(375) مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر
د أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5692
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كلمة الترحيب
--------
بسم الله الرحمن الرحيم،وصلاة وسلاما على نبينا محمد،وعلى آله وصحبه وسلم.
لتسمح لى هيئة المنصة الموقرة، بقدر من الوقت لا يزيد عن ساعة واحدة.
اليومُ يومُ عرس،نَزُف فيه بعد غيبة طويلة لحفلات الأعراس فى القسم،العريسَ السادس.
بدأت حفلة الأعراس الجماعية هذه بجلال مجاهد ،فمعاذ ،فإسلام رشاد ،فمحمد حسنى الجمل،فعبد الفتاح عمر،فمصطفى محمود ،وأخيرا حازم عيد.
وفى كل حفلة عرس من هذه الحفلات؛نسعد بكوكبة من الأساتذة الأفاضل من مختلف كليات ومعاهد الخدمة الاجتماعية فى مصر.لكن حفلة العرس اليوم؛تتميز بأن ضيفنا فيها أستاذ شاب متميز من أساتذة جامعة الفيوم هو الأستاذ الدكتور "صلاح هاشم"
عرفت الدكتور صلاح هاشم منذ عشر سنوات تقريبا،وسعدت بالإشراف معه على لجان الاختبارات فى كلية الخدمة الاجتماعية فى الفيوم.
لمست في الأستاذ الدكتور صلاح هاشم طاقة ؛وحيوية؛ونشاطا؛وتفتحا؛وعلما؛وأخلاقا.لم أكن أتوقع أن الله سيجمعنى به هنا فى هذا المكان بعد هذه الغيبة الطويلة،لكن سعادتى اليوم به هى عرس لى أنا شخصيا.إن رؤيتى اليوم له ؛أعادتنى شابا رغم أنى أدخل تحت قائمة العجائز.
أهلا بالدكتور صلاح هنا فى رحاب جامعة الأزهر . أدعو الله لك بأن يمن عليك بالعفو والعافية ؛وأن يحفظك من بين يديك؛ومن خلفك؛وعن يمينك؛وعن شمالك؛وأن يعافيك فى بدنك؛وفى بصرك؛وفى سمعك؛وأن يجعل يومك هذ الذى شرفتنا فيه أوله صلاحا كإسمك؛وأوسطه فلاحا كما هو فى مناقشتك؛وآخره نجاحا وتوفيقا للباحث بإذن الله؛وأن يرزقك الله صحة فى إيمان؛وإيمانا فى حسن خلق؛ومغفرة منه عز وجل.
أما أخى الأستاذ الدكتور محمد عبد الرازق خالد ؛الذى شرفت اليوم ،وقبل اليوم باختياره لى لمناقشة أحد تلامذته؛فليسمح لى بتكرار كلمات قلتها فى حقه أثناء تكرمه بالموافقة على مناقشة رسالة دكتوراة لإحدى الباحثات الشهيرات التى كنت أشرف عليها .
قلت يومها:" الكل يعرف أنى أحب الدكتور محمد عبد الرازق ، ولا حيلة لى فى ذلك،فالقلوب معلقة بين إصبعين من إصبع الرحمن ،يحركها كيف يشاء.ودعونى أقول فيه كلمة حق،حتى وإن كانت طويلة،ومشوبة بالغزل. الأستاذ الدكتور محمد عبد الرازق شخصية إنسانية مضيئة. يتمتع بحب زملائه وأبنائه من الباحثين،يضفي السعادة عليهم،يتفاعل مع مشاكلهم،يقدر أحاسيسهم.إحساسُه بالمسئولية فطري من داخله؛ودود ،عطوف،عفيف ،أمين ،مرن ،تلقائي عفوي، لطيف المعشر،طيب القلب،خفيف الظل،ضميره حي،لا يخون أبداً. متواضع،لا يحب السيطرة على الناس،يحب الدين ،والأصول،والثبات في الأمور.
عاصرته حينما كان رئيسا للقسم،فشهدت له بأنه ينجز الأعمال بهدوء،وتروٍّ،وعدم استعجال.يعمل بلا كلل ولا ملل،يتحمل الألم والضغط.رأيته فى أشد حالات انفعاله وغضبه،يهدد ويتوعد حتى أعتقد أن الدنيا قد قامت ولم تقعد؛وماهى إلا لحظات حتى يعودَ إلى وضعه الطبيعى وكأن شيئا لم يكن .حفظه الله ورعاه.
أما عن الأستاذ الدكتور "ابراهيم حجاج" فأقول :إن مناقشة رسالة مع الدكتور "ابراهيم حجاج" بالذات أو مزاملته فى الإشراف؛لها مذاق خاص.فهو ليس زميلى فقط؛وإنما صديقى، وتلميذى،وأعتز بأن يكون ابنى. وليس لى إلا أن أدعو الله له بأن يصلح له فى دينه ،ودنياه،وفى معاشه،وآخرته،وأن يوسع له فى داره،وفى رزقه،وأن يحميه من القسوة،والغفلة،والذلة،والشقاق،والسمعة،والرياء،وأن يهبه رحمة من عنده يهدى بها قلبه ،ويجمع بها أمره،ويلم بها شعسه،ويحفظ بها غائبه ،ويرفع بها شاهده،ويبيض بها وجهه ،ويزكى بها عمله،ويلهمه بها رشده،ويرد بها الفتن عنه،ويعصمه بها من كل سوء.
أما عن الباحث فإنى أقدر تماما دقة الموقف الذى يعيشه.هو وكافة الباحثين.إنه موقف صعب،يعانى فيه الباحث من التوتر،والقلق،والخوف،والحرج أمام الحاضرين،من الزملاء ،والأهل،وبصفة خاصة من الزوجة،ولا أقول الأبناء لأن ابنته والحمد لله لا تعى ما يفعل فى أبيها الآن . لكنى أسأل الله أن تكون مناقشتى بردا وسلاما عليهم جميعا،ومهما قسوت عليه،فإن قسوتى لاتخرج عن كونها قسوة أب محب لأبنائه،يتمنى أن يستقيموا على الطريق ،بأحسن ما تكون الاستقامة.
هذا القلق والخوف الذى عاشه ويعيشه الباحث منذ أن عرف أنى سأناقشهحتى هذه اللحظة؛ ذكرنى بمقالة كتبتها منذ أربع سنوات ،ونشرتها على موقعى على شبكة الألوكة أشرت فيها إلى كلمات معبرة قالها أحد علماء المناهج وهى ":
"تتحول المناقشة في كثير من الأحيان إلى مناظرة بين طرفين غيرِ متكافئين؛ أحدهما: المناقش الذي يحاول استعراض عضلاته بصور مختلفة،ولا سيما إذا كانت المناقشة أمام جمهور،والآخر هو الباحث الذي يحاول الدفاع عن نفسه يائسًا.يطلب من الله السلامة؛فهو إن أجاد الدفاع عن نفسه؛ قد يُحرج المناقش فيخسر؛ وإن قصَّر في الدفاع عن نفسه؛فقد تُحسَب عليه نقطة ضَعفٍ؛ فيَخسر أيضًا!
وقد يستمر الممتحن في استعراض عضلاته بعرض الكثير مما تصيَّده من الأخطاء الحقيقية،أو المُتخيَّلة أمام الجمهور، مستمتعًا بتعذيب ضحيته.وقد يتجاوز الحدود؛فيكون سببًا في تعذيب من يحضر للاستفادة من المناقشة، أو ممن أتوا احتفاءا بالباحث
وأقول للباحث :هون عليك ياولدى؛أنا لست من هؤلاء الذين يستمتعون بتعذيب ضحاياهم من الباحثين،أو ممن يستعرضون عضلاتهم أمام الجمهور.
فالباحث يعرف كم أنا أحبه وأعزه وأقدره. إنه صعيدى أصيل،لم تبهره أنوار القاهرة وضجيجها،فلم يغير جلده ،ولا لهجته ،عندما تريده تجده ،جاد ،وخلوق،ووفى،صاحب قلب طيب ونفس أبية.
كما أود أن أطمئن الباحث،وزوجته،وأهله جميعا،وزملاءه،وأصدقاءه،وجميع الحاضرين ،بأن موقفى معه لن يكون موقف الممتحن ،وأقولها صراحة: أنه لو كان الأمر بيدى وحدى لأعطيته أعلى تقدير.
وليسمح لى أستاذى الدكتور عبد الرازق بأن استعير عبارته المألوفة،أننا نحن كأساتذة لو أعدنا النظر فى رسائلنا للماجستير، لما كنا راضين عنها.ولهذا آمل أن يكون هذا اليوم يوم فرح وسرور للباحث وأهله،وأن يخرجوا جميعا مجبورى الخاطر سعداء لانتقال عريسهم الذى - لا زال عريسا - من درجة المعيد إلى درجة المدرس المساعد.
-------------
حيثيات المناقشة
-------------
أنتقل الآن من كلمة الترحيب إلى حيثيات المناقشة.
أود أن أذكر أن الباحث قال لى فى الأسبوع الماضى: أنا أعرف أنك ستمدحنى فى البداية ،ثم ستنهال على نقدا وتجريحا.ولن أخيب ظنه،سأبدأ أولا فى امتداحه.
أمتدحه أولا : بأن أشيد بواحدة من أهم إيجابيات الرسالة وهى معقولية حجمها،فهى تقع فى حدود مائتى صفحة.ومن الطريف أنى أثنيت على صغر حجم الرسالة للباحث،وقلت له لو كانت فى حدود مائة صفحة كان أفضل،فقال لى بخفة ظله المعهودة :"ليست هناك مشكلة يا أستاذنا، اقرأ مائة صفحة فقط ،ولا تقرأ المائة الأخرى".
وهنا أقول لأستاذنا الدكتور محمد عبد الرازق أنى عدلت رأيى فى مسألة حجم الرسائل،بعد أن اطلعت على الاتجاهات العالمية الحديثة التى تشير الى أن عدد صفحات رسائل الماجستير يجب ألا يزيد عن مائة صفحة،بحد أقصى مائة وخمسين صفحة بما فيها صفحات العنوان،والشكر،والملخصات،والجداول،والمراجع والملحقات.
وجدت أنه فى جامعات البرتغال والبرازيل مثلا يتراوح عدد صفحات رسائل الماجستير من 30 الى 80 صفحة ، اما رسائل الدكتوراة فتتراوح ما بين 150 الى 250 صفحة.وفى الجامعات الالمانية يتراوح عدد صفحات رسائل الماجستير من 60 الى 100 صفحة. وفى كندا عدد صفحات رسائل الماجستير فى حدود مائة صفحة ايضا،ويزيد فى رسائل الدكتوراة عن مائتى صفحة.وفى فرنسا عدد صفحات رسائل الماجستير يكون فى حدود مائة صفحة او ما يعادل 400 الف كلمة.
أمتدحه ثانيا : لفصله مقدمة البحث عن مشكلة البحث.أما توجيهى له وللباحثين غيره فهو: أن مقدمة البحث لا تكتب بطريقة إنشائية كما فعل ويفعل الباحثون الآخرون،وإنما تكتب بالطريقة التى اتفق عليها علماء المناهج،وهى أن تعطى القارئ صورة مختصرة عن مضمون الرسالة،بحيث لو لم يقرأ تفاصيلها،لكفته هذه المقدمة.واشترطوا أن تضم المقدمة أحد عشرا عنصرا،ذكر منها الباحث عنصرا واحدا فقط ،وأهمل العشر الأخرى،وهذه العناصر على النحو التالى:
1-أن يعطى تعريفا مختصرا للمشكلة البحثية التى يسعى لإيجاد حل لها.
2-أن يقدم عرضا مختصرا لخلفية هذه المشكلة ،فى عالمها الحقيقى فى المجتمع.
3-أن يبين العلاقة بين المشكلة البحثية والمجال المعرفى الذى تنتمى إليه،ومجالات المعرفة الأحرى كعلم الاجتماع ،وعلم النفس ...وغير ذلك.
4-أن يقدم باختصار الفهم التاريخى للمشكلة بمعنى كيف كان الناس يفهونها فى الماضى والحاضر فهما خاطئا،وبيان الأسباب التى وراء هذا الفهم الخاطئ لها،وكيف أن هذا الفهم كان خاطئا.
5-أن يبين الآثار السلبية التى ستترتب على عدم حل المشكلة.
6- أن يبين الآثار الإيجابية التى ستترتب على حل المشكلة.
7- أن يوضح لماذا وقع اختياره على هذه المشكلة.
8-أن يبين كيف سيعمل على حل المشكلة بطريقة تختلف عن الآخرين.
9-أن يبين المعرفة الجديدة التى قد يضيفها البحث حول المشكلة البحثية،أو الطرق الجديدة لفهمها.
10-أن يحدد من هى الجهات التى ستسفيد من البحث.
11-أن يعرض أبواب وفصول البحث.
ركز الباحث على العنصر الأخير،وهو أبواب وفصول البحث فصول وترك العناصر الأخرى مكتفيا بفقرات إنشائية لا تقدم ولا تؤخر.
أمتدحه ثالثا :لالتزامه بقاعدة: "مقدمة واحدة ،وتمهيد وخاتمة لكل فصل".أما توجيهى له ،فهو أن كتابة التمهيد والخاتمة لها قواعدها المحددة،التى شرحتها له بنفسى فى جلسة خاصة،فهى ليست كما فعل الباحث ويفعل غيره من الباحثين بقولهم فى المقدمة الأكليشهات المعروفه "تحدثت فى الفصل السابق عن كذا،وسأتحدث فى هذا الفصل عن كذا"،وإنما أن يربط فصول الرسالة ببعضها على وجه شامل ،بسلاسة يجد فيها القارئ اتساقا بين بداية الفصل ونهايته وفق القواعد الخاصة التى شرحتها له.
وأمتدحه رابعا :لأنه حدد مشكلته البحثية التى يحاول إيجاد حل لها وهى الأخذ بالثأر،وأوجهه بأن ما يسمى بالسؤال البحثى أو المحورى أو المركزى غير موجود فى الرسالة.وأنا أعذره فى ذلك .إن السبب فى ذلك هو ما أسميه بـ "الجمرة الخبيثة" أو "البكتريا القاتلة" أو "الثالوث العقيم" .وهى "ما الواقع ؟ ما العقبات ؟ ما المقترحات ؟ .
لا حظت أن هذا الثالوث العقيم من الأسئلة؛يستخدم فى الخدمة الاجتماعية سواء هنا أو فى جامعة حلوان . وهذا فى تصورى خطأ كبير.لأن صياغة كل الرسائل بهذه الصورة تعنى أن البحث العلمى سيتجمد عند كشف الواقع ،وعقباته ،ووضع تصورات مقترحة للتغلب على هذه العقبات.أما المنهجية العلمية الصحيحة فى صياغة أسئلة البحث فتختلف عن ذلك اختلافا كبيرا.
شبه علماء المناهج الأسئلة أو الفرضيات بأنها بمثابة العمود الفِقرى فى الجسد،وشبهوا الدراسات السابقة والمناقشة بالدماغ ،وشبهوا سبب إجراء البحث بالأذرع ،وشبهوا المنهج والنتائج بالأرجل.وقالوا بوضوح :أن الأصل فى عملية البحث العلمى فيها هو الأسئلة أو الفرضيات، فأذا انهار العمود الفقرى؛ انهار الجسد كله ،لأن الأسئلة والفرضيات هى التى تربط الجسد ببعضه ،وتوجه البحث.وهذه هى أحد نقاط الضعف الأساسية فى الرسائل،وأؤكد أن الباحث معذور،وإذا سألته قال لك :"بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"
أسئلة البحث العلمى لا تتوقف عند حدود الواقع والعقبات والتصورات .هناك اثنا عشر نوعا من الأسئلة البحثية منها :أسئلة السبب ،وأسئلة تأثير العلاقة ،وأسئلة المقارنة ،وأسئلة تحديد العوامل ،وأسئلة الصفات والعمليات،وأسئلة الغرض والوظيفة ،وأسئلة الخصائص والسمات ،وأسئلة ارتباط الأشياء ببعضها ،وغير ذلك.ولا يقال أبدا أن ذلك لا يخص الخدمة الاجتماعية،ففى مثل هذا القول؛ قدح فيها لا تميزا وانفرادا.
أعتقد أن أعطيت الباحث حقه من المديح .وسأنتقل معه إلى ثلاث مراحل أخرى:هى مرحلة العتاب ،ثم اللوم ،ثم مرحلة أخيره أترك له هو تسميتها.
أما عن العتاب فهو عتابين الأول :سأسأل الباحث فيه سؤالا:
وهو:هل سمعت عن الدكتور أحمد جندب ؟
إنه رجل قانون ،وأستاذ جامعى ،وسياسى وعسكرىمعروف.
انظر إلى ما كتب عن هذا الرجل ،لأقول لك لماذا العتاب ،وما آثاره على رسالتك ؟
"هذا الرجل هو أبرز من كتب عن ظاهرة الثأر.وتعتبر دراسته من ألدراسات شديدة الندرة فى مجالها.وينظر إليها على أنها دراسة ميدانية واقعية كانت أول،وأكبر،وأوفى،وأشمل دراسة من نوعها، وفي موضوعها. قطع خلالها ما يزيد عن خمسة وثلاثين ألف كيلو متر على أرض اليمن أولاً؛ ومصر ثانياً؛ثم دول الأردن،والعراق ،والخليج العربي.
قام بدراسة النظم القبلية للقبائل العربية في الدول المذكورة،وذلك لمعاينة ودراسة حالات الثأر وقضاياه ،ومشاكله،ودراسة تاريخه ،وجذوره الاجتماعية والسياسية،ومعرفة أسبابه والعوامل التي ساعدت في ظهوره وانتشاره واستفحاله في مناطق دون أخرى.
استخدم فى هذه الدراسة أساليب المقابلات الشخصية ،والاستبيانات والأساليب الإحصائية عبر تدوينها من الواقع ،وعبر التسجيل الرسمي للجهات الرسمية كوزارات: الداخلية والعدل وأجهزة القضاء والنيابة العامة. وقام بتحليل آلاف البيانات وخرج منها بحصيلة واسعة من النتائج العلمية الواضحة المعتمدة على دراسة تحليلية علمية واقعية للبيانات التي تم جمعها. تتشعب جوانبها تشعباً واسعاً جداً لتشمل مجالات التاريخ العام،والتاريخ السياسي ،والتاريخ العسكري،وخصوصاً ما يتعلق بنشأة ظاهرة الثأر من ناحية البعد التاريخي،وتاريخها لدى العرب والقبائل العربية إلى وقتنا الحالي،وتاريخ الشعوب وعاداتها وأعرافها. كما تشمل الدراسة علم الجغرافيا،وعلوم الشريعة الإسلامية،والفقه الإسلامي ،وعلوم التفسير والحديث ، وعلم القانون الجنائي ، وعلم النفس الجنائي والقضائي، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة، والعلوم الشرطية والأمنية،وعلم الإحصاء.
استعان فى دراسته بآلاف الكتب والمراجع المختلفة ، كما قام بشراء كمية كبيرة من الكتب تتجاوز قيمتها الخمسين ألف دولار؛ وذلك لتوفير المادة العلمية للرسالة، قد انتقى منها ما يزيد على الألف مرجع، وهي موثقة في فهارس الرسالة،هذا بالإضافة إلى الدوريات،والمجلات،والأبحاث المحكمة،ورسائل الماجستير والدكتوراه. كما استعان بمراجع أجنبية إنجليزية وفرنسية. وهي بهذا تعتبر أوفى دراسةٍ عِلْمِيَّةٍ عَمَلِيَّةٍ ميدانيةٍ شاملةٍ جامعةٍ وافيةٍ كافيةٍ شاملةٍ في مجال "ظاهرة الثأر"
الباحث يعرف الدكتور "جندب"،بدليل أنه أشار إليه فى ثبت المراجع ،وأشار إليه فى متن الرسالة دون ذكر اسم الشهرة فى ص (48).لكنه لم يدرك على الرغم من الأهمية البالغة لهذا الباحث وشهرته على على العديد من المستويات الأكاديمية والعسكرية والسياسية. فإنه لم يشر إلى دراسته فى دراساته السابقة ،ولم يكتب عنها إلا ثلاثة فقرات فقط.
إن عدم انتباه الباحث لأهمية دراسة الدكتور "جندب" ترتب عليها افتقار الفصل الثالث فى رسالته التى خصصها لظاهرة الثأر إلى الثراء،والعمق،والتحليل الدقيق؛والسبب فى ذلك هو عدم إدراكه إلى أهمية هذه الدراسة الرائدة وصاحبها.
أما العتاب الثانى فهو توجيه أكثر منه عتاب
أحد المدرسين المساعدين من شباب القسم سألنى عن كيفية الربط بين النظرية والجانب الميدانى من الرسالة ،ومن هنا ستكون إجابتى على سؤاله عبر رسالة الباحث هذه.
كتب الباحث عن النظريات المفسرة لما أسماه بجريمة الأخذ بالثار ،كما كتب عن نظرية الأنساق الموجهة لبحثه .
صحيح أن الأخذ بالثأر جريمة من الناحية القانونية ،لكنه فى أصله نظام اجتماعى قبل أن يكون جريمة يعاقب عليها القانون ،وبالتالى فإن الاستناد إلى نظريات الجريمة وحدها فى تفسير نظام الأخذ بالثأر فى رسالة فى الخدمة الاجتماعية ليس مناسبا.
استفاض الباحث فى عرض النظريات البيولوجية التى لا تصلح أيضا لتفسير نظام الأخذ بالثأر كنظام اجتماعى،فنظرية (لمبروزو) التى تقول أن هناك صفات جسمانية معينة تميز المجرم مثل كبر الفك وتشوهات العينين وضخامة وبروز الشفتين عفا عليها الزمن . ورغم أن نظرية (فيرى) التى ذكرها الباحث ترفض نظرية (لمبروزو) وتعلى من أثر العوامل الاجتماعية والبيئية؛فان نظريته عن قانون الاشباع والتشبع الاجرامى لا تبدو مناسبة،وكذلك الحال بالنسبة للنظريات النفسية التى تربط بين المجرم والتكوين النفسى العقلى غير مناسبة ذلك.
خلاصة الأمر أن النظريات التى استند إليها الباحث فى تفسير الأخذ بالثأر هى التى تنظر إليه كجريمة ،وكان من الأفضل للباحث بذل مزيد من التدقيق والجهد فى البحث عن النظريات التى تفسر الأخذ بالثأر كنظام اجتماعى.ولو كان قد أعطى دراسة الدكتور "جندب" حقها من الاهتمام لتغير شكل الرسالة.علما بأن هذه الدراسة موجودة فى أكاديمية الشرطة بالقاهرة.
أما عن نظرية الأنساق كنظرية موجهة لبحثه فأقول:
تعتبر نظرية الأنساق من أشهر النظريات التى يعتمد عليها الباحثون فى الخدمة الاجتماعية فى توجيه بحوثهم الاجتماعية ،ولكن إذا سألتهم لماذا اختاروا هذه النظرية بالذات لقالوا أن كل الرسائل تكاد تجمع عليها كنظرية موجهة للبحث.ولكن المنهجية الصحيحة فى اختيار النظرية التى توجه البحث تحدد ثلاثة شروط أساسية لا بد من استيفائها عند استخدام النظرية الموجهة للبحث. وأعنى هنا أن على الباحث ألا يتعمد بعد اختياره موضوع بحثه إلى إلباسه إحدى هذه النظريات بطريقة تعسفية، دون محاولة الوقوف على مدى صلاحية النظرية لموضوع دراسته.
هذه الشروط هى :
مناسبة النظرية للمشكلة البحثية.
سهولة تطبيقها.
قوتها التفسيرية.
ولهذا فإن اختيار الباحث لهذه النظرية؛كان يلزمه بيان مدى انطباق هذه الشروط الثلاثة على مشكلته البحثية.
وعن كيفية ربط النظرية بالجانب الميدانى،وهى مشكلة تواجه معظم الباحثين،فأدعو الباحثين للدخول على موقعى على شبكة الألوكة والبحث عن مقالة بعنوان :
(كيف يربط طلاب الماجستير والدكتوراه النظرية بالبحث الميدانى) وهى مقالة منشورة فى 23/3/2013 .هذه المقالة تصفحها 31577 باحث داخل وخارج مصر،ما عدا باحثى القسم وأولهم هذا الباحث.وتتضمن رأيا خاصا لى ليس هنا مجاله.
اسمحوا لى بأن أنتقل من العتاب إلى اللوم .
ألوم الباحث بسب خطأ جسيم: وهو النقل من الآخرين دون نقد وتمحيص.نقل الباحث الأزهرى الأساس،فقرات من كُتّاب من ذوى توجهات ليبرالية،والنقل من هؤلاء الليبراليين يؤدى إلى نتيجة خطيرة،وهى المزيد من لبرلة أهم معقل للإسلام الوسطى وهو جامعة الأزهر.
نقل الباحث عن هؤلاء الكتاب دون إعمال النظر فيما كتبوه ،ودون إخضاع نصوصهم للنقد.ونقصد بالنقد عدم قبول القول أو الرأي قبل التمحيص،وينقسم النقد إلى نوعين هما: نقد خارجي وهو النظر في أصل الرأي،ونقد داخلي وهو النظر في الرأي ذاته من حيث التركيب والمحتوَى.
والتفكير النقدى فى الخدمة الاجتماعية هو أن تكون قادرا على أن تنظر الى الشخص أو الموقف نظرة موضوعية ومحايدة دون القفز الى استنتاجات أو وضع افتراضات .
يقول الباحث فى ص (59) :"رغم أن التاريخَ المصرى القديم يحمل على صفحاته قصة الثأر الشهيرة لـ (حورس) من عمه (ست) الذى قتل أباه (أوزوريس) فى ميثولوجيا "إيزيس وأوزوريس".....فإن الثأر بمفهومه الواسع وأبعاده الاجتماعية والنفسية التى هى عليه الآن ،لم يتأصل فى المجتمع المصرى ويترسخ فى العقلية الذهنية المصرية إلا مع الفتح العربى لمصر ،وثمة مجموعة مؤشرات وحوادث تاريخية تؤكد هذه التفسير الذى يرمى الى ارتباط أصيل ووثيق الصلة بين الفتح العربى لمصر،وبين ترسيخ عادة الثأر فى التوجه الجمعى المجتمعى المصرى...وأن العرب من القبائل التى هاجرت إلى مصر احتفظوا بالكثير من عاداتهم وتقاليدهم ومشاعرهم العصبية ،تلك المشاعر المسئولة عن قضية الثأر".هذا ما نقله الباحث.
هؤلاء الكتاب الذين نقل عنهم الباحث هذه الفكرة يصرون على الربط بين الفتح العربى،وعادة "الأخذ بالثأر"،لكن الذى تؤكده كتب النصارى يناقض ذلك فهم يقولون :" أن الجنودَ العرب لم يحاولوا الاختلاط بالشعوب المهزومة،لأن رؤساءهم كانوا يمنعونهم من هذا الاختلاط منعا باتا".
إن الربط بين عادة الأخذ بالثأر والفتح العربى ربط تعسفى أيضا، الغرض منه الإساءة إلى الفتح العربى الإسلامى لمصر،والنيل من الإسلام بالتبعية،وليس مجرد تحليل تاريخى لعادة الأخذ بالثأر .
الكتاب الذين نقل عنهم الباحث هذا الرأى كما قلت هم كتاب (ليبراليون) فى الأصل، يتميزون بسمتين أساسيتين الأولى :العداء للشريعة ،والثانية،العمالة لأعداء هذه الشريعة في الغَرْب الذين يصفون هذه الشريعة بـ "القسوة والوحشية،والعنصرية ،والبربرية،واستعْباد المرأة، والانتقاص مِن قدْرها،وضرْب الزوجات،وزواج الأطفال،وعدم التسامح مع غير المسلمين، ورفْض حرية العقيدة وحرية التعبير،ورفض أي هجوم على الإسلام، أو حتى الارتداد عنه لِمَن دخَل فيه"
.
وفى تعريف جامع شامل لهؤلاء الليبراليين يقول أحد الكتاب :"أنهم "جيش جرَّار من العملاء يتمثل فى" أساتذة،وفلاسفة، ودكاترة،وباحثين،وكتَّاب، وشعراء،وفنانين،وصحفيِّين،يحملون أسماءً إسلامية،مهمتهم خَلْخلة العقيدة في النفوس بشتَّى الأساليب، في صورة بحث،وعلم،وأدب،وفن،وصحافة،مع توهين قواعد هذه العقيدة وتأويلها،وتحميلها ما لا تُطيق،والدق المتَّصل على رجعيتها،والدعوة للتفلُّتِ منها،وإبعادها عن مجالات الحياة، وابتداع تصوُّرات،ومُثُل،وقواعد للشُّعور والسلوك، تناقض وتحطِّم أسس العقيدة ذاتها، كما يتعمدون تشويه التاريخ،وتشويه النصوص، مع الدعوة إلى إطلاق الشهوات، وسَحْق القاعدة الخُلُقية التي تقوم عليها هذه العقيدة"
نأتى الآن إلى آخر مرحلة فى المناقشة ،وكما قلت ليسميها الباحث كما يشاء.قد يعتبرها ضربا تحت الحزام ، ولكن لا مشكلة معى فقد امتدحته ودللته كثيرا، وحان الآن فطامه .
لا لوم ولا عتاب ، إنها قضية بحثية ومنهجية هامة ،ليست هجوما ،وانتقادا للباحث،أو المشرفين الفاضلين العزيزين ،وليست هجوما على أحد ،وإنما هى اعتراض على سياسة اختيار عناوين الرسائل.وإنى أشكر الباحث الذى سمح لى عنوان رسالته بأن أبدى رأيى الذى غالبا ما أجد صعوبة فى إبدائه.
أقول صراحة أن عنوان الرسالة – الذى سأقوم بتشريحه تشريحا دقيقا - شأنه شأن غيره من عناوين الرسائل ،فيه فوضى وتشوش كبيرين.وأنا متأكد تماما أن المشرفين الفاضلين قد وافقا على هذا العنوان لإنقاذ الباحث،كما أوافق أنا شخصيا على عناوين رسائل إنقاذا للباحثين.ويكفى الباحث أن يحمد الله على موافقة المشرفين عليه لإنقاذه.
أنا أعرف تماما ،بل أقول أنى عشت مع الباحث مخاض اختيار مشكلته البحثية،ولمست منه اهتمامه المتزايد بمشكلة "الأخذ بالثأر" فى الصعيد ،وعن دور جمعيات تنمية المجتمع فى التصدى لها "،ولما لم أجد فى العنوان ما يبرز هذه المشكلة ،عرفت أن الأمر خارج عن إرادته ،فأنا لا ألومه،بل يكفيه اعتزازا بنفسه: أن الفكرة التى كانت فى رأسه أصبحت موضوعا لبحثه (وهذا مديح فوق الحزام ،لا ضربا تحت الحزام )،ومن ثم فإن وجهة نظرى فى هذا العنوان ليست قدحا فيه كباحث ،وإنما هى من باب ما يجب أن يؤخذ فى الاعتبار عند اختيار عناوين الرسائل.
هناك مصطلح انتقل إلى علماء المناهج عن طريق علوم الحاسبات ،والمعلومات،وتكنولوجيا الاتصال.هذا المصطلح هو Garbage in, garbage out،أو بما يسمى اختصارا قاعدة GIGO .ولما كانت ترجمة كلمة Garbage ،قاسية،وعنيفة،وثقيلة على الأذن ،فإنى سأسعى إلى تهذيبها،وتحسينها.وخلاصة معنى هذه العبارة عند تطبيقها على العنوان هى أنه إذا كانت مدخلات عنوان الرسالة عملية عمياء،وليست ذات معنى ،ومجرد هُراء ،فإن مخرجاته ستكون حتما ليست ذات معنى،ومجرد هُراء أيضا.وأكرر هنا أيضا أن الباحث معذور فى ذلك.
والآتى بعد وجهة نظرى فيما يتعلق بعنوان الرسالة الحالى :
1-أفرط الباحثون فى علم الاجتماع والأنثروبولوجيا فى دراسة مشكلة الأخذ بالثأر ، لكنها قلما نالت اهتمام الباحثين فى الخدمة الاجتماعية.
ولهذا فإن تناول الباحث لهذه المشكلة بالذات يعتبر تفردا وتميزا له،بل إنه من إيجابيات الرسالة (وهذا مديح آخر للباحث فوق الحزام)،لكن اختيار العنوان بهذه الصورة دون إبراز مشكلة الأخذ بالثأر أضاع وطمس ملامح هذا التميز سواء للباحث أو تخصص الخدمة الاجتماعية.
2- حينما تصنف هذه الرسالة ببليوجرافيا ،كما فى أكاديمية البحث العلمى،أو فى قسم الرسائل بمكتبات كليات الخدمة الاجتماعية،أو غيرها، فإن المتخصصين فى تصنيف الفهارس سيضعونها إما تحت قائمة نموذج الروابط المجتمعية،أو تحت قائمة تنمية المجتمعات المحلية،أو تحت قائمة التصورات المقترحة،وقد يضعونها على أحسن تقدير تحت قائمة مشكلات تنمية المجتمع المحلى،ولن يصنفونها مطلقا تحت بند "مشكلة الأخذ بالثأر" لأن العنوان ليس له صلة بذلك، فهذا العنوان بهذه الصورة كما أضاع تفرد الباحث وتميزه بدراسة هذه المشكلة فى مجال الخدمة الاجتماعية،أضاع على الباحثين إمكانية التعرف عليها.فاذا أراد باحث أن يعرض للدراسات السابقة عن مشكلة الأخذ بالثأر فى الخدمة الاجتماعية،فكيف يستدل على هذه الدراسة وليس فى عنوانها جوهر المشكلة البحثية وهى الأخذ بالثأر.علما بأن الباحثين لا يطلعون على الملخصات ABSTRACTS إلا إذا كان عنوان الرسالة متضمنا للقضية التى يهتمون بها.
3- هناك شرطان أساسيان يفتقدهما عنوان الرسالة:
أولهما :أنه لا بد أن يبرز المشكلة البحثية كما أوضحنا، ويُعّرف بها ،أو يُعطِى فى كلمات محددة محتوى البحث ،وهذا غير متحقق هنا .
الثانى: أن عنوان الرسالة لا بد أن يكون جذابا مثيرا للاهتمام ،فلو كان العنوان متضمِنا مشكلة الأخذ بالثأر لجذب الانتباه والاهتمام ،ولهذا فإن حذف العنوان للمشكلة البحثية وهى "الأخذ بالثأر"، أفقده هذه الخاصية.
4- لن أكرر ما قلته ،وما قيل فى المناقشة السابقة عن قضية عبارة"التصور المقترح"،التى تتصدر عناوين معظم الرسائل.ولكنى سأضيف شيئا جديدا هنا.
عندما كان يَطْلب منى الباحثون فى القسم ان اترجم مصطلح تصور مقترح أترجمه لهم على أنه Suggestive ،لأنى أعرف أنهم يقصدون هذا المعنى وليس المعنى العلمى.لكن الترجمة العلمية الدقيقة لهذا المصطلح هى Paradigm وليس Suggestive perspective .
الواقع أن مصطلح "التصور المقترح" ليس بهذه البساطة التى نتصورها . انه المصطلح الذى أدى إلى ثورة علمية ،ودخل به صاحبه التاريخ . أول من صاغ هذا المصطلح هو عالم أمريكى يدعى "توماس كون Thomas Kuhn" ، . وقيل عنه أنه "الرجل الذى غير بهذا المصطلح نظرة العالم إلى العلم " بعد أن ألف كتابه " بناء الثورة العلمية" فى عام 1962.ورغم أن مفهوم التصور المقترح " نشأ فى أحضان "كون" كعالم طبيعة ،إلا أن العلماء الاجتماعيين فى الغرب أعترفوا بأن استخدامهم لهذا المفهوم أدى إلى مزيد من الاحترام لتخصصاتهم وإلى مزيد من التمويل للبحوث الاجتماعية .
يعرف قاموس اكسفورد مصطلح "التصور المقترح" بأنه :نموذج أو بناء فكرى يقبله فرد ما أو مجتمع ما يحدد كيف تعمل الأشياء فى هذا العالم . الذى أضافه "كون" هنا حين تبنى هذا االمصطلح هو تعريفه له بأنه "مجموعة من الممارسات التى تميز فرعا ما من المعرفة فى فترة معينة من الزمن". من هنا يتضح لنا أن التصور المقترح إذن ليس مجرد توصيات مرتبطة بنتائج بحث معين .
لفت نظرى أن أحد الأساتذة الشبان فى الأقسام التربوية هنا فى كلية التربية جامعة الأزهر لا يحضرنى اسمه،ألقى محاضرة مسجلة فى فيديو خاص عن مفهوم"التصور المقترح" فى إحدى الجامعات السعودية المعار إليها،أشار فيها إلى التصور المقترح ، مفهومه،وجوانبه،وموقعه،وأساليب بنائه كمية أو كيفية،وأعطى نماذج يمكن أن يسير وفقها التصور المقترح مثل نموذج دلفاى، ونموذج بيرت،ونموذج تحليل السيناريوهات وغير ذلك.أين نحن من هذا كله؟ وأنا أدعو الباحثين بالبحث عن هذا الفيديو على شبكة الانترنت لكسب المزيد من الفهم المعرفى عن مشكلة التصور المقترح التى تكتب فى عناوين الرسائل جزافا.
يضاف إلى ذلك أن وضع أى تصورمقترح يحتاج إلى إلمام بما يسمى " علم المستقبليات ".وهو العلم الذى يحاول وضع احتمالات ، ومتغيرات تؤدى إلى ظهور هذه الاحتمالات مع توقع للتحديات والأزمات،بغرض رسم صورة تقريبية محتملة للمستقبل.قلت ذلك فى أحد السمينارات فى القسم،ولكن لا حياة لمن تنادى.
مشكلة الباحث هنا هو أنه قد ترجم مصطلح "التصور المقترح " ترجمة أبعد ما تكون عن الترجمة الشائعة من زاوية وهى Suggestive perspective،ومن زاوية أخرى ليس له أى صلة بالترجمة العلمية وهى Paradigm.ترجمه الباحث على أنه Imagine a proposal اعتمد فيه على ترجمة جوجل وهى ترجمة غير صحيحة.لننظر مثلا الى معنى كلمة Imagine نجدها تعنى فى القواميس الانجليزية:" أن تعتقد شيئا ما على أنه موجود وحقيقى؛وهو فى الواقع غير موجود وغير حقيقى. ببساطة أنه "مجرد تهيؤات".ولهذا فأنا أشدد على الباحث ضرورة عرض صفحة العنوان على متخصص فى الخدمة الاجتماعية لإعادة ترجمته.
وبالمناسبة أذكر الباحث بضرورة أن ينصف أستاذه الدكتور ابراهيم حجاج فالدكتور حجاج ليس Assistant professorولكنه Associate professor،لأن Assistant professor تعنى أنه على درجة مدرس وليس بأستاذ مساعد ،وقد شرحت ذلك فى كتابى عن إعداد البحوث والرسائل العلمية ،لكن أحدا لم يقرأه بما فيهم الباحث نفسه.
5- فى ص (29) يعرف الباحث النموذج فى إطار الممارسة المهنية لطريقة تنظيم المجتمع على أنه:"تصور مقترح للممارسة المهنية لطريقة تنظيم المجتمع فى موقف إشكالى معين ثم التأكد من صلاحيته من خلال الممارسة العملية فأصبح صالحا لتوجيه الممارسة فى مواقف أخرى مشابهة" هذا التعريف يكاد أن يكون أقرب وأفضل التعريفات للنموذج ،ذلك لأنه يحدد بوضوح أن النموذج ما هو إلا تصور مقترح،وبالتالى فإن عنوان الرسالة بأنه:" تصور مقترح لاستخدام نموذج الروابط الاجتماعية" ،ليس بصحيح .فليس من المقبول عقلا أن نضع تصورا مقترحا لتصور مقترح قائم بالفعل .ولهذا لو حذف الباحث عبارة "تصور مقترح "وبدأ العنوان بعبارة "استخدام نموذج الروابط الاجتماعية فى تطوير أداء جمعيات المجتمع المدنى......". لكان ذلك منطقيا،ولو أدرك الباحث ذلك لأنقذ نفسه من مأزق ضرورة الالتزام بمفهوم التصور المقترح.بالمعنى العلمى الدقيق لمفهوم التصور المقترح وهو Paradigm.
6- عبارة "فى تطوير أداء بعض جمعيات المجتمع المحلى"فى العنوان تحتاج إلى تشريح أيضا.
تطوير الأداء يستلزم قياس الأداء أولا ،لإثبات ما إذا كان هذا الأداء يحتاج إلى تطوير من عدمه.
الذى أتعجب منه هو:كيف يطلب من باحث ماجستيرأن يقوم باستخدام نموذج وهو الروابط المجتمعية الذى له استراتيجياته وتكنيكاته ومتطلباته ،وأن يستخدم هذا النموذج لتطوير أداء جمعية ما،يحتاج قياس الأداء فيها إلى استخدام نموذج آخر خاص بها؟ ثم أطلب منه بعد ذلك وضع تصور مقترح لتطوير الأداء ،ثم أحدد له مشكلة معينة يطور فيها هذا الأداء باستخدام نموذج ليس هو فى أصله نموذج قياس أداء.هذا فى نظرى فوضى بحثية لا يتحملها باحث مبتدئ.وكان بالامكان تجنب كل هذه الفوضى بأن يطلب من الباحث قياس أداء الجمعيات المحلية فى التعامل مع مشكلة "الأخذ بالثأر" دون حشر نموذج الروابط المجتمعية ،لأن استخدام نموذج ما يتطلب تدخلا مهنيا،لا يطلب عادة من باحثى الماجستير.
7- عبارة "فى مواجهة مشكلات التنمية المحلية"الواردة فى العنوان ،عبارة عاجزة .فهى لا تحدد مشكلة الأخذ بالثأر التى هى لب المشكلة البحثية عنده.وطالما أن الباحث حدد فى عنوان رسالته المشكلات فى عمومها سيصبح تركيزه على مشكلة الأخذ بالثأر بمفردها موضع انتقاد،خاصة وأنه لا أثر فى رسالته لهذه المشكلات كمشكلات تعوق التنمية ،ولا بيان عنده للكيفية التى تعوق بها مشكلات التنمية،ولا أثر مطلقا فى الرسالة للكيفية التى تعوق بها مشكلة الأخذ بالثأر هذه التنمية.
8- من أسوأ آثار هذا العنوان أنه نسف الجانب الميدانى نسفا كاملا.فلو أنه طلب منى أن أجرى دراستى التطبيقية وفقا لهذا العنوان لوقفت حائرا.هل سأعمل على وضع تصور مقترح لنموذج هو فى أصله تصورا مقترحا؟أم أنى سأقوم بتطبيق النموذج لمواجهة أحد مشكلات التنمية ،أم أنى سأستخدمه فى تطوير أداء جمعية ما لمواجهة هذه المشكلة ،ولن يكون الحل أمامى للخروج من هذا المأزق إلا محاولة تطبيق النموذج لمواجهة مشكلة الأخذ بالثأر.
أفضل منهجية وآلية للتطبيق هنا هى أن أختار حالة أو عدة حالات لعائلات القاتل والمقتول ،ثم أطبق النموذج باستراتيجياته وآلياته على عائلات القتلى،ثم أنتظر النتيجة بعد تطبيق النماذج ،فإن تصالحت العائلتان ،سأعتبر النموذج ناجحا بصفة مبدئية ثم أعيد تطبيقه على عائلتين أخريين حتى أُثبّت عامل اختلاف طبيعة العائلات فى التأثير على النتيجة،فإن تصالحت العائلتان أعتبر النموذج ناجحا ،وإن لم يتصالحا ،فعلى أن أعترف بفشل النموذج.هذا هو السبيل الوحيد للتغلب على فوضى العنوان.
أما أن اطبق استبانة وفق مقياس (لايكرت) كما فعل الباحث،فهذا لا يصح .
9- سأتصور أن هناك جدالا بينى وبين الباحث الذى يؤكد أن تطبيقه لمقياس (لايكرت) صحيح وأنا أعارضه فى ذلك.
سأقول للباحث أن مقياس (لايكرت) كما أقول للباحثين دوما مصمم أساسا لقياس الآراء والاتجاهات ،وليس لاستخدام النماذج ،فخرج الباحث من هذا المأزق قائلا بأنه يقيس آراء أعضاء مجلس الإدارة نحو استخدام هذا النموذج فى مواجهة مشكلة الثأر،سأرد عليه: "من أين لهؤلاء الناس غير المتخصصين معرفة استخدام نموذج الروابط الاجتماعية حتى نقيس اتجاهاتهم نحوه؟ولو كان الأمر كذلك للزم أن تعطيهم دورة تدريبية فى هذا النموذج،ثم تستخدم مقياس "ليكرت"لمعرفة اتجاههم نحوه،ورأيهم فيه.
يضاف إلى ذلك أن الاستبانه تحتوى على سبعة وستين سؤالا ،ما يقرب من 70% منها أسئلة حقائق وليس أسئلة اتجاهات.العبارات المستخدمة فى المقياس مثل: تقوم ،توفر،تعقد،تستعين،تهتم،تتعاون،يوجد،تشترك،تنسق،تستخدم كلها عبارات حقائق وليست عبارات آراء واتجاهات ،وهى التى يستخدم المقياس من أجلها.وهى بيانات يمكن جمعها من السجلات والوثائق ،وليس عن طريق استبانة تقيس اتجاهات وآراء.
خلاصة القول أن الفوضى فى اختيار العنوان أدت إلى فوضى فى المنهجية والآليات ،وبالطبع إلى فوضى فى النتائج. وبذلك تتحقق قاعدة Garbage in, garbage out أو ما نسميها اختصار بقاعدة GIGO .
فى الختام ،أعيد ماقلته من البداية،أنه لو كان الأمر بيدى وحدى لأعطيتك الرسالة بأعلى تقدير،رغم ملاحظاتى التى قلتها ،فإنى أرى أنه من واجبنا أن نقدر الضغوط التى يعانى منها الباحثون سواء فى حياتهم العلمية أوالوظيفية أوالمعيشية،وأن نقف إلى جانبهم،نوجههم،ونحتفى بهم،ونشجعهم،وإنى أثق فى هذا الباحث؛ وأرى عن بعد؛ أنه قد يكون غدا رجلا يشار إليه بالبنان. إنه الباحث الخلوق والمهذب "حازم عيد " أحييه ،وأبارك له ،وأتمنى له كل التوفيق والسداد.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: