباب التي دفعته إلى نشر ما سمّاه " الجنس في أعمال الإمام جلال الدين السيوطي " حيث خلّط تخليطا لا مزيد عليه وحوّل مبحث الجنس إلى فحش و بذاءة دفعت ابنه الاستاذ خالد جغام إلى الامتناع عن قراءة شرح لفظ الباءة قائلا لحسن بعد أن وضع القاموس أمامه " اقرأ بنفسك..." (20) وهو سلوك عفويّ محمود لشاب استفظع ترديد الشناعات واستحيى ذكر من الفظاعات ذلك أن تناول الجنس بالبحث والدرس يستلزم الكثير من الرفق والتروّي فتحوّل الجنس من مبحث تاريخي أو علمي إلى مجرّد إثارة وارد في كل آن وحين لأن الخيط الفاصل بينهما دقيق يدق عن التحقيق.
والمتأمّل فيما سوّد حسن يلحظ بجلاء أنه استهدف بحديثه عن الجنس الاهتداء :
" إلى حلول أفضل في طريقة ممارستها " (21) لهذا السبب بالذات جمع كل ما هبّ ودبّ من قريب أو من بعيد للوصول إلى هدفه الذي أشرنا إليه يدلّ على ذلك:
1) للسيوطي كتاب " رشف الزلال من السحر الحلال " ويعرف كذلك بمقامة النساء (22) وهو عبارة عن مجموعة من المقامات وصف فيها عشرون عالما مختلفو الاختصاص ما شاهد كلّ واحد منهم ليلة زفافه وما حصل له مع حليلته من خلال التورية مستعملا في ذلك مصطلحات كلّ فن وعناوين كتبه وأسماء مؤلفيها. والكتاب يندرج ضمن المجاميع الأدبيّة التي تستهدف الترويح عن النفس من خلال الملح والنوادر والطرائف والأشعار. وقد اجتهد الناشر اللبناني للكتاب في إثراء النصّ وذلك من خلال التعريف بالمصطلحات والإرشاد إلى طبعات الكتب والترجمة للشخصيّات.
استغلّ حسن هذه الطبعة فنقل منها مقاطع طويلة استثنى منها أغلب الهوامش واستبدلها بجملة واحدة هي: " كلّ هذه الألفاظ زيادة على تحميلها معاني جنسية هي في الوقت نفسه تورية لأسماء كتب..." فمرّة فقهية (23) ومرّة في أصول
الفقه وعلوم الدين (24) ولم يبق من الهوامش إلاّ ما له علاقة بالفحش وقد وصل به الأمر إلى حدود ليّ عنق المعاني من ذلك أن المحدّث في المقامة الثالثة أورد مصطلح الرفع ويقصد بالحديث المرفوع : " ما أضيف إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولا يقع مطلقه على غير ذلك" (25) فإذا بحسن يكتب : " ولكنه هنا يريد بالرفع الاهتزاز وهو من حركات الرهز أثناء الجماع " (26) أما الحديث المضطرب فهو الحديث : " الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسبته مضطربا إذا تساوت الروايتان"(27) فإن حسن يقول عنه :
" ولكنه يعني هنا التحرّك والتموّّج وهي حركات من توابع الغنج والتغنّج . " (28)
بهذا الأسلوب دمّر حسن في نشرته هذه نصّا أدبيّا بما فيه من سجع وجناس وطباق وتوريات غاية في اللطف وحوّله إلى نص ماجن فاحش صادم للحياء.
2) نسبة كتب للإمام جلال الدين السيوطي دون إثبات وهذه الكتب إمّا أنّها من النوع الفاحش الهابط في لغته ومبناه أو أنّها تشتمل فصولا يسهل استغلالها والانحراف بها إلى خدمة الهدف الذي حدده حسن وذكرناه أعلاه من ذلك:
أ- " الإيضاح في علم النكاح " وهو عبارة عن رسالة غاية في الفحش والبذاءة كتبت بعاميّة سوقيّة وقد ذهب الأستاذ جليل عطيّة وغيره إلى أنّ مؤلّفها هو عبد الرحمان بن نصر الشيزري المتوفي سنة 589 هــ وفي تقديرنا أنّه من باب المستحيلات أن يكون كاتب الإيضاح المنشور هو نفسه كاتب " نهاية الرتبة في طلب الحسبة " لاختلاف مستوى الكتابة والتباعد بين الأسلوبين. ومن الجدير بالملاحظة أن هذا النوع الماجن من الرسائل يلقى رواجًا كبيرًا بين الناس لهذا السبب بالذات يتدخّل النساخ وغيرهم فيه بالتغيير للمزيد من الإغراب ترويجا لسلعتهم لدى العامّة فهل يصحّ أن ينقل قاضي الحسبة عن فرج المرأة ما يلي : " ياهمي يا هميّ ... رايح يقتلني" (29) والأمثلة التي تؤكّد هذا الذي ذهبنا إليه لا تخلو منها صفحة من صفحات " الإيضاح " التي نشرتها دار المعارف بسوسة.
أمّا الشيزري القاضي الشافعي وصاحب نهاية الـرتبة فإنّه يصبح لدى حسن في إصرار غريب الشيرازي (30) ويؤخّر وفاته دون سند من سنة 589 هـ (31) إلى سنة 774هـ (32) ورغم هذه الأخطاء التي لا تغتفر فإن حسن يتطاول على حاجي خليفة لأنّه نسب " الإيضاح " للشيزري لا للسيوطي خلاف رغبته فيقول : " وإنّي أدرى بذلك من صاحب كشف الظنون " (33) فسبحان الله ولا حول ولا قوّة إلاّ به.
ب- " الرحمة في الطبّ والحكمة "وهو كتاب نسب للسيوطي فيما هومتداول من طبعات ومنها الطبعة التونسية التي نشرتها مكتبة المنار والصحيح أن مؤلفـه هـو: المهدي بن علي بن إبراهيم الصُـبُــنـري المتوفى باليمن سنـة 815 هـ / 1412 م وقد أكّد ذلك مجموعة من الباحثين الثقات في التراث الطبي العربي من بينهم:
- الباحث السوري الأمريكي الدكتور سامي خلف حمارنة في كتابه " مخطوطات الطبّ والصيدلة المحفوظة في دار الكتب الظاهرية بدمشق " ص 449.
- الباحث المحقق الأستاذ محمّد العربي الخطابي في كتابه : " فهارس الخزانة الحسنيّة " المجلّد الثاني الطبّ والصيدلة والبيطرة والحيوان والنبات
ص 110 و111.
- الباحث الألماني ألبيرت ديتريش في كتابه " مخطوطات طبيّة في مكتبات إسطنبول وسوريا " ص 207 .
- علاّمة اليمن والحجّة في تراثه عبد الله بن محمد الحبشي في كتابه " مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن" ص 495.
وآخر ما نذكر من مصادر تؤكّد خطأ نسبة " الرحمة في الطب والحكمة " للسيوطي فهرس مخطوطات الطبّ الإسلامي في مكتبات تركيا ص 276 وفيه إحصاء لما في مكتبات تركيا من مخطوطات من بينها واحدة كتبت سنة 867 هــ ومن المعروف أن السيوطي ولد سنة 849 هــ " ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس وخلا بنفسه في روضة المقياس على النيل منزويا عن أصحابه جميعـا كأنه لا يعرف أحدًا منهم فألف أكثر كتبه " (34) وبمقارنة بين التاريخين المذكورين يتبيّن لكلّ ذي عينين أن نسبة الكتاب للسيوطي خاطئة لأنّ النسخة المشار إليها كتبت وعمر السيوطي لم يتجاوز 18 سنة.
ويضيف الأستاذ جليل العطيّة إلى قائمة الكتب التي نسبها حسن للسيوطي
كتاب " الكنز المدفون والفلك المشحون " لمؤلفه يونس المالكي المتوفى
سنة 770 هـ (35).
في تقديرنا أنّ الإصرار على نسبة الكتب والرسائل لغير أصحابها لا هدف له : " سوى التفنن في كشف أسرار الجنس وإثارة الشهوة لإعادة البهجة إلى الحياة ".
وهو ما صرّح به حسن مضيفا : " أن من أراد الحزم في كتابة شيء في علم الباه
عليه أن يخلع لباس الحياء أول ما يفعل ." (36) .
لم يكن الجنس في تراثنا من الممنوعات أوالمباحث المحظور الاقتراب منها إذ تناوله الفقهاء بالدرس والإفاضة في إطار حفظ النسل وأحكام الطهارة ولم يلجؤوا إلى الوصف المفصّل للممارسات الجنسيّة لأنّها لا تحمل أي إبداع أو تفرّد لا يتكرّر
فالجنس كما يقول فؤاد زكريا تجربة عاديّة ذات أصول بيولوجيّة يشترك فيها الناس جميعًا بل يشتركون فيها مع الحيوانات أيضا،أمّا الذين يستهدفون الربح العاجل فقد التجؤوا إلى نفض الغبار عن كتب الفحش والبذاءة بحجّة إحياء التراث وما دروا أنّهم بما نشروا إنّما يترجمون عما في نفوسهم ويحضرني في هذا المقام رأي للإمام محمد الطاهر ابن عاشور حيث يقول : " فالغلوّ في الغالب [يبتكر] ... بداعية إرضاء ما في نفس المبتكر... من حبّ الإكثار والزيادة والتفريع في الأمور المستحسنة لديه فإن النّهم في المحبوب من نزعات النفوس "(37).
جملة هذه النواقص التي أتينا على ذكرها أعلاه بجانب أخرى أغفلناها خشية الإطالة كانت حاضرة في المقدّمة التي كتبها محمد بنيس ونشرها حسن ظنّا منه أنّها تشيد "بعمله " وهي في الواقع تصفه بما يستحق حيث اكتفى المقدّم بالحديث عن ترجمة له لنص عبد الكبير الخطيبي بجانب سرد لعموميات عن الجسد والشبق والجماع إلاّ أنّه يؤكّد أمرين :
الأوّل منهما : ان هذا النوع من الكتابة الفاحشة الإباحية التي نشرت بداية من الثمانينات هي " ثقافة شعبيّة " وهي من نوع " العمل الأدبي الشعبي " (38)، ومن المعلوم أن ما هو شعبي من حكايات وخرافات وقصص إنّما يشترك في صياغته وكتابته رواته لهذا السبب بالذات تجده منوّعا يأخذ من كلّ شيء بطرف
بحيث لا ينظمه ناظم ولا ينضبط لمعايير أي فن أو علم لأن الهدف منه هو المزيد من الإغراب والتعجّب لدى السامع أو القارئ.
والمتأمّل في النصوص السيوطية التي جمعها حسن يلحظ بكل جلاء غياب الإمام جلال الدين السيوطي المفسر والمحدّث واللّغوي والأصولي والفقيه ... وحضور شخص آخر سوقيّ مشوّه ومشوّه.
والثاني : انه لم يطلّع على النص الذي وافق على تقديمه، ودليلنا على ذلك أننا لا نجد ما يفيد أنّه قرأ فصلا منه فيشيد به أو ينقده بل اكتفى بالقول أن عمل
حسن : " يمكن أن يكتمل في طبعات لاحقة " (39) وهو كلام قابل لوصف كلّ المجاميع. وفي المرّتين اللّتين أتى فيهما محمّد بنيس على ذكر كتاب حسن يقول :
" وعندما نقرأ اليوم هذه المؤلّفات وغيرها كثير."(40) ويقول: " وعندما أقرأها أو أقرأ غيرها من أعمال عربيّة عن الجنس والجماع" (41).
بهذا الأسلوب الذكيّ تخلّص بنيس من قراءة هذا الكتاب بقراءة غيره ، ولأنّ حسن " مهووس" (42) و " يلهث وراء ... الجنس " (43) لم يتفطّن لما في المقدّمة من تلميح يكاد يكون تصريحا فنشرها فرحا مسرورا.
الشراءات
في مذكرفاته شن حسن هجومًا ساحقا على وزارة الثقافة وخصّ كلّ من له علاقة بشراءات الكتب بالسب والقذف ولم يسلم من هجائيته سوى صالح البكاري لأنّه أذن في المدّة القصيرة التي تولّى فيها الوزارة باقتناء كتب من دار المعارف
بما قيمته 70 ألف دينار (44) وهو مبلغ يساوي دخل أنس الشّابّي من وظيفته طيلة عشر سنوات بالتمام والكمال.
كنت عضوًا بلجنة الشراءات التابعة لوزارة الثقافة من سنة 1989 إلى بدايات سنة 1995 تاريخ تنحيتي منها من طرف البكاري فواكبت أشغالها طيلة هذه الفترة إذ تعرض قائمات الكتب ويتم الاختيار وفق ضوابط محدّدة ففيما يخصّني كان اعتراضي أو موافقتي يصدران أساسا بعد تقييم الكتاب معرفيا وتعييره من الناحية اللّغويّة ومدى انضباطه للاختيارات السياسية والمجتمعية التي أجمع عليها التونسيون ضمن هذه المنهجيّة اعترضت على اقتناء كتب دار المعارف لأنّها في تقديري لا تستجيب للحدود الدنيا التي تبرّر وجودها في مكتبات المطالعة العموميّة، ورغم مرور ما يفوق العشر سنوات فإن منشورات حسن لم تتغيّر وبقيت على حالها من الهوان والضعف والتلبيس وحتى لا نـتّهم بالتزيّد عليها أوردنا أمثلة لذلك أعلاه.
شتم الأحياء مرفوض أخلاقيا إلاّ أنّه يحدث ويجوّزه البعض بحجّة أنّ الحيّ قادر على الردّ والدفاع عن نفســه، أمّا الأموات فهم يمثلون خطّا أحمر لا ينبغي تجاوزه فإذا انتقل الإنسان إلى رحمة ربّه وجب أن تكفّ الألسنة عن ذكره بالسوء لأنه عاجزعن الــردّ. فالانتصار على الأموات شبيه بعفة الخصيان. لهذا السبب بالذات ساءنا أن يتناول حسن المرحوم العروسي المطوي بالشتم المقذع مدعيا أنّه حرّضني على الاعتراض على اقتناء منشورات دار المعارف وهو ما لم يحصل منه البتّة إذ لم يكن عضوًا باللجنة أيّام عضويتي بها كما أنه لم يفاتحني في مسألة الشراءات لأنه أيامها كان صاحب نفوذ وتقدير كبيرين في وزارة الثقافة فهل يعقل أن يطالبني سي العروسي بما هو قادر على فعله بمجرّد مكالمة هاتفية مع الوزير.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يعرف كل من عاشر المرحوم في مختلف الوظائف التي تقلّدها أنّه كان عفّ اللّســان نظيف اليــد هادئا لا يكاد يسمع له صوت وما الشهادة التي نشرها تلامذته وأصدقاؤه عن دار الغرب الإسلامي إلاّ الدليل البين على صدق ما قلنا أما تقييم الإنتاج الأدبي والفكري للمرحوم فهو من مهام الباحثين والدارسين وهو أمر لا قدرة لحسن عليه ولا علاقة له به.
واللافت للانتباه أن حسن في نفس الوقت الذي شتم فيه وزارة الثقافة لم يذكر وزارة التربية ولم يشر إليها البتة في مسألة الشراءات. وقد تبيّن فيما بعد أن وزارة التربية تشتري من حسن بعشرات الآلاف من الدنانير ففي مقال للدكتور جعفر ماجد صادر بجريدة الصدى بتاريخ 12 أكتوبر 1991 صفحة 5 بعنوان " شراء الكتب كيف يتمّ ؟ " تحدّث فيه عن شراءات وزارة التربية أيامها وقد بلغت ميزانيتها نصف مليار ثم ذكر دور النشر المستفيدة من ذلك فأتى ترتيب دار المعارف الثالث بــ 32 عنوانا وقد أثار الدكتور جعفر ماجد جملة من التساؤلات حول عمل لجنة الشراءات بوزارة التربية ؟ وحول الضوابط والقواعد التي تحكم سيرها؟ وحول تركيبتها؟
أسئلة لم تجد إجابة عنها إلى اليوم إذ بقي الحال على ما هو عليه ودليلنا على ذلك أنّ صاحب المذكرفات لم يشر إلى شراءات وزارة التربية وهو ما يدعونا إلى مطالبة السيد الوزير بإعلام المجموعة الوطنية بالطرق المعتمدة عند اقتناء الوزارة للكتب التونسية والمورّدة خصوصًا إذا وضعنا في الاعتبار أنّ جملة ما تقتنيه الوزارة من نسخ يصل إلى حدود 000 600 نسخة وفق ما ذكر السيد محمد الشاوش رئيـــس اللجنة سنة 1991 فـــإذا سعّرنا النسخة الواحدة بدينارين فقط يتبيّن لنا أن المبلغ الجملي يفوق المليار من المليمات وما هو بالمبلغ الهيّن.
وبعـــد
رغم أنني لم أتعوّد الحديث عن نفسي ورغم أن الإساءات التي طالتني من حسن وغيره لا عدّ لها ولا حصر فإني مجبر اليوم على وضع النقاط على الحروف
وباختصار شديد أقول :
1) بالنسبة للطالبي، صدر كتابه عيال الله في شهر أكتوبر 1992 وكتب عنه تلامذته مدائح عديدة في الصحافة خلال الأشهر الموالية. أيامها كنت موظفا بوزارة الثقافة فكتبت مقالا عنوانه " عيال والله " نشرته في جريدة الصحافة بتاريخ 3 و 10 و 19 جانفي 1993 . وقد أثارت هذه الحلقات الثلاث ضجّة كبرى كان من نتيجتها تكريم الطالبي في كليّة آداب منوبة حيث تبرّع عبد المجيد الشرفي بشتمي الذي أثار الضحك في القاعة (46) هذا فضلا عن الوشايات والتقارير والقذف العلني في اجتماعات حقوق الإنسان وغيرها.
يقول حسن في مذكرفاته أني : " منعت كتاب عيال الله ... من التوزيع لأكثر
من سنة ... وسحبته عنوة من المكتبات ". (47) هذا الكلام مكذوب تماما لأنني كتبت
رأيي في الكتاب وهو رائج بين الناس فلم يمنع ولم يسحب ولأي كان العودة إلى
محمد بن إسماعيل ناشر الكتاب ومحمد بن نور الموظف أيامها بالسراس وحسن بن عثمان وشكري المبخوت والمنصف وناس منجزي الكتاب ومحمّد الطالبي نفسه للتثبت من صحّة ما قلنا.
لما صدرت الترجمة الفرنسية للكتاب لم أعترض على توزيعها رغم أن الشرفي في المقدّمة شتمني وقد كنت أيّــامها مسؤولا عن الرقابة في وزارة الداخلية هذا الموقف حيّر البعض ولأنّي أميّز بين عمل الرقيب الذي يستهدف حماية الوطن وبين تصفية الحسابات الشخصيّة سمحت برواج الكتاب.
لم تتوقف الحملة ضدّي حتى بعد خروجي من وزراة الداخليّة فشتمني الطالبي قولا في المستقلّة وكتابة في الحياة اللندنية بتاريخ 30 مارس 1999 ورغم ذلك فإنّ أنس الشابّي هو الوحيد الذي دافع عنه بعد الهجمة التي تعرّض لها إثر نشره كتابه " ليطمئنّ قلبي " لا لشيء إلاّ لأني لا أحمل حقدا أو ضغينة نحو أي كان وليس من أهدافي تصفية الحساب مع أي كان.
2) ذكر حسن في الصفحة 231 من مذكرفاته أني : " بعت كميّة هامة من كتابي لوزارة الثقافة " وهو كلام مكذوب من ألفه إلى يائه فكتابي عن الحركة الإسلاموية طبعته دار الجيل وروّجه وكيلها السيد الصادق باباي فباع نسخًا لا أدري عددها إلى وزارة الثقافة علما بأني لم أحصل على مليم واحد لا من دار الجيل ولا من الصادق باباي ولا من وزارة الثقافة نظير الطبع أو البيع...
في الصفحة 233 يقول حسن بعد قراءته كتابي بأني : " متواطيء مع الحركات المتمرّدة ومتعاون ومتعاطف معها..." وهو كلام سبق أن ردّده صالح البكاري وكتبه في رسالة موجّهة لي جوابا عن شكوى رفعتها لسيادة الرئيس ، علما بأنّ أنس الشّابّي ينقد التطرّف منذ سنة 1981 في الطريق الجديد والمستقبل والرأي والموقف والمغرب العربي ... أيّام كان حسن يبيع الأقلام والقراطيس وأيام كان صالح البكاري يترجم خطب الزعيم بورقيبة مأجورا بالصفحة.
ففيما قلت وكتبت عن المتطرّفيـن وفيما أصدروه عني من بيانات ومقالات ما يكفي ولا فائدة في الإعادة والتكــــرار.
3) عن مشاركة لي في برنامج الاتجاه المعاكس ذكر حسن في الصفحة 234 : " أنه لم يسعفه الحظ بمشاهدة هذه الحصّة الفاشلة " إلاّ أنه يسمح لنفسه أن يبدي فيها الرأي، قديما قالت العرب " الحكم على الشيء فرع عن تصوّره " فما العمل يا ترى مع من يصدر عن رأي مسبق وقول معدّ؟
في مذكرفاته يصف حسن حاله بقوله : " كنت أفكر في أمر غريب خطر ببالي أكثر من مرّة وفي أكثر من مناسبة هل أن جميع الحاضرين عقلاء وأنا الوحيد بينهم مجنون ؟ أم أنّ الجميع مجانين وليس بينهم عاقل غيري؟؟ أمر يبعث على الحيرة ! ... إن لم أقل يعقــــدني ..."(48). سؤال يعلم كلّ عاقل جوابه.
الهوامش :
1) سنقتصر على ذكر الاسم دون اللّقب لأنّنا نقدّر عاليا عائلة "جغــام" التي عاشرنا بعض أفرادها فعرفنا فيهم عفّة اللّسان والصدق والإخلاص.
2) مذكرفات 147.
3) نفسه 228 و 236.
4) نفسه 31.
5) نفسه255.
6) نفسه 465 و 467.
7) شذرات في النقد والأدب، دار المعارف بسوسة 2004 – ص 116.
8) رغم تتلمذ تليمة للدكتور طه حسين إلاّ أنّه في مقدّمته لم يذكر ذلك تواضعا منه وإشعارًا بأنّ أستاذية طه حسين تتجاوزه وزملاءه إلى كلّ من درس العربيّة . أمّا حسن فإنه يكتب في مذكرفاته ص 16 و 418 : " أستاذي الكبير" ولا ندري متى تتلمذ له وفي أي جامعة
استمع لمحاضراته وأي بحوث له أشرف عليها وهل يريد بذلك حشر نفسه ضمن تلامذة طه حسين الذين من بينهم العلاّمة شوقي ضيف وسهير القلماوي وغيرهما.
9) قضايا وشهادات 367 و 368 .
10) شذرات 118.
11) نشرة سنة 2004 ص 5.
12) مذكرفات 24 .
13) الكلمة 7 .
14) نفسه 13.
15) نفسه 17.
16) مذكرفات 529.
17) مذكرفات 530 و 531 .
18) مذكرفات 531.
19) مذكرفات 530.
20) مذكرفات 106.
21) الجنس في أعمال الإمام جلال الدين السيوطي 17.
22) الأعلام للزركلي ج 3 ص 302 .
23) الجنس 145 و 146.
24) الجنس 148.
25) مقدّمة ابن الصلاح ط 1 مطبعة السعادة مصر 1326 هـ ، ص 18.
26) الجنس 144.
27) مقدمة ابن الصلاح 35 و 36 .
28) الجنس 144.
29) الجنس 168 كلمة يعيب ذكرها العقلاء.
30) الجنس 71 وشذرات 53 و 54 .
31) نهاية الرتبة في طلب الحسبة تحقيق السيد باز العريني ، دار الثقافة بيروت الصفحة ك .
32) شذرات 53 .
33) شذرات 54.
34) الأعلام ج 3 ص 301.
35) جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 19 أكتوبر 2002.
36) الجنس 64.
37) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الشركة التونسية للتوزيع والدار العربية للكتاب تونس 1979 ص 23.
38) الجنس 6.
39) الجنس 7.
40) الجنس 8.
41) الجنس 10.
42) مذكرفات 105.
43) شذرات 51.
44) مذكرفات 361
45) مذكرفات 219.
46) حقائق بتاريخ 27 ماي 1993 وهو نفس الأسلوب الذي يلجأ
إليه جماعة منوبة فبعد أن نقــد الطالبي أركــون ووصفه بالقبائلي ...قـــام جماعة منوبـــة بتكريمه هذه الأيام انظر وصفا لذلك
في جريدة الصحافة في 17 مارس 2009.
47) مذكرفات 232.
48) مذكرفات 379.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: