أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1353
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعد مساندتنا صحبة قسم كبير من مواطنينا للرئيس قيس سعيد في الإجراءات التي اتخذها يوم 25 جويلية الماضي من حقنا أن نتساءل عن مآلها بعد أربعة أشهر كاملة؟ وهل أوفى الرئيس بوعوده في مقاومة الفساد والإنهاء مع حالة الفوضى التي منعت الدولة عن أداء مهامها؟ جملة من الإستفهامات تتبادر إلى الذهن ونحن نشاهد عودة المنظومة القديمة إلى وسائل الاتصال واحتلالها مساحات كبرى لتلويث الأجواء في مقابل تباطئ كامل عن مواصلة ما كنا نعتقد أنه سيحصل لمّا جمّد البرلمان وأطاح بالحكومة اللذان يحكمان البلاد منذ عشر سنوات كاملة دون منازع بقيادة من حركة النهضة التي لم تخرج من الحكم منذ سنة 2011 رغم المظاهرات والاعتصامات التي انتظمت في محاولة للتخلص منها ولكن التوافق والخيانات والانتهازية التي عليها عدد كبير من متعاطي الشأن السياسي جعل منها رقما عصيّا والحال أنها كما تبيّن فيما بعد ليست إلا نمرا من ورق، فما سبب ذلك هل هي أخطاء من رئيس الدولة أو هي الضرورات التي جعلت من يده قاصرة عن التصرّف في جهاز الدولة لأنه مخترق بالكامل؟.
للإجابة عن هذه الأسئلة وجب أن نقدم لذلك بمقدمات حتى تتضح الرؤية:
1) إجراءات 25 جويلية حدّدت المتسبّب فيما آلت إليه الأوضاع من هوان وإفلاس ممثلا في الحزب الحاكم أساسا وتُبَّعه وهو ما دفع بالرئيس إلى تجميد البرلمان وعزل الحكومة ولكنه توقّف عند هذه النقطة في حين كان يقتضي حسن التصرف الاتجاه إلى أصل الداء والخراب أي حركة النهضة فلا معنى لتجميد البرلمان مع بقاء الغنوشي يتحرك بحرية فيعقد الاجتماعات ويؤلف الوفود لتمثله في برلمانات العالم ويصدر البيانات حاملة لختم البرلمان المجمّد وغير ذلك ممّا لا يمكن أن نحمله إلا على سوء التقدير في أفضل الأحوال.
2) المساندة الشعبية التي ظهرت بعد قرارات 25 جويلية لم يتمّ استغلالها أو تنظيمها كما يجب بل وقع إهمالها فالناجح في السياسة هو الذي يكون قادرا على تجميع أكبر عدد من الأنصار يكوّن بهم أحزمة حوله لحمايته والدفاع عن الخيارات التي ساندوه لأجلها وقادرا ثانيا على تحييد أكبر عدد من الخصوم والأعداء حتى لا يتجمعوا عليه، واللافت للنظر أن الرئيس في هذه النقطة بالذات اكتفى بإعلان قراراته دون أن يتبعها بلقاءات مع من أعلنوا مساندته حتى يكشف للرأي العام الدولي أن عقل الأمة وخميرة الذكاء فيها من مثقفين وفنانين وصحفيين محترمين وليس جماعة البوز وغيرهم يقفون في صفّه واكتفى ببعض الزيارات التي لا فائدة من ورائها كزيارته لولاية سيدي بزيد وما صاحبها من فوضى أثناء إلقاء كلمته.
3) أي نظام وأي قيادة في الدنيا تحتاج إلى مثقفين وأصحاب رأي للترويج لمشروعها والردّ على خصومها والمتأمل في كل الزعامات والقيادات يلحظ أنها تحتفي بنخبها وتشركهم في قراراتها باستثناء رئيسنا الذي لم يبلغ إلى علمنا أنه استقبل مثقفا واحدا أو فنانا أو مبدعا أو عقد جلسة مع بعضهم وحتى الجلستان اللتان حضرهما الصادق بلعيد وأمين محفوظ غاب في الثانية عنها محمد الصالح بن عيسى وهي جلسات لا تدخل ضمن مقترحنا لأنها بين ذوي الاختصاص لحلّ إشكالات قانونية وليست من النوع الذي ينظر في المآلات استرشادا بالتاريخ والجغرافيا واستشرافا للمستقبل استنادا للوقائع والعلم.
4) الخطأ في الفرز بين الخصوم والأعداء والاحتكام إلى الهواجس في ذلك فالحزب الدستوري الحرّ يعامل بأشد ممّا تعامل به حركة النهضة من جهة منعه من عقد اجتماعاته وقد وصل الأمر إلى تعيين شخص كان من بين المهاجمين لأحد نشاطاته واليا على قفصة، إن تعامل الدولة مع الأحزاب يجب أن تحتكم فيه إلى مدى انضباطها إلى القانون وليس إلى مدى موافقتها وتبعيتها للحكم لأنه عندها تصبح الدولة خصما لهذا الحزب أو ذاك وهو أمر مرفوض ومستهجن استعملته حكومات النهضة ولم يفدها لا في اكتساب مؤيدين جددا ولا في منع الناس من الانخراط في الأحزاب التي أثبتت جديتها وإشعاعها.
5) لا يسلَم أي نظام من نسبة من الفساد ولم تكن تونس استثناء إذ عرفت أنواعا من الفساد ولكن ما إن حلّ ركب حركة النهضة إلى الحكم حتى استشرى الفساد وعمّ كل مرافق الحياة ولم يسلم من أذاه أي مرفق عمومي ومن الغفلة الاكتفاء بمحاسبة مستوري الحال من نوع سمير بالطيب الذي أطلق سراحه مؤخرا مع الصمت عن سارق المليار الصيني وعن صاحب المليارات وفق ما نشرت جريدة الأنوار وعن الأغنام التي استوردت لتغطية حاجيات عيد الأضحى ولكنها نفقت في صفقة مسترابة وكذا الحال مع باقي الملفات في الحكومات المتعاقبة ولا ننسى أن النهضة كانت تعتقد أنها لن تخرج من الحكم لهذا السبب بالذات لم تتورّع هي وحلفاؤها عن النهب المنظم لمالية الدولة بجانب "ما جاب الزلاط" كما كان يقول الوالد رحمه الله.
6) الاستغناء عن النخب المثقفة والفاعلين من نشطاء المجتمع المدني والأحزاب لصالح شباب المنصات الوهمية أو ما سمي البناء القاعدي ليس إلا مجرّد أوهام وتخاريف وخواطر منفلتة من عقالها لأن تونس عرفت التنظم والأحزاب منذ بداية القرن العشرين وهي من أقدم الدول التي تأسّست فيها النقابات العمالية والفلاحية والتجارية والمنظمات الرياضية والشبابية والثقافية بجانب نخبة عرفت الجرائد منذ سنة 1860 فهي بذلك ذات شخصية نحتها التاريخ وصاغتها الجغرافيا والعيش المشترك قوامها التنظيمات المدنية الحديثة التي شهدت محاولات لتقويضها من طرف الإخوانجية طوال العشرية الماضية وحاليا من طرف ما سمّي شباب المنصات والبناء القاعدي وهما تسميتان تدلان على خواء فكري وفقر مدقع بخصوصيات تونس وجهل بالمعطى الحضاري والبشري لها فالشباب مرحلة عمرية لا دلالة لها في صياغة مستقبل الشعوب وفي قيادة الأمم التي تحتاج إلى التجربة والعلم وحسن التدبير وليس إلى الطبل والزكرة كما حصل مؤخرا في ولاية بن عروس هذه الأولى والثانية ما سمي بالبناء القاعدي كلمة ملتبسة ولا دلالة لها أو وجود في معجمنا الثقافي والسياسي لأن هذا البناء في نهاية الأمر كما صرح بذلك مفسرو الحملة يخضع إلى القرعة فأي معنى لدولة يقوم نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي على القرعة؟.
7) كان من المفروض أن تصل قرارات 25 جويلية إلى نهاياتها بإحالة ملف التنظيم السري الذي استلمه الباجي وتحدث الأميرال العكروت عن مدى خطورته على الأمن القومي إلى القضاء العسكري ولكن شيئا من ذلك لم يحصل بل نجد أن ملف الجمعيات وتمويل الإرهاب لم يفتح لحد الآن رغم أن المطالبات تكرّرت بضرورة إغلاق هذه البؤر التي تستهدف عقول الناشئة وتدمير المنظومة التعليمية وهو أمر غير مفهوم خصوصا لمّا يصرح الرئيس بأنه ليس منهم دون تحديد أو تعيين فهل يقصد بذلك الإخوانجية أو الحزب الدستوري الحرّ؟.
جملة ما ذكرنا أعلاه يفيد بأن قرارات 25 جويلية لم يكن القصد منها إنهاء منظومة الفساد والإرهاب بل عزل المشيشي فقط وبما أن ذلك لم يكن ممكنا مع بقاء البرلمان تم الاتجاه إلى تجميد هذا الأخير وعند هذه النقطة أغلق الرئيس الملف، ليصحّ فينا المثل الشعبي البليغ "عيطة وشهود على ذبيحة قنفود" لم يكن سوى المشيشي الذي عيّنه الرئيس من خارج قائمات الأحزاب.
يوم 25 جويلية فَتحت الأقدار أبوابها لرئيس الدولة حتى يسجّل اسمه منقذا للبلاد من هجمة تتار العصر وهمجه لو أتم مهمته التاريخية في ذبح الإرهاب والقضاء على أسبابه امتثالا لقول الرسول (ص): " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" ولكنه اختار سياسة غير ما يقتضي الحزم والسرعة لنجد في نهاية الأمر أن الإخوانجية عادوا إلى المتاجرة بالمظلومية في البرلمان الأوروبي في انتظار وصولهم إلى مطار قرطاج.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: