د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5207
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لب الأزمة وجوهرها الحقيقي، أن العراق يعيش الاحتلال ونتائجه المباشرة وغير المباشرة، ومن بعض ذلك، أن أمره ليس بيد أبناؤه كنتيجة إلى جانب نتائج أخرى، ويشع النفوذ والوجود الأجنبي في العراق بتأثيره على كافة الأصعدة، منها على المسرح السياسي والاقتصادي والأمني بالدرجة الأولى، ولذلك فإن الحالة تم تصميمها والتخطيط لها على أن لا تبلغ الاستقرار، أما السياسيون العراقيون المندغمون في العملية السياسية، فلا يمثلون (بأكثريتهم) سوى انعكاسات للسياسات الأجنبية ومصالحها.
بتقديري أن ما يحدث في العراق من أحداث(ديسمبر / 2011)، هو تفجير لقنبلة موقوتة، فالعراق منذ حوالي تسعة سنوات لا يكاد يخرج من أزمة إلا ويدخل في أقسى منها، وأزمة اليوم متوقعة، وفرقاء العملية السياسية يتنازعون، ويحق لكل من يراقب الموقف بدقة أن يعتقد أن للجميع خيوط علاقة تنتهي في جعبة الحاوي الكبير، ولا نقصد هنا سوى الولايات المتحدة.
والولايات المتحدة وإن كانت قد أعلنت انسحابها، إلا أننا نعتقد أن الأمر لا يزال تحت السيطرة، فالمندوب السامي الأمريكي في بغداد له النصيب الأكبر في إدارة العملية السياسية، وهم، الأمريكان، يريدون بذلك القول ألم نقل لكم أن السياسيين العراقيين لم يبلغوا بعد سن الرشد ليتعلموا الديمقراطية، وهم الآن وفي المستقبل سيبقون بحاجة للرعاية والإشراف، متناسين أنهم هم الذين أخرجوا وصمموا ووضعوا السيناريوهات للمسرح وحواشيه، للممثلين الرئيسيين والثانويين (الكومبارس)، وهذه النتائج الكارثية ما هي إلا حصاد ما زرعته أياديهم السوداء.
الموقف العراقي على الأرجح سيشهد إعادة ترتيب عناصر الموقف باصطفافات جديدة، وليس من المستبعد أن نواجه عناصر ووجوه، وترتيبات جديدة، ولكن بمؤدى واحد، أن لا يعود العراق لمكانته المفقودة. مع إدراك الجميع أن الموقف في العراق ينبئ باستحالة الانفراد والتفرد، والتجربة الماضية شهدت سقوط مريع للمحاصصة الطائفية، فلن يدار بلد في الألفية الثالثة بطريقة الإقصاء والتهميش والإبعاد والاجتثاث، والتطهير العرقي والطائفي، فهذه سياسات معادية للديمقراطية بصفة جذرية، ولا توفر أدنى شروط التنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي، وليس لها سوى مؤدى واحد عرفه الشعب العراقي وجربه طيلة السنوات الدامية المنصرمة، ألا وهو أزمات تعقب أزمات، وأسابيع دموية، ومشكلات لا حل لها سوى تنشيط آلة القمع والموت والقتل.
فالعراق اليوم لا يمتلك أي من شروط البنى الارتكازية الضرورية الحاسمة للإقلاع بعملية التنمية وإعادة الإعمار، بل من واجبات ومهمات من يدير الأمر في العراق أن لا يكون هناك بدء للإعمار والتنمية، ففي هذه الحالة ستنشأ ضرورات اجتماعية، وإدارية وتوافر قيادات سياسية وتكنوقراط، ناهيك عن آليات عمل وشروط كثيرة، وهو غير مسموح به من الآن حتى وقت غير محدد، لذلك لا حل للمشكلات الآنية: كالكهرباء، والماء، والهاتف، والأمن، والطرق والمواصلات، وهي فقرات لا غنى عن توفرها قبل البدء بأي عملية تنموية اقتصادية / اجتماعية / سياسية.
دون أدنى ريب أن الإدعاء الحكومي باتهام نائب رئيس الجمهورية، هي خدعة مكشوفة، وهذا ما ذكره أكثر من مصدر عراقي، سياسي أو حكومي، وهو شأن قابل للمساومة، وللتراجع أيضاً فربما هناك طلبات جديدة، أو سقف جديد لمحاصصة جديدة، أو تفجير للموقف، فهناك ألغام ينبغي تفجيرها، ولكن ترى لمصلحة من يدور كل ذلك.
الأمريكان لم يخرجوا من العراق بالرياحين، بل مطرودين مدحورين، هم يسمونه انسحاباً، ولكنهم في الواقع فروا يجرون أذيال الهزيمة وقد كلفتهم المغامرة العراقية الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى والمعوقين والمشوهين نفسياً، ولم يشفى غليلهم تدميرهم للعراق، لذلك حرصوا أن لا يتركوه بأيدي أبناؤه، ولم يدعوه في حال يستدعي الثقة والاطمئنان، بل سلموه بعد تفخيخه بشتى أنواع الألغام، بأيدي من يثقون بهم، ليواصلوا بأساليب أخرى ما بدأوه، وهو يعاني التشرذم والتمزق والضعف على كافة المستويات، وهو جوهر ما خطط للعراق أصلاً.
ليس سوى أن يستعيد العراق وحدته، ووحدة الحركة الوطنية والقومية والإسلامية العراقية المعادية للاحتلال ونتائجه، وكافة قوى الشعب العراقي الساعية لهذا الهدف، وبدونها فلن يشهد العراق استقراراً، وبدونها لن تكون في العراق تنمية، ولن يستعيد العراق مكانته ومهابته التي يستحقها في المنطقة، بدلاً من أن يكون هدفاً لمطامع وغايات قوى لا تريد له الاستقرار والتقدم. وبغير ذلك سوف لن يستعيد الشعب العراقي أمنه وهناؤه، وقبل أن يستعيد العراق وحدته الوطنية.
كتبت قبل أيام: هذه ألعاب، أشبه بالألعاب الالكترونية (بلاي ستيشن) والعمليات تدور في السر وراء الستار، أكثر مما هي في العلن، والسبيل الوحيد لكل عراقي شريف هو قلب الطاولة بما فيها، ومن عليها، ومن ورائها، وغسل العراق غسلاً جيداً بالماء والصابون والمعقمات، ليعود العراق كما يستحق أن يكون، شعباً راقياً وعظيماً، بستان تفوح منه روائح العطور، ويفيض منه الخير كما كان، لابناؤه ولشعوب المنطقة، أما بغير ذلك فخذ أزمات بعد أزمات، كما يقول المثل البغدادي الجميل: جيب ليل وخذ عتابه.
ـــــــــــــــــــــــــ
هذه المقالة هي جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات الفضائية العربية بتاريخ 24/ ديسمبر /2011
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: