الميثولوجيا بين الأدب وحقائق الدين وحصاد العلم. قصة الطوفان أنموذجا
د. محمد فتحي عبد العال -مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2507
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تمهيد:
لقد كان العالم الآثري صموئيل نوح كريمر محقا حينما أطلق على كتابه : التاريخ يبدأ من سومر، فلقد ضربت أمواج الحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين شطآن العالم المعاصر بما حملته من أساطير أحتلت المكانة الأولى بين أساطير الشعوب الإغريقية والآسيوية، ولقد لعب الأدب الدور الرئيسي في نقل هذه الحكايات الشعبية وخاصة الطابع الشعري الذي أجاد في توصيف هذه الأساطير.
تمخض عن هذه القصص التي غالبا ما تقوم على أساس ديني بحت عن مصطلح الميثولوجيا وتعني قصة مقدسة أو قصة عن الآلهة وما يصاحبها من حكايات شعبية حول ما مارسته هذه الشعوب من تقاليد وطقوس سعيا لاسترضاء آلهتها ومع تغلغل الطابع الشعري في نقل هذه القصص يتجلى لنا عمق التداخل بين الميثولوجيا والأدب.
الطوفان:
لا يوجد في التاريخ الإنساني وتاريخ الأديان والعلم الحديث نقطة التقاء كان الإجماع عليها مثلما حدث مع قصة الطوفان وإن اختلفت بعض التفاصيل وتباينت مسميات صاحب هذا الحدث الكبير الذي غير مجري الكون بأسره...
لقد أحصى الباحث النمساوي ( هانز شيندلر بيلامي) أكثر من خمسمائة أسطورة عبر العالم خلدت ذكرى الطوفان. قد يكون للخيال نصيب كبير في هذه القصص الشعبية وهو ما جعلها مصدر إلهام دائم في حركة الفن والأدب فالحقيقة مهما بلغت من روعة تبقى مقيدة ومحدودة بمكانها من التاريخ الثابت فيما تتمرد الأسطورة على هذه القيود فلا حدود لها في معطيات الأحساس والخيال ومنها قصة الطوفان والتي داعبت مخيلة السينمائين فكان فيلم ( نوح- 2014 Noah)، وهو فيلم كتبه دارين أرنوفسكي وآري هاندل، وأخرجه أرنوفسكي، شارك في بطولته: النجم راسل كرو في دور “نوح”، أنطوني هوبكنز في دور متشولح جد نوح، إيما واتسون، جينيفر كونلي، لوجان ليرمان، دوغلاس بوث وراي وينستون. وقد تم تصوير الفيلم في أيسلندا ونيويورك مستخدما أحدث برامج المونتاج والجرافيك
كما كتب عنها الروائي الأمريكي ( إدوارد بيدج ميتشل) قصة الطوفان وقد قدمت القصة حسا دراميا طريفا في تقديم قدرة كل هذه المخلوقات في التعايش على السفينة فلم يهنأ احد في نومه بسبب وجود نمر بنغالي يحدق فيهم أو قنفد يقبع بجوار أرجلهم العارية مع تململ الفيل وشعور الدب القطبي بالإهانة! ! إضافة إلى تخيل منافسة في القدرة على الابحار بين نوح وبقال مرتد يدعى بريث والذي بنى سفينة (العلجوم) على غرار سفينة نوح ولم يكن لديه مهارة نوح في توفير المؤن وتحديد الاتجاه.
الطوفان في الأديان :
تعتبر التوراة أقدم الكتب الدينية التي تحدثت عن الطوفان وقصة نوح عليه السلام وتبدو شخصية نوح متناقضة في القصص التوراتي فتارة زاهد عابد وتارة أخرى أول فلاح في البشرية وصانع للنبيذ وتروي الرواية التوراتية حزن الإله حينما رأي مساوئ البشر تعم الأرض فقرر انتخاب الجزء الصالح من كائنات الكون واهلاك الفاسدين فأمر عبده الصالح نوح ببناء فلكا من شجر الجوفر وتذهب الفرضيات إلى كونه خشب الساج أو الصنوبر أو الأرز ليحمل عليه امرأته وبنيه وكل من أمن بدعوته ومن كل حي من الطيور والبهائم والوحوش اثنين حيث جعل منها ثلاثة طوابق جعل الأرض منها للحيوانات والوحوش وثانيها للبشر وأعلاها للطيور وقد اهتمت رواية العهد القديم ومن حذا حذوها من الكتاب المسلمين القدامى بالتفاصيل الدقيقة فقيل أن طول السفينة بلغ 300ذراعا وهي أكبر سفينة في العالم بحسب هذا الوصف وأن نوح كان يزرع الشجر وينتظر نموه مئة سنة وينشره مئة أخرى أو أربعين..
وردت هذه القصة في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين وتجري أحداثها على النحو التالي: (رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحًا لأنه كان رجلًا بارًا كاملًا في أجياله، وسار نوح مع الله........... وتزداد شرور الناس، وتمتليء الأرض ظلمًا، ويقرر الرب نهاية البشرية، ويحيط نوحًا علمًا بما نواه، آمرًا إياه بأن يصنع تابوتا ضخمًا، وأن يكون طلاؤها بالقار (القطران) من داخل ومن خارج، حتى لا يتسرب إليها الماء، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكرًا وأنثى، فضلًا عن امرأته وبنيه ونساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي من في التابوت وما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.
واستمر الطوفان أربعين يومًا على الأرض.
وتكاثرت المياه ورفع التابوت عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل جد كان يدب على الأرض، من الناس والطيور والبهائم والوحوش وبقي نوح والذين معه في التابوت حتى استقر على جبل أرارات بحسب العهد القديم. أو جبل الجودي بحسب القرآن وأقدم اسم مدون له هو الجبل الأبيض بحسب المؤرخ اليوناني زينفون في كتابه (الاناباسيس) عام 401 ق. م ويقال أن النبي نوح بنى هناك قرية الثمانين نسبة إلى عدد من رافقوه في السفينة.
أما في القرآن فكانت قصة نوح من أكثر القصص تكررا في القرآن وقد انفرد القرآن بحقيقة هامة وهي محلية واقعة الفيضان والذي لم يغرق الأرض كلها فالقرآنَ يُؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنَّ سيدنا نوح أُرسل إلى قوم بعينِهم، ولم يُرسل للناس كافة. «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ» [العنكبوت 14]، «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ» [المؤمنون 23] «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ» [هود 25]، «إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ» [نوح 2،1].لذا ففرضية كون نوح الأب الثاني للبشرية بحكم عالمية الطوفان وشموليته للكون كله أمر يحتاج لمراجعة في ضوء حقائق العلم وغياب الدليل الديني المعزز لهذه النظرية.
ولما طالت الدعوة لقرون، ويئس نوح من قومه يأسًا باتًّا، وأشفق على الناس من بعدهم أن يأخذوا طريقتهم في الضلال والإلحاد، فدعا إلى الله تعالى قائلًا: ﴿رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا﴾[10]، وكذلك ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[11]. فاستجاب الله له، ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾[12].
وتختلف الرواية القرآنية عن التوراتية في مسألة كفر زوجة نوح ففي الرواية التوراتية صاحبت نوح في سفينته أما الرواية القرآنية فتتحدث عن مخالفتها زوجها وكونها من المغرقين وتنفرد التوراة بالإشارة إلى قيام نوح بإطلاق الطيور مع انتهاء الطوفان ليستكشفوا الأرض فعادت له الحمامة حاملة غصن الزيتون الأخضر والذي تحول إلى رمز عالمي للسلام.
الطوفان في أساطير الحضارات القديمة:
كان ذكر قصة الطوفان في الحضارة السومرية والبابلية هو الأقدم في التاريخ والأسبق أيضا على الرواية التوراتية وكانت ملحمة جلجامش أول نص أدبي تاريخي يشار فيه للطوفان إضافة إلى ملحمة بروميثيوس.
المدهش أن الحضارة المصرية القديمة خلت من أي ذكر لهذا الحدث الجلل مما يرجح أن الطوفان كان حدثا محليا وليس عالميا وهو ما يعضده بعض أقوال المفسرين القدامى مثل ابن عباس من أن نوحا عليه السلام دعا لمصر بالبركة وما ذكره السيوطى من أن سفينة نوح طافت بمصر وأرضها فبارك نوح عليه السلام فيها.
1-ملحمة جلجامش :
تصيغ الملاحم إبداعات الشعوب، وتحفظ ذخائر تراثه وتأتي ملحمة جلجامش كدرة فريدة في حضارة بلاد الرافدين وكأول نص أدبي كامل في التاريخ وتحكي هذه الملحمة المزجاة بالحكمة والمزخرفةبالرمزية، والمكتوبة بخط مسماري على 11 لوحًا طينيًّا عن أحد الملوك، ويدعى جلجامش، وهو ملك أوروك، وكان ثلثي إله؛ إذ كانت والدته إلهة، أما أبوه فكان بشرًا، مما جعله عرضة للفناء شأنه شأن سائر البشر، تتضمن اللوحة الأولى كون جلجامش ملكًا ظالمًا مستبدًا، لا يترك امرأة تزف إلى زوجها حتى يدخل عليها أولاً، كما كلف رعيته بتحصين مدينتهم أوروك بأسوار من الآجر المحروق، ولما ضج الشعب من ظلم جلجامش وجبروته ابتهلوا إلى الآلهة أن تكف أذاه عنهم فخلصتهم الآلهة عبر خلق ند له في البرية، إنه أنكيدو، وهو من البشر الخالص قوي البنية، ويغطي جسده الشعر الكثيف، مستوطن الغابات، كثير الصراع مع الوحوش، ومخلص للحيوانات من شباك الصيادين، مما حدا بالصيادين إلى أن شكوه إلى جلجامش؛ فلجأ جلجامش إلى الحيلة لاستدراج أنكيدو والتخلص منه عبر إغوائه بحب شمخات، إحدى خادمات المعبد، وهو ما يتناوله اللوح الثاني، إذ استطاعت شمخات ترويض أنكيدو، و نقله من طور المارد المتوحش إلى طور الإنسان المتحضر المالك لبواطن الحكمة؛ فعلمته كيف يأكل، وكيف يشرب ويلبس، حتى أصبح كالبشر العاديين، ثم راحت تقص عليه مفاسد جلجامش، وكيف أنه يدخل بأي فتاة قبل زوجها؛ فعزم أنكيدو على التصدي لظلم جلجامش.
فحدثت مواجهة عنيفة بينهما، وكلاهما كان من القوة بما يكفي للقضاء على الآخر، لكن الصراع انتهى بانتصار جلجامش، واعتراف أنكيدو بهذا الانتصار، ثم توطدت الصداقة بينهما، إلى هنا يتضح ملمح مهم، هو أن المعارضة تتولد من رحم الاستبداد، وأنه حتى وإن علت يد الاستبداد وانتصرت يبقى لا مناص للاستبداد من إعادة حساباته، والمصالحة مع المعارضة مهما طال الزمن.
في اللوح الثالث قرر الصديقان أن يعملا لصالح شعب أوروك؛ فقررا أن يقطعا أشجار الأرز الموجودة في الغابة، فصنعا الفؤوس والسيوف العظيمة، ولكن هذه المهمة لم تكن بالسهلة في ظل وجود حارس ضخم مثل خومبابا؛ فبمجرد شروعهما في تنفيذ خطتهما وتقليم الأشجار تصدى لهما حارس الغابة غاضبًا؛ فتعاون أنكيدو وجلجامش على قتله، بالرغم من توسلاته، لم يمر مقتل خومبابا مرور الكرام؛ إذ أثار مقتله حفيظة إلهة الماء أنليل، وكانت الغابة في حوزتها، وهو ما يتضمنه اللوح الرابع والخامس.
في اللوح السادس وقد عاد جلجامش إلى عرشه منتصرًا فأعجبت الإلهة «عشتار» بجماله، وطلبت الزواج منه، لكنه رفض بشكل قطعي، مذكرًا إياها بماضيها مع أزواجها السابقين وما آلت إليه مصائرهم، غضبت عشتار من هذا الرفض، وعزمت على قتل جلجامش، وفي سبيل ذلك استعطفت أبيها «أنو» وأمها «أنتم»، وبكت لهما؛ فقدم لها أبوها الثور السماوي القادر على قتل جلجامش، وبنزول الثور السماوي أثار الهلع الشديد في أوساط المدينة؛ فتجهز له جلجامش وأنكيدو وذبحاه فاستشاطت الآلهة غضبًا.
في اللوحة السابعة يرى أنكيدو رؤيا يقصها على جلجامش مجملها أن الآلهة اجتمعت للثأر لقتل خمبايا والثور السماوي، وقررت معاقبة أحدهما، ولأن الروح الإلهية كانت تسري في جسد جلجامش؛ فقد وقع الاختيار على أنكيدو، فصدر القرار بموته عقابًا على ما حدث؛ فمرض أنكيدو حتى مات، وقد كانت أمنيته أن يموت في ساحات القتال حتى يخلد اسمه مع الأبطال، وهي الأمنية التي لم يدركها.
اللوح الثامن: يتضمن حزن جلجامش الشديد على رفيق دربه أنكيدو، وقد جلس إلى جوار جثمانه المسجى يناجيه قبل أن يواري جسده الثرى.
اللوح التاسع: يبدأ جلجامش رحلة جديدة، ولكن هذه المرة بحثًا عن الخلود؛ فقد كان شبح الموت يخيم على مخيلته، فانطلق هائمًا على وجهه قاطعًا الجبال والفيافي متوجسًا من الموت، وباحثًا عن الخلود، وفي سبيل الحصول على هذا الخلود كان عليه أن يجد «أوتنابشتم»؛ لأنه الوحيد العالم بهذا السر، وفي الطريق يجد الإلهة سيدروي، والتي راحت تجاهد رغبته في الخلود دون جدوى، ولكن مع إصراره أرسلته إلى الطواف «أورشني» ليساعده على عبور بحر الأموات ليصل إلى الشخص المطلوب، وفي النهاية يعثر جلجامش على أوتنابشتم وزوجته، وهما الناجيان الوحيدان من الطوفان، ولذلك منحتهما الآلهة الخلود؛ إذ غضبت الآلهة على البشر فقررت إغراقهم، ولكن أحد الآلهة أوعز إلى أوتنابشتم صناعة سفينة كبيرة يجمع فيها عدد من البشر والحيوانات للنجاة من الطوفان، وتعد هذه أقدم إشارة إلى طوفان نوح الوارد في الكتب السماوية كما ذكرنا آنفا.
مع توسلات جلجامش قررت زوجة أوتنابشتم أن تساعده في النهاية، وأرشدته إلى نبتة الخلود، والتي تنبت في المياه وتمنحه الشباب الدائم وتجرح البشر مثل الشوك؛ فيشعر جلجامش بالسعادة الغامرة لامتلاكه العشب أخيرًا، عازمًا على أخذه معه وتجربته على المسنين بأوروك أولاً، ثم زراعتها لينال خيرها جميع أهل مدينته، ولكنه في طريق العودة وبينما هو يستحم في بركة المياه من عناء الرحلة استطاعت حية سرقة النبتة نازعة جلدها القديم ومتحلية بنشاط وشباب متجدد «وهي الشعار الذي يشير إلى مهنة الصيدلة»، هنا يدرك جلجامش أن لا حظ له في هذا الخلود؛ فقرر أن يخلد اسمه بطريقة أخرى، وهي أن يعود إلى بلاده مرسيًا قواعد العدل، وناشرًا للعلم والمعرفة؛ فهما السبيل نحو الحياة المتجددة والبقاء الأبدي، وهنا رمزية رائعة؛ فمن يستثمر في موارد بلاده البشرية وينميها هو الحاكم القادر على الخلود؛ لأنه الأثر الباقي على مر التاريخ.
2-أسطورة بروميثيوس :
بروميثيوس أو بعيد النظر كما يعني اسمه كان من حكماء التايتن فقد امتلك القدرة على التنبؤ بالمستقبل -وقد أهلته خصاله لاختيار زيوس ملك آلهة اليونان له ولاخيه ابيمثيوس لتزويد الكائنات الحية بالادوات التي تكفل لهم البقاء والحركة والحياة …لم يكن ابيمثيوس عادلا حينما منح الحيوانات كل الهبات كالفراء الذي يغطي أجسادهم ليقيهم من البرد وحاسة السمع الكبيره التي تمكنهم من التقاط وتمييز الاصوات البعيدة بالاضافة إلى سرعة العدو والرؤية عن بعد فضلا عن أسلحة طبيعية كالانياب والقرون تأمن لهم الزود عن أنفسهم ..أنهى ابيمثيوس تشكيل الحيوانات بكل سرعة بينما أستغرق بروميثيوس المزيد من الوقت في تشكيل البشر مما افقدهم الكثير من الصفات التي فازت بها الحيوانات …
حزن بروميثيوس لرؤية البشر يقاسون برد الشتاء ولا يملكون الادوات التي تمكنهم من التصدي للمخاطر على عكس الحيوانات من حولهم فقرر ان يجلب لهم النار التي تساعدهم في الدفء وفي صنع الادوات لقطع الاشجار والصيد أضافة إلى العديد من مواهب آلهة الاوليمب وأثينا مثل فنون العمارة واستخراج المعادن وعلم الفلك والارقام والحروف الهجائية والتداوي وذلك على غير رغبه زيوس الذي لم يشأ امتلاك البشر للمعرفه وهو السلاح الذي يمكنهم من مجابهته في يوم من الايام ..
كانت الهبات التي منحها بروميثيوس للبشر على غير رغبة زيوس وكانت البداية لتصدع العلاقة بينهما فحذره من مغبة الاستمرار في هذا الفعل ومما اجهز على هذه العلاقة خداع بروميثيوس لزيوس حتى يحتفظ بالنار للبشر فقدم قربانين اهداهما لزيوس والالهة كان أحدهما قطع من اللحم مخبأة داخل امعاء ثور أي شيء طاهر في غلاف كريه والقربان الاخر كان عظام ثور مغلفة في شحم ودهن أي شيء خبيث في تغليف مبهر فأختار زيوس والالهة القربان الثاني مما أمن للبشر الاحتفاظ باللحم …غضب زيوس وحرمهم من النار مما افقد أبناء اثينا من البشر الكثير من المميزات فعادوا للحياة البدائية كالعيش في الكهوف والبرد والظلام …
شق على بروميثيوس ذلك وقرر مناشدة زيوس العفو والسماح بالنار دون جدوى فقرر بروميثيوس تحدي ارادة زيوس والدخول في مواجهة معه وسرقة النار من جبل اولمب فأستطاع التسلل إلى مدخل سري لمكان النار المقدسة في جبل اولمب وسرقة شعلة العلم والمعرفة ليخرج ابناء اثينا من الكهوف المظلمة إلى الحياة المدنية مرة أخري..
فثارت ثائرة زيوس وحكم على بروميثيوس بالعذاب الأبدي فأمر بتقييده بالسلاسل إلى صخرة ثم أطلق عليه نسرا عملاقا متوحشا يسمي اثون ناهشا كبده ..كان بروميثيوس يقاسي من اجل البشر مقدما أول فكرة في التاريخ الانساني للفداء وكان عزاءه الوحيد هو الحياة السعيدة التي كفلها للبشر وأمله في أن يخرج من نسل زيوس من يقتل النسر ويخلصه من عذابه..
قرر زيوس ان يعاقب البشر وأن يفسد عليهم حياتهم الجديدة بخلق المرأة فأعطاها هيفاستوس الجسد وأثينا قوة التحمل وافروديت السحر فيما منحها هيرميس العقل وبعض الصفات السلبية كالكذب والمخادعة ومن هذه الهبات الالهية المتنوعه تشكلت المخلوقه الحسناء باندورا اي التي منحت كل شيء.
اهدي زيوس المخلوقه الجديدة باندورا إلى ابيمثيوس شقيق بروميثيوس برفقه صندوق حافل بالشرور والأمراض مكتوب عليه لا تفتحه حاول بروميثيوس إثناء اخيه عن قبول هدية زيوس متوقعا ما تحمله من شرور لكن ابيمثيوس أحبها وملكت فؤاده …فضول باندورا ورفض ابيمثيوس لفتح الصندوق دفعها إلى فتحه في غيابه لينطلق منه كل الشرور كالفقر والنفاق والمرض والجوع فحاولت اغلاقه ولكن كان قد فات الأوان انها الصورة المصغرة لادم وحواء عبر الحضارات وتحميل المرأة مغبة خروج البشر من النعيم إلى الشقاء والمكابدة ..
تحققت نبوءة بروميثيوس فقد خرج من نسل زيوس بعد ثلاثة عشر جيلا البطل هرقل الذي يحرر بروميثيوس ويقتل النسر ..
انزعج زيوس من افلات بروميثيوس من العقاب فقرر اغراق البشر بطوفان كبير لكن بروميثيوس تنبأ بالطوفان وافضي بأمره إلى احد الصالحين وهو ديكاليون وبيرها زوجته واللذين قدر لهما النجاة من الطوفان وانجبا ولدا سمياه هيلين ومنه انتسب اليونانيين الهيلينيين …في نهاية الاسطورة يغفر زيوس لبروميثيوس إلا انه يشترط عليه ان يصنع خاتما من الحديد يذكره دوما بعقابه ومن يومها إلى الآن والبشر يصنعون الخواتم لهذه الذكرى ..
قصة الفيضان والايدلوجيات العرقية:
استخدم البعض قصة نوح والفيضان لإكساب التمييز العنصري ثوبا شرعيا من الدين معتبرين هذا الحدث أول تقسيم عنصري في التاريخ ومن الطريف أن السيناتور الأمريكي اليميني (روبرت بيرد) دافع عن سياسات التمييز العنصري ضد الزنوج في بلاده مستندا على قصة الطوفان وظل على اصراره هذا وهو من أكبر المعمرين في مجلس الشيوخ وطال رفضه ترشيح كونداليزا رايس لمنصب وزيرة الخارجية السابقة ! !
وهي انحرافات فكرية بعيدة كل البعد عن الصراع الذي تدور الأرض في كنفه بين خير وشر وقرب من الله وبعد عنه.
الطوفان والعلم:
لقد مر التاريخ البشري بثلاثة مراحل فيما يتعلق بالميثيولوجيا :الأولى منها كانت للاساطير فيها الكلمة الوحيدة فقد كانت تحاول أن تقدم للبشرية تفسيرا لما يجهل من أسرار الكون ومع تطور المجتمع البشري وظهور الحضارات كانت مرحلة العقائد الدينية وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في كل العصور فمصدرها الإلهي هو الشاهد وهو الفيصل في هذه القضايا ومع التطور العلمي والاكتشافات العلمية وظهور اتجاهات لا تصدق إلا العلم كان للعلم رأيا قد يجافي الميثولوجيا أحيانا ولكن يبقى مصاحبا للدين وفي قصة الطوفان تحظى فرضية طوفان البحر الأسود بانتشار واسع وقد نشراها عالمان من جامعة كولومبيا هما وليام ريان والتر بيتمان في كتابهما وعنوانه :طوفان نوح :(الاكتشافات العلمية عن الحدث التي غيرت التاريخ) حيث أخذا عينات ترسبات من شواطئ البحر الأسود ومن مضيق البسفور مما يثبت أن ارتفاع كارثي لمئات الأقدام حدث في منطقة البحر الأسود والسبب هو طوفان من مياه البحر الأبيض المتوسط ناتج عن ذوبان القمم الجليدية اكتسح مضيق البسفور بقوة مائتي ضعف شلال نياجارا وفي غضون سنتين ارتفع مستوى البحر الأسود ليغمر السواحل المحيطة مما اضطر سكان هذه المنطقة إلى الفرار وكانت بعض الصدفيات التي اكتشفت في الأراضي المغمورة لكائنات من البحر المتوسط قد ماتت قبل 7600 سنة.... مما يدعم قصة الطوفان ويرجح محليتها في الوقت ذاته ....
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: