د- أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10537
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
"عاتكة بنت زيد ابن عمر" صحابية حسناء جميلة ذات خلق بارع من المهاجرات إلى المدينة تزوجها "عبد الله ابن أبى بكر الصديق " رضي الله عنهما، فعشقها وأحبها حبا شديدا حتى شغلته عن الحضور للمسجد، وقيل أقعدته عن الجهاد، فأمره أبوه أن يطلقها، فطلقها، لكنه حزن عليها حزنا شديدا، فرق قلب أبوه له وأمره بمراجعتها، فراجعها، وأقسمت له ألا تتزوج أحدا من بعده، ولما خرج إلى غزوة الطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصابه سهم ومات في المدينة، فبكته عاتكة ورثته في أبيات عبرت فيها عن شدة كربها وحزنها ووفائها لقسمها له بعدم الزواج من بعده. طلب منها عمر ابن الخطاب الزواج وهو ابن عمها وأفتاها في يمينها وأرسل إليها عشرين دينارا لتكفر بها عن قسمها لزوجها بألا تتزوج من بعده، فتزوجته، ولما استشهد عمر تقدم إليها "على ابن أبى طالب " رضي الله عنه للزواج، وكان قد لامها من قبل على عدم وفائها لزوجها الأول، فقالت له:" إني لأضن بك عن القتل "، فتقدم إليها طلحة ابن عبيد الله، فتزوجته.
أين ذهب حبها وقسمها لزوجها الأول بألا تتزوج من بعده ؟ لقد ذهب الحب مع وفاته.
لكن "عبد الله ابن أبى بكر" نفسه، الذي أحب عاتكة حبا شديدا أحب " ليلى ابنة الجودى" التى قيل عنها أنها ابنة ملك دمشق ، وفضلها على نسائه، ولما لامته " السيدة عائشة " رضي الله عنها ، قال لها معبرا عن عشقه لليلى : " كأنى أرشف بأنيابها حب الرمان" ، فلما أصيبت ليلى بمرض في فمها جفاها وتركها. فأين ذهب حب عبد الله ابن أبى بكر لليلى؟ لقد ذهب مع مرضها في فمها.
هاتان القصتان اللتان رواهما "ابن الجوزى" بغض النظر عن صحتهما ونسبتهما إلى أصحابهما ،تكشفان لنا عن قاعدتين هامتين في مسائل الحب أشار إليهما ابن الجوزى نفسه :
الأولى:" أن المحب إذا مات عنه محبوبه، ( قد) يميل عنه وينساه بأسرع مما كان، حتى وإن كان يحبه، وخاصة إذا فضل عنه محبوبا سواه ".
الثانية:" أن المحب مع حبه وعشقه لمحبوبه ( قد) يمله ويعرض عنه، إذا ظهرت له عيوبه". ووضعنا هنا كلمة ( قد) بين قوسين، لأن هاتين القاعدتين قد تتحولان إلى استثناء، إذا تمعنا في موقف " نائلة بنت الفرافصة" الخطيبة الشاعرة الشجاعة
ذات الرأى زوجة أمير المؤمنين " عثمان ابن عفان". فحينما دخل المصريون على عثمان وضربه أحدهم بسيفه، ألقت نائلة نفسها على عثمان، وحينما تقدم آخر وضربه في بطنه أمسكت بالسيف فتقطعت بعض أصابعها، فخرجت تستغيث وفر القتلة، فذهبت إلى المسجد وخطبت خطبة طويلة، ثم كتبت إلى معاوية وأرسلت إليه قميص عثمان مضرجا بالدم ومعه بعض أصابعها المقطوعة. ولما سكنت الفتنة، خطبها معاوية، فرفضت وحطمت أسنانها وأرسلتها إليه، وقالت :" أذات عروس ترى؟" ثم قالت قولتها الشهيرة:" إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى السيف، وأخاف أن يبلى حزنى على عثمان، فيطلع منى رجل كما اطلع عليه عثمان".
هذه القصص الثلاث تمثل نماذج لحقيقة علاقات الحب بغض النظر عن أصحابها، وما نسب إليهم. وسواء أكانت تمثل قاعدة أم استثناء فلا يدرى أحد أيدخل هو ومحبوبه في دائرة القاعدة أم في دائرة الإستثناء ، ويلزمه حينئذ أن يخرج من هاتين الدائرتين ويدخل تحت القاعدة الكبرى التى مؤداها:" لا عيب في أن يحب الرجل زوجته بل ويعشقها، أو أن تعشق الزوجة زوجها، إنما العيب هو أن يشغل هذا الحب عن محبة ماهو أنفع ، من محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يزاحم هذا الحب بين الزوجين محبتهما لله ورسوله . إن كل محبة تزاحم محبة الله ورسوله بحيث تضعفها وتنقصها هي محبة مذمومة، أما إن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهي محبة محمودة
-------------
الدكتور أحمد إبراهيم خضر
دكتوراه فى علم الإجتماع العسكرى
عضو هيئة التدريس السَّابق بجامعات القاهرة ،و الأزهر ، و أمِّ درمان الإسلامية ، و جامعة الملك عبد العزيز .