د - محمد فتحي عبد العال -مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2198
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ستظل قضية فلسطين هي القضية المحورية للعرب المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل ولقد قدم الكاتب الجزائري واسيني الأعرج في روايته سوناتا لاشباح القدس والتي صدرت عن دار الآداب عام ٢٠٠٩ عملا فنيا من طراز فريد محركا ببراعة للزمن الروائي تقديماً وتأخيراً ومعبرا عن شخصيات قصته بلغة شاعرية تجمع بين الموسيقى والفن وقد أجاد في رسم ملامح شخصياته بتفاصيل شيقة و غنية و معبرة وموحية في الوقت ذاته واللغة في الرواية جاءت مزيجا بين الفصحى والعامية فكانت اللغة الحوارية العامية بلهجات تحاكى بيئة الشخصيات وأماكن الأحداث وتنوعها فاستخدم اللهجة الفلسطينية في بعض مواضع الرواية واللهجة اللبنانية أحيانا أخرى أما اللغة السردية الحاضرة بكثافة في أسلوب الأعرج فكانت بالفصحى بحكم كونه اكاديميا يشغل منصب أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس مما يعكس ثقافة الكاتب واسلوبه المتميز. كما أضفي لونا شعريا وموسيقيا على روايته باختياره سوناتا عنوانا وهي مأخوذة من كلمة إيطالية بمعنى اصدار الموسيقى والغناء
القصة باختصار:
تحكي الرواية عن الفنانة التشكيلية الفلسطينية مي والتي غادرت مدينة القدس عام ١٩٤٨ في سن مبكرة بعدما اغتيلت والدتها وأهلها إلى بيروت ثم إلى أمريكا حيث العالم الحر وفي الوقت ذاته كانت رائحة المنفى التي تشبه رماد حرائق الأشجار والعجائن القديمة والورق الأصفر المنقوع بالماء تزكم أنفها وتنجح مي في أن تجمع شتات نفسها وتنتصر على النفي بالتمرد لتتحول إلى فنانة تشكيلية من الطراز الأول ولقد كان الاسم الذي اختاره لها خالها غسان بالاتفاق مع ابيها صافو تيمنا بسوفو نيسبي رمز التمرد ضد الاحتلال الروماني... تمضي السنوات بمي أو صافو اسمها الجديد الا انه لا تغيب ابدا عن مخيلتها ذكريات القدس لون طفولتها المسروقة والتي عاشتها ولم تغادر مخيلتها وعبرت عنها عبر لوحاتها التي منحتها الاستمرارية والحياة فقد ابتدعت لونا جديدا أسمته فراشات القدس ذلك اللون الذي أضحى رفيقها في غربتها ولا يزال يأتيها أصوات ذكرياتها من القدس مع صوت أبو نجيب وهو يمدح سندوتشات الفلافل التي يصنعها :(يا الله يا فلافل! طعم الغني والفقير، الصغير والكبير) إضافة لحرصها على قراءة الإصحاح الرابع والعشرين من الكتاب المقدس حيث ذكر جبل الزيتون وتظل أمانيها معلقة بالقدس فتقول (أتمنى أن أرحل ولو بروحي وآخذ حفنة من تراب القدس وأشمها ثم أزرعها على الفراش وأتوسدها كأي درويش مأخوذ بسحر المبهم) ومع نهاية حياتها بسرطان الرئة توصي ابنها يوبا العاشق للموسيقى والرسم أن يحرق جسمانها ويذر رمادها فوق نهر الأردن وفي حارات القدس وان تدفن عظامها في أمريكا ليكون لها قبرا يزوره ابنها كل ثلاثاء
مناقشة الرواية:
تتحدث الرواية عن حق الفلسطينين في العودة إلى وطنهم فالغربة بحسب مي هي (أكبر محرقة يعيشها المرء هي أن تسرق منه أرضه ويرمي على حواف المبهم) وتبدو نهاية المناضل والباحث الفلسطيني إدوارد سعيد حاضرة وبقوة في ذهن الأعرج وهو يكتب سوناتا فقد مات ادوارد في إحدى مستشفيات نيويورك عام ٢٠٠٣ وكان أمنيته الاخيرة أن يدفن في القدس فرفضت إسرائيل ذلك فأوصى بحرق جثته ونثر ودفن رمادها في لبنان وهو ما تم فعلا... لكن الكاتب يضفي على الرواية رؤيته التشاؤمية بشأن تحرير القدس يوما من قبضة الاحتلال الصهيوني البغيض مستبعدا هذا الخيار تماما على لسان مي فتقول : (تعبت، وأندم كثيرا على أني لم أبق هناك، لا لتحرير الأرض، فهذه مسألة لم تعد واردة، على الاقل بالنسبة لي، ولكن للموت فقط، والتمزق عند بوابات القدس) وعلى لسان الخالة دنيا وهي تقول لمى :(أرأيت المفتاح الخشن المعلق عند مدخل البيت؟ هل تعتقدين أنه سيفتح شيئا يوما ما؟ لا أعتقد. الأحياء تسرق واحدا بعد الاخر، بعد سنوات قليلة لن يصبح لهذا المفتاح أي معنى، باستثناء التذكر والألم).. كما تبدي الرواية تعاطفا مع الموروثات الصهيونية فجدة مي بكت اليهودي الذي اقتيد إلى حمامات الموت والهولوكوست. كما تقول مى لابيها المولع بايفا موهلر الألمانية :(لقد أحرق أصدقاؤك النازيون، وأحباب إيفا موهلر، يهودا أبرياء، وأبادوا الملايين فقط لأنهم يهود؟ هل تتصور هول الفاجعة).
كما يعرض الكاتب رؤيته على لسان بطلته بشأن الحوادث المبكرة على أرض فلسطين وظروف نشأة الدولة الصهيونية هناك فهو يرى أن التسامح منذ البداية كان هو الأمر المفقود فمي مثلا تستهجن مشاركة والدها في اقتحام جريدة بالستاين بوست والتي كانت تبث دعاية عدائية ضد العرب فتقول مي :( لم أصدق أذني عندما سمعت أن والدي الطيب والمتسامح، يحكي عن العملية التي شارك فيها باقتحام جريدة بالستاين بوست بانتشاء) وهنا يظهر التناقض فالضحية في الرواية عليه أن يكون أكثر تسامحا تجاه الجانى الذي قتل والدة مي وهي الطيبة المحبة للموسيقى والرسم والتي لم تكن تحمل لديها سكينا ولا بارودا ولا حتى سكينا للمطبخ.
الرواية وحقائق التاريخ:
إن الهدف من أي عمل روائي ليس فقط التشويق والإثارة فنشر الوعي وكشف الحقيقة دون مواربة يضيف إلى أعمارنا الحقيقة أعمارا افتراضية جديدة فضلا عن أن دراسة التاريخ بعناية بغية الاستفادة من تجارب الماضي هو هدف أسمى يقينا الفتن والانشقاق والتمزق والكاتب خالف ذلك حينما اعتبر الهولوكوست حقيقة مسلم بها والهولوكوست مصطلح يشير إلى الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود على أيدي الألمان النازيين في معسكراتهم إبان الحرب العالمية الثانية واسفرت عن قتل ستة ملايين يهودي بحسب التقديرات اليهودية والهولوكوست مصطلح يوناني يعني القربان ويقابله في العبريه كلمة شواه بمعنى المحرقة.... ولقد ظلت هذه الإبادة المزعومة وسيلة الصهاينة لابتزاز الرأي العام العالمي اخلاقيا وجلب الأموال الطائلة كتعويضات ويشير تقرير لوشتر الخبير الأمريكي الشهير حول معسكرات أوشفيتز وبركاناو وميدانك والمفترض ان المحترق بحق اليهود كانت بها والتي زارها الخبير ميدانيا وأخذ عينات من جدرانها وارضيتها وسقوفها وحللت في مختبرات ألفا ببوسطن وقد خرج تقريره بنتيجة مفاداها عدم وجود إمكانية هندسية وكيميائية لهذة المعسكرات لقتل هذه الملايين الست كما أن غاز السيانيد لا يوجد بالنسب المرتفعة التي يمكنها قتل أحد وتوالت الأبحاث بعد ذلك لتشير أن غرف الغاز كانت في حقيقتها تستخدم لتطهير الملابس وحرق جثث الموتى خشية انتشار الأوبئة وعن رقم الستة ملايين ففي كتاب دوجلاس ريد الشهير الصادر بالولايات المتحدة عام ١٩٤٧ والذي أورد مقارنة هامة بين عدد اليهود قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية حسب إحصاء عصبة الأمم وعددهم بعد الحرب بحسب إحصاء الأمم المتحدة أي الفترة من ١٩٣٨ إلى ١٩٤٥ مثبتا أن عدد اليهود قبل وبعد الحرب بقى كما هو..
الأمر الاخر في الرواية هو تسطيح حقائق التاريخ وعدم الإشارة إلى الجانى الحقيقي في هذا الصراع وهو العدو الصهيوني الذي مارس تطهيرا عرقيا لا مثيل له في التاريخ في سبيل اجلاء الفلسطينين عن أراضيهم ويكفي أن نسوق في هذا الصدد ما اعترف به مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق في كتابه الثورة : (لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل) وهي المجزرة التي نفذتها عصابات الصهيونية ضد المدنيين العزل في دير ياسين عام ١٩٤٨ والقت الرعب في نفوس الفلسطينين ليبدأ النزوح من الوطن ورحلة الغربة داخل الديار الفلسطينية وخارجها... وحينما نتحدث عن حلم العودة لمى بطلة القصة نجد الكاتب يقع في تناقض عجيب فالبطلة تزور الأندلس لكنها تعزف عن زيارة القدس وهي بالقرب منها عند الأردن وتقول: (لا... قلتها ببرودة كبيرة، لا أحد لي هناك إلا القبور، ولا أريد أن ارجع لكي أزور القبور فقط ثم أنزوي مع أشباحي وأبكي)... وبين القدس والاندلس صفات مشتركه فكليهما إرث الأجداد الذين رحلوا ولم يعد من ذكراهم سوي القبور!!..
يبقى القول أن الرواية نجحت فنيا لكن من الناحية الايدلوجية من الصعب أن تكون محايدا في صراع طويل وممتد والجميع على دراية من الجانى؟ ومن الضحية؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: