د.محمد فتحي عبد العال - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4414
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تليف الكبد والذي يعرف أيضا بتشمع الكبد هو مرض يحدث على فترات طويلة حيث يتحول نسيج الكبد من خلايا كبدية إلى نسيج ليفي مع تغير التركيب الطبيعي للكبد مما يعيق الكبد عن القيام بوظائفه بشكل طبيعي ولأن الكبد أكبر غدة في الجسم بالأضافة الي أحتلاله موقع استراتيجي رئيسي في الجسم مما جعله يضطلع بتشكيلة واسعة من الوظائف الحيوية لاستمرار بقاء الانسان على قيد الحياة وبالتالي فتوقف الكبد عن القيام بدوره يعتبر من الخطورة بمكان ، فمثلا قد يعجز الكبد عن انتاج مواد مخثرة بالشكل الكافي، مما يصعب وقف النزيف عند حدوثه ، كما يؤدي إلى ارتفاع الضغط في الوريد البابي الكبدي وتؤدي هذه الحالة الى حدوث نزيف حاد وخطير في الجهاز الهضمي وقد يفشل الكبد في تنقية السموم التي قد تتراكم في الدورة الدموية، وقد يؤدي تليف الكبد أيضا الى مضاعفات للمريض أهمها الفشل في وظائف الكبد أو ظهور دوالي المريء والمعدة مع ما تمثله من خطر شديد على حياة المريض عند حدوث نزيف منها . كما يتعارض التليف الكبدي مع قدرة الكبد على تصنيع فيتامين د والكالسيوم وكلاهما يعتبران ضروريان لنمو العظام ، مما يتسبب عنه ضعف وهشاشة العظام .ومن المضاعفات الأكثر شيوعا لتليف الكبد ويرتبط مع سوء نوعية الحياة ، وتفشي خطر العدوى حدوث استسقاء البطن (احتباس السوائل في تجويف البطن) وما يتبعها من حدوث الالتهاب الغشائي البروتيني البكتيري الذاتي وهو أحد العوامل التي تؤدي إلى حدوث الفشل الكبدي الكلوي وأيضاً حدوث نوبات الغيبوبة الكبدية المتكررة.
والطريف أن آخر خلفاء العصر العباسي الأول والذي فتحت في عهده صقلية الخليفة الواثق قد جمعه حرارة الحب المثلي بغلام مصري يدعي مهج!!!(يمكن العودة لجلال الدين السيوطي بكتابه تاريخ الخلفاء عن هذة القصة وأمثالها مما يلقي الضوء علي فساد فكرة الخلافة ودفعها برجالات عن طريق الوراثة أفسدوا وأساءوا ) وربما ظن أن الحرارة أيضا قد تكون شفاءا له من مرض الاستسقاء الذي وضعا حدا لحياته فعولج بالإقعاد في تنور مسخّن ، فوجد لذلك راحة و خفّة ممّا كان به ، فأمرهم بالغد بزيادة في إسخان التنّور ففعل ذلك ، و قعد فيه أكثر من قعوده في الأمس فحمى عليه ، فاخرج منه و صيّر في محفّة فلم يعلموا بموته حتّى ضرب بوجهه المحفّة فعلموا انّه قد مات
مرضى تليف الكبد هم اكثر عرضة من غيرهم للاصابة بسرطان الكبد. تليف الكبد لا رجعة فيه فلا يمكن إعادة الكبد إلى وضعه السابق إطلاقاً واستنادا للمعهد العالمي للصحة يحتل تليف الكبد المركز الثاني عشر من الأمراض المسبب للوفاة ولهذا فعلاج تليف الكبد في مرحلة مبكرة، قد يساعد في وقف الضرر ومنع تفاقم الحالة.كما أن العلاج عادة ما يتركز على منع تطور المرض والمضاعفات . أما الخيار الوحيد في المراحل المتقدمة من تليف الكبد هو زرع الكبد
التسمية الأنجليزية للمرض cirrhosis مشتقة من الكلمة اليونانية κίρῥος بمعنى بني مصفر إشارة إلى اللون الأصفر البرتقالي للكبد المتشمع. ويعود الفضل في هذه التسمية للعالم الفرنسي رينيه لينك في بحثه عام 1819.
تأتي في مقدمة أسباب تليف الكبد المشروبات الكحولية و السبب أن الكحول يقوم بتثبيط عملية الأيض الطبيعية للكربوهيدرات و البروتينات والدهون مما يضر بالكبد بشكل كبير .كما أن فيروسات التهاب الكبد الوبائي تتسبب في التهاب الكبد بشكل مستمر على مدار عدة عقود وتختلف طبيعة الالتهابات التي يسببها فيروس الكبد باختلاف نوع الفيروس وقوته وهل صاحبه فيروسات أخرى أم كان بمفرده. ويعتبر الإصابة بفيروس بى أكثر الأسباب التى تؤدى إلى التليف الكبدى وليس فيروس سى كما هو الأعتقاد الشائع ، حيث أن الإصابة المزمنة بفيروس بى تسبب تليف الكبد خلال فترة قصيرة نسبيا من خمس الي عشرة سنوات ، فى حين يحتاج فيروس سى إلى فترة طويلة تصل الي عشرين عاماً حتى يحدث التليف لدى المريض ويحدث التليف نتيجة ترسيب ألياف الكولجين في جدار الأوعية الدموية المتخللة لخلايا الكبد مع حدوث تدمير للهيكل الحامل لهذه الخلايا. ومن الأسباب الأخرى الالتهاب الكبدى المناعى الذاتي والذى ينتشر بين السيدات مقارنة بالرجال حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا الكبد الخاصة بالشخص نفسه، مما ينتج عنه التهابات شبيهة لتلك التي تصاحب التهاب الكبد الفيروسي كما أن الكبد الدهنى يسبب التليف خاصة إذا كان المريض يعانى من السمنة، أو السكر، فضلا عن الإصابة بالبلهارسيا والتى تنتشر فى الأرياف والصعيد وإهمال علاجها يؤدى إلى الإصابة بالتليف الكبدى.
الأمراض الوراثية أيضا تعتبر أحد أسباب المرض وتشمل الأمراض التي تسبب تراكم مستويات عالية من بعض المعادن في الكبد مثل النحاس حيث يسبب مرضاً يعرف بإسم (مرض ويلسون) أو تراكم الحديد يسبب مرضاً يعرف بمرض (هيموكروماتوزين).
التعرض الطويل الأجل للسموم البيئية ( مثل الزرنيخ ) في محيط العمل أو المنزل أو الإفراط في استعمال بعض الأعشاب مثل جوزة الطيب (تستخدم في علاج الضعف الجنسي ولأن مرضي التليف في الحالات المتقدمة يعانون من قلة الكفاءة الجنسية نتيجه لنقص الهرمونات الجنسية فلابد من التنبه لهذه الأعشاب وسميتها علي مدي البعيد) ، من الممكن أن تسبب تليف الكبد ذلك أن الكبد هو المسؤول عن تصفية هذه السموم وبالتالي التعرض لها لفترات طويلة يؤدي إلى تليف الكبد
يتركز العلاج علي الوقاية من أسباب المرض وفي حالة حدوثه يهدف العلاج إلى إيقاف تلف خلايا الكبد من جهه عن طريق علاج العامل المسبب، و إلى علاج الأعراض والمضاعفات الناجمة عن التشمع من جهة أخرى.ومن هذه الإجراءات العلاجية المتبعة التوقف عن تناول الكحول تماما . وفي حالة كان التشمع نتيجة الاصابة بالتهاب الكبد الفيروسي، فقد يصف الطبيب مضادات الفيروسات antiviral agents فيما قد يصف الطبيب بعض العلاج بالستيرويدات في بعض الحالات المزمنة أو المصاحبة لالتهاب الكبد.
في حالة مرض ويلسون فالعلاج يتركز حول التخلص من فائض كميات النحاس في الجسم، أما في حالات مرض هيموكروماتوزين فيلجأ الطبيب لإزالة الفائض من الحديد من الجسم. في المراحل المتقدمة و الخطيرة من المرض يتمثل العلاج في عملية زراعة الكبد سواء من متوفى حديث أو فص من الكبد من متبرع حي.
العلاج بالأعشاب مفيدا أيضا ومنها الكعيب وفي عام 1968م قام الباحثون الألمان بفصل ثلاثة مركبات من بذوره هم سيليبنين وسيليدايانين وسيليكرستين وتسمى هذه الثلاثة متجمعة سيليمارين. سيليبينين هو أكثرهم نشاطا وهو المسؤول عن الخصائص الواقية للكبد في السيليمارين.
ومن الأعشاب الأخري الحلبة والحلبة عرفت على زمن الفراعنة حيث كانت تسمى باللغة الفرعونية "حمايت" وكانوا يعتقدون أن بذور الحلبة تحتوي على زيت مقو وبذلك استعملوها في العديد من الخلطات العلاجية. وورد في السنة الشريفة أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بمكة، فقال "ادعوا له طبيباً فدعي الحارث بن كلدة، فنظر إليه فقال "ليس عليه بأس" فاتخذوا له فريقة وهي الحلبة مع تمر عجوة رطبة يطبخان فيحساهما ففعل ذلك خيراً". كما روي عن عائشة رضي الله عنها أنه قال صلى الله عليه وسلم "استشفوا بالحلبة". والسبب احتوائها علي الالياف النباتية والهلام اللازم لوقاية الكبد من التليف والالتهاب وغنيه بالكاولين والبيتاكاروتين ومضادات الاكسدة ولا ننسي الثوم المضاد البكتيري والفيروسي والمحتوي علي مادة الاليسين المضادة للالتهاب. عرق السوس (أسماه أبو قراط الجذر الحلو وقد استخدمه الصينيون القدماء لعلاج متاعب الكبد عامة ) مفيدا ايضا لاحتوائه علي الجليسريزين الذي يعمل علي حماية خلايا الكبد الأ انه ينصح مرضي ضغط الدم بعدم تناوله بكميات كبيرة .
وعلي النقيض من الحملة الواسعة ضد لبن الأبل و القريب الشبه بلبن الأنسان واعتباره انه دون أية فائدة تذكر فقد كانت الملاحظات الاولي لشرمانوف(Sharmanov et al., 1978) عام 1978 علي الخواص المضادة للفيروسات للبن الأبل وتحسن وظائف الكبد لدي المرضى الذين يعانون من التهاب الكبد المزمن بعد شرب حليب الإبل . كما تشير الدراسات الي بروتين اللاكتوفيرين المستخلص من حليب الناقة وتأثيراته المضادة لفيروس الكبد الوبائي C، حيث وجد أنه يمنع دخوله إلى الخلايا، كما تشير الدراسات الحالية أن اللاكتوفيرين دواء واعد للحماية من التغييرات الهيكلية والوظيفية المرتبطة بتليف الكبد. لبن الأبل أيضا مصدر للمعادن، خاصة الزنك والمنجنيز والكالسيوم مما يفيد مرضي التليف الذين لديهم نقص في هذه العناصر. ولكن يجب اتباع الاشتراطات الصحية عند استهلاكه، والتي تشمل غسل اليدين قبل وبعد التعامل مع منتجات الإبل وعدم شرب حليبها قبل غليه.
وقديما قال الرازي في لبن الإبل أنه يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج وقال ابن سينا في كتاب القانون الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في علم الطب، حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوربا ''أن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق وما فيه من خاصية'' وكما ثبت في صحيح البخاري ومسلم، وغيرهما، من أن قوماً جاءوا المدينة النبوية فمرضوا فأشار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في معرض حديثه بالشرب من ألبان الإبل فصحوت بطونهم. وفي تعليق الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" علي الحديث أن هذا المرض كان الاستسقاء .
ولابد من الحيطة من الأدوية المحتوية على الحديد وعلي عكس الشائع من أهمية العسل الأسود فهو ضار للكبد لأنه يحتوى على نسبة كبيرة من الحديد.
---------
د.محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
رئيس قسم الجودة بالهيئة العامة للتأمين الصحي فرع الشرقية بمصر
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: