د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 24039 drdurgham@yahoo.de
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نطل على القراء بين الحين والآخر بموضوعات العلوم السياسية / والاقتصاد السياسي، بهدف لا أريد أن أخفيه: ذلك أني أعتقد أننا يجب أن نحرص على تكوين وعي سياسي قائم على العلم، وبه وحده، بالعلم، سندحر ظلام الخرافات والجهل، فكلما فتحنا نوافذ أكثر، كلما دخل الهواء النقي إلى رئاتنا، كلما أشعلنا شمعة جديدة، ستطلق الخفافيش لسيقانها الهزيلة الريح ..
لا أقلل من أهمية موضوعات النضال الدامي اليومي الذي يخوضه شعبنا في كل مكان، بل علينا أن نخوض المعركتين في آن واحد ... فقد قال أحد الفلاسفة: طوبى لمن يشعل في ظلام الليل شمعة ..!
نضال دام وأي نضال ...!
***********
دور الثلاثي : سقراط ـ أفلاطون ـ أرسطو في إثراء الفكر السياسي الإغريقي
مدخل :
من أجل فهم دقيق لتطور الفكر السياسي الإغريقي ودوره في تسامق هذا الفكر كان في البدء الحضارة الرافدينية، ثم حضارة وادي النيل، اللتان أثرتا تأثيراً مباشراً في إغناء الفكر الإغريقي، ومن ثم جاء الرومان بإضافاتهم ولمساتهم على هذا الفكر فأكتسب المكانة المهمة في تاريخ الفكر السياسي.
ومن أجل ذلك بالضبط كان لابد من استعراض المقدمات السياسية والاقتصادية والتاريخية لنشوء الحضارة الإغريقية وظروف تطورها، وتأثيرات هذه العوامل على اكتسابها لخصائصها المميزة من جهة، كما مهدت من جهة أخرى لنشوء وتطور فكر سياسي إغريقي ومنحته سماته المميزة.
وأيضاً إلى إلقاء الأضواء على تأثير الثقافة والحضارة الرافدينية على الثقافة والحضارة الإغريقية من جهة، وتأثير الثقافة والحضارة الإغريقية على الثقافة والحضارة الرومانية من جهة أخرى، وما نجم عن هذا التأثير، فالرومان أضافوا إلى الفكر السياسي الإغريقي الجانب القانوني، ويتزاوج الفكر الإغريقي والروماني، أكتسب الفكر السياسي إمكانيات التطبيق، وهو ما سيختص به بحث غير هذا.
بدايات الدولة ـ المؤسسات ـ الفكر:
علمنا إذن أن دول المدن كانت الصيغة التاريخية لتطور العلاقات الأرستقراطية القبلية بالدرجة الأولى، فقد تطورت العلاقات الاجتماعية / الطبقية في بلاد الإغريق بسرعة، وكان لا بد أن يكون لذلك التطور انعكاسه على القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج وعلى جميع مؤسسات المجتمع في تلك الحقبة باعتبار أن الأشكال الاقتصادية / الاجتماعية وعلاقات الإنتاج ذات التأثير الأهم على التشكيلات السياسية وعلى أنماط التطور على صعيد الفكر أو على صعيد تطور المؤسسات اللاحق.
وعلى هذا الأساس، فقد بدأ النظام المشاعي البدائي السائد في بلاد الإغريق بالتفسخ في الألف الأول قبل الميلاد، وبتأثير تلك العوامل الهامة في تطور القوى المنتجة وعلاقاتها، وعلى أساس من التفاوت في حجم الملكيات (الأرض ـ العبيد ـ حيوانات الرعي) بدأت العشائر تنشطر إلى عائلات(أفخاذ) وبدأت تقيم ما يسمى في الشرق بالمشتركات بين أفراد أو اتحاد القبائل. ولكن تلك العلاقات الأرستقراطية القائمة على التقسيم العشائري تعرضت تدريجياً إلى الانحلال وظهرت أشكال أخرى للتقسيم تقوم على أساس التملك والأسس الإقليمية، وحلت المؤسسات العشائرية حتى تأسست الجمعية الشعبية واكتسبت مجلس الزعماء طابعاً أرستقراطياً وقد تجلت السمات الأساسية لهذه العملية في القرن الثامن والسابع ق.م.
وإذا كانت المجتمعات في آسيا وأفريقيا قد تميزت بالعبودية كقاعدة، بميزة انتشار الدولة الاستبدادية المركزية، حيث كانت ملكية الدولة للأرض والمياه مرتبطة ارتباطا وثيقاً بمشاعيات الكادحين الأحرار، أما في اليونان، فإن شكل الملكية العبودية يعتمد على شكل المدينة/ الدولة ويتماثل مع مفهوم المشاعية، ولم تكن هناك مشاعية الشغيلة كما في الشرق(فيما يطلق عليه: النمط الآسيوي للإنتاج)، بل مشاعية ملكية العبيد، وكانت المدينة/ الدولة محاطة بالأسوار( وتلك كانت مسألة مهمة) ولكنها تضم السكان في الوادي المجاور أو الجزيرة المتاخمة وكان السكان يلتجأ ون إلى أسوار المدينة في حالة الخطر.
وقد لاحظنا أن دول المدن لم تكن تختلف من حيث عدد السكان ومساحة دولة المدينة فحسب، بل أن التفاوت كان شاسعاً في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال لم تتجاوز مساحة دولة كورنتس عن 880 كم مربع، فيما بلغت مساحة أكبر دولة يونانية وهي اسبرطة 8400 كم مربع، أي عشرة أضعاف تقريباً، وأنها كانت تختلف أيضا من حيث النظم السياسية. فقد تعرفت دول المدن الإغريقية على أشكال مختلفة من الأنظمة، وكان ذلك مهماً في تكوين الفكر السياسي لدى أفلاطون، إذ تعرفت اليونان في باكر عهودها على نظم أرستقراطية/قبلية، ثم أنظمة طغيانية مثل دولة الطغيان في جزيرة ساموس في النصف الثاني من القرن السادس ق.م (وهو تاريخ سابق لبلاد أفلاطون)، فيما مثلت دولة اسبرطة على الدوام دولة ديكتاتورية العسكريين، ومالت أثينا إلى النظام الديمقراطي، ولكن على شاكلة الديمقراطية الإغريقية التي يختص ويتمتع بها المواطنون الأحرار فقط، ولكل من هذه التجارب ظروفها وأسبابها التاريخية والعوامل التي دفعت إلى هذا الاتجاه أو ذاك.
وتجربة أثينا الديمقراطية رغم أنها مقتصرة على الأشراف والوجهاء فقط، ورغم أنها دارت في مساحة صغيرة(دولة / مدينة) إلا أنها تستحق الإشارة إليها، فقد شكل مجلس الخمسمائة الحاكم في أثينا سلطة عليا مؤلفة من خمسين فرد من القبائل العشرة المكونة لدولة أثينا تبعث بهم إلى المجلس، وهو أشبه ما يكون بالبرلمان ولكن هناك هيئات حاكمة أخرى مثل المجلس التنفيذي(الحكومة)، مختار اختيارا شعبياً ومسئول أمام جمعية المواطنين، ومحلفون مستقلون مختارون برأي الشعب كذلك. ومن وراء هذه النظم(كغيرها من النظم) فلسفة تعبر عنها ومثل عليا تستهدف تحقيقها، كما لابد من الإشارة إلى أن العسكريين كانوا يتمتعون بسلطات هامة تتجاوز كونهم قادة عسكريون(لا سيما في العهود اللاحقة، في عصر الإمبراطورية) كان تأثيرهم بارزاً في الجمعية الشعبية وفي المجلس التنفيذي.
وتعد إصلاحات سولون )Solonولد عام 460 ق.م ـ توفي عام 560ق.بالغة الأهمية، فهو مدون ومشرع قوانين أثيني، وهو الذي ألغى ديون العبودية وقدم قوانين سولون التي انطوت على الحقوق السياسية وقوانين الخدمة العسكرية مندرجة حسب المداخيل، بالغة الأهمية على صعيد تطور الفقه القانوني.
ولكن الفكر السياسي والقانوني لدولة المدينة تعرض للاهتزاز بفعل عوامل كثيرة، الأمر الذي تحتم معه قيام دولة كبيرة بقيادة المقدونيين، فيليب ومن بعده ابنه الأسكندر الذي تولى أرسطو تعليمه وتدريسه.
ويوافق الأستاذ جورج سباين( ومع أنه قليل الاعتبار للعوامل الاقتصادية) أن دوافع التغيرات والإصلاحات هي في جوهرها اقتصادية، فقد يدور البحث عن أنظمة واتجاهات ومبادئ سياسية، ولكن الشأن الرئيسي هو اقتصادي، إذ يقول الأستاذ سباين وهو من مشاهير علماء السياسة المعاصرين: " وكان مدار البحث هو: هل تدور أرستقراطية قوامها الأسر العريقة المالكة للأرض، أو ديمقراطية قوامها المصلحة المتصلة بالتجارة الخارجية وهدفها تدعيم قوة أثينا في البحار ؟ وقد فاخر سولون بأنه قصد بتشريعاته، المعاملة العادلة بين الأغنياء والفقراء".
ومن الضروري الإشارة ولو على نحو سريع إلى مصدرين، كانا على الدوام محور أفكار العلماء والفلاسفة وهما:
الطبيعة: وهي القوانين الإلهية التي يأمر بها الرب عن طريق ممثليه.
والأعراف: وهي ما تعارف الناس عليه من نظم كتقاليد غير مكتوبة إلا أنها ثابتة ومحترمة بصورة جماعية أو شبه جماعية، وهي الأخرى اكتسبت قوة القوانين، فجرى تدوينها كذلك أو بقيت عرفاً معروفاً يجري تداوله واحترامه بوصفه ضرورة أحكام جرى الاتفاق عليها اكتسبت قوتها من خلال موافقة المجتمع عليها والعمل بأحكامها. فتلك كانت أيضا واحدة من المعضلات التي واجهت المفكرين والفلاسفة. ومن ثم فإن القوانين على اختلافها ومنها القانون الأساسي(الدستور) والمفاهيم المتصلة به، كانت موضع اجتهاد المفكرين والفلاسفة، وموضع مجادلات ومناقشات لا نهاية لها.
وعلى هذا النحو، فقد اعتبرت مفاهيم عديدة هي من قبيل القوانين الطبيعية كالمساواة والعدل فأخذوا يتفلسفون بها ويذهبون مذاهب شتى، وغاصوا في قوانين الطبيعة حتى غدت جزءاً أساسيا من الفلسفة السياسية وما برحت الحقوق الطبيعية، والقوانين الطبيعية، والأعراف والقوانين الوضعية(تلك القوانين التي وضعها الإنسان) بؤرة تثير المناقشات والجدل في الفلسفة السياسية وعلى مدى القرون.
وفي غضون هذه العملية التي كان رحاها يدور في حلقات الفلاسفة والمفكرين ولكن أيضا ما كان يدور ويتطور ويعدل ثم يتعرض للتغير والتحسين من أنظمة حكم دفعت الإغريق إلى منهجة المعرفة(الفكر) السياسية ضمن الحدود التالية:
1 . تعدد وتنوع أنظمة الحكم بأشكالها وأنواعها المختلفة.
2 . الصراعات الداخلية وبروز الديمقراطية، والصراعات بين الفئات الاجتماعية والدول الإغريقية.
3 . المقتضيات العملية للحكم، وهو ما كان الحكم يحتاجه ليلبي حاجات الناس.
4 . الآفاق الدولية، علاقات الدولة الخارجية وتحدياتها سلماً أو حرباً.
وبالإضافة إلى التأثيرات الخارجية، الشرقية السومرية والبابلية والآشورية/ أو الفارسية / الفينيقية، فقد مثل السفسطائيون عنصراً مهماً في الاقتراب من النظرة العلمية. والسفسطائيون لم تكن لهم فلسفة، بل كانوا يقومون بتدريس وتعليم الناس مقابل أجور. ولكن لهم الفضل في اكتشاف مادة أولى ثابتة للتغيرات الطبيعية، وهكذا انصهرت في بوتقة الفلسفة السياسية، أصعب النظريات السياسية وأشدها إيهاما وهي النظرية الطبيعية التي نوهنا عنها.
وقد شهدت تلك الفترة تخبطاً واضحاً بين دعاة الحقوق الطبيعية، و الأعراف والقوانين التي تشرعها الدول، ومن ابرز ما نلاحظه من تخبط في رأي السياسي السفسطائي أنطيفون " أن القانون هو مجرد تعارف واتفاق ومن ثم كان مضاداً للطبيعة، ومع ذلك فإن أفضل وسيلة للحياة هي أن يحترم المرء القانون أمام الناس"
والأفكار الأساسية، أو لنقل البدايات الفلسفية التي طورت فيما بعد على يد أفلاطون، إنما كانت نويات متناثرة، فقول الفيلسوف تراسيماخوس Thrasymachus " أن العدالة ليست إلا مصلحة القوى، إذ أن الطبقة الحاكمة في كل دولة هي التي تضع القوانين التي تراها أحفظ لمصالحها، والطبيعة هي حكم القوة وليست حكم الحق" ويذهب فيلسوف آخر هو كاليكلس Callicales إلى اقرب من ذلك بقوله " أن العدالة الطبيعية هي من حق الرجل القوي، وأن العدالة القانونية هي ذلك الحاجز الذي تقيمه جماعات الضعفاء لحماية أنفسهم"
1 . في البدء كان سقراط
وسقراط (ولد عام 470 وتوفي 395 ق.م في أثينا) كان أول فيلسوف يرجع إليه الفضل في جميع هذه الحبات المتناثرة ومحاولة صياغتها في إطار فلسفة واضحة، فقد حاول من خلال محاوراته مع تلامذته بصفة خاصة، الارتقاء بمستوى الفلسفة، وتلمس المناهج من أجل التوصل إلى ذلك، ولكنه سقط ضحية الوشاة، فحكم عليه بالإعدام بتناول السم، فلم يخلف أثراً كتابياً، ولكن تلميذه أفلاطون ضمن مؤلفاته أفكار أستاذه.
ومن ابرز أفكار سقراط التي كان يدعو تلاميذه إليها، هي العدالة واحترام القوانين سواء كانت هذه قوانين طبيعية الهبة أم من صنع الحكماء، والارتباط بالقانون كتعبير عن مدى صلاحية المجتمع وكقياس لفضائله.
وقد مثل سقراط الرمز والمثال الذي يحتذي به كعالم وفيلسوف في رفعة وسمو الأخلاق، بل فقد أعتبر الفضيلة هي المعرفة، بما في ذلك الفضيلة السياسية، ولعل من هنا كان تأثر أفلاطون الشديد بأستاذه، حيث أعتبر الفيلسوف هو أكثر الأشخاص تأهيلاً لقيادة الدولة، بل قيل أن سمو أخلاقه لم تسمح له حتى بمحاولة الهرب والإفلات من حكم الإعدام فتجرع كاس السم بين تلاميذه بكل شجاعة معبراً عن الانصياع للقانون، وإن كان غاشماً سالباً لحياته، وأننا سنجد أن أفضل تلاميذه أفلاطون سيبقى متأثراً برفعة وسمو أخلاق أستاذه، ولكن الأستاذ سباين عبر عنها قائلاً " ولا نعرف بدقة النتائج التي انتهى إليها سقراط في الشؤون السياسية ".
ولعل الأستاذ سباين بذلك يريد أن يعبر عن اعتقاده أن المبادئ السياسية التي نجدها في جمهورية أفلاطون هي في الحقيقة من تأثير سقراط على تلميذه أفلاطون، وعلماء السياسة المعاصرين ومنهم الأستاذ جورج سباين، لا يريدون أن يقوضوا بناءاً عالياً شيد على أساس: سقراط ـ أفلاطون ـ أرسطو.
2 . فكر أفلاطون
ولد أفلاطون في أثينا عام 427 ق.م وتوفي فيها 347ق.م وكان قد أسس في أثينا أكاديمية، وكان من أفضل تلاميذ سقراط. وقد طور أفلاطون أفكار أستاذه، ويعد أول من طرح أفكار سياسية وإن كانت خيالية، إذ طرح شكلاً لمجتمع أفضل من أي مجتمع قائم حتى ذلك الوقت.
وبادئ ذي بدء، نجد من الضروري الإشارة إلى كيفية وصول أعمال أفلاطون إلى الثقافة الإنسانية، ومن ثم إلى اللغة العربية ليتسنى لنا بالتالي إجراء مقارنة مع أدوات الثقافة الرفدينية. فأعمال أفلاطون وصلت إلينا على شكل حوار يدور بين مجموعة من الأشخاص، وشخصية أفلاطون وصلت إلينا على شكل حوار يدور بين مجموعة من الأشخاص، وشخصية الفيلسوف سقراط ترد في أعماله لا سيما ثيئتس Theetete يدور بين سقراط وتئوذرس، القيرواني الذي كان يدرس الهندسة آنذاك في أثينا، وبين الشاب تئيتس وهو أحد تلامذة ثئوذرس. وقد سرد سقراط حديثه لأحد تلامذته فحفظها هذا الأخير عن ظهر قلب، ولكن تسجيل هذا الحديث لم يتم إلا بعد مرور فترة طويلة جداً، لا تقل عن ثلاثين عاماً.
أما المؤلف الآخر لأفلاطون، وهو الأكثر أهمية من بين جميع مؤلفاته، فهو الآخر وصل إلينا على هيئة حوار، وسجلت متأخرة، وهناك تدوينات عديدة لهذا الكتاب وتتضمن الكثير من الأشعار، نقلت إلى اللغات الرئيسية، ولكن يبدو أن هناك تفاوتاً غير بسيط في النصوص والنقل. إذ يذكر المترجم إلى اللغة العربية أنه قد توخى أكثر النصوص دقة.
فبين أيدينا إذن أربعة أعمال لأفلاطون هي: التئيتس وهي أقدمها على الأرجح، ثم الجمهورية، فالسياسي، وأخيراً القوانين الذي توفي دون أن ينته منه، وحتى هذا العمل الأخير الذي يعتبر ذروة وعيه ورؤيته الفلسفية فهو الآخر ينطوي على رؤية خيالية لدولة خيالية على حد تعبير المؤرخ البريطاني ويلس.
وفي إلقاء نظرة سريعة على ما يعتقد بأن مؤلفه الأول، الثئيتس، والذي وضعه عندما كان أستاذه سقراط على قيد الحياة بعد، نجد استنتاجات مهمة، فالكتاب يدور بدرجة رئيسية عن موضوعات منطق وفلسفة، بل وحتى عن فن القبالة والتوليد، إلا أننا نتعرف على أولى أفكار أفلاطون وسقراط في تمجيد المعرفة والفلسفة عندما يقول " إن الحكمة هي الفكر الصحيح تشفعه الحجة".
وفي الكتاب تطرق إلى كثير مما تعد قواعد عامة في الحياة، أو في المعرفة، بل أننا طالعنا فيما طالعناه من حكم سومرية وبابلية وآشورية. الكثير منها أو بعضها متشابه إلى حد كبير. وإذ نقصر اهتمامنا في الموضوعات ذات الطابع السياسي، يكتب أفلاطون " إذن في مجال الرؤية السياسية أيضا، ما تحسب كل دولة من تلك النظرات جميلاً أو قبيحاً، عادلاً أو ظالماً، مقدساً أو رجساً، فذلك يعد عندها شرعاً ويكون ذلك في الحقيقة "
وأفلاطون يقول ذلك في أطار من الحقيقة والشرع، وهو سلاح القوي المهيمن، وهنا يقصد الدولة، ويذكر ذلك صراحة، وإن كان ذلك بعبارات وجمل بسيطة، ثم أنه يصبح أكثر وضوحاً في الصفحات اللاحقة، وتلك ملاحظة تستحق الذكر، أن أفلاطون الفيلسوف يتصاعد في أعماله وفي درجة وضوحه وإتقانه " غير أن كل دولة تهدف في شرعه إلى ما تسمي دون ريب، وهي في جميع شرائعها بمقدار ما يتهيأ لها وبمقدار استطاعتها، تضع لنفسها أجزل الشرائع فائدة ونفعاً، أم هي تشرع وتسن القوانين ناضرة إلى شيء ما آخر ". و" أنا أعتقد أن كل دولة تخطئ الهدف في سنن كثيرة "
ثم أننا نريد هنا ألقاء المزيد من الأضواء على مسالة محددة، وهي أن الفكر يتأثر بدرجة كبيرة أو طاغية بالدين والإلهيات، وهذا واضح تؤكده جميع الأعمال الشرقية: السومرية ـ البابلية ـ الآشورية، أو تلك التي أطلعت عليها من الأعمال من وادي النيل. ومع أن أفلاطون لا يظهر اهتماماً كبيراً بالدين ويذكر ذلك صراحة هذا النص " أيها الفتيان والشيوخ النبلاء، أنكم جالسون تتملقون بعضكم بعضاً مقحمين في القضية حتى الآلهة. ومع أنني أتحاشى الكلام عنهم في أقوالي وكتاباتي، ولا أبحث شأنهم وقضية وجودهم أو عدم وجودهم ".
ولكن أفلاطون مع ذلك نراه يأتي على ذكر الآلهة مرات عديدة في نفس الكتاب (الثئيتس)، فمثلاً " ليس من إله ينوي الشر للبشر" أو " لأن الله لا يظلم موجوداً على أي وجه ولا من أي ناحية، بل هو على الإطلاق في غاية العدالة" فتراه هنا يعبر عن رضاه عن الآلهة ذات الأحكام العادلة قياساً إلى البشر والدول التي يمكن أن تقع في الخطأ فيما تشرع من سنن، ولكنه يعبر بصفة عامة في كتابه عن تدين وورع، إذ يقسم تسعة عشر مرة بالآلهة: هيرا وزفس خلال 150 صفحة تقريباً !...
ثم أننا هنا في هذا المجال بالذات نود الإشارة إلى ما أعتبره فقرة سيئة في تاريخ العرب القديم في الجاهلية(قبل الإسلام) من عادة وئد الفتيات، فقد وجدنا في نصوص أفلاطون " وأن تغذي وليدك، لا أن تطرحه" يكتب المعرب الأب فؤاد جرجي بربارة في هامش الكتاب في مراجعة لكتاب أفلاطون:" كان الأقدمون من يونان ورومان، تخلصاً من الأطفال الرضع يعمدون إلى أحد أمرين: العرض أو الطرح، فالعرض كان قائماً على وضع الأولاد في مكان يستطيع من يود ذلك لرغبة أو لرحمة أن يلتقطهم أحداً، وأما الطرح، فقد كان قائماً على إلقائهم في مكان بعيد يكونون فيه عرضة للضواري أو العوامل الطبيعية"
أما إذا شئنا التركيز بصفة خاصة على كتابه الأهم وهو الجمهورية، الذي يشير في فحواه، أن تأليفه أستغرق بضعة سنين، فهو ينطوي على طائفة كبيرة من الأفكار والاتجاهات ومحاور البحث. والقارئ بإمعان لهذا الكتاب يلاحظ دون عناء تحول أفلاطون من موضوع لآخر، ثم يعود ليبحث في اصل الموضوع ويكرر أفكاره في صياغات جديدة وقد تنطوي على بعض التناقضات. وهن ذلك يعبر الأستاذ سباين أفكاره بدقة إذ يقول " لذلك لا ينسب كتاب الجمهورية إلى أي نوع من المؤلفات، بل ولا ينسب إلى السياسة أو إلى علم الأخلاق أو الاقتصاد أو علم النفس، ولو أنه يشملها جميعاً ويتجاوزها إلى الفن والتربية والفلسفة" وقد صاغ أفلاطون كل ذلك " بأسلوب المحاورات الأدبي".
وإذا ضربنا صفحاً عن المثير من الآراء والمفاهيم الواردة في كتاب "الجمهورية" فهي ستكون خارجة عن إطار بحثنا للفكر السياسي، فهو لا يدع نشاطاً أو فعالية (في عصره)، على بساطة تلك الأنشطة، دون أن يشير إليها باختصار أو بإسهاب، ولكننا نركز هنا على المحاور الرئيسية في أبحاثه.
ـ الفضائل :على تنوعها، وفي مقدمتها العدل موقعاً رئيسياً في فكر أفلاطون.
ـ الدول والحكومات .
ـ المجتمع والملكية والأسرة.
ـ التعليم.
ـ القوانين.
وغير ذلك فهو يتحدث عن أهمية الرياضة والموسيقى، بل وحتى عن القبالة والتوليد. ويورد الأشعار والأمثال، وكل ما من شأنه إيضاح رأيه.
ـ الفضائل:
وقد استولى على هذا الجانب أو الاتجاه الأخلاقي على أعمال الكثير من الفلاسفة على مر العصور والحقب، وقد تختلط بعض العناوين فيه سواء كموضوعات رئيسية أو كفقرات ثانوية في الفلسفة السياسية، وتتفاوت التصنيفات بين الفلاسفة سواء في أولويات الفضائل أو في أبوابها.
والفضائل عند أفلاطون هي المدخل إلى الموضوعات السياسية في فلسفته وأفكاره الشاملة. وهو يعتبر أن الفضائل أربع وهي:
1 . الحكمة 3 . العفاف، امتلاك أعنة الرغائب واللذات
2 . الشجاعة 4 . العدالة
فالحكمة عند أفلاطون هي المعرفة بل أن " الخير ليس سوى المعرفة الصحيحة" إذن فالأمر يتسلسل عند أفلاطون: المعرفة خير ويعرفه عن طريق البحث المنظم وسيبلغ به الاستطراد في التسلسل إلى التوصل وإقامة المجتمع على أساس هذه الفكرة وتقسيم العمل والتخصص كشرط للتعاون الاجتماعي، وأن مشكلة الملك الفيلسوف إنما هي تنظيم لكل هذه الأمور على أحسن وجه.
وفي مداخلات فلسفية / نفسية، يهتم أفلاطون بمسالة العفاف، ويعرف هذه الفقرة بأنها السيطرة على الرغبات والشهوات، ويعتبرها في مقدمة ما ينبغي أن يتصف به الحاكم أو الشخصية القيادية، أو الفلاسفة الذين يعتبرهم الحكماء والعقلاء في مجتمعاته.
أما العدالة، فهي الفقرة التي تحتل الاهتمام الأكبر في فكر أفلاطون لعلاقة ذلك بالدولة والمجتمع والناس، فهو يعبر عن وصفه أو تعريفه للعدالة ويتفلسف في ذلك ويقلب الأمر على شتى جوانبه ويعض آراؤه عن العدالة بقوله " أن العدالة هي أن يرد للإنسان ما له" وإنها" نفع الأصحاب ومضرة الأعداء" ويعرف الأصحاب تعريفاً اجتماعياً واسعاً " والأصحاب هم الذين نعتقد فيهم الأمانة والصلاح" ثم يصبح أكثر تحديداً بقوله " العدالة هي مساعدة الأصحاب الأمناء ومضرة الأعداء الشرار" و " أن الضرار بالإنسان يجعله أكثر شراً وأقل عدالة"
ولكن أفلاطون، وذلك شأنه في مباحثه، لا يعرف الاستقرار، بل يبدو وكأنه يحاول أن يبلور بحراً زاخراً، ولكنه لا يجد إلى ذلك سبيلاً إلا لماماً، فتراه يتحول بين الموضوعات بسرعة، في هذا يكتب " العدالة هي مصلحة الأقوى أو الحق للقوة " ثم أنه يعود ويذكر خصال العدالة وكأنه يعظ الحكام إذ يقول " إن التعدي يقضي على كل ميل إلى الاتحاد في العمل بين الأفراد والجماعات، لذلك كان التعدي عنصر ضعف لا قوة "
والعدالة عند أفلاطون مرتهنة بالقدرة على الحكم وفرض الأمر الواقع، بما في ذلك سنن الحكومات الدكتاتورية والاستبدادية حيث يجدها أفلاطون عادلة طالما صادرة عن الدولة عن الدولة الحكومة فيكتب " أن شرائع كل حكومة مصوغة في قالب يضمن فائدتها، فشرائع الديمقراطيين ديمقراطية، وشرائع الأوتوقراطيين استبدادية، ومعنى ذلك أن في كل ذلك منفعة الحكومة هي العدالة"
ورغم أم أفلاطون لا يريد أن يربط أفكاره بالدين كثيراً، ولكنه كما ناقض نفسه في كتابه الثيتس، يناقض نفسه مرة أخرى في مؤلفه الجمهورية بقوله " إن الإشهار بالعدالة يؤدي بأصحابها إلى فوزهم برضا الآلهة ونيلهم سعادات لا توصف تسبغها على الناس" ونراه من جهة أخرى يقول " أن طاعة الحكام هو العدالة " ثم يعود ليقول " إن مخادعة الآلهة والتغلب عليها مستحيلان "
ويتطرق أفلاطون في أعماله الأخرى إلى الدين أيضاً، ولا تخلو أراء أفلاطون حول الدين من غرابة يقول عنها سباين " وما من شك فإن الإسهاب الواضح الذي استطرد فيه إلى بحث ناحية الدين في كتابه القوانين وهي أكثر النواحي إثارة للأسف في إنتاجه العبقري، فالدين من وجهة نظره (في كتاب القوانين) يجب أن يخضع لتنظيم الدولة ورقابتها شأنه شأن التعليم ويحرم أفلاطون تبعاً بذلك العبادات الخاصة ويقضي بتحريم الشعائر إلا في معابد عامة على أيدي كهنة ترخص لهم الدولة بذلك" وهو متأثر من جهة أخرى بالشعور بان الديانة الخاصة تباعد بين الناس وبين ولائهم للدولة.
وأفلاطون يعتقد أيضا بلزوم وجود قانون مكافحة ومعاقبة الملحدين، وأساس ذلك إنكار وجود الآلهة، وإنكار أن الآلهة تعني بأمر وسلوك البشر، والاعتقاد بأن الآلهة ترضى بسهولة عما يرتكب من الذنوب وجزاء الكفر هو السجن. وقد يكون الإعدام في الأحوال الخطيرة.
ـ الدولة والحكام:
وهي من أهم فقرات الفلسفة السياسية الأفلاطونية ولكنه في هذا المجال أيضا يتراوح بين النظر وإدلاء الرأي بشخص الحكام، ثم بأنواع الدول والسلطات، وهو في ذلك يصيب ويخطئ.
وترتكز رؤيا أفلاطون السياسية في الدولة وتوصف بالبساطة الشديدة ويعلق الأستاذ سباين عليها قائلاً " نجده يعرض نظرية الدولة في تسلسل مرتبط بالفكرة مع التناسق والبساطة في آن واحد، والواقع أنه لزم علينا أن نصر على القول بأن هذه النظرية تطغي عليها فكرة واحدة، وهي الحياة السياسية في دولة المدينة، وأنها من الإمعان في البساطة بحيث نجحت في تحقيق غرض أفلاطون من بحثه"
ونجد أفلاطون يعبر عن ذلك بعبارات بسيطة حقاً، وبسيطة للغاية بقوله " إن المرء لا يستغني عن أخوانة، هذا هو منشأ الهيئة الاجتماعية والدولة، ولا بد فيها من أربعة أو خمسة رجال على الأقل يمثلون العناصر الأولى في توزيع الأعمال ويتسع مجال ذلك كلما نمت الجماعة "
وتستحق الملاحظة هنا: أن العدالة وضرورة تحقيقها، والسعادات وأهميتها وجدلية الحوارات، قادت بالضرورة، وربما دون قصد مباشر من أفلاطون، ولكن بداهة إلى فكر قيادة الهيئة الاجتماعية المولجة بتحقيق هذه الشعارات الأخلاقية / المعنوية، بالإضافة إلى ضروراتها المادية بتقسيم العمل ضمن أفراد المجتمع.
وتستمر أفكار أفلاطون بتسلسل جدلي إذ يطرح " أن الدولة تنشأ لعدم استقلال الفرد بسد حاجاته بنفسه وافتقاره إلى معونة الآخرين " و " يلزمنا أشخاص آخرون يجلبون ما نحتاج إليه من المدن الأخرى" ويبلغ هذا التسلسل ذروته عندما يعبر عن نفسه عبر التساؤل " وكيف يتبادل أهالي المدينة أنفسهم المنتجات، فإنك تعلم أنه لأجل تبادلها ألفنا الجماعة وأسسنا الدولة" والدولة عند أفلاطون هي مجموعة من المصالح الإنسانية، ولكنه يعبر عن ذلك بقوله " الدولة هي الفرد الإنساني مكبراً " وكذلك قوله " الدولة شخص كبير، والفرد دولة صغيرة"
وللدولة برأي أفلاطون واجبات أبرزها:
1 . إشباع الحاجات الطبيعية.
2 . قيادة البلاد.
3 . حماية البلاد من الخطر الخارجي.
ذكرنا في المبحث السابق، أن الحرب بقصد الاستيلاء على أراض الغير وكسب العبيد والغنائم، كان أحدى واجبات الدولة. وعن ذلك يكتب أفلاطون متسائلاً " أفلا نضطر إلى التسلط(السطو) على أصقاع جيراننا الواسعة لمد نطاق مراعينا وحقولنا ؟ " وكذلك قوله " الحرب هي مصدر شر الويلات التي تحل بالدولة جماعة وأفراد "
وجدير بالملاحظة، أن الحرب عند أفلاطون إنما تنشب لضرورات الاستيلاء على المراعي والحقول، في حين كانت الحرب عند الآشوريين تعني التوسع صوب الغرب خاصة للاستيلاء على مصادر الأخشاب الثمينة في جبال لبنان والوصول إلى سواحل البحر المتوسط، وكذلك تأمين طرق التجارة البرية.
ثم أن أفلاطون يبذل اهتماما كبيراً بالحاكم وشخصيته ومؤهلاته وقدراته الفكرية الفلسفية قبل كل شيء. فالحاكم عنده شخصية مقدسة وإن كان لا يعبر عن ذلك حرفياً ولكن بقوله " الحاكم راع والشعب رعيته"، ثم ذكرنا اعتباره أن طاعة أمر الحكام هي العدالة، يتطلب من الحكام صفات كثيرة تقع الفلسفة في مقدمتها " فالحاكم الكفء في عرفنا فلسفي النزعة، عظيم الحماسة، سريع التنفيذ، شديد المراس" وكذلك قوله " يلزم أن يكون من أكبر أعضاء الجسم الاجتماعي سناً، وأوفرهم فطنة وأعظمهم جدارة وأعرقهم وطنية وأقلهم أنانية، هؤلاء هم الحكام الحقيقيين " ولكن أفلاطون مع ذلك، ويبرر ذلك بمصلحة الدولة، يقبل أن يمارس الحاكم الكذب مع أنها من صفات الرذيلة " فإن جاز الكذب لأحد فللحكام فقط في مخادعة الأعداء، أو في أقناع الأهالي بما هو خير للدولة "
ثم أن أفلاطون يتشدد في صفات الحكام ويضع شروطاً لمن بتبوء منصب الحاكم " أن لا يتملك أحدهم عقاراً خاصاً قدر الإمكان، و ...
ـ أن لا يكون لأحدهم مخزن أو سكن يحظر دخوله على الراغبين.
ـ أن يقبضوا من الأهليين دفعات قانونية أجرة خدماتهم.
ـ أن تكن لهم موائد مشتركة كما في ثكنات الجنود.
فإذا أمتلك الحكام أراضي وبيوت ومال وملكاً خاصاً، صاروا ملاكين وزراع عوض كونهم حكاماً، فيصيرون سادة مكروهين لا حلفاء محبوبين على لأن يربط ذلك بالدستور" وهذه إشارة واضحة للدستور وضرورته كقانون أساسي، لكننا سنلاحظ أنه حتى هذه الإشارة غير حاسمة في فكر أفلاطون السياسي والقانوني.
ويواصل
أفلاطون برنامجه المقترح قائلاً " ليس إسعاد الحكام غرضنا، فهدف المشروع هو إسعاد طبقات السكان الثلاث: الحكام ـ المنفذين(الجنود) ـ المنتجين(العمال) " وإن واجبات الحكام هي:
1 . أن يحولوا دون الميل إلى أثراء بعض الأهالي وفقر غيرهم مدقعاً.
2 . أن يسهروا ضد أتساع الأراضي اتساعاً سريعاً.
3 . أن يتشددوا في قمع البدع.
والدولة إذا حسن تنظيمها كان الصلاح، وإذا كانت صالحة، فهي ولابد حكيمة، شجاعة، عفيفة، عادلة، " ويعبر أفلاطون عن شمولية هدفه فيقول " إننا لم نؤسس الدولة لمجرد إسعاد قسم من أهلها، بل لإسعاد الجميع معاً على قدر الإمكان."
والحدود ليست واضحة تماماً عند أفلاطون، بين الحاكم والدولة والمشرع. والملاحظ أن شدة تأثر أفلاطون تتصاعد كلما تقدم في مباحثه(استغرق تأليفه كتاب الجمهورية ثلاث سنوات) زهو مقسم في فكره ووجدانه بين الحاكم والفيلسوف، والحاكم هو بقوة النظام الدستوري(القانون)، وإذا حدث إن أشاد بأهمية القانون في موضع ما من كتابه، فإنه سرعان ما يعود ليؤكد أهمية الفلسفة فهو يكتب مثلاً عن السلطة الدستورية وأهميتها " من الضروري أن يكون في الدولة سلطة تنظر في النظام بالنور الذي استنيرت به أيها المزارع لما سننت القوانين". بيد أن أفلاطون وكأنه ندم على ذكره لأهمية القانون(الدستور) فيكتب بعد أربعة صفحات " لا نهاية لتعاسة الدول وشقاء سكانها ما لم تقلد طبقة الفلاسفة مقاليد الإدارة العليا في الدولة ".
فالدولة المثالية هي الدولة التي يحكم فيها الفيلسوف (المعرفة العلمية ـ المنهج) فالقانون نهائي ولكن الفلسفة غير نهائية. ويعبر سباين عن أراء أفلاطون في مؤلفه (السياسي) " كانت الدولة الخاضعة لحكم القانون فريسة على الدوام للعجز الكامل في الطبيعة البشرية، وبذلك لم تكن دولة كهذه جديرة بأن تقف على قدم المساواة مع الدولة المثالية".
ويعود سبب تراجع أفلاطون عن السيادة المطلقة للقانون، وذلك لتقديسه الفلسفة وإجلاله للفيلسوف، وهو إذ ذاك لا يقبل أن يكون المالك أو الحاكم إلا فيلسوفاً عالماً يعتمد المعرفة والفلسفة " إن مهنة الحكم عند أفلاطون قد عرفت: بأنها فن يعتمد على العلم الصحيح، وإن هذا العلم يفهم على غرار الرياضيات "
وينتهي أفلاطون في كتاب السياسي إلى القول " أن السياسي فنان، أكبر مؤهلاته المعرفة، وقد شبه بالراعي الذي يسوس قطيعاً من البشر" وهو في ذلك يتشابه مع الحكمة البابلية التي تصف الملك بالراعي، ولكن يلاحظ ضعف ديمقراطية دولة أفلاطون حيث يقول " هذا الحكم هو اسلم صورة حكم وهو وحده الحكم الحقيقي حيث نجد الحكام متمكنين من العلم حقاً وليست عليهم سيماؤه فقط، وسواء ذلك أحكموا بالقانون، أم بغير القانون، وسواء رضي رعاياهم أم لم يرضوا ...! "
ـ الحكومة:
لم يخلط أفلاطون بين الدولة والحكومة فالدول ثابتة ولكن الحكومات يمكن أن تستبدل. بل أنه يقسم الحكومات إلى خمس أنواع يضعها بتسلسل له مغزاه وهي: ـ
الأرستقراطية ـ التيموكراسية ـ الأوليغارشية ـ الديمقراطية ـ الاستبدادية.
والدول نتاج سكانها فيرجع في درس سجيتهم، ثم ينطلق أفلاطون ببساطة في تحديد المجتمع بثلاث درجات أو طبقات: ثرية ومتوسطة وفقيرة. ثم يلي ذلك تحليل صائب رغم سذاجته، إذ ينشأ صراع بين الطبقات الثلاث، والنتيجة الراجحة هي: حصول تسوية بين أحزاب الطبقتان العليتان، غرضها اقتسام ثروة الطبقة الثالثة(الفقيرة) والهبوط بها إلى درك الخدمة والعبودية، ويستحق الإشارة هنا إلى كلمة أحزاب إلى ممثلي الطبقة، وذلك تأكيد على الصفة الطبقية للأحزاب. والأرستقراطي يخلف إنساناً تيموكراسياً وهو الذي تغريه المادة فتنمو محبة الثروة التي أدخلتها التيموكراسية وتتزايد حتى تحوله إلى الأوليغارشية التي أساسها جعل الثروة أساس الجدارة الاجتماعية. ومن نتائج ذلك أن الثروة وأنفاقها تبلغان في الدولة أقصى مقدارها فتقسم المدينة إلى قسمين: غني / فقير يبغض أحداهما الآخر ويكيد له، وهكذا تنشأ الأوليغارشي أبن التيموكراسية(أي أن يلد النظام نظاماً آخر) الذي عرج فيه عن مسلك والده الشريف، وهكذا تنشأ بالتدرج طبقة خطرة على الدولة هي طبقة الفقراء المعدمين التي تنزع إلى السلاح فتقصي الأغنياء عن حدودها. وبهذا المعنى، فإن الديمقراطي هو ابن الأوليغارشي الذي تدفعه شهوة اللذات عن الاحتشام الذي كان عليه والده، فيعيش متمتعاً باللذات، تقوده مبادئ غير منتظمة وشعاره باختصار: الحرية والمساواة. ثم أن التطرف في الحرية التي امتازت بها الديمقراطية تهيئ الطريق بواسطة رد الفعل إلى الاستبداد وتنمو قوة المستبد ويمضي إلى اختيار حرس خاص به وأخيراً يتحول إلى مستبد تماماً.
ثم يعرض أفلاطون بشيء من الإسهاب رؤيته إلى هذه التناقضات التي تقود إلى التطور وبروز أنظمة جديدة قائلاً" وخطوات الانتقال من التيموكراسية إلى الأوليغارشية(وهو نظام يقدر الرجل بثرواته، فيحتكر الأغنياء الحكم وليس للفقير فيه أي حظ) إن الذهب المتدفق إلى كنوز القوم هو الذي قوض دعائم النظام الذي أتينا على ذكره لأن نتائجه أن أصحاب الأموال اكتشفوا طرقاً للأنفاق فنبذوا الشرائع نبذ النواة وداسوا أحكامها ويتهافتون على حشد المال فيفقدون الفضيلة ويفقدون قدرهم ويسنون شريعة وينفذونها بقوة السلاح وتخسر مدينة(الدولة) كهذه وحدتها وتصير اثنتان، واحدة للفقراء وأخرى للأغنياء والفريقان ساكنان معاً يكيد أحدهما للآخر".
ثم يضع أفلاطون تفسيراً لجدليته، بسيطاً في فحواه وعباراته، ولكنه عميق ودقيق في مغزاه تنم عن ملاحظة ذكية " يبدأ التطور في كل نظام بلا استثناء في الهيئة الحاكمة وفيها فقط حين تتصدع، أو ما دام أفراد تلك الهيئة على وفاق يستحيل أن تهتز الدولة مهما تكن صغيرة " وكذلك في قوله " ولكن لما كان كل مخلوق من هذه الدنيا عرضة للزوال، فليس من المحتمل أن يبقى إلى الأبد حتى ولا نظام كهذا، وهذا التعاقب يجري طبقاً لنظام دوري"
ودون ريب، فإن هذه الآراء الحصيفة نابعة عن رؤية عميقة، ذات آفاق شاملة بعيدة تمنع مزيد من الاعتبار والأهمية لأراء أفلاطون كفيلسوف، ثم أنه يواصل تحليله الجدلي وإقراره المبكر بأهمية العامل الاقتصادي التاريخي والصراعات الاجتماعية وحتميات التطور بقوله " ويتم الانتقال من الأوليغارشية إلى الديمقراطية بالرغبة الوثابة العنيفة في الثروة الطائلة"
ويستمر أفلاطون بالتنبؤ باحتدام الصراعات الاجتماعية/ الطبقية مع تراكم الثروات في المجتمع الذي يفضي إلى المزيد من البلورة في الموقف الاجتماعي والسياسي فيقول " تنشأ الديمقراطية بفوز الفقراء فيقتلون بعض خصومهم وينفون غيرهم ويتفقون مع الباقين على اقتسام الحقوق والمناصب المدنية بالتساوي ويغلب في دولة كهذه أن تكون المناصب بالاقتراع وقد يكون هذا النظام أجمل النظم لأنه مرفوض بكل أنواع السجايا فيلوح جميلاً كالثوب المزركش بكل أنواع النقوش"
ولكن هذا النظام المزركش (ليس إلا) حسب رأي أفلاطون، ولكن الزاخر بالصراعات الاجتماعية التي لا يكف دويها عن الهدير، إذ سرعان ما تدب التناقضات التناحرية فتصبح الديمقراطية المظهرية هذه أداة للهيمنة بيد الطبقة المسيطرة، وسرعان ما تدب فيها الفساد. وعن هذه العملية التاريخية يقول أفلاطون " ويفشو في الديمقراطية الداء الذي فشا في الأولغارشية فدمرها (الرغبة المتزايدة في طلب المال و التضحية بكل شيء في سبيله) ويزيد في هذه سماً وفتكاً بسبب إباحية المحيط فيؤدي ذلك إلى الاستعباد، وكل محاولة تبذل للتغلب على سير الحوادث العامة تؤدي إلى نقض المقصود".
ـ المجتمع / الملكية / الأسرة:
لم يكن أفلاطون في أعماله الفكرية و الفلسفية معارضاً للتقسيم الطبقي في المجتمع الإغريقي الذي كان قائماً بصورة تشابه المجتمع الرافديني الذي كان منقسماً بدوره بصورة حادة ورئيسية بين العبيد وبين تحالف القصر والمعبد وحاشيتهما، وبينهما فئة رقيقة من الوسطاء الذين كانوا أعلى في مستوى الحياة والحقوق (بوصفهم أحراراً) من العبيد، ودون الطبقة الأرستقراطية المالكة وحلفائهم من الكهنة في الحقوق السياسية والاقتصادية والمزايا الاجتماعية.
فالمجتمع الإغريقي كان ينقسم (برأي أفلاطون وتعبيراته)بصورة أساسية إلى ثلاث طبقات:
1 . العبيد Helots: وهم قاعدة الهرم الاجتماعي، يمارسون كافة الأعمال دون الحقوق السياسية.
2 . التجار Periokoi: وهؤلاء لهم الحقوق المدنية، لكن دون الحقوق السياسية.
3 . المواطن Dorians: وهم المنحدرون من أصول أرستقراطية والمحاربون ويحتكرون العمل السياسي والعسكري.
أفلاطون، لم يخرج عن هذا الإطار بعيداً، وإذا كان ثمة تعديل على هذه اللائحة الاجتماعية الإغريقية، فما هو إلا تشذيب طفيف ليس إلا. إذ يقول أفلاطون " هدف المشرع هو إسعاد طبقات السكان الثلاثة: الحكام والمنفذين والمنتجين(الصناع والزراع) من العاملين بأيديهم.
ثم أنه(أفلاطون) يعرف الصناع (العمال) تعريفاً لا يخلو من الطرافة " وهناك طبقة أخرى ممن ليست لهم قوى عقلية تؤهلهم لمصاف من ذكرنا (العلماء والكتاب) ولكن لهم قوى بدنية تمكنهم من العمل الشاق فيبيع هؤلاء قدراتهم البدنية ويدعون ثمنها أجوراً، فيما يدعون هم عمالاً ".
ولعل من أهم أفكار أفلاطون التي تثير الانتباه وتميزها عن أراء غيره من فلاسفة عصره وتميزه أيضاً عن فلاسفة الشرق. هو رأيه بدور المرأة في المجتمع أو بما يسمى بشيوعية أفلاطون.
وأفلاطون الذي يقدر دور المرأة في الإنجاب، ولكنه لا يعتبر ذلك سبباً في إضعاف دورها الاجتماعي، فهو يدعو إلى " ضرورة تهذيب النساء وتدريبهن كالرجال، ويفصل الأولاد عن والديهم ليربون في معاهد خاصة تنشئها الحكومة" ثم انه لا يمانع، بل يدعو إلى استخدام النساء في عمل الرجال ولكن مع ضرورة تأهيلهن لهذه المهام كالرجال".
ولكن الأستاذ سباين يعلق على رأي أفلاطون " وغني عن البيان أن هذا الكلام ليس بحال دفاعاً عن حقوق الإنسان، بل هي مجرد خطة أريد بها تعبئة جميع الموارد الطبيعية لخدمة الدولة" ويستطرد سباين في توجيه النقد إلة شيوعية أفلاطون " وشيوعية أفلاطون تتخذ شكلين أساسيين:
الشكل الأول: تحريم الملكية الخاصة على الحكام سواء كانت منازل أو ارض أو مال وجعلهم يعيشون في معسكرات يتناولون الطعام المشترك،
الشكل الثاني: إلغاء الزواج الفردي ألدائمي".
والشيوعية في جمهورية أفلاطون تنطبق على فئة الحراس وحدها(المواطنون من العسكريين والحكام) في حين يحق للصناع الاحتفاظ بأسرهم ومالهم من أملاك وأزواج. ولا يفسر أفلاطون الترقي بين الدرجات فهو " لم يكلف نفسه مشقة التبسيط في تفصيل خطته ! " و " أمر لا يصدق أن أفلاطون كان يقصد إلغاء نظام عالمي للرق".
وتبلغ غرابة أفكار أفلاطون الذروة عندما يوجز هدفه قائلاً " إذا أريد انتظام الدول أفضل انتظام، وجب تقرير شيوعية النساء والأولاد والتهذيب في كل فروعه، وكذلك في شيوعية المناصب في حالتي السلم والحرب، وأن يكون الملوك ممن أظهر أعظم مكانة في الفلسفة واشد ميل إلى الحرب ".
ومن أراء أفلاطون الاجتماعية " صلة الزواج الدائمي من زوجة واحدة" غير أنه يناقض نفسه في مواضع أخرى ! . والسماح بالملكية الخاصة ووضع شروط من اجل الانتفاع بها، وحدد عدد المواطنين بخمسة آلاف وأربعين فرد واشترط تقسيم الأراضي فلا يقوم بها إلا الرقيق. ويحرم أفلاطون على أي مواطن أن يتملك شخصياً تزيد قيمته على أربعة أمثال قيمة قطعة من الأرض ويحرم أخذ الفائدة وتحريم حيازة الذهب والفضة"
ولأفلاطون أراء مشابهة لأراء فلاسفة بلاد الرافدين، فتراه يتحدث عن حكمة الشيوخ وقوة الشباب، ونعلم وجود مجلس للشيوخ وآخر للشباب في بلاد الرافدين.
ـ التعليم:
لا يثير الاستغراب أن نعلم بميل أفلاطون على الدراسة والتعليم وهو الذي يعتبر أن الخير هو فقط المعرفة الصحيحة ولا سيما إذا علمنا أن " تحقيق مستوى دراسي طيب لم يكن ميسوراً للجماهير أو للرأي العام".
وأفلاطون في جميع مبادئه يوحي بأيلاء الحكماء والفلاسفة والعلماء والدارسين مقاليد الأمور والوظائف العامة، وهو بنفسه كان قد أسس مدرسة للفلسفة في أثينا، ما لبثت أن تطورت على يد تلميذه أرسطو" فالتعليم كان مهماً عند أفلاطون، وهي عنده الوسيلة الإيجابية التي يستطيع بها الحاكم تكيف الطبيعة البشرية على النحو الكفيل بإيجاد دول متجانسة، فإذا صلح تعليم الموظفين استطاعوا في يسر أن يتبينوا حل الصعوبات التي تعترضهم" .
ونلاحظ أن التربية والتعليم عند أفلاطون نظاماً وليست قضية إيصال معلومات، بل هو يربط صحة العقل بصحة البدن والنفس وذلك أرقى مذاهب أفلاطون في التربية والتعليم إذ يقول عن الموسيقى" من حسنت ثقافته الموسيقية، فله نظر ثاقب، ومن تبين هفوات الفن وفساد الطبيعة، يفندها ويمقتها مقتاً شديداً ويهوى الموضوعات الجميلة ويفتح لها أبواب قلبه فيتغذى بها، فينشأ شريفاً صالحاً" هذا في مجال تربية النفس بالموسيقى، أما عن صحة البدن، فيقول " للرياضة البدنية المقام الثاني في تهذيب شبابنا".
ـ القانون:
لم تكن أي من مفاهيم أفلاطون عرضة للاهتزاز والتردد كما كان موقفه من القوانين. وقد مجد أفلاطون العدل دون شك تمجيداً لا يماثله اهتمام من الفلاسفة الآخرين، حتى أنه عبر عن آراؤه انطلاقا من مبدأ " أن الحكومات تستمد سلطانها العادل من رضا المحكومين".
وتصاعدت أهمية القانون في فكر ودولة أفلاطون مع تقدمه في السن والتجربة والنضج، ولكن تمجيده للعلم وإجلاله للعلماء والفلسفة والفلاسفة جعلته لا يحسم موقفه بصفة نهائية حيال سؤال مهم يلوح أمام أنظار دارسي الفكر والفلسفة الأفلاطونية، والسؤال هو:
أدولة فلاسفة نبغي أم دولة قوانين ؟ ....
ذلكم هو السؤال الذي لم يجب عنه أفلاطون بصفة حاسمة، ولكنه(أفلاطون) وهو الذي يصحح آراؤه ويعدلها غالباً أصيب بخيبة أمل بعد تجربة حكم سراقوسة، حيث توقع أن يجد دولة مثالية يحكمها ملك فيلسوف حيث قال وهي ذروة ما كتب إجلالاً لدولة القانون " لا تدعو صقلية ولا يأتي مدينة حيثما كانت تخضع لسادة من البشر، بل لقوانين، ذلكم هو مذهبي ".
ولكن أفلاطون يتراجع ويعدل نظريته هذه قائلاً " الحكم الحقيقي حيث نجد الحكام متمكنين من العلم وليست عليهم سيماؤه فقط، وسواء ذلك أحكموا بالقانون أم بغير القانون، سواء رضي رعاياهم أم لم يرضوا "! .
ويتوصل أفلاطون في مسيرته الفكرية والفلسفية وتطور فكره السياسي، إلى مبدأ مفضل لدى الكثير من المفكرين، حتى بين علماء العصور اللاحقة، وهو مبدأ الدولة المختلطة، أي الأخذ بمبدأ التوازن بين القوى والجمع بين عدة مبادئ وعن ذلك يقول الأستاذ سباين " وهكذا يكون الاستقرار ناتجاً عن تعارض القوى السياسية(وهو مبدأ فصل السلطات الذي تطور فيما بعد على أيدي فلاسفة عصر النهضة)، أما أفلاطون، فالدولة المختلطة لديه هي التي أوضح معالمها في كتابه(القوانين) من حيث أنها جمعت بين مبدأ الحكمة في النظام الملكي ومبدأ الحرية في النظام الديمقراطي.
وإذا كان لنا من كلمة أخيرة عن مكانة وأهمية فكلا أفلاطون، فإننا نؤشر أن أفلاطون بدأ حيث أنتهي أستاذه سقراط ومذهبه القائل: الفضيلة هي العلم بالخير، كان منطلقاً لمباحثه السياسية، وأن مؤلفات أفلاطون تكمل أحداهما الأخرى في نضج الرؤية السياسية، بل أننا نلاحظ ذلك حتى في المؤلف الواحد، فالآراء ليست متسقة حتى ضمن الكتاب الواحد(الجمهورية مثلاَ) الذي استغرق تأليفه عدة سنوات ! ، ومن ذلك نلاحظ حيرته الشديدة، بل أنه لم يتوصل إلى حل نهائي وحاسم، أدولة قانون أم قانون أم دولة الملك الفيلسوف ؟ حتى أنتهي أخيراً إلى نتيجة غير حاسمة، بل أنه ذكرها وكأنه ينوء تحت ثقل سؤال لم يجد له حلاً، ثم عاد إلى فكرة الملك الفيلسوف وهكذا....
ولكنه حقاً ابتدأ حيث أنتهي سقراط في وضع أبعاد إشكالية مهمة عن نظرية الدولة وطبيعة مجتمع المدينة الصغير البسيط، لكنه توصل في إطار تبادل مشترك للخدمات تنمو فيه القدرة الإنسانية حتى تبلغ حد إشباع المطالب الشخصية وتحقق أسمى طراز للحياة الاجتماعية.
----------
يتبع
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
20-12-2011 / 12:54:44 عثمان