(349) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية
د- أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6219
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلاة وسلاما على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليسمح لى الأساتذة الأفاضل بأن أنحو منحى جديدا فى كلمة "هيئة الإشراف" على الرسالة، فسأقسمها إلى ثلاثة أقسام : أتحدث فى القسم الأول عن الحالة التى جاءنى بها الباحث ، والحالة التى صار إليها الآن . وسأتحدث فى القسم الثانى عن بعض إفرازات تجربتى الإشرافية معه . أما القسم الثالث فسأتحدث فيه عن المزايا التى يتمتع بها الباحث ، وهى التى سأختم بها المناقشة.
القسم الأول: الحالة التى جاءنى بها الباحث ، وما الذى انتهى اليه بعدها.
1- جاءنى الباحث وكغيره من الباحثين فاقدا لأهمية ربط النظرية بالجانب الميدانى ، اقترحت عليه فى البداية نظرية التعلم ،فوافق وجمع مادتها العلمية،ثم عدلت عن رأيى ،ورأيت أنه عار علىّ ، أن أدعى أننى مسلم وأستاذ فى جامعة الأزهر، أن أوجه الباحثين الين أشرف عليهم إلى الانطلاق من فكر غربى فى دراساتنا فى مسألة من أهم المسائل التى جاء بها الإسلام من أجل تعديلها وإصلاحها.كان أساتذة حلوان الذين يحضرون السمنارات الخاصة بالقسم يقولون لنا :"لا فرق بين الخدمة الاجتماعية فى مختلف الجامعات والمعاهد وبين الخدمة الاجتماعية فى جامعة الأزهر ذلك لأن بصمات الأزهر لا أثر لها فى بحوث ورسائل طلابه". كان الباحث قد صمم مقياسا من عنده وانطلق الى تحكيمه فى جامعة حلوان دون الرجوع إلى،فعاتبته فاعتذر ،وبرر تصرفه .وبدأت معه وضع مقياس جديد استغرق اعداده عدة شهور .
وضعت للباحث مقياسا أسلاميا بحتا عن المهارات الحياتية يستند فى كليته إلى أحد المراجع الهامة فى السنة النبوية ، وهو كتاب :"الأدب المفرد للإمام البخارى"، ودربت الباحث كيف يستخرج عبارات المقياس مستندا إلى هذه الأحاديث. ونجح الباحث فى ذلك نجاحا كبيرا .
2- جاءنى الباحث وفى ذهنه تشوش وخلط بين الاستبانة والمقياس، وانتهى به الأمر الى أن عرف أن المقياس هو مجموعة إجراءات يتم بواسطتها التعبير عن سلوكيات معينة بلغة الكم وفق معايير محددة، أما الاستبانة فهى مجموعة من الأسئلة المتسلسة المترابطة التى لا تحتاج إلى أبعاد يتطلب القياس فيها أن تكون مرتبطة بمحاور معينة . الاستبانة مجموعة منظمة من الأسئلة لجمع المعلومات و تحليلها بغرض اتخاذ إجراءات أو إصدار أحكام أو اتخاذ قرارات بهدف التطوير و التحسين . المقياس ذو البعدين القبلى والبعدى هو الأداة الأصل فى التدخل المهنى ، أما الاستبانة فلا تصلح فى بحوث التدخل المهنى ،لأنها تستخدم للوقوف على الاتجاهات، والآراء ، والتوقعات ، والأولويات ، والتفضيلات، والتغير فيها . وهذا هو المعيار الحاسم فى التفرقة بين المقياس والاستبانة.
3- جاءنى الباحث وهو يعتقد أنه ليست لديه أية مشكلة فى التحليل الاحصائى ، وأن علىّ أن أطمئن من هذه الناحية .سألت الباحث :أى نوع من الاحصائيات ستستخدمه فى بحثك : البارامترى أو اللابارامترى. فأجاب بدون تردد :البارامترى ، فقلت له : هذا خطأ لأن العلوم الاجتماعية لا يصلح لها إلا الاختبار اللابارامترى، حيث يصعب توافر أهم شروط هذا الاختبار البارامترى ، وهى الاعتدالية، والتجانس .ويستخدم هذا النوع من الاختبارات عادة فى حالة كبر حجم العينة ، وعينة الباحث صغيرة ، كما يستخدم أيضا فى حالات القياس الفترى والنسبى . وهذا لايصلح مع الباحث لأنه لا يستخدم هذه القياسات .
4- جاءنى الباحث وهو لا يعرف الفرق بين نوعى الإحصاء الرئيسين اللذين سيستخدمهما فى بحثه وهما ، الإحصاء الوصفى Descriptive Statistics والإحصاء الاستدلالى Inferential Statistics، فأعلمته أن النوع الأول يختص بتبويب البيانات والمعلومات ووصفها وتلخيصها ،وعمل الرسوم البيانية الخاصة بها، إلا أنه لا يقدم لنا دلالات معينة أو يسمح بوضع استنتاجات وتعميمات وتنبؤات من تلك البيانات والمعلومات كما يفعل الإحصاء الاستدلالى ، وهذان النوعان هما الأصل فى تحليله الإحصائى.
5- جاءنى الباحث وهو لا يعرف إلى أية فئة تنتمى العينة التى اختارها ،هل هى عينة احتمالية ام غير احتمالية ،ولا يعرف حتى ما هما ، فعلمته أنه لا بد أن تكون عينته احتمالية بمعنى أنها تخضع لشرطى التمثيل والعشوائية ، وعلمته كذلك كيف يحدد حجم عينته احصائيا ، فطبق ذلك ، وحقق شرط التمثيل فى عينته باستخدام الطرق الاحصائية فمثل فى العينة طلاب كل سنوات مدرسة التعليم المهنى ،وكذلك الطلاب المسيحيون بنفس نسبة عددهم فى المدرسة . مع احترامى لوجهة النظر الرافضة لتطبيق مقياس اسلامى على عينة من التلاميذ المسيحيين .
6- جاءنى الباحث وهو يعتقد اعتقادا جازما أن أنسب الاختبارات لعينته هو اختبار(ت) وأن اساتذته مجمعون على ذلك ، فقلت له : اذهب اليهم وقل لهم أن الاختبار الإحصائى المناسب يتوقف على الاجابة على أربعة أسئلة هى :
أ- ما عدد العينات المستخدمة فى البحث؟
ب- هل العينات مستقلة أو مترابطة؟
ت- ما نوع البيانات الخاصة بالبحث؟
ث- ما نوع التصميم التجريبى الذى يستخدمه الباحث؟
وكل هذه الأسئلة لم يكن لدى الباحث أجابات عليها. كان الباحث يظن أن عينته عينة واحدة ، فاعلمته أنه أخطأ فى ذلك ،لأنه يتعامل مع عينتين مترابطتين وليس عينة واحدة.لم يكن الباحث يعرف أيضا نوع البيانات التى يستخدمها فأعلمته، أن البيانات على ثلاثة أنواع هى الاسمية(لا تدل على كم أو مقدار) والرتبية (كم لا يشار إليه بعدد أى قيم منفصلة كدرجات الطلاب أو تقديراتهم) والفترية (عدد يدل على كم أو قيم متصلة كما فى الاختبارات والمقاييس النفسية) . لم يكن يعرف الباحث أن بياناته بيانات اسمية ورتبية. والخلاصة هنا هو أن طالما أن التصميم التجريبى للباحث هو مجموعة واحدة ذات اختبارين قبلى وبعدى ،بمعنى انهما عينتان مترابطتان ، وطالما أن بياناته اسمية ورتبية ، فإن أنسب الاختبارات الاحصائية له هو اختبار "ولكوكسن" او "اختبار الإشارة" ، وذلك لأن اختبار (ت) لا يصلح إلا للعينة الفترية .وأوجه انتباه الباحثين ، إلى أن علماء الإحصاء وضعوا جدولا خاصا يوجههم مباشرة إلى انسب المعالجات الإحصائية لبحوثهم وما عليهم إلا الاسترشاد به.
7- لم يكن الباحث يحرص على اعطاء رسالته شكلا حديثا باستخدام أشكال التمثيل البيانى كالمدرج التكرارى والخط البيانى والأعمدة والدائرة ، وانتهى الى اقتناعة باستخدام الدائرة كشكل بيانى كما هو واضح فى الرسالة بالألوان.
8- جاءنى الباحث وليست عنده فكرة عن أهمية برنامج الاكسل فى تحليله الإحصائى ، وطلبت منه الحصول على دورة الإكسل ، وحصل على هذه الدورة بالفعل ، واستفاد منها كثيرا فى تحليلاته لبياناته. وهذه واحدة من مزاياه أدرجناها هنا رحمة به.
القسم الثانى :افرازات تجربتى الإشرافية مع الباحث
هناك أربع عبارات يستخدمها الباحثون يستفزون بها الأساتذة ، وأنصحهم ألا يستخدموها هذه العبارات:
العبارة الأول : " يا دكتور أنا جبت آخرى" : وهو مصطلح يقول به الباحث إذا ضََغط عليه المشرف وطلب منه المزيد ، وكلما انتهى طلب منه المزيد أيضا. والرد على ذلك ببساطة " الدراسات العليا ليست نزهة . وانما هى معاناة ،وجهد ،ومشقة ثمرتها فى النهاية أن الجامعة ستمنحك رسميا لقب "دكتور" وستمنحك "العالمية" ، فإذا لم تكن أهلا لذلك فاترك هذا الطريق لمن يقدر عليه ، ويكفيك شهادة البكالوريوس ،وأن تكون مجرد موظف قابع فى دواوين الحكومة تشترى الجريدة فى الصباح وأنت ذاهب إلى العمل ، لتقرأها على مكتبك مع ساندوتش الفول ، وتعود بها وأنت عائد إلى منزلك تلف بها بعض الفاكهة التى تشتريها لأبنائك.
العبارة الثانية :" يادكتور كلما انتهيت من شيئ تعدله وتأتى لى بشيئ جديد ، اننى لن أناقش مطلقا بهذه الصورة ". والرد على ذلك :نعم على الباحث أن يعدل مرة ،وثانية ،وثالثة إذا عنّ للمشرف أن الجديد أفضل من القديم ، وإذا ما اكتشف المشرف تقدما علميا ومنهجيا جديدا من حقه أن يوقف القديم ، ويطلب من الباحث الالتزام بالجديد. وأستشهد فى ذلك بما جاء فى رسالة القضاء لعمر ابن الخطاب الشهيرة لأبى موسى :"لا يمنعنك قضاءَ قضيتَه بالأمس ثم راجعت نفسك فيه اليوم ،فهُديت لرشدك أن تراجع فيه الحق ، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل" .
العبارة الثالثة : " يا دكتور أنت أستاذ وأنا مجرد باحث أحبو فى أول الطريق فلا تتعامل معى بنفس مستواك ". الرد على ذلك ، وماهى مهمة ألمشرف إذن ؟ انها أن يرتفع بتلميذه شيئا فشيئا ،وأن يأخذ بيده فقد يصل به إلى مستواه بل قد يفوقه . وأتذكر كلمة قالتها لى أستاذتى الدكتورة "حكمت أبو زيد" يرحمها الله وأنا فى العشرينيات من عمرى ، وكل جيلى يعرف شدة وصرامة الدكتورة حكمت :" لقد فطمتك الآن ، وعلمتك كيف تسبح ، فانطلق ، وأعرف أنك تستطيع ذلك"، ولهذا فأنا أفتخر وقد قارب عمرى على النفاذ ،ورصيدى على الانتهاء ،وأوشكت على اللحاق بها ،أفتخر بأنى تلميذها ، وعشت تحت مظلتها ما يقرب من أربعين سنة ، ولكن يبدو أن هذا الزمن القديم الجميل قد ولى ولن يعود.
العبارة الرابعة : " يا دكتور ، كلهم يناقشون ، لماذا انت الذى تعقد الأمور، إن فلانا ، وفلانا ، وغيرهم ناقشوا قبلى بسنوات ، فلماذا تتعنت معى " : وأرد على ذلك مكررا ما نشرته على موقعى :" أنا لا أسلق بيضا"، وهذا درس علمتنى إياه الدكتورة حكمت أبوزيد أيضا . ومن العجيب أن الذى قيلت فى حقها هذه الكلمة ، تجدها اليوم أستاذة تظهر على شاشات التلفزة والفضائيات ، وكل ما تقوله هو "إعادة صياغة ما يفهمه كل أحد بطريقة لا يفهمها أى أحد".
العبارة الخامسة : " يا دكتور : دعنا ننتهى من الرسالة وسأقوم لاحقا ، بتعديل ما تريده مع ملاحظات الأساتذة بعد المناقشة ، فقط ننتهى منها الآن " . أقول ردا على ذلك : " أشد ما يؤلم المشرف ويحز فى نفسه ، أن يثق فى أحد باحثيه ، ويعلق عليه الآمال ،ويقدم له خلاصة علمه وخبرته ، ويتعامل معه فى الإشراف بما يرضى الله عز وجل ، ثم يفاجأ بتمرد الباحث ، وتعجله ،وحرصه على سرعة المناقشة للحصول على الشهادة ليس إلا. وهذا الموقف هو السبب فى كل الأخطاء التى وقع فيها الباحث التى أشار إليها الأساتذة المناقشون ،وقد رفعت يدى عنه بعد أن تمرد وتعجل ، ولم أراجع معه شيئا تألما وحزنا ،فكانت هذه الأخطاء هى النتيجة،وكم صدمت وأنا أقرأ صفحة الشكر، فوجدتها مليئة بالأخطاء ، لكننى حمدت الله على ذلك ، على أمل أن تظل علامة بارزة للباحث ليرى ثمرة تمرده وتعجله ، وليعرف لماذا كانت حرقة قلب أستاذه على خروج مولوده الأول فى جامعة الأزهر فى صورة مشوهة.
القسم الثالث :مناقب الباحث
انطلاقا من قوله تعالى :"ولا يَجْرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى" المائدة:8 ، أرى أنه من العدل والإنصاف أن نعدد مناقب الباحث "مزاياه وإيجابياته".لعلها تمسح من ذاكرتى ، موقفه الأخير، وهى على النحو التالى
أولا : يتمتع الباحث بأخلاق طيبة ، ودماثة خلق ،وحساسية شديدة فى التعامل مع أساتذته .وأنا اعتبره صورة مشرفة لأبناء أسوان وهى الصورة التى انطبعت فى أذهان كل المصريين لعقود عديدة ، ولم تلوثها إلا الأحداث المؤسفة الأخيرة التى حدثت فى "السيل" وهى ذات المنطقة التى يسكن فيها الباحث.وقد كان الباحث نفسه فى مأزق شديد بسبب اسمه الذى من المفترض أنه يمثل وحدة بين القبيلتين المتعاركتين ،لكنه كان من الممكن أن يكون سببا فى قتله ، ولهذا كان يرجونى أن يناقش رسالته قبل أن يموت.
ثانيا : كان الباحث مطيعا ، ومنفذا بدقة لكل ما أطلبه منه من تعديلات ، ولم يكن يجادل إلا رغبة فى التعلم ، وقد كان حريصا على ذلك بشدة، وهو أمر يحمد له .
ثالثا : من مواقف الباحث المشرفة أنى قلت له بعد أن أخبرنى أنه يستطيع أن يقوم بالتحليل الإحصائى اليدوى بنفسه : أن التحليل اليدوى أصبح اليوم أحد علامات ضعف الرسالة وضعف الباحث ، وأنا لن أقبل بغير التحليل وفقا لبرنامج SPSS .ففوجئت بأن الباحث اتصل بكلية الخدمة الاجتماعية بحلوان ،والتحق بأول دورة فى هذا البرنامج وكان يأتى من أسوان للقاهرة لحضور هذه الدورة ، كما قام بالتأكد من صحة التحليل الإحصائى عن طريق أساتذة الخدمة الاجتماعية بحلوان وقنا.وقد قلت سابقا ، انه نفذ تعليماتى له بالحصول على دورة الاكسل.
رابعا : من مزايا الباحث أيضا ، أنه بعد أن انتهى من طبع الرسالة ،طلبت منه أن يعيد صب كل ما كتبه من مادة علمية وفق نموذج جديد ارتأيت أنه أفضل النماذج الحديثة التى تتعامل مع التدخل المهنى فى الخدمة الاجتماعية،وقد قمت بصياغة هذا النموذج مستفيدا من جهود الأستاذة الدكتورة نظيمة سرحان الأستاذة بكلية الخدمة بحلوان ، فقام الباحث بذلك ، ونفذه بحذافيره ، وأعلم أنه قد تضجر ، لكنه لم يظهر لى ذلك. والمهم أنه نفذ ما طلبته منه ، وهذا أمر يحمد له. وقد نشرت هذا النموذج على موقعى ،واستشرت زملائى فيه فأثنوا عليه . والذى لا يعرفه الباحث أنه منذ نشرهذا النموذج فى 31مايو2014 وحتى اليوم أى 6/8/2014 تصفحة أكثر من سبعمائة وسبعين باحثا مهتمين بقضايا التدخل المهنى.
ختاما أكرر شكرى لأعضاء المنصة :الأستاذة الدكتورة نورهان منيرالأستاذ بمعهد الخدمة الاجتماعية ببنها ،والأستاذ الدكتور محمد عبد الرازق خالد رئيس قسم الخدمة الاجتماعية وتنمية المجتمع بكلية التربية بجامعة الأزهر ،والأستاذ الدكتور محمد النحراوى ، كما أثمن حضور الأستاذ الدكتور سمير عبد العظيم العميد السابق لمعهد الخدمة الاجتماعية ببنها، والأستاذة الدكتورة سحر مبروك ، والأستاذ الدكتور عادل رضوان ، كما أوحه كلمة شكر للحاضر الغائب الأستاذ الدكتور ماجدى محفوظ الذى شاركنى فى الاشراف على الرسالة قبل إعارته خارج مصر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د احمد ابراهيم خضر
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: