شفيق يحلّ ثانية في الرئاسية المصريّة... قراءة في النتائج (ج1)
فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4502
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أصبح مؤكدا اليوم، أن المصريّين قد حصروا المنافسة بين مرشّحين اثنين في انتخابات الرئاسة. الحدث الذي لم يحلم بإمكانيّة تنظيمه أيٌّ منهم، من الذين ماتوا قبل الثورة من عهد الفراعنة إلى غاية يوم 25 يناير 2011. كما أصبح مؤكدا أن نتيجة الدّور الأوّل هذه، لها وقع المفاجأة إن لم أقل الصّدمة، بالنظر إلى أنّها صدّرت رئيس وزراء مبارك ثانيا في الترتيب - و هو الذي خلعته الثورة لمن نسي الحدث- بعد محمّد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، الذي لم يكن صعوده مفاجأة، بقدر ما كانت نسبة نجاحه مثيرة للدّراسة. كما أصبح مؤكدًا أن هذه النّتيجة ستُسيل كثيرا من الحبر و التعاليق و الدّراسات، لمخالفتها، مع كل استبيان غير موجّه لرأي الشّعب. و لتناقضها أصلا مع منطق الأمور أو لأقل منطق شعب خلع ديكتاتورا بثورة.
فماهي المفاجأة في هذه النتيجة؟ و ما هي قواعد انطلاقها؟ و ما وقعها على المجتمع المصري و على كلّ المجتمعات التي شهدت ثورة؟ و ما هي تداعياتها على الواقع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوســـط و المنطقة العربيّة؟ و هل يتدارك المصريّون خطأ السيناريو و يُفحمون في الإخراج؟ أم أنّهم قد بنوا فعلا الصّرح الذي اطّلع منه فرعونُ على إلاه موسى؟
إنّ العارف بالشؤون السياسيّة و التّيّارات السّياسية في الوطن العربي، يُدرك تماما شعبيـــــــّة الأحزاب و التّيارات الإسلامية، و كثرة مناصريها، مقارنة مع غيرها المتوزّعة بين أقصى اليمـــين و أقصى اليسار. و لذلك فإنّه من غير المفاجئ أن يأتي الدكتور محمد مرسي مرشّح الإخوان المسلمين، هذا التيّار الإسلامي العريق في التاريخ السياسي المصري و العربي، في أوّل ترتيب المرشّحين الفائزين... لكن المفاجئ حقّا هو حصوله على نحو ربع الناخبين، مثله مثل أحمد شفيق القادم من أحضان مبارك المخلوع... و عليه فنحن إذا قسنا النتيجة كمّيًّا، فسنجد تساويا بين النّضال ضد الحاكم المستبدّ، و التواطؤ معه و العمل في فريقه. و هذه هي عين المفاجأة التي لم يترقّبها أيّ محلّل و متتبّع للشأن المصري.
و لعلّ الأمر راجع إلى توزّع الأصوات ذات المرجعيّة الإسلاميّة، إذ حصل المرشّح الإسلامي المستقلّ عبد المنعم أبو الفتوح على نحو عشرين بالمائة من جملة الأصوات، كما حصل المرشّح الإسلامي المستقلّ محمد سليم العوّا على نسبة و إن كانت أقلّ بكثير و هي اثنين بالمائة، فهي كافية مع نسبة أبو الفتوح، لترجّح الخيار الإسلامي في حكم مصر، و توضّح إرادة الشعب المصري تمام الوضوح. لأنّ نسبة هؤلاء مجتمعة تؤكد اختيار نحو خمسين بالمائة من المصريّين هذا الخيار. و توزّع الـخمسين بالمائة الباقية على بقيّة الخيارات والتيارات و الرؤى و البرامج السياسية.
و كما أن النسبة التي تحصّل عليها أحمد شفيق تعتبر في حدّ ذاتها تفسيرا لظاهرة و ليست الظاهرة نفسها. فالمحلّلون اتفقوا على أن السّيد شفيق هو الممثل الحقيقي لنظام مبارك المخلوع بلا لبس. فهو صبيّ مبارك كما يقول المصريّون بلهجتهم ، منذ بداياته السياسية القياديّة. تحوّلَ فيها من منصب إلى منصب أرفع، طيلة حياته... مع ما يؤكده ذلك من وفائه وولائه لمبارك. و هو عصب من أعصاب منظومته السياسيّة و الأمنيّة. و أكبر دليل على خدمته العمياء للمخلوع أن عيّنه في آخر أيامه قبل خلعه، رئيسا للوزراء في الأيّام التي سبقت عمليّات تنكيل و قمع و قتل للمتظاهرين في كلّ أنــحاء الجمهورية... و لعلّ أكبر انجازاته التي يعيبها عليه المتتبّعون ما أصبح يُعرف في تاريخ الثورة المصرية بموقعة الجمل.
فالرّجل بما أنّه واصل الخدمة مع مبارك منذ نعومة أظافره إلى انتصار الثورة ، و بما أنّه لم يستقيل يوما احتجاجا على تصرّفات النظام القمعية، و بما أنه لم يُعرف عليه أو يُسمع عنه موقفا واحدا ينتصر فيه للحقّ. فهو كما يقول المتتبّعون مخضّب اليدين بدم الشّهداء والجرحى في ثورة الشعب المصري. هذا إلى جانب مآخذ أخرى عديدة في عمله كوزير قد لا يمكن التعرّض لها في هذا الصّدد، بقدر ما تتّفق كلّها على الفساد و خدمة الظلم.
...يتبع
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: