د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5119
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
(كتبت هذا المقال قبل عدة سنوات عديدة، يوم كان لا يزال في القوس منزع، ولم أدفعه للنشر، فأنا لست متشائماً بطبعي، ولكن الكرة تتدحرج وتكبر والخرق يتسع، واليوم أجد من الضرورة نشر هذا المقال وليتني كنت نشرته لربما كان ينبأ عن حركة الأنواء الجوية لمن يشاء ذلك ...!)
على مدى الخمس والثلاثين عاماً من السياسة السورية، وتحديداً منذ تولي المرحوم الرئيس حافظ الأسد المسؤولية في القطر العربي السوري(نهاية عام 1970)، وهذا القطر مبتلى بخياراته التحالفية التي ما عادت يوماً بالمكاسب، وإن نعم، فبصورة مؤقتة، لتنقلب فيما بعد غماً وهماً وحسرة وخسائر.
وللأنصاف لابد من الاعتراف، أن القيادة السورية عقدت بعض تلك التحالفات مرغمة، إي أن الحليف فرض نفسه بحكم ظروف الزمان والمكان، وفق نظرية ليس بالإمكان أفضل مما كان. وبموجب هذه القاعدة الإرغامية الغير مريحة أو مربحة، تلفت الرئيس الأسد عام 1970 فلم يكن حوله ممن يمكن أن يتحرك معهم، سوى ثلاثة هم : السادات، والقذافي، والنميري.
وفيما بعد بدا أن من الصعوبة بمكان التوصل مع القذافي إلى حل منطقي دائمي غير عرضة للتبديل والتغير، فيما اعتورت المشاكل والأزمات النميري وأعتورها، حتى أنتهي به الأمر من قائد يتطلع للمنجزات داخلياً وعربيا، لينكفئ متراجعاً، ولتتراكم الأخطاء وبعضها نتيجة فخاخ نصبت له فما أحسن التعامل معها، وأخرى بالغ في ردود فعله عليها، فأصبح جزاراً بامتياز.
وهكذا لم يكن أما الرئيس الأسد سوى السادات، وقد حرص على التعامل معه بكل حرص باعتبار أن العلاقة مع السادات هي مع مصر، وبالتالي فإن مصير أي معركة نفكر بها معقود على متانة أواصر العلاقة بين البلدين والقائدين. ولكن السادات رجل له متاعبه في العمل والتعامل معه، ولكن حتمية المعركة حتمت على الرجلين أن يحتملا بعضهما.
ولم تكن المدافع قد سكتت بعد، حتى اندلع خلاف بين القائدين، والخلاف لم يكن بسيطاً : أوقف السادات الحرب على الجبهة السورية بقرار منفرد، فيما لم تكن الجبهة السورية قد حققت مكاسب تذكر، وقد لاح للقيادة السورية أن السادات لم يكن نزيهاً حتى في المعركة، وتصرف بغير نزاهة بإعلانه وقف الحرب من جانب واحد، وتبادل الرئيسان عدة رسائل خلال الحرب تدل على خلاف مهم في وجهات النظر.
وعندما رفضت دمشق الإستراتيجية العراقية بإطالة أمد المعركة، استمر الجيش السوري يقاتل ثلاثة أيام منفرداً، ليحسن خط وقف إطلاق النار الجبهة، فيما كان الموقف السياسي ومسرح العلاقات العربي والعالمي يطرح معطيات صعبة. وكان انفراط عقد التحالف على هذا النحو مؤلماً سواء على الصعيد الشخصي، أو على الصعيد السياسي، للقيادة السورية، رغم المعالجات التي تفتقر إلى الجذرية والتي لم تؤدي بالتالي إلى ما يغير النتيجة.
ولكن سرعان ما طرحت الأوضاع في لبنان تأزماً كانت تفوح فيه رائحة صراعات الحرب الأهلية، وكأن كل الفرقاء قد وجدوا في العنف حلاً أوحداً، لعله صراعاً يطرح مخرجاً لأزمة بدا أن لا مخرج لها. وهنا أخطأت القيادة السورية مرة أخرى، ولكن خطأها لم يكن أرغامياً هذه المرة، عندما وجدت، وهو ما يخالف توجهاتها السياسية المبدأية، ربما قدرت قوة الرياح الدولية والإقليمية واتجاهاتها، فوجدت في حزب الكتائب والمعسكر اليميني اللبناني حليفاً ممكناً، فتجاوزت مواقفها العلنية من موقف الحكم بين أطراف الصراع، وصمام الأمان مانع الانفجار، وتحولت إلى طرف يدعم المعسكر اليميني الذي كان تعامله مع الأمريكان بل والعدو الصهيوني غير خاف على أحد، في براغماتية صريحة مارسها الرئيس الأسد الراحل وسوف يمارسها لاحقاً مراراً وتكراراً.
مثل دخول الجيش السوري لبنان، بعد استلام الضوء الأخضر من قوى دولية وإقليمية، المطرقة التي حطمت التحالف القديم مع المقاومة وقائدها ياسر عرفات، ثم ليتحول الأمر إلى شأن شخصي، كغالبية الخلافات العربية، وكانت النتيجة تدهور كبير جديد في جدار المقاومة والصمود والتصدي المزمع إقامته والأسباب لم تكن موضوعية.
قادت أحداث لبنان وملاحقها السرية والعلنية، إلى خلط لعناصر الموقف العربي، وفيما كان السادات ماض إلى أبعد مدى في الانفتاح وبكل إبعاده مع معسكر كان يمثل لعهد قريب جداً العدو الأول، فأصاب التخلخل الساحة العربية، لم تكن جبهة التصدي والصمود لتمثل البديل في اصطفاف جديد للقوى العربية، وبالتالي لخلق معطيات موقف جديد.
مثل الملك حسين على مدى عقود السياسي المحترف، الذي يفهم السياسة على أصولها الواقعية على أنها صيانة للمصالح ليس إلا، ومثل لعقود طويلة بيضة القبان في التوازنات في المنطقة، والقناة ألمفضله التي كان يرشح الكثير منها من المعطيات ومنها يستدل على وجهة الرياح والعواصف. هكذا الملك الراحل لعب الدور مع الزعيم عبد الناصر، ثم مع الأسد وأخيراً مع صدام حسين.
عقدت أواصر صداقة شخصية بين الأسد والملك حسين، وأحسب أنها امتدت لتكون علاقة عائلية في بعض صفحاتها. فالزيارات كانت رسمية وشخصية وودية وعائلية، وعقد البلدان اتفاقيات مهمة، لا ينتقدها أحد.
إلا أن الملك، لا يفهم السياسة على أنها أمر شخصي، لذلك كانت حساباته تمضي قدماُ، فعند الملك ثوابت، وهو الذي يضع خارطة الأردن أمامه بتفاصيلها السياسية والاقتصادية والعسكرية قبل الأقدام على أي خطوة سياسية، وهو ليس الحال في أوضاع سورية المعقدة، لذلك أنقضى شهر العسل السوري ـ الأردني، لكن دون ضجة أو ضجيج.
لم يجد السوريون العلاج من الصدمة الأردنية، إلا بمشروع التحالف والوحدة مع العراق، فاستبشرت الجماهير العربية في كل مكان، ولكن ما كان بين القطرين من ذكريات وتنافس وخلاف كان يجد انعكاسه في الحزب قبل كل شيء، وربما لاح للأسد الأب، أنه في طريقه لاحتواء العراق، ولكن العراق لقمة كبيرة أصعب من أن تبتلع أو تلفظ، مشروع نهضة كبير، محاط بأعداء لهذه المسيرة، ففرط عقد التحالف الجديد بأسرع مما كان متوقعاً له، ولكن كانت مرارة انفراطها هذه المرة قاسية.
وفي هبة عاطفية، تجاوب الأسد مع القذافي في مشروع وحده، لم تتجاوز التصريحات ولم تتقدم خطوة إلى الأمام، فتلك مرارة أخرى، ولكن القذافي ظل حتى الأخير يمثل مشروعاً لعمل مشترك أي كانت نكهته.
وكان السوريون قد وجدوا في إيران حتى في عهد الشاه، حليفاً ممكناً، لا تعرف أسبابه بدقة، رغم العداء الصريح لنظام الشاه للقضايا العربية، وللأمن القومي العربي، وتعاظم هذا الاحتمال بوصول القيادة الدينية الخمينية للحكم. وبرغم الحذر التقليدي الذي يبديه العقل السياسي الإيراني، إلا أن وقوف سورية إلى جانب إيران في حربها مع العراق، منح القيادة الإيرانية المصداقية، عندما تنازلت دمشق في براغماتية جديدة عن أهم فقرة في السياسة السورية إلا وهي التضامن العربي والسياسة العروبية، لا سيما بعد أن أتخذ الدعم أشكال مادية مباشرة، ولا نستطيع أن نقدر حجم المكاسب السورية، فحتماً هناك مكاسب، بيد أن الخسائر على المدى البعيد كانت وستبقى بتقديرنا أكبر من أي مكتسب آخر.
تحالفت سورية مع معسكر عرب أمريكا ضد العراق، منفذين الطلب الأمريكي بهذا الصدد. بل وأرسل الجيش السوري إلى الكويت لقتال العراقيين، رغم أن تماساً لم يحدث بصورة مباشرة، إلا أن السوريون قبلوا أن يسجلوا على أنفسهم هذا الموقف !
وعندما صدر إعلان دمشق بين سورية ومصر والكويت والسعودية، ظن بعض قصار النظر في دمشق، أن عهد العجز في الميزانية قد ولى، وسوف نجني الكثير من البترودولار. ولكن الكويتيين بفضاضتهم أنهوا هذا الاحتمال بسرعة تفتقر حتى إلى اللياقات بين الدول. وبذلك سقط هذا التحالف أيضا، وبأسرع من المتوقع.
اليوم تواجه سوريا مسرح العلاقات الدولية والمحلية بمخاطره وتعقيداته، بتحالفها مع طهران، رغم أن ما يثير في القلب غصة، وربما تلاحظ دمشق ذلك بأسف، وهو تزايد اتضاح أبعاد التحالف الأمريكي / الإسرائيلي / الإيراني، الموجه بدرجة أساسية ضد العرب والمسلمين. وبروز الكراهية الإيرانية العميقة للعرب. ولكن دعنا من كل هذا :
فعين الرضا عن كل عيب كليلة***وعين السخط تبدي المساؤى
ألا تسمعون ماذا يصرح حلفائكم حتى الأمس في بغداد ؟ ألا تسمعون ما يصرحون به الذين كانوا بين ظهرانيكم معززين مكرمين ؟ أليسوا هؤلاء حلفائكم الذين عاثوا في دمشق واليوم يستعدون الأمريكان عليكم، أليسوا هؤلاء هم أدوات إيران ؟
(هكذا كانت موجة العلاقات العراقية / السورية قبل الثورة)
سأهمس بأذنكم شيئاً هو من محرمات القول بين القوميين، ولكني سأتجرأ وأدلي به: إياكم أن تعتقدوا ولو لثانية واحدة، أن صبغة الدولة، أو بالأحرى صبغة الحكم العلوية ستنقذكم من براثن ضباع إيران ! فو الله أنتم في حساباتهم بعثيون سيذبحونكم من الوريد للوريد، عندما تحين الساعة، ألا تنظرون ما يفعلون ؟
فماذا ستفعل سوريا ..؟
ستظن أن تحالفها مع أحد أطراف التحالف : الأمريكي / الإيراني / الإسرائيلي سينجيها من الضغط، أو العصر، أو التحطيم. وهو حل سوري توفيقي وتقليدي ولكننا نقول لها أن كافة التحالفات التي تفتقر إلى لأرضية متينة ما هو إلا تحالف هش، بل هو فخ إذ تعتمد عليه سوريا ورمال متحركة ليس إلا..!
يا أخوتنا السوريون: أصلحوا أوضاعكم الداخلية، ليس بهدف إسكات الأمريكان، بل بهدف تمتين جبهتكم الداخلية، وإذا كان من المستحيل أرضاء الجميع، ولكن ليكن جداركم عالياً يضم العناصر الأساسية التي يحترمها شعبكم. استعدوا للقتال، ليكن السلاح في متناول كل شعبكم، واعتمدوا عليه، ثقوا بشعبكم، فليس من مدافع عن الوطن غيره، أزيلوا ما يعتبره البعض تناقضاَ، تنازلوا عن المكاسب الضيقة لتحفظوا سوريا، لا تخدعوا أنفسكم بعناصر تأكل من مال المخابرات، وتستحم بالمغانم بينما تواجهون خطراً يخطط له أعدائكم، حلفاء طهران التي عندما تحين الساعة لن يكون بوسعها سوى إزجاء نصائح سوف لم تسمن ولا تغني عن جوع بل تشارك في الغنائم، على طريقة الضباع، فيما يؤمن العدو أمن حليفه الكيان الصهيوني، تدفعون أنتم باقي الفاتورة، للضبع وجراءه.
يا أشقائنا في سورية ... إن كنتم مع معسكر العروبة والإسلام... ليس الإسلام الصفوي، فافعلوا غير الذي تفعلوه الآن... فموقفكم الحالي بصراحة الأخوة والأشقاء للأسف غير مقنع قبل أي شيء آخر، ولا ينجيكم لا من المآزق ولا من المهالك.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: