في نقد الخطاب النسوي
دفاعا عن الموضوعيّة وانتصارًا للعلم
أنس الشّابّي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 16386
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تقول آمال القرامي في الإشادة بزميلتها رجاء بن سلامة إنّها : " اهتمّت بتحليل نظام تكوّن الهويّات الجندرية المتعدّدة مراوحة في مقالها بين تفكيك نصوص التراث ومقارنتها بأحداث شهدتها بعض المجتمعات الحديثة وذلك بهدف الدفاع عن القيم التي أتت بها منظومة حقوق الإنسان " (1).
ما يهمّنا حاليّا من هذا الكلام هو القول بتفكيك رجاء لنصوص من التراث، فإلى أيّ حدّ كانت المذكورة موفقة في ذلك؟ وهل أنّ تفكيكها لنصوص من التراث استند إلى معرفة بهذا التراث ومصطلحاته وآلياته أو أنّها لم تتجاوز في عملها المستوى اللّغوي المباشر المتاح لكلّ من يفكّ الخطّ؟ . والأهمّ من كلّ ما ذكر أن نفرّق بين الدين كعقيدة مفتوحة لكلّ الناس والدين كعلم لمن تمرّس بأصوله وثافن مصادره وعاشر مصطلحاته وميّز بين عامّه وخاصّه ومحكمه ومتشابهه ومجمله ومفصّله وأصوله وفروعه... إنّ المتأمّل في الخطابات " الدينيّة" الرائجة اليوم ومن بينها خطاب الذين يدّعون تفكيك نصوص من التراث يلحظ جرأة غريبة في تناول أدقّ المسائل الفقهيّة والكلاميّة... وفي إبداء الرأي فيها دون امتلاك أدواتها فيخلطون في المعاني والدلالات ويخبطون في ترتيب الأدلّة والقواعد ويدخلون المسائل في بعضها البعض ليخلصوا في نهاية الأمر إلى نوادر تضحك الثكلى، فإن كان حقّ السّكن للجميع فإن البناء وتهيئته للمهندسين والبنائين والمختصين الذين أعدّوا له أدواته ومعارفه، وكذا من يتصدّى لدرس المسائل الدينيّة وإبداء الرأي فيها عليه أن يكون على معرفة وإلمام كاملين بطبيعة الموضوع وآليات البحث فيه حتى لا يختلط عليه الحدّ بالتعزير، أو النفقة بالحضانة.
ولعلّي لا أجانب الصواب إن قلت إن مقالات رجاء بن سلامة الموجودة في الأنترنيت في موقعي الحوار المتمدّن والأوان تعدّ المثال الأبرز لما ذكرنا حيث يزاح العلم والواقع والمعرفة لتحلّ محلّها الأوهام والافتراضات والخواطر.
وحتى لا نتّهم بالتجني نورد فيما يلي المصطلحات الفقهيّة والأصوليّة كما صاغها واضعوها وحدّدوا مضامينها والطريقة التي فهمتها بها واستعملتها رجاء في مقالاتها المشار إليها.
الاجتهاد
اشترطت فيه رجاء ما يلي: " البلوغ والذكورة والإيمان والعدالة وطهارة المولد إجماعًا والكتابة والحريّة والبصر على الأشهر والنطق وغلبة الذكر والاجتهاد في الأحكام الشرعية وفروعها " (2)
وقد نسبت هذه الشروط إلى الشيخ عبد الرحمان الجزيري، والمتمعّن فيها يلحظ أنه يستحيل أن يصدر عن الشيخ مثل هذا الكلام لأنّ ما ذكر لا علاقة له بالاجتهاد مطلقا فهذه الشروط بعضها متعلّق بالإمامة الصغرى وبعضها الآخر بالإمامة الكبرى وبعضها بالاجتهاد كدّست بجانب بعضها البعض دون فرز أو تمحيص كما أضيفت إليها شروط أخرى اختلقتها رجاء وحشرتها أعلاه وادّعت الإجماع حولها كالقـــول بــ " طهارة المولد " أو القول بأن من شروط الاجتهاد: " الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة وفروعها" وهو كلام شبيه بمن فسّر بعد طول عناء الماء بالماء، وكذلك اشتراطها الذكورة والحرية وغلبة الذكر.
في نفس الوقت تغيب الشروط المعتبرة للاجتهاد التي فصلها الأصوليّون وحدّدوها في العلم باللّغة العربيّة وبالقرآن وبالسنة وبالقياس وبمعرفة مواقع الإجماع حتى لا يفتى بخلافها، يقول الشيخ محمد سعاد جلال: " الاجتهاد منصب علمي ينال بتحصيل طائفة من العلوم الشرعيّة واللغويّة... فكلّ من حصّل هذه العلوم على الوجه المعتبر عند العلماء حاز منصب الاجتهاد سواء كان رجلا أو امرأة مسلما أم كافرًا لأنّ مناط الاجتهاد درجة من ضبط الكفاية العلميّة التي لا يمتنع إمكان حصولها لهؤلاء جميعًا" (3) .
فهل يصحّ أن يبدي المرء الرأي في مسائل قبل أن تتضح لديه دلالات المفاهيم وتنضبط حدود المصطلحات ؟ وكيف يمكن أن يطمئنّ القارئ لمن يستسهل القول بــ:" تعفن الاجتهاد " (4) ويشيع بين الناس أنّ : " الجنون والهذيان موجودان في نظام الإفتاء ونظام الاجتهاد ذاته وفي المؤسسات الدينيّة نفسها " (5).
قد نجد تبريرًا لمن يحمل موقفا ما من أداء المؤسسات الدينيّة وحتى من وجودها ذاته ضمن رؤية سياسية هي محلّ أخذ وردّ، أما أن يعمّم الموقف ويسحب على تراث وعلوم ومصطلحات وجهود صاغت تاريخنا تحت ستار البحث والتنوير فلنا معه وقفات.
يلجأ البعض إلى وسائل الاتصال الحديثة كالأنترنيت والفضائيّات فينتقون منها كل ما هو عجيب وغريب وشاذ كالقول بـإرضاع الكبير والـتبرك ببول الرسول (ص) (6) ووجوب ختان الأنثى وتكفير كل من يدعو لغير ذلك (7) وحصر وظيفة المرأة في إنجاب المسلمين ورعاية الزوج والأولاد (8) ثمّ تقدّم هذه الأقوال في ثوب الفتاوى والاجتهادات المعاصرة، وما هي كذلك لأن الجدية في البحث والموضوعيّة في التناول يقتضيان تحديد مدى انضباطها للأصول العامّة للتشريع واستجابتها للكليات الشرعيّة قبل وضعها موضع الدرس والاستنتاج، ذلك أن خصومة التطرّف ومواجهة الإرهاب المتستر بالدين أو الدعوة للنهوض بالمرأة و تحريرها من المكبلات الاجتماعية و الثقافية لا يبرّران استغلال كل الوسائل فسموّ الهدف من سموّ الوسائل المحققة له.
والمتأمّل في تاريخنا المعاصر يلحظ بجلاء أن الدين الذي هو الناظم لثقافة المجتمع وقيمه والحاضن لطوائفه وفئاته بصرف النظر عن تنوّعها أصبح الأداة لشرذمته وتقسيمه بعد تطويعه وسيلة لتحقيق المآرب السياسية وبعد وضعه في الموضع النقيض لحقوق الإنسان شعارهم في ذلك الفتاوى والفتاوى المضادة.
تحت ستار الدين يدعو البعض إلى منع المرأة من قيادة السيارة وإلى تكفير المنظمات التي تطالب بإلغاء عادة ختان الأنثى والتوقف عــــن ممارستها (9) فيأتيهم الردّ من رجاء متدثرة بحقوق الإنسان قائلة : " في العالم العربي لا تمنع المثلية فحسب بل كلّ العلاقات الجنسية التي تتمّ خارج الزواج، ومع ذلك فليس الحق في إقامة علاقات جنسيّة حرّة جزء[ كذا] من برنامج عمل جمعيّات حقوق الإنسان والحركات النسائية" (10) والحال أنّ الطرفين يصدران عن موقفين مسبقين محدّدين سلفا أحدهما ينفي الآخر إلاّ أنّهما يستعملان نفس الآلية للوصول إلى نتائج متضاربة وذلك بإلغاء عاملي الزمان والمكان.
فإن جمد الأوّل منهما عند نصوص لم يتجاوزها مُعرضا بذلك عن الزمان وآثاره من عرف وعادة ومصلحة وبراءة أصليّة وملتفتا عمّا دقّق الأصوليون وحققوا من أنّ من : " شروط الاجتهاد أنه لا بدّ فيه من معرفة عادات الناس فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغيّر عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أوّلا للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنيّة على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتمّ نظام وأحسن إحكام ولهذا ترى مشائخ المذهب خالفوا ما نصّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنّه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذا من قواعد مذهبه"(11) .
فإن الثانية قفزت إلى مجتمعات أخرى تسودها قيم ومفاهيم وأهداف تحققت في أزمان متعاقبة ضمن سياقات حضارية وسياسية وثقافية مختلفة عنّا فاستدعت منها ما عنّ لها وطاب وأرضى الرغبات المكبوتة تحت ستار العولمة وكونيّة حقوق الإنسان وعملت على ترويجها في الفضاء الثقافي دون أن تأخذ بعين الاعتبار الفوارق الحضاريّة والخصوصيات الاجتماعيّة. هذا الأسلوب المتعجّل في البحث والمهرول في العرض يرفضه حتى بعض المنتسبين لهذه الفئة من ذلك أنّ عبد المجيد الشرفي الذي دأب على إشاعة هذه الأفكار الغريبة والترويج لكلّ ما هو شاذ ومتروك فيما سوّد هو وفيما سوّد مشايعوه في "منوبة"، حذر من اعتماد هذا الأسلوب وذلك في مقدّمته لكتاب آمال القرامي وكأني به يشير بطرف خفي إلى أنّها فيما نشرت وقعت في المحظور قال: " وغير خاف أن الدارسين للجندر ينطلقون لا محالة من أسّ نظري عام ولكنهم لا يستطيعون الفكاك عند التطبيق من التأثر بظروفهم المجتمعيّة الخصوصيّة مما يفرض على الباحث العربي قدرًا لا يستهان به من اليقظة الفكريّة حتى لا يسقط بطريقة آلية فجّة ما هو خاص بمجتمعات أخرى على مجتمعه هو" (12).
والذي نخلص إليه أنّ الطرفين إن بدت مواقفهما متناقضة إلاّ أنّها استندت إلى جذع واحد هو تغييب الواقع وضروراته واكتفت بالتحليق في ملكوت اللفظ ومشتقاته معتقدة أن مجرّد إرسال القول قد يبريء الذمّة والحال أنّ المسألة أبعد وأعمق من أن تكون حجرا على المرأة أو دعوة إلى التحرر الجنسي.
القرآن قرآنان
منذ أن وقع تأسيس ما سمي قسم الحضارة الإسلاميّة ب"منوبة" اتجه عبد المجيد الشرفي إلى القدح في القرآن والتشكيك في صحته وذلك من خلال ما كان يلقي على مشايعيه مستندا في ذلك إلى الروايات الشاذة والأفهام السقيمة لبعض المستشرقين ممن لا يتقنون اللغة العربية ودقائقها، وقد تلقف مشايعوه هذه الأفكار وشمروا عن سواعدهم لإشاعتها بين الناس، إذ لا يخلو مقال لهم من ترديدها والتفتيش لها عن أسانيد من ذلك أن المنصف بن عبد الجليل في حديثه عن القرآن الكريم يتساءل بخبث: "ما هي حدود الفصل بين الوحي والتنزيل" (13) الأمر الذي يعني لديه أنّ التنزيل الذي هو القرآن قد لا يكون مصدره الوحي، ثم يضيف بإصرار "أنّه لا يمكن الحديث عن نصّ كما نزل" (14). بهذا الأسلوب يتوهّم المنصف أنه نسف القرآن نسفا بنفي القدسيّة عنه والادعاء بأنّه محرّف أي أن ما هو بين دفتى المصحف ليس على صيغته الأصليّة.
أما رجاء فإنّها لم تخرج عن إطار ما حدّد الشرفي وروّج مشايعوه تقول : "يميّز القرآن نفسه بين الكتاب وأمّ الكتاب، فأمّ الكتاب هو الكتاب الإلهي المطلق الذي لا يمتلك أحد حقيقته وهو غير الكتاب بالمعنى الحديث للكلمة وهو غير المصحف المتداول بين المسلمين"(15). والمفهوم من هذا الكلام أنّ هنالك كتابين الأوّل منهما تسمّيه رجاء أمّ الكتاب وهو موجود لدى الله تعالى لا يعرفه أحد والثاني هو الكتاب الذي هو بين أيدي الناس ويقع بين دفتي المصحف.
وبيّن لكلّ ذي عينين أن رجاء تلوي عنق الحقائق وتنصرف بالألفاظ عن معانيها ذلك أنّ تعبير أمّ الكتاب جاء في القرآن الكريم كما يلي : "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله" (16).
وواضح أن الله تعالى استعمل حرف "منه" وهو حرف تفصيل بين أمرين وتمييز بين نوعين من الآيات بعضها آيات محكمات سمّاها تعالى أمّ الكتاب وهي الآيات الواضحة المعنى التي لا إشكال فيها ولا تحتمل إلاّ معنى واحدا وبعضها الآخر سمّاها متشابهات أي الآيات التي تحتمل أكثر من فهم وتأويل أو يصعب فهمها على ظاهر اللفظ فتحتاج إلى قرينة كالعودة بها إلى الآيات المحكمات أي أمّ الكتاب، قال الشيخ الطاهر ابن عاشور: " وضمير منه عائد إلى القرآن ... أطلق المحكم في هذه الآية على واضح الدلالة على سبيل الاستعارة لأن في وضوح الدلالة منعا لتطرق الاحتمالات الموجبة للتردّد في المراد وأطلق التشابه هنا على خفاء الدلالة على المعنى... وقوله أمّ الكتاب أمّ الشيء أصله وما ينظـــم إليه كثيره وتتفرّع عنه فروعه... فباعتبار هذين المعنيين أطلق اسم الأمّ على ما ذكرنا على وجه التشبيه البليغ"(17).
والذي يتبيّـــن مما ذكر أنّ ما ذهبــــت إليه رجاء من وجود قرآنين اثنين لا سند له بل هو انحراف بالآيات عن مقاصدها وتزوير لمعانيها وتغيير لحقيقتها، واللافت للنظر أن هذا الأسلوب المستهجن في تناول المسائل المتعلّقة بالقرآن، يتمّ تحت ستار الحداثة والتنوير اللذين يقتضيان أوّلا وقبل كلّ شيء المعرفة التامة بالموضوع المدروس والموضوعية في تناوله، وهما شرطان غائبان بامتياز فيما سوّد الشرفي ومن لفّ لفّه عن القرآن.
الفقه والمواطنة
باتساع الدولة الإسلاميّة الجديدة واحتضانها لمجموعات بشريّة متنوّعة المشارب دخلت الإسلام حاملة معها إرثها الثقافي والاجتماعي والسياسي والعقدي احتاج الناس أيّامها إلى من يحدّد لهم الأحكام ويضبط قواعد تصرّف وتعامل تقوم على أسس الدين الجديد الذي اختاروا الإيمان به وانصاعوا له، فنشأت بذلك مباحث جديدة تناولت العتق والولاية والمكاتبة والشهادة وأحكام الرق في الزواج والميراث... هذا التراكــم المعرفـــي عبـّر عن حاجـــة مجتمعيّة استهدفت تحديد الحقوق والواجبات استنادا إلى القــــيم الجديدة وهو ما اصطلح على تسميته بالفقـــه الذي عرفه الأصوليّون بـأنّه: " العلم بالأحكـــام الشرعيّة الفرعيّــــة العمليّـــة المستمدّة من الأدلّة التفصيليّة " (18).
وبيّن أن استعمال مصطلح الفرعيّة العمليّة يؤشر على الارتباط بين الحكم من ناحية والأعراف والتقاليد الاجتماعيّــــة من ناحية ثانية، وهي أعراف تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان وبما أن الأحكام الفقهيّة مرتبطــــة أشدّ الارتباط بالاجتماع الإنساني في تطوّره فإن مباحث كثيرة منها انتهت الحاجة إليها وأصبحت محلاّ للدرس التاريخي فقط، إذ من العبث أن يحيي المرء اليوم أحكام الرق أو المكاتبة في مجتمع ينشد المساواة ويرفع حقوق الإنسان شعارًا وبرنامجًا للتنفيذ.
وبما أن رجاء تدعو إلى التحرّر من كلّ الضوابط والالتزامات اختارت من الفقه الأحكام التي عفا عنها الزمان سندا لها فيما تدعو إليه مستهدفة بذلك التمهيد لإلغاء أحكام الأحوال الشخصيّة كالزواج والميراث والطلاق... والدعوة
إلى التحرّر الجنسي.
ففي خطوة أولى تقول : " يجب أن نحرّر القرآن من الفقـــه " (19) أي أن يفكّ الارتباط بين الأحكام الفرعيّة والأصل الذي استمدّت منه هذه الأحكام شرعيّتها موهمة القارئ بأن الفقه ليس إلاّ قيــدًا للقرآن، إلاّ أنّها بعد سطرين فقط تلتفت إلى القـــرآن الذي حرّرته من الفقه لتكتب عنه بأنّـــه : " لم يعد بالإمكان اعتباره مصدرا للتشريع والاجتهاد في مجال المعاملات والحياة العامّة". وبيّن أن الدعوة إلى التخلّص من الفقه وأحكامه جملة وتفصيلا لم تكن إلاّ تعلّة للمطالبة بالتخلّص من القرآن ذاته، حيث تعمد رجاء إلى إعادة صياغة نفس الفكرة وترديدها في ندوة عقدت بالمعهد العربي لحقوق الإنسان قائلة بأنّه : " لم يعد بالإمكان اتخاذه [ القرآن الكريم] مصدرًا للتشريع في مجال المعاملات بين البشر" (20) .
ولأنّ رجاء لا تصدر فيما تقول عن معرفة وموضوعيّة وإنّما تترجم عن هوى متقلّب في نفسها لا ينظمه ناظم، هدفه إلغاء الإسلام بتسفيه القــــيم التي دعــا إليها وتحريف النصوص الحاملة لها والتشكيـــك في صدق ناقليـــــها فإنّهــــا تتهم الأديان السماوية جميعها بدون استثناء ـ تعميم قصد به الإسلام طبعا ـ بكلّ المآسي التي عانت منها البشريّة طيلة تاريخها السحيق وحتى تُكفّر عن ذنوبها وتتوب تدعو رجاء جميع الأديان : " بما فيها الإسلام أن تساهم من منطلقاتها الخاصّة في مناهضة الاتجار بالأجساد البشريّة فعليها أن تطوي نهائيا صفحة تواطؤها [ كذا] الماضي مع العبودية وتواطؤها [ كذا] المستمرّ مع قمع النساء ..."(21).
ومن أغرب ما قرأت في الموضوع تساؤل لرجاء ورد كالتالي: " هل يمكن أن يكون الفقه وهو منظومة قائمة على التمييز منطلقا لبناء المواطنة والمساواة بين الرجال والنساء وبين المسلم وغير المسلم في ظل الدولة الحديثة" (22)
فالخلط بين المفاهيم يقصد به إفسادها جميعًا، وبيان ذلك أن المواطنة مفهوم حديث لم تعرفه البشريّة إلاّ في أوقات متأخرة ذلك أن هذا الشعور لا ينشأ بين أفراد المجموعة الواحدة إلا بثباتها واستقرارها على أرض لها حدود، ومن خلال هذا الثبات تنشأ المصالح المشتركة ويظهر الارتباط بالأرض مصدر الثروة والقوة، فيتبلور الشعور الوطني وتضبط الحقوق والواجبات وتتشكل الملامح المتميّزة لمختلف القوى الاجتماعيّة ومدى تطوّرها.
فالتونسي اليوم هو غير جيرانه الأقارب والأباعد رغم أنه يشترك معهم في العديد من الصفات كاللّغة والتاريخ وغيرهما، ومفهوم الوطن لدى التونسي اليوم هو غيره لدى الآخرين لأنّ القوى الاجتماعيّـــة تتطوّر وفق أنساق مختلفة خاصة بكلّ وطن فبلادنا عرفت الأحزاب السياسية منذ بدايات القرن الماضي الأمر الذي مهّد لبروز مجتمع مدني وحركة وطنيّة ونخب استطاعت أداء أدوار مهمّة في مختلف المجالات ومكّنها من إصدار مجلّة الأحوال الشخصيّة بيسر ودون معارضة تذكر في نفس الوقت الذي نلاحظ فيه أن بلادا أخرى لم تتمكّن لحدّ الآن من فتح النقاش حول مسألة تعدّد الزوجات؟
أما الفقه فليس إلاّ الأحكام الشرعية الفرعيّة العمليّة ولا علاقة له بالمواطنة فأحكام الذمّة مثلا إنما فصّل الفقهاء القول فيها لأنّ الدولة قديما انبنت على أساس ديني تتّسع بانتشاره و تضيق بانحساره، لذا كان الانتساب للدين مطابقا للانتساب للدولة به تتحدد الحقوق والواجبات، أما اليوم فإن الوطن أصبح متسعا لكلّ الأديان و لم تعد هذه الأخيرة المحدّد الوحيد للانتساب، فالفرنسي الذي ولد في تونس قبل الاستقلال ثم أسلم وبقي محافظا على جنسيّته الفرنسيّة لا يمكن عدّه إلاّ فرنسيــّا ولا يحق له ما يحقّ للتونسي من ترشح وانتخاب وغيرهما... رغم أنّه مسلم يجوز له الزواج من مسلمة ويرث ويورث فالمطابقة
اليوم بين الفقه والوطن أو الاتجاه إلى استمداد أحدهما من الآخر أو اشتراطه أمر يغفل طبيعة المفاهيم وتحوّلاتها التاريخية كما أنه لا يضع اعتبارًا لعامل الزمن والتطوّر الاجتماعي، فاللهاث لتسفيه الدين وأدواته والجري من أجل إثبات ما لا يصحّ عقلا وواقعــــًا لا يمكن أن يؤدّي إلاّ إلى نوادر كقول رجاء إن "من الآراء ما يجعل اللحية سببا من أسباب قوامة الرجال على النــساء ولذلك يكره نتفهـــا وتعدّ زينة للرجال ." (23) فما قولها يا ترى في الأمرد ؟.
المرأة وأحوالها
ذكرت في بداية المقال أن عبد المجيــد الشرفـــي عمل على إشاعة القول بتحريف القرآن وهي الفكرة الأولى التي ظلّ مشايعوه يردّدونها ويحاولون إثباتها أمّا الفكرة الثانية فهي القول بدونيّة المرأة في الإسلام قال الشرفي : " اقتضت الحكمة الإلاهية في تدبير الكون أن يقوم النظام الاجتماعي على شكل هرمي أعلاه الرجل وتحته المرأة ثم يليها العبد فالأمة
ثم الطفل والمجنون." (24)
تلقفت رجاء هذه الجملة ولم تملّ تكرارها وإعادتها كلما وجدت إلى ذلك سبيلا(25) موهمة القارئ بصحّتها لا لشيء إلاّ لأنّها تخدم الأهداف التي حدّدتها سلفا بالقول إنّ للمرأة موقعا دون موقع الرجل في الشريعة الإسلاميّة.
وفي تقديرنا أن هذا الترتيب الذي ابتدعه الشرفي لا سند له لأن الرجل والمرأة والعبد والأمة والطفل والمجنون مصطلحات ذات دلالات مخصوصة لا جامع بينها يبرّر ترتيبها على هذا النحو فالرجولة والطفولة مرحلتان عمريتان لدى الذكر يستوي فيها الاثنان في الميراث ولكنهما يختلفان في أحكام العبادات.الرق صفة متعلّقة بالحرية يستوي فيها الرقيق مع الحرّ في العبادات البدنية كالطهارة والصلاة ويختلفان في العبادات المالية كالحجّ والزكاة وفي الحدود كذلك فهذه الصفات منها ما انقرض بفعل الزمن والتطوّر كالرق والذمّة ومنها ما هو باق إلى يوم الناس هذا ومن الجدير بالملاحظة أنّ الصفات
التي عدّد بعضها الشرفي وتبعته في ذلك رجاء ناقصة لأنّ ما يطرأ على الأهلية من عوارض بالإزالة أو بالنقص أو بالتغيير أتى عليها الفقهاء وفصّلوا الحكم فيها كلّ بحسب حاله كالجنين في بطن أمّه والرضيع والسفيه والمعتوه والمريض والمسافر... لكل ما ذكر أعلاه نرى أنّ أي ترتيب يستهدف الإشعار بأفضلية البعض على البعض الآخر هو ترتيب فاسد لأن عوارض الأهليّة المتغيّرة تمنع بقاء أي ترتيب على حاله إذ لكلّ حالة حكمها.
منذ بدايات القرن الماضي عرفت مجتمعاتنا الدعوة إلى النهوض بالمرأة والسعي إلى تخليصها من المكبلات والعوائق التاريخيّة التي منعتها من المساهمة في الحراك الاجتماعي وذلك عن طريق التعليم وسنّ القوانين...فتحققت بعض المطالب التي نلحظ نتائجها اليوم في المدرسة والإدارة والشارع.
غير أن ما يلفت النظر أنّ الشرفي ومن لفّ لفّه ما زالوا مصرّين على الترويج لدونيّة المرأة متخذين من ذلك تعلّة للدعوة إلى التحرّر الجنسي وتفكيك العائلة وإلغاء التنظيم الاجتماعي القائم، وبيان ذلك أنّهم يلتقطون بعض الوقائع والأحداث من هنا وهناك متوهمين أنّها تساعدهم على تحقيق ما يضمرون، وقد أجهدت رجاء نفسها في انتقاء أمثلة محلية عمّمتها للوصول إلى نتيجة مفادها أنّ"قانون الأحوال الشخصيّة الإسلامي آخر حصن يضمن استمرار العلاقات التقليديّة بين الرّجال والنساء وبعبارة أخرى يضمن الحطّ من شأن المرأة ومراقبة أفعالها وجسدها.'' (26)
من بين هذه الأمثلة :
أ) جرائم الشرف :
وهي جرائم ترتكب بوهم الحفاظ على شرف الأسرة أو القبيلة. هذا السلوك مازال موجودا في بعض المجتمعات التي تلعب فيها القيم العشائرية دورًا أساسيًا في تماسك القبيلة وفي انضباط أفرادها. في فترة ماضية وفي الأردن قتل أخ أخته لأنها فرّت مع رجل بقصد الزواج منه فكتبت رجاء مقالا عنوانه:" نعم: من قتل دلال؟ رحى العنف الهادئ تدور أيضا – جريمة شرف " استغلّت فيه بشاعة هذه الجريمة وفظاعتها مدخلاً للتلبيس وخلط الأوراق فحشرت جرائم أخرى وقعت في مجتمعات مغايرة وفي سياقات مختلفة هي التالية:
- جزائريّة قتلها أخوها بدعوى ممارستها التمثيل.
- عراقيات أعدمن بدعوى ممارسة البغاء.
- مرجومات بتهمة الزنا.
- طالبة قتلت نفسها وهي تحاول التخلص من جنينها.
للوصول إلى نتيجة عرضتها في شكل تساؤل " أين دور رجل الدين الإسلامي في تحريم هذه الجرائم " وبيّن أنّ هذا الكلام يحمل اتهاما لمن أسمتهم برجال الدين الإسلامي بأنهم " يبيحون قتل الزوج زوجته إذا اكتشف أن لها علاقة مع رجل آخر" (27)
إن الناظر في المدوّنة الفقهيّة الإسلاميّة يلحظ بكلّ جلاء أن الحفاظ على النفس الإنسانيّة هو أحد أهمّ الكليات الخمس التي
جاء الدين للمحافظة عليها إذ منع الشارع قتل النفس بغير حق وحصر هذا الحق في الحدود التي وضعت لها شروط ضيّقت من تطبيقها وأناطته بالسلطة القضائية وحتى في الحالة التي ذكرتها رجاء المتعلّقة بالزوج فإنّ المشرّع لم يبح قتل الزوجة بل أوجد الملاعنة التي تكفل الفرقة بين الزوجين وتسقط عنهما حدّي الزنا والقذف فالادعاء بأن القتل في جرائم الشرف، شرعي يستند إلى صحيح الدين لا أساس له من الصحّة، وما هذا النوع من الجرائم إلاّ رجع الصدى لقيم قبلية عشائريّة آيلة إلى الاندثار بحكم التطوّر الذي تشهده مجتمعاتنا العربيّة، ففي تونس مثلا لا وجود لجريمة تسمّى جريمة الشرف" يخفّف العقاب على مرتكبها "( 28) وحتى المثال الذي ذكرته رجاء فلا يعدو أن يكون محاولة إجهاض فاشلة أدت إلى قتل الجنين والأمّ وليس لها شبهة علاقة بجرائم الشرف كما هو الحال في المجتمعات القبليّة.
ب) الخفاض :
ويسمى كذلك ختان النساء حيث يقطع جزء من بظر الأنثى، هذه العادة قديمة وبقيت منتشرة إلى اليوم في بعض البلدان هي تحديدا مصر والسودان والصومال وكينيا وبعض المناطق من أندونيسيا وقد أثيرت المسألة إعلاميّا لما عرضت قناة CNN التلفزية شريطا صوّرت فيه عمليّة خفاض بنت مصريّة مع ما صاحب ذلك من وحشيّة وآلام، فكان أن استغلّت رجاء هذه الفرصة لتأكيد ادعاءاتها التي أتينا على بعضها من أن الإسلام يعادي المرأة ويمارس ضدّها العنف فعن الخفاض تقول " إن من أسباب عدم اضمحلاله اليوم وجود خطاب إسلاميّ يبرّره متمثّل في الأحاديث النبويّة التي تحضّ عليه وفي الفتاوى القديمة والمعاصرة ذاتها " (29) مضيفة إلى ذلك : " هناك فتوى أخرى تكفّر المنظمات التي تدعو إلى إلغاء عادة الختان " (30).
والمتأمّل في مثل هذه الإطلاقات العامّة يتوهّم أنّ الإسلام شرّع للخفاض وأنّه واجب دينيّ يثاب فاعله ويعاقب تاركه. والثابت تاريخيا أنّ الخفاض عادة اجتماعية قديمة وجدت لدى الفراعنة في مصر ومنها انتقلت إلى السودان ترسّخت هذه العادة بانتقالها من جيل إلى آخر وقد ذكرها الرحّالة عند تعرّضهم لوصف الحياة الاجتماعية في مصر والسّودان من ذلك أنّ محمّد بن عمر التونسيّ ( 1789-1857 ) يقول : " ومن عادتهم ختن البنات لكنّهم في ذلك على أقسام فمنهم من لا يرى ذلك وهم أعجام الفور ومنهم من يخفض خفضا خفيفا كعادة أهل مصر وهم أكابر النّاس ومنهم من ينهك في الخفاض... "(31) .
أمّا القول بأنّ الخفاض يستند إلى الشرع فلا دليل عليه لأنّنا لا نجد في القرآن الذي هو المصدر الأوّل للتشريع ذكرا له، وقد ذهب المحققون والدّارسون للسنّة النبويّة الشريفة المصدر الثاني للتشريع أنّ : " أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصحّ منها شيء " (32) .
ففي دراسة للدكتور محمّد بن لطفي الصّباغ تناول فيها الحديثين اللّذين يستشهد بهما في الموضوع:
- حديث أمّ عطيّة ( أشمّي ولا تنهكي ).
- حديث ( الختان سنّة للرّجال مكرمة للنساء).
خلص إلى القول بأنّ هذين الحديثين ضعيفان ولم تزدهما طرقهما الضعيفة إلاّ ضعفا(33).
يتبيّن ممّا ذكر أنّ الخفاض من العادات التي ترك أمر إبقائها أو إلغائها للناس ولا مدخل للشرع فيها يدلّ على ذلك أن بلاد الشمال الإفريقي ومن بينها تونس لم تعرفه فلو ثبت لدى أسلافنا مجرّد استحسانه لوجدنا لذلك أثرا كما أنّ الجزيرة العربية موطن الرسول ( ص ) لم تعرفه هي الأخرى طيلة تاريخها يقول الشيخ عبد الغفار منصور مستشار الفقه الإسلامي في مكّة المكرّمة " إنّنا لا نعرف عادة الختان في مكّة لا قبل ميلاد الرّسول (ص) ولا بعد بعثه وأن الرّسول (ص ) لم يقم بإجراء الختان لبناته وحتى يومنا هذا فإن عادة الختان غير معروفة في مكّة "(34).
لم تتوقّف رجاء عند حدود الإيهام بأنّ بقاء هذه الجريمة التي تسمّى خفاضا سببه الدّين، بل تجاوزت ذلك إلى حدود الإدّعاء بأنّ "هذه العادة مستمرّة إلى اليوم في الكثير من أقطار العالم الإسلامي " (35) وهي كثرة لا تتجاوز بلاد حوض النّيل مضيفة لذلك أنّ " نسبته تفوق 90 بالمائة في بعض البلدان العربيّة " (36).
قبل ما يفوق الثلاثين سنة تحدّث الشيخ محمود شلتوت عن مسألة الخفاض فقال: " والواقع أنّ المسألة في جانبيها (الإيجابي والسّلبي) ترجع إلى الخلق والبيئة وإحسان التربية وحزم المراقبة ومن هنا يتبيّن أنّ ختان الأنثى ليس لدينا ما يدعو إليه و إلى تحتمه لا شرعا ولا خلقا ولا طبّا"(37)، أمّا رجاء فإنّها تتساءل : "هل المرأة رجل مقلوب لأن لها إيرا داخليا مقلوبا أم أنّها رجل ناقص لأن لها عضوا صغيرا ناتئا يشبه الإير ؟ ... فهو يمثّل منطقة ذكوريّة صغيرة داخل الجسد الأنثوي ... ( فالختان ) قطع لما يذكّر بالفرج الأنثوي لدى الذكر ( وقصدها القلفة ) ولما يبدو على شاكلة العضو الذكوري لدى الأنثى ( البظر)" (38) . فسبحان الله ولا حول ولا قــــوّة إلاّ بالله.
رائــــــــدات !!
مثل سفور المرأة قضيّة مركزيّة في مقالات رجاء حيث لم تتوقف عن إثارة مسألة الحجاب والنقاب والتفتيش لهما عن أسانيد ومبررات تارة في كتب التراث وأخرى في مواقع الانترنيت مستهدفة بذلك التأكيد على أنّ السفور: " انتصار جزئي على العورة "(39).
هذا " الانتصار " تحقق بفضل بعض النسوة تقول : " وسأذكر ببعض النساء اللاتي خرجن إلى الأماكن العامة وتاقت عيونهنّ إلى تمزيق النقاب " (40) وقد اختارت بعض الأسماء نكتفي هذه المرّة بالحديث عن واحدة منهنّ هي فاطمة برغاني وتسمّى كذلك "قرّة العين" و هي التي أشاع البهائيّون تسميتها بالطاهرة وحتى لا نتهم بأننا نعتمد كتب خصومهم سيكون سندنا أساسا الجزء الثاني من كتاب " لمحـــات اجتماعيّة من تاريخ العراق الحديث " للدكتور
على الوردي وهو من أبرز علماء الاجتماع وأكثرهم دقة وموضوعيّة.
صحيح أن "قرّة العين" نزعت الحجاب ولكن في أي ظرف تمّ ذلك؟ وخدمة لأي هدف ؟ وما العلاقة بين سفور قرّة وما عليه بناتنا وأخواتنا وأمّهاتنا اليوم ممن يشتغلن أو يدرسن ؟.
في شهر جوان 1848 انعقد مؤتمر للبابيّين بهدف البحث في أمرين " الأوّل منهما كيف يمكن إنقاذ الباب من معتقله والثاني هل تُـنسخ أحكام الشريعة الإسلاميّة أم تبقى على حالها " (41) .
وقد كانت "قرّة العين" من قادة الفرقة البابيّة إذ تجمع المصادر على أنها كانت من أوائل الذين اعتنقوا الدعوة البابيّة حيث أصبحت من حروف الحي الثمانية عشر (42) فحضرت المؤتمر الذي انحصرت أشغاله في النقطة الثانية المتعلّقة بنسخ الشريعة الإسلاميّة وكانت : "على رأس القائلين بوجوب نسخ الشريعة " (43) واحتدم النقاش لأنّ القول بالنسخ يعني أنّ الدعوة البابيّة أصبحت دينا جديدا وقطعت كلّ صلة لها بالإسلام " ففاجأت [ المجتمعين ] وهي تدخل عليهم سافرة الوجه ومتزينّة .......... وكأنّها أرادت بعملها هذا أن تنسخ حكمًا من أحكام الشريعة هو تحريم التبرّج الذي نزل في القرآن." (44).
فسفور" قرّة العين" إذن لم يكن صادرًا عن رؤية جديدة أو تنويريّة لمسألة المرأة بل كان تأسيسًا لدين جديد وإيمان مغاير وقد واصلت دعوتها في نفس الاتجاه يقول علي الوردي:" وأخذت "قرّة العين" تضرب على أوتار قلوب النساء وتظهر لهنّ المنزلة الواطئة التي خصصها رجال الدين القديم للمرأة وكيف أنّ الدين الجديد رفع من شأن المرأة ومنحها حريتها." (45) .
هذا المعنى لم يكن غائبًا لدى رجاء تقول : " ولكن نسخ الشريعة باعتباره حركة تحديثية نجده في الحركة البابيّة والبهائية " (46) مضيفة : " ما يجعلني أعتبر هذه الحركة تحديثية ...... ليس فقط القطيعة مع الأحكام المقرّرة في الماضي بل معطيان آخران هامّان أوّلهما أن التبرير المقدّم لنسخ الشريعة له علاقة بالعصر الحديث لا بالجدل اللاهوتي حول طبيعة الجنّة فهو نابع في الشعور بضرورة مواكبة تطوّرات العصر والثاني هو ظهور الفكرة الإنسانية في هذه الدعوة ... "(47)
هكذا تنتقل رجاء من موقع الدفاع عن المرأة إلى موقع الدعوة للدين البهائي فاختيار "قرّة العين" كمثال للمرأة التي يجب أن تحتذى والنفخ في صورتها وإخفاء مقاصدها وأسباب سفورها إنما هدفه إشهار الدين الجديد باعتباره من " الممكنات الحداثية [التي ] أصبحت مهمّشة أو منسيّة أو مستفظعة " (48) كما تذهب إلى ذلك رجاء.
وفي تقديرنا أنّ إدراج "قرّة العين" ومن ثمّ البهائيّة ضمن التيار الثقافي العام لا يستند إلى علم أو معرفة، فالبهائيون ذاتهم يقدّمون أنفسهم دينا جديدا له طقوسه وأحكامه ومواقيته وكتبه المقدّسة ويعتبرون الأديان الأخرى مراحل في تاريخ الإنسانية وما نلحظه لديهم من إظهار الاحترام للأديان الأخرى وتجنب مناقشتها فليس إلاّ تقية تستهدف نشر عقائدهم في الناس.
واللاّفت للنظر أنّ تقديم "قرّة العين" في لبوس المرأة الداعية إلى تحرير المرأة وعرض البهائيّة في ثوب مشبّع بالحداثة، مهمّة يتبارى جماعة "منوبّة" من تابعي الشرفي في إشاعتها بين الناس فإضافة إلى ما ذكرنا أعلاه مما سوّدت رجاء، نجد أن المنصف بن عبد الجليل في أطروحته التي أشرف عليها الشرفي يقول عن "قرّة العين" إن: "خروجها للناس كاشفة عن وجهها ومفاتنها إعلانا عن إنكار التقيّة" (49) وهو كلام ينحرف بالقارئ عن تلمّس الأسباب الحقيقيّة لسفور "قرّة العين" ممثلة في نسخ الشريعة وبما أنّ التقيّة ترسبت في وجداننا في صورة التصرف اللاأخلاقي الغادر المتحايل المزيف المزور للمواقف و الآراء والحقائق فان أي رفض لها مرحّب به ومن ذلك سفور "قرة العين" .
والثابت تاريخيا أنه لا علاقة بين التقية وسفور المذكورة فقد ذكر أحد أتباعها أنّها قبل دعوتها إلى تبديل الشريعة الإسلاميّة "كانت في مجلس الأحباء مكشوفة الوجه ولكن في مجلس الأغيار تكلمهم من خلف حجاب" (50) ولم تعلن سفورها إلاّ في مؤتمر بدشت حيث تبعها في دعوتها جماعة سمّوا "القريّة".
أمّا عن الديانة البهائية فإن المنصف بن عبد الجليل يوافق رجاء فيما ذهبت إليه، يقول : "وبهذا تبقى مقالة البابيّة – البهائيّة في المرأة مقالة مشبعة بقيم الحداثة ونعتبرها مهمّة للغاية لأنّها تعرض رؤية عقلانيّة لسبب من أسباب التطوّر الاجتماعي الشامل والترقي الحضاري الإنسانيّ، وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه النظرة الراقية إلى المرأة تشمل مركبات المجتمع برمتها ... ونظنّ البابيّة والبهائية من بعد استطاعتا أن توظفّا رؤيتهما في المرأة ونظرتهما الراقية إليها في تحقيق السيادة من ناحية والمحافظة على استمرارها من ناحية أخرى " (51).
كلمة أخرى لا أخيرة
في حديث أجرته إقبال الغربي مع آمال القرامي، ذكرت هذه الأخيرة: " إنّ إيماننا بالمسؤولية الملقاة على عاتق المدرّس الباحث جعلنا نقدم على خوض تجربة فريدة من نوعها في العالم العربي – على حدّ علمنا – وهي تدريس شهادة تاريخ النساء في كلية الآداب والفنون والإنسانيّات " (52) التي وصل بها مدرسوها إلى شهادة " ماجستير الدراسات النسائيّة " حيث تدرّس رجاء بن سلامة " الخطاب عن المرأة وعن الجندر في العالم العربي " (53) .
هذا " التخصّص " ابتدعه جماعة "منوبة" وأشاعوه منذ سنوات، فتحت ستار الدفاع عن مكاسب المرأة وفي ظرف سياسي محتدم روّجوا المصطلحات التالية : " المركزيّة القضيبية العقلية "(54) و" مركزيّة لا هوتية قضيبيّة "(55) و" المركزية الثيولوجية القضيبية "(56) و " منظومة قضيبية عقليّة " (57) و" الإحالة القضيبية الرمزية " (58) " والمركزية العقلية القضيبية" (59) و" القيم القضيبية الخفيّة " (60) و"موقف قضيبيّ" (61) و" قضيبية فحوليّة " (62).
بهذا الأسلوب أصبحت الرغبات المكبوتة لدى مجموعة من النسوة، علمًا يدرّس في معاهد الدولة وبأموالها، فتخترع له المباحث وتصكّ المصطلحات، وتنشأ الأقسام، وتسلّم الشهائد، ويوسّم دعاته.
فهل بمثل هذا الخطاب ندخل القرن الحادي والعشرين؟ وما الذي يمكن قوله لأحفادنا لمّا يلحظون أن القضايا التي شغلت بال أسلافهم تنحصر في القضيب والإير؟.
-----------------
الهوامش
1) "الاختلاف في الثقافة العربيّة الإسلاميّة"، دار المدار الإسلامي 2007,
ص 18 و 19 . لغة يقال جندر الثوب أي أعاد رونقه أمّا لدى جماعة منّوبة المنتسبين لقسم الحضارة الإسلامية بكلية آدابها، فيعني أنّ دور الذكر والأنثى مكتسب من المجتمع بحيث يمكن أن يتغيّر فيصبح الذكر أنثى والأنثى ذكرا، وقد أشاع هذا المصطلح في البلاد الانقلوسكسونية المثليّون والسحاقيات والشواذ بمختلف أصنافهم، وأصبح إيديولوجيا للحركة النسويّة. من بين الداعين له في تونس ممّن روّجوا له كتابة عبد المجيد الشرفي وآمال القرامي ورجاء بن سلامة وإقبال الغربـــي وألفــــة يوسف وغيرهنّ من النسوة ومن خريجي قسم الحضارة بمنوبة.
2) "بنيان الفحولة"، دار المعرفة للنشر تونس 2006 ص 149.
3) "الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة "، دار ثابت للنشر والتوزيع القاهرة 1982 ط 1 ص 24.
4) الحوار المتمدّن، العدد 1943 في 11 جوان 2007 .
5) "جنون العودة إلى ما قبل الفطام "الحوار المتمدّن بتاريخ 25 ماي 2007.
6) تعفن الاجتهاد.
7) بنيان ص 131.
8) نفسه ص 142 و 144.
9) نفسه ص131 .
10) نفسه ص 35 .
11) مجموعة رسائل ابن عابدين ج 2 ص 123
12) الاختلاف ص 6.
13) قراءة النص الديني عدد 1 من سلسة موافقات الصادرة عن وزارة الثقافة سنة 1989 ص 54. انظر في مقالنا " الحائرة " الصادر في جريدة الصّباح بتاريخ 22 جوان 2008 أساليب أخرى يعتمدها جماعة منوبة للقدح في قدسية القرآن وإشاعة القول بتحريفه.
14) في قراءة ص 46 .
15) " معركة السفور الجديدة " الحوار المتمدن، العدد 425 بتاريخ 15 مارس2003.
16) آل عمران 7 .
17) التحرير والتنوير ج 3 ص 154 .
18) الموسوعة الفقهية الكويتية ج 1 ص 13.
19) " نعم من قتل دلال " الحوار المتمدّن بتاريخ 10ديسمبر2003 .
20) بنيان الفحولة ص 98 .
21) " من يمتلك الجسد البشري "الحوار المتمدّن بتاريخ 2 جوان 2007.
22) " الشريعة – الفقه ، صخرة سيزيف " الحوار المتمدّن العدد 901 بتاريخ 21 جويلية 2004.
23) معركة السفور الجديدة.
24) "الإسلام والحداثة"، سلسلة موافقات الصادرة عن وزارة الثقافة، الدار التونسيّة للنشر 1990 ص 228.
25) " الشريعة الفقه صخرة سيزيف " و" معركة السفور الجديدة " و " أهليّة المرأة للمشاركة السياسية في الخطابات الدينية المعاصرة " الحوار المتمدّن بتاريخ 31أوت 2004 و"بنيان الفحولة " ص 45 .
26) بنيان ص 55.
27) "لا يحرمون ختان البنات بل يحرّمون نقل الأعضاء" في الحوار المتمدن بتاريخ4 نوفمبر2004 .
28) "العنف ضدّ النساء في العالم العربي " في الحوار المتمدّن بتاريخ 9جويلية2004.
29) " الختان والحجاب" في الحوار المتــــمدّن العـــــدد 1746 بتاريخ 26نوفمبر2006.
30) بنيان الفحولة ص 131.
31) تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان حققه وكتب حواشيه د. خليل محمود عساكر ود. مصطفى محمّد مسعد وراجعه د. محمد مصطفى زيادة، الدار المصرية للتأليف والنشر القاهرة 1965 ص 224.
32) " فقه السنة " السيد سابق، الفتح للإعلام العربي ط 11 مصر 1994 ج1
ص 28.
33) "الحكم الشرعي في ختان الذكور والإناث"، منظمة الصحّة العالميّة، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط 1995 ص 9 و 11.
34) الختان والتفكير بالنصف الأسفل" لخالد منتصر، موقع المركز التقدمي لدراسات وأبحاث مساواة المرأة بتاريخ 5نوفمبر2004 .
35) بنيان 120.
36) الختان والحجاب.
37) الفتاوى دار الشروق ط 16 مصر 1991 ص 334 .
38) "المرأة ذات الفرج المقلوب " في الحوار المتمدّن عدد 2075 بتاريخ 21أكتوبر2007 .
39) بنيان 91 .
40) بنيان 88 و 89.
41) لمحات ج 2 ص 179.
42) لمحات ج 2 ص 154.
43) لمحات ج 2 ص 180.
44) لمحات ج 2 ص 180 و 181 .
45) لمحات ج 2 ص 187.
46) بنيان ص 173.
47) بنيان 174 .
48) بنيان 176.
49) "الفرقة الهامشية في الإسلام"، مركز النشر الجامعي تونس 1998 ص 649
50) لمحات ج 2 ص 170.
51) الفرقة ص 663 و 665 .
52) موقع شفاف الشرق الأوسط
53) من حديث معها أجراه حكمة الحاج في موقع الحوار المتمـــــدّن بتاريـــــخ 8 مارس2007.
54) بنيان ص 21 .
55) بنيان ص 40 .
56) نفسه .
57) بنيان ص 60.
58) بنيان ص 61 .
59) بنيان ص 65 و 97 .
60) نفسه .
61) بنيان 78.
62) " في أهميــــّة ما لا أهميّـــــة لــــــه " لرجاء بــــن سلامة فـــي الأوان بتــاريــــــــخ 15 أفريل2008 .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
7-06-2009 / 20:17:40 حمامي
أولاً أخ تونسي إختلافي مع عمرو خالد ليس في المنهج المائع الذي يتخذه فحسب بل في محتوى ما يقدمه أصلاً. فمنهجه يجمع بين شبان يلبسون الموضة الأمريكية الساقطة مع فتيات متحجبات متبرجات هن للفتنة أقرب يجمع الجميع في قاعة واحدة فخالف أولاً مبدأ منع الاختلاط ثم يروح يقص عليهم حديثا ما أنزل الله به من سلطان هو للقصص العاطفية أقرب!!! الم تر كيف أنه جعل أنه لا حرج في كلام الرجل مع الأجنبية بإعتماده قست نبي الله موسى مع الفتاتين؟؟ والله قصه و كأنها قصة غرام في مسلسل مصري فهل يليق هذا بنبي؟ ثم إنه إتهم رسول الله باللفشل في أحد!! رسول مؤيد من الله يفشل!!!؟؟؟ كان يستطيع أن يقول إبتلى الله المسلمين في أحد !!
قد يكون عمرو خالد هذا مخلصاً ولكن ليس في خدمة الاسلام انما إنتصاراً لهواه أو ل أمور أخرى أعظم.
7-06-2009 / 12:40:47 ابو سمية
خطورة عمر خالد ونجوم الفضائيات عموما، ليست في الطريقة وانما في محتوى مايقدمونه
الاخ التونسي، السلام عليكم
المشكلة مع دعاة الفضائيات من امثال عمر خالد، لا تتعلق بالطريقة، وانما بالمحتوى الذي يمررونه ويدافعون عنه في برامجهم
هؤلاء يكرسون اسلاما مجتزءا ويعملون على تغيب شمولية الاسلام، وهم اذن يحرثون لزرع مفاهيم مشوهة، مفاهيم مثلها مثل مفاهيم العلماني، مفاهيم تقول بان الاسلام يجب ان يحصر فقط في بعض الشعائر وبعض المظاهر.
وانظر مثلا ماترى من امر انتشار ظاهرة التبرج من خلال الحجاب الاسلامي، اليست هذه الظاهرة وحدها تعد من النتائج الكارثية للخطاب الذي يقدمه عمر خالد وامثاله، ان مكر اهل الباطل منذ سنوات لم يستطع على قوته ان يضرب الحجاب الاسلامي في مقتل، مثلما ضربته اعمال عمر خالج هذا وامثاله، حتى اصبح الحجاب تتخذه الساقطات واصبحت العفيفة مشبوهة ابتداء
ثم انظر لدعواته للتسامح بالمفهوم الغربي، وهو مايعني ضمنيا تغييب مفاهيم النهي عن المنكرات والامر بالمعروف والحب في الله والكره في الله، وهي المفاهيم التي تشتق من مبادء اخرى هي الولاء والبراء
مثل هذا الخطاب المبتسر المجزء الذي يروجه عمر خالد وامثاله من نجوم الفضائيات لايعدو ان يكون خطابا مسيحيا ، ولكنه يلبس مسوح الاسلام، وهذا الخطاب بالضبط هو الذي نادت مراكز بحثية امريكية بنشره وتشجيعه، لانه يعمل على تمييع الاسلام وضربه
واذا كنا نحارب العلمانيين واهل الباطل، فلا يفهم لماذا لايحارب من يسعى لنفس الاهداف وان اتبع طريقا اخر
6-06-2009 / 19:17:44 tounsi
بصراحة أخ حمامي أقل ما يقال في كلامك في الرجل أنه قاس جدا .. قد نختلف مع عمر خالد في المنهج .. و لكني لا أرى الرجل إلا مخلصا فيما يفعله .. قد لا نتفق معه في الطريقة .. و لكن في كل الأحوال لن نستطيع أن نتفق مع الجميع على كل شيء
3-06-2009 / 21:15:06 ابو سمية
عمر خالد مروج للاسلام الامريكي
الاخ الحمامي السلام عليكم
امثال عمر خالد هذا كتب فيهم العديد من المفكرين الاسلاميين
منهم من تناوله من حيث خطورته كمروج لنموذج الاسلام الامريكي الذي وقع التنصيص عليه والدعوة له في ادبيات مؤسسات بحثية امريكية ك'راند" ، وهذا الاسلام الامريكي لايعدو ان يكون اسلاما مجزءا يقارب المسيحية والدعوات العلمانية، حيث يختصر الاسلام في بعض الشعائر وبعض المظاهر مع ترك العديد من الجوانب كالولاء والبراء والنهي عن المنكر وغيرها من الاعتبارات
وقد وقع تناول هذا خاصة الكاتب محمد إبراهيم مبروك وقد كتب حوله سلسلة من المقالات بموقع وكالة الانباء الاسلامية
انظر مثلا
http://www.islamicnews.net/Document/ShowDoc08.asp?DocID=111192&TypeID=8&TabIndex=2
ومنهم من تناول عمر خالد وامثاله من جانب شرعي، ووضح ان هؤلاء لايعدون ان يكونوا قصاصين، ولكن خطورتهم تكمن في انهم يقدمون حاليا كدعاة ونماذج للالتزام وامثلة يحتذى بها لدى الملتزمين الجدد، وهو ماانجر عنه تحريف امر الصحوة وتسطيحها كما نرى
واحسن من كتب في هذا الباب الدكتور طارق عبد الحليم
انظر مقاله : عمر خالد وفتنة القصاصين
وعليكم السلام ورحمة الله
هذا ما أردت قوله، وأنا أصر على أن الصحوة لم تبتدئ بعد أو ربما قط في تونس، إلا طبعا في ما يخص القليلين،
الحقيقة أن هؤلاء الدعاة النجوم أمثال عمر خالد، طارق السويدان يوسف القرضاوي وبقية شلة الاخوان المسلمون إضافة إلى المنتسبين إلى السلفية من نجوم الفضائيات (عدا البعض مثل الحكمة والرحمة ) هم من أفسد الصحوة وأطال الطريق على الدعاة.
الغريب أن الكثير من الناس ينكر عليك أن تمتعض من عمر خالد مثلاً هذا طبيعي فهذا الشخص زين الاسلام بما ليس فيه بل ولو عنق الأيات والحديث لكي يخرجها على شكل قصص تكاد تكون أساطير الأولين و النتيجة واضحة حجاب النفاق، الردة على الحجاب ، لا ولاء ولا براء ومن يسمع عمر خالد حول أحداث غزة لن يتردد في البصق عليه.
3-06-2009 / 08:45:45 ابو سمية
الصحوة الاسلامية بتونس
الاخ الحمامي السلام عليكم
انا أوافقك كليا في ملاحظتك حول مايقال عن صحوة إسلامية بتونس
قلت هذا الكلام منذ سنوات وكنت من أوائل الرافضين لبعض منتجيها والواقفين ورائها، وكنت منذ البداية أرى ان مظاهر التدين هذه بتونس -وغيرها بالمناسبة- لا تقوم على أسس صحيحة، وخاصة حينما أري عمر خالد مثلا كيف يروج لمظاهر التدين الواهية إذ يجمع ببرامجه سفيهات كن يحترفن التعري والابتذال، ويقدمهن على انهن نماذج للمسلمات بعد مزاعم التوبة، والحال انهن لو تبن فعلا لاكتفين ببيوتهن والابتعاد عن الاضواء، وهو الذي روج لتهميش وتشويه الزي الشرعي الاسلامي، حيث سوق نموذج التبرج عن طريق الزي الاسلامي إذ سفه الحجاب الشرعي رمز العفاف وجعله ألعوبة بيد المتبرجات الساقطات
خلاصة القول، مانراه هو مجرد مظاهر تدين سطحي لا أثر يكاد يذكر له على شخصية الفرد، فكما أن النساء تتبع موضة اللبس المفضوح احيانا لانه وقع الترويج لذلك اعلاميا، فانهن في فترة اخرى يتبعن لبس موضة اخرى من اللباس تروج على انها زي اسلامي وماهو بزي اسلامي، من حيث انه لباس لاتتوفر فيه شروط الحشمة والخلو من الزينة كما يفترض في اللباس الشرعي
بل اني ارى ان مثل هذا اللباس المتبرج الذي يقدم على انه لباس شرعي، اشد خطرا على الملتزمات العفيفات الصادقات، لانه يوشك ان يحشرهن في زمرة المنافقات اولات اللباس المبتذل من ذلك الذي يشبه الزي الاسلامين حيث ترتاد لابساته الاماكن المشبوهة من مقاهي ومحلات اخرى لاتليق بالمراة عموما فضلا على ان تكون نموذجا يرتدي الحجاب الشرعي
ونفس الشيئ ينطبق على الرجال، فهؤلاء تجد الواحد منهم لايعرف من الاسلام الا اداء بعض صلوات بالمسجد، حيث يلاقي اصحابه ليشهدوا له بانه حضر المسجد معهم ويذكرون له ذلك في لقائاتهم، ولا يمنعه ذلك من انه لاينفك على كل الموبقات، فتجد مثلا بناته وزوجته لم يتغير من لباسهن المتبرج شيئا، وتجده نفسه ياتي بالموبقات التي لم يخل منها يوما
ما اردت قوله، ان مانلاحظه، هو مظاهر سطحية للتدين، وهذه لا خير يرجى منها، لانه تدين بني على اسس واهية، وهي اسس المظهر فقط بمعنى يصبح هذا التدين الكاذب مؤشر على مرض اجتماعي وهو حب المظهر والتفاخر والتمايز الاجتماعي
الالتزام الاسلامي، يجب ان يكون عميقا، ينطلق اساسا من نظرة شاملة للكون والمجتمع، وينتج تلقائيا مواقف تميز صاحبه نحو كل شيئ، مواقف تجعله اولا وقبل كل شيئ ينهى عن المنكرات ويأمر بالمعروف، تجعله يكيف مواقفه نحو الناس من خلال الكره في الله والحب في الله
يكره اهل الباطل لباطلهم ويحب اهل الحق لحقهم، ومن كان كذلك فانه لن يستطيع ان ينبسط للفسقة من عموم الناس ولا يمكنه ان يصاحب او يسترسل مع من كانت ابنته او زوجته متبرجة فصلا على ان تكون زانية مثلا، كما لا يمكنه ان يسكت ويطمئن وهو يرى اهل الباطل يمضون مشاريعهم ويفرضونها قهرا على الناس
مواقف تجعله يكره اهل الباطل من الذين يشيعون الفاحشة في الناس، فضلا على ان يتفرج في تلك البرامج ويشارك فيها
مواقف تجعله يكره اهل الباطل من الذين يسخرون من الاسلام ويشككون المسلمين في دينهم فضلا على ان يعقد معهم التحالفات
اذن انا اوافقك ان ماهو موجود من مظاهر تدين مغشوش، ماهو في اغلبه الا مظاهر سطحية
على انه يحسن ان لا نعمم ، فان في ذلك الخضم الكبير من محترفي التدين السطحي، كمّ لا بأس به من الذين تعمقوا ونظروا للالتزام بشمولية، فلعل هؤلاء ان يكون على أيديهم امر الصحوة الاسلامية الصحيحة
2-06-2009 / 21:20:44 حمامي
السلام عليكم
لنكن صرحاء مع بعضنا البعض : لا أريد أن أقول هلك الناس ولكن النقد واجب لنقيس مقدار النجاح : هل نستطيع يا أخ أبا سمية أن نتحدث عن تيار للصحوة في تونس؟ وهل نستطيع أن نتحدث عن صحوة أصلا؟ أي صحوة تعم في الشتاء وتنتفي في الصيف؟ في الشتاء نساءٌنا محجبات (حجاب النفاق في الأغلب) ورجالنا العبادة والصلاة وفي الصيف عاريات وسهرات في الحفلات؟ الم تر إلى المساجد كيف كانت فارغة أثناء التراويح الصائفة الفارطة؟ طبعا الأولوية للاعراس! لن أطيل فقد ربما فهمتم، صراحة حتى وإن ابتدأت الصحوة منذ بضعة سنوات فإني أرى أنها نمر بفترة نكسة ربما لأن الشيطان أرضانا عن أنفسنا فجعلنا الاسلام مجرد طقوس (ويا ليتنا نأتيها ) على غرار المسيحية ورضينا عن أنفسنا حتى كدنا نظن أن عدم الحكم بما أنزل الله ليس بالخطورة بمكان، لذلك لا استطيع أن اتحدث عن صحوة فعلية فالصحوة التي لا تعيدنا فعلا إلى ما كان عليه الصحابة تبقى مشلولة لا تؤدي بنا إلى مرضية الله وتبعا لذلك لا تؤدي بنا إلى العز السالف الذي ننشد.
31-05-2009 / 13:37:49 ابو سمية
الاخ ابو اسكندر السلام عليكم
اوافقك ان الكاتب احسن في مقالاته كشف الخلفيات التي ينطلق منها ثلة الزنادقة ، جماعة كلية "منوبة" كما يسميهم الكاتب
بل اني ارى ان الكاتب قد اجاد في دفاعه ضد الشبهات التي يثرها هؤلاء، بشكل لم يبلغه على ما اعرف الاسلاميون انفسهم
اذ ان نسبة كبيرة من الاسلاميين غارقة في امور اخرى غير التاصيل والتناول الفكري للمسائل، كما ان بعضهم الاخر تمنعه تحالفاته مع جماعات اليسار من ان ينتقد الطرح اليساري عموما، ومنه طعونات شراذم الزنادقة من الذين انتقدهم الكاتب
اما مسالة وصف الكاتب لرموز الصحوة الاسلامية بالتطرف، فاني اراه مافعل ذلك الا لتامين مخرج له من عمليات التصنيف الممكنة، وهو بالتالي كلام كما قال احد المتدخلين من قبل، نوع من الحشو مااراد به الكاتب الا ابعاد تهمة عن نفسه، وهي تهمة الانتماء لتيار الصحوة الاسلامية
31-05-2009 / 13:25:12 أبو اسكندر
ما أحوجنا لمثل عمليات النقد هذه، وما أحوجنا كذلك لكشف وفضح عمليات التشويه التي ينتهجها ثلة من المرتزقة، تحت ستارة حرية التفكير،
هؤلاء الزنادقة من أشباه المثقفين، يتاقضون أجورا وينتفعون بمنح وامتيازات مالية، تم رصدها بميزانية الدولة التي اقتطعت من أموال الشعب !!
لقد تفطن رجال شرفاء، كوادر وشخصيات وطنية، بمن فيهم المنتمي إلى السلطة والحزب الحاكم لما تقترفه هذه الشرذمة من انتهاكات صارخة للمقدسات.
أشكر الكاتب على هذا المقال القيم،وارجو أن يمتد صوته عاليا للتنديد بممراسات من يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
من جهة أخرى، فقد تحديت الكاتب في مداخلة سابقة من أن يثبت ويبين تطرف العلماء والمشائخ الذين وصفهم بهذا الوصف المسقط.
وارجو أن يتواضع الكاتب ويتفاعل مع الردود والتعليقات، حتى تعم الفائدة.
7-06-2009 / 20:17:40 حمامي