ترجمة : د. ضرغام الدباغ - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4253
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قدمت دار النشر الأمريكية المعروفة ريدرزدايجست (Reader's Digest) كانت تصدر مجلة شهيرة بهذا الأسم، صدر العدد الأول منها عام 1922، وصلت إصداراتها إلى 50 نسخة في 21 لغة، مما يجعلها أكبر مجلة مدفوعة تداول في العالم. صدرت الإصدارة العربية منها في سبتمبر 1943 في مصر، وألغي ترخيصها بعد ذلك. ثم أعيد نشر الإصدار العربي باسم "المختار". في أغسطس 2009 أعلنت الشركة الناشرة لمجلة "ريدرز دايجست"، أنها تنوي وضع نفسها تحت حماية قانون الإفلاس الأمريكي وذلك بالاتفاق مع دائنيها الرئيسيين.
أصدرت دار النشر "الأفضل" (Das Beste- Reder Digest) في شتوتغارت عام 1990 عملاً كبيراً باللغة الألمانية يتسم بالإثارة بعنوان (Wie geschah es wirklich ?) كيف حدث في الحقيقة ؟ ويضم العمل الكبير بين دفتيه، 91 بحثاً عن غوامض الأحداث في السياسة والتاريخ على مستوى العالم، قمت بترجمة العديد من أكثر الموضوعات إثارة، وبتقديري هذه إحداها، مصرع الأمين العام للأمم المتحدة السويدي داغ همرشولد في ظروف غامضة لم تعرف إلى حد الآن وكأن لكل الأطراف مصلحة في إسدال الستار عليها.
داغ همرشولد : (1905 / 18 سبتمبر ـ 1961) (Dag Hammarshold) هو اقتصادى سويدى والأمين العام للأمم المتحدة بين 1953 و1961.
عمل كنائب وزير الخارجية السويدى وانُتخب كثاني أمين عام الأمم المتحدة بعد استقالة تريجفي لي النرويجي الأمين العام الأول للأمم المتحدة عام 1953، ثم جدد له عام 1958 وبقى في منصبه حتى عام 1961، عندما لقى مصرعه في حادث تحطم طائرته في الكونغو اثر توجهه لروديسيا (زامبيا) لمفاوضة تشومبى حول مشكلة الكونغو وانفصال إقليم كاتنجا عن الكونغو (زائير سابقاً) ولم يكشف الستار لم عن الجهة وراء تحطم طائرته.
كان همرشولد موظفاً في الحكومة السويدية، يشغل وظيفة كبيرة ولكنها لم تصل إلى مرتبة الوزير وكان أهم ما فيه أنه من عائلة ارستقراطية وعلى جانب كبير من الثراء، فقد كان أبوه رئيس وزراء السويد. وكان اجداده من المحاربين في جيوش السويد التي كانت تعيش في حروب مستمرة مع جيرانها قبل أن تتحول في تاريخها الحديث إلى دولة محايدة تدعو للسلام وتمارسه. و لم يكن أحد قد سمع باسمه خارج بلاده الإ أنه كان عضوا في اللجنة التي تبحث موضوع المرشحين لجائزة نوبل للسلام وعندما هبطت طائرته في مطار نيويورك ليتولى منصب الأمين العام بعد تريجفي كان أول سؤال وجهه له الصحفيون :كيف يُنطق اسمه ؟ أراد أن يُبسط اسمه فقال انه مكون من كلمتين :هامر(المطرقة) وشيلد (الدرع) فهذا الاسم الذي اطُلق منذ عدة قرون على جده المحارب: المطرقة والدرع. لم تمض عدة سنوات حى أصبح لهذا الرجل قوة هائلة على المسرح الدولي تضاهى قوة الدول الكبرى مع اختلاف الأدوار وصار من أحد ثلاثة أو أربعة رجال في العالم هم أقوى زعمائه وقادته حتى أنه عندما تأزمت الأمور في إحدى المراحل اقترح نيكيتا خوروشوف زعيم الاتحاد السوفيتى عقد مؤتمر قمة على أعلى مستوى اقتصر الاشتراك فيه على ستة رجال: رؤساء الدول الخمس الكبرى وسادسهم همرشولد.، ووقف موقفاً صلباً ضد العدوان الثلاثي علم مصر عام 1956.
في مطلع الستينات، كانت الكونغو بعد مرور ستة أشهر على استقلالها غارقة في الفوضى والاضطرابات تتقاسمها ثلاثة سلطات: السلطة المركزية في ليوبولدفيل، وسلطة حكومية بزعامة جيزنغا المدعوم من باتريس لومومبا، وسلطة المناطق الشرقية المدعومة من الماركسيين والاتحاد السوفيتى إزاء هذا الوضع المتأزم في الكونغو وجد الرئيس كازافوبو نفسه مضطرا لأن يقبل أن تضع الأمم المتحدة يدها على الكونغو (قرار مجلس الأمن في 21 شباط 1961) و أن يشرف أمينها العام على إعادة تنظيم الجيش والمالية وإعادة الأمن والوحدة إلى الكونغو.
طار همرشولد إلى روديسيا(زامبيا حالياً) لمفاوضة تشومبى حول وقف إطلاق النار في الوقت الذي أعلن فيه الأخير رفضه لقرارات الأمم المتحدة ولكن طائرته انفجرت طائرة همرشولد في الجو قبيل هبوطها في مطار ندولا ولقى مصرعه 18 سبتمبر 1961 دون أن تسفر التحقيقات التي اجُريت بعد ذلك عن تحديد الجهة المسؤلة عن هذا الحادث.
البحث مثير، وقد يعطي للقارئ اللبيب إشارات مهمة.
* * * * * * *
الطائرة سقطت في ندولا : مصرع السكرتير العام للأمم المتحدة
Absturtz bei Ndola
طار السكرتير العام للأمم المتحدة السويدي داغ همرشولد عام 1961، من جمهورية الكونغو باتجاه روديسيا الشمالية لكي يتفاوض مع مويز تشومبي، رئيس المقاطعة الانفصالية كاتانغا ولكن الطائرة اصطدمت بالأرض عند محاولتها الهبوط في مطار ندولا ..!
* * * *
كان الارتباك قد حل في أروقة الأمم المتحدة عندما وجهت البلدان الغربية العظمى وكذلك بلدان المعسكر الاشتراكي، لا سيما سيد الكرملين خروتشوف، الانتقاد إلى منظمة الأمم المتحدة، والطالبة بإعادة هيكلة شاملة للمنظمة الدولية من أجل إنهاء هيمنة بلدان الغرب عليها. وكان الشرق والغرب قد اتفقا على توجيه النقد لأداء السويدي داغ همرشولد (56)الذي كان يشغل منذ 1953 منصب السكرتير العام لهيئة للأمم المتحدة.
وفي مكانته المهمة هذه، والذي مثل الموقع الرئيسي لتنفيذ قرارات مجلس الأمن واجتماعات الجمعية العامة، كان في بعض الأحيان لا يتجاوز صلاحياته بوضوح فحسب، بل وينتهج سياسة خاصة به، أم ترى أنه وبوصفه السويدي المحايد، تحول إلى كبش فداء في التنافس بين الشرق والغرب من أجل إحراز النفوذ للأمم المتحدة واستثماره في مجال السياسة الدولية.
الصراع من أجل السلطة في أفريقيا
كانت أفريقيا في مطلع الستينات قد تحولت إلى ميدان رئيسي للصراع لما كان يدور منذ عام 1956على مسرح السياسة الدولية، إذ نال الاستقلال عدد كبير من البلدان، ولكن سرعان ما رزح الكثير منها، تحت هيمنة أنظمة ديكتاتورية، وفي المستعمرة البلجيكية القديمة الكونغو(تسمى اليوم زائير)، والتي نالت استقلالها في 30 / حزيران ـ يونية / 1960، وكان السياسي الاشتراكي باتريس لومومبا قد شكل حكومة ائتلافيه، بعد ستة أيام فقط من إعلان الاستقلال، وحيال تمرد الجيش، طلب لومومبا تدخل الأمم المتحدة ومساعدتها التي قدمت القوات العسكرية لحفظ السلام في الكونغو.
ولكن الأزمة سرعان ما احتدمت، إذ أعلنت الولاية الجنوبية كاتانغا، بقيادة الرئيس مويز تشومبي الانفصال عن الكونغو، ولم يكن بوسع هذه الدولة الفتية أن تعيش بدون موارد الولاية الجنوبية الثرية.
وقد بدا أن على الأمم المتحدة، وهي التي كانت ترى في إنهاء الاستعمار واجباً رئيسياً من واجباتها، أن تطالب اليوم بمساعدة البلدان المتحررة والمستقلة حديثاً بما يجعلها قادرة على البقاء في متحدة داخلياً، ومساعدتها على دخول عالم العلاقات الدولية. وكان السكرتير العام داغ همرشولد قد أخذ على عاتقه هذه المهمة، في أن يعيد كاتانغا(الولاية الجنوبية) إلى دولة الكونغو. فسعى من أجل ذلك باذلاً كل جهده في هذا السبيل، فرفع من مستوى حجم القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة في الكونغو التي كانت في اشتباكات مستمرة مع جيش كاتانغا الانفصالي.
وفي سبتمبر ـ أيلول /1961، كان السكرتير العام يبحث بوضوح عن الحسم. فقد كان يسعى إلى تنظيم، خلافاً لقرار مجلس الأمن، ودفع قوات الأمم المتحدة إلى الولاية المتحدة المنشقة، فسافر في 12 / سبتمبر ـ أيلول إلى ليوبولدفيل (اليوم كينشاسا) التي كانت العاصمة لدولة الكونغو، وبينما كان هناك، اندلعت فيما أطلق عليها "بالعملية البوليسية": هجوم قوات الأمم المتحدة على كاتانغا ومضت بعيداً في هجومها، في هذه الظروف قرر همرشولد القيام بعلاقة شخصية مع تشومبي.
حادث مؤسف للسكرتير العام
في 17 / سبتمبر ـ أيلول / 1961 كان الجهاز الإداري في المقر العام بنيويورك ينتظر ومنذ وقت طويل نبأ يرد إليهم من الكونغو، إذ كان جل ما يعرفونه، أن السكرتير العام قد أقلع بطائرته من ليوبولدفيل إلى جهة مجهولة.
وفي المساء فقط ابتدأت الأخبار المقلقة ترد إلى المقر العام، وفي صباح يوم 18 كان الخبر المشؤوم قد وصلهم فعلاً: لقد ارتطمت طائرة السكرتير العام بالأرض وتحطمت، وهي تحاول الهبوط في مطار ندولا( سابقاً هودسين الشمالية واليوم زامبيا) وإن السكرتير العام قد لاقى حتفه.
وبعد مضي نصف عام على حادثة تحطم الطائرة، وبالتحديد في 24 أبريل ـ نيسان / 1962 ظهر تقرير للجنة الفحص والتحقيق التي شكلت للبحث عن الأسباب التي قادت إلى الحادث. ويشير التقرير أن همرشولد كان يريد أن يلتقي تشومبي في المدينة الحدودية ندولا. ومن أجل هذا الغرض كانت هناك طائرة سويدية من طراز CD-6B مع طاقمها المؤلف من خمسة أفراد، تقف على أهبة الاستعداد، وكانت الطائرة تحمل اسم البرتينا مجهزة بالرادار وبتجهيزات ومعدات تجعلها صالحة للطيران الليلي، وكافة المعدات الضرورية الأخرى. ثم علم فيما بعد أن همرشولد والجماعة المرافقة له والمؤلفة من 10 أفراد كانوا قد طاروا على متن طائرة بلجيكية من طراز CD-4. وبهذه المناورة التضليلية التي تحمل المرء على الاعتقاد بأن الطائرة قد تعرضت إلى عمل تخريبي، أو أن جريمة قد حدثت على متن الطائرة. ولكن السكرتير العام أستخدم حقا الطائرة السويدية CD-6B في طيران لمدة ساعة بعد أقلاع الطائرة البلجيكية CD- 4 باتجاه الشرق، أي بعد عبور كامل أراضي جمهورية الكونغو، وكانت طيلة أكثر من أربعة ساعات تطير في صمت ملاحي(إغلاق اللاسلكي)، ولم تبلغ عن نفسها إلا بعد أن اجتازت الحدود الدولية للكونغو، وهي محلقة فوق بحيرة تانجانيقا، وأبلغت عن نفسها لدى محطة الاتصالات الجوية في سالسبري بروديسيا الشمالية، وأعلن الطيار عن هدف الرحلة، وهو مطار مدينة ندولا.
وكان الطيار وبعد إقلاعه من مطار ليوبولدفيل قد أعلن كتمويه عن وجهة الطائرة صوب لولوابورغ. وفي حوالي الساعة 23،30 بالتوقيت المحلي، أعلنت الطائرة ألبرتينا للمرة الأولى عن هدف الرحلة: ندولا. وفي الساعة0،10(الثانية عشر وعشرة دقائق بعد منتصف الليل) أتصل الطيار ذو الخبرة الكبيرة بيير لونكويست، وابلغ بأنه يشاهد مصابيح مدرجات المطار وهو يهبط نحوها.
وقد أكد برج الطائرة في المطار معطيات الطائرة: وجهة الطائرة غرباً من أجل القيام بالمناورة العادية. ومن أجل الهبوط في مطار ندولا، كان على الطائرة التحليق لمسافة 4،5 كم إلى الغرب من مسار الهبوط، ثم تغير اتجاهها إلى الشمال الغربي، وهنا عليها أن تطير لمدة قصيرة فوق أراضي كاتانغا قبل أن تبلغ الاستدارة بدرجة 180 للتوجه يميناً لكي تستطيع مواجهة مدرج المطار للهبوط. وعندما طلب المرشد الجوي قبل ذلك التأكيد بأن الطيار يفترض أن يكون قد بلغ 6000 قدم، لكن الطائرة ألبرتينا لم ترد على نداءات برج السيطرة لمطار ندولا.
وفي الحقيقة، كانت الطائرة قد بلغت الاستدارة، ولكنها لم تستطع أن تنهي مناورة الاستدارة، بل أن الطائرة وفي تمام الساعة 0،13(الساعة الثانية عشر والربع بعد منصف الليل)، وعندما كانت على بعد 15 كم إلى الشمال الغربي من المطار،لامست قمم بعض الأشجار، ثم هوت على أرض الغابة مشتعلة فيها النيران. وأثبت التحقيق لاحقاً أن المحركات الأربعة وجهاز قياس الارتفاع كانا في حالة سليمة.
ولم يعثر على حطام الطائرة إلا يوم 18 / سبتمبر ـ أيلول، أي بعد مرور أكثر من نصف يوم على سقوطها، فيما لاقى 15 راكباً من مجموع ستة عشر من ركابها مصرعهم على الفور، توفي الراكب السادس عشر متأثرا بجروحه بعد خمسة أيام في المستشفى.
أسئلة الرأي العام
تدور تساؤلات كثيرة ومريبة عن حقيقة سقوط الطائرة، وهي تشغل الرأي العام :
ـ السؤال الأساس هو: هل سقطت الطائرة بفعل عامل خارجي، أو لخطأ من الطيار. والإجابات الرسمية لم تجب إلا على القليل منها.
ـ ألم تكن الطائرة المنكوبة قد واجهت أطلاق نار عليها من طائرة مقاتلة تابعة لكاتانغا قبل يوم واحد فقط من الحادث المشئوم..؟ في حادث أصيبت فيه أحدى المحركات بأضرار، ولكن تقرير الأمم المتحدة يثبت أن طائرة CD-6B قد أصلحت فوراً، ولكن لا يمكن تجاهل تأثيرات هذه الإصابة تماماً.
ـ وتساؤل آخر مهم، هو إن الطائرة ألبرتينا تركت ساعتان أو ثلاثة بعد إصلاحها على أرض مطار ليوبولدفيل دون حراسة.
ـ يبدو أن عملاً تخريبياً للطائرة، هو احتمال لا يمكن استبعاده.
ولم يشر فحص حطام الطائرة إلى أية مؤشرات واضحة لانفجار قوي في داخل الطائرة، أو إلى أطلاق نار، ولكن وعلى أية حال كان هناك عتاد على متن الطائرة لبنادق ومسدسات، وقد انفجرت، وقد أشارت الاختبارات، أن أنفجارات كهذه بالكاد تحطم العلب المعدنية التي تحتويها وليس التسبب في إسقاط الطائرة.
هل كان ذلك انتحاراً ؟
في أواسط الستينات برزت رؤية جديدة تماماً لحادث سقوط الطائرة، بان داغ همرشولد قد شرع بمحاولة انتحار أفضت إلى سقوط الطائرة، وهذه النظرية يصعب تصديقها، ولكن في الواقع هناك بعض الظروف يمر بها الأشخاص يصعب إدراكها بالنسبة للآخرين.
وكان داغ همرشولد قد ترك في شقته بنيويورك مخطوطة كتاب إلى صديقه سكرتير مجلس الوزراء في السويد، وفيها يذكر ضرب من كتاب ابيض(بالمعنى الدبلوماسي كتاب تصدره وزارات الخارجية عن موقف الدولة حول قضية معينة ـ المترجم)، المداولة مع نفسي ومع الله، ترى هل كان هذا نوع من وصية ؟
عن ذلك تحدث همرشولد قبل يومين من سقوط طائرته مع سكرتيرته لأول مرة عن ما يمكن أن يتركه منه بعده وقد نظم ذلك. وأخيراً وجد في الفندق الذي كان يقيم فيه ليوبولدفيل ليس فقط مثل هذه المؤشرات، بل وأيضا كتاب عن خلفاء المسيح وكتب عن المتصوفين في العصور الوسطى المتأخرة الألمانية، كما عثر أيضاً على دفتر صكوكه وعلى حقيبة مليئة بالأوراق السياسية.
كانت التقارير التي تتحدث عن نظرية الانتحار تشير إلى ما هو ابعد، إلى ما هو غير مألوف من الحوادث خلال رحلة الطائرة، أن الطيار قد أعطى هدف الرحلة غير مطار ندولا، ثم أنهم مروا بمرحلة طويلة من الصمت اللاسلكي، وربما أن ذلك، ربما بسبب الخشية من عمل تخريبي أو اعتداء، ولكن هذا التبرير لا يصلح في مرحلة الهبوط في ندولا.
ومن المؤكد أنه لم يكن طبيعياً، أن تبلغ الطائرة عن نفسها مبكراً جداً، 45 دقيقة قبل الهبوط، إذ أعلن الطيار لبرج المراقبة الإشارة بأنه لا يريد الهبوط في ندولا، ولكنه بعد ذلك أتصل ليبلغ: إننا نشاهد أنواركم (أنوار مدرج المطار) نحن فوق ندولا... سنهبط ". كانت هذه آخر محادثة لقائد الطائرة البرتينا.
ترى هل وقف همرشولد، كما تتناقل بعض التقارير، خلف قائد الطائرة مسلحاً، ليرغمه على إطاعة أوامره ؟ وكان حارس همرشولد الشخصي يوليان قد أفضى بإفادته قبل وفاته بقليل، بأن همرشولد أمر بالاستدارة واتخاذ وجهة طيران جديدة للهبوط في كاساما، وأن انفجارا أعقب ذلك، أم ترى أن همرشولد والطاقم الذي معه شعروا بخطر من الأرض ؟ ولكن أي خطر ؟ وفي منتصف الليل ؟...
كما وجدت أيضاً مخطوطات في شقة همرشولد في نيويورك تؤدي إلى نظرية الانتحار، فبعد عدة سنوات من موت السكرتير العام وجدت مخطوطة باللغة السويدية: علامات على الطريق، وجدت فيما بعد طريقها إلى النشر، تنطوي على مؤشرات كثيرة على: ضرورة الاستعداد للتضحية بالنفس، ولكن ما الذي يقصده همرشولد بالضبط ؟ وأي ظروف محددة كان ينتظر الموت فيها ؟
الكثير ظل غير واضحاً
ليست الظروف التي أدت إلى سقوط الطائرة البرتينا التي لم تنضج حتى يومنا هذا. ولكن أيضاً لم يتضح فيه الوقت الدقيق، ونوع الوفاة لداغ همرشولد. فمن المؤكد الثابت أنه ظل حياً حتى بعد سقوط الطائرة، فقد وجدت جراح بليغة في جسده ، مرمياً إلى جانب حطام الطائرة، وبدا أنه الوحيد الذي لم يكن مصاباً بحروق جراء سقوط الطائرة واشتعالها وكانت ساعة معصم همرشولد متوقفة عند الساعة 0،25 وليس في 0،13 وهو وقت سقوط الطائرة.
وجدير بالملاحظة أن الطائرة البرتينا قد وجدت رسمياً في الساعة 13،10، إذن فقد وجدت بعد 13 ساعة بعد سقوطها وتحطمها، بينما كان قد ثبت أن الطائرة قد تعرضت إلى سلب ونهب بعد سقوطها بوقت قصير.
وفي اليوم التالي لتحطم الطائرة وجدت أسلاب ومنهوبات من حطام الطائرة تباع في أسواق ندولا، وربما أن أدلة مهمة قد فقدت، وآثار قد أزيلت ؟
ولم يكن بوسع فريق المحققين السويديين المختصين، إيجاد أي دليل من شأنه التعمق في قضية سقوط الطائرة لذلك لم يكن بوسعهم الجزم أي الاحتمالات الثلاثة كانت وراء سقوط الطائرة:
ـ انفجار داخل الطائرة ؟
ـ أطلاقات وجهت لها من خارج الطائرة.
ـ خطأ من الطيار.
لم يكن هناك من سبيل للجزم، أي من هذه الاحتمالات، ومن يقف (افتراضا) وراء سقوط الطائرة، أو ربما أن يكون همرشولد نفسه السبب في سقوط الطائرة، وهكذا تظل كافة الأفكار واردة في مصرع هذا الرجل حتى اليوم، ولذلك سيبقى السؤال الذي نقشته عائلته على شاهد قبره... " لماذا ؟..."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Wie geschah es Wirklich
Reader Digest / The Beste
1990 Stuttgart
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: