البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

إلغاء أحكام الإعدام من القانون

كاتب المقال د. ضرغام الدباغ - ألمانيا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2545


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


منذ فترة وأنا أريد طرح هذا الموضوع، وأتمنى أن يثير الجدل، وأتوقع أن يكون له معارضون أقوياء، ولكن حكماء كثيرون أيضاً، بل وأستطيع أن أتنبأ بحجج المعارضين، كما أن أتوقع أبعاد التأييد. وابتداء أنا لا أتوقع أن الحكم بالإعدام عقوبة رادعة، بدليل أنها تنفذ من الآلف السنين، ولكن دعونا أن نناقش فلسفة عقوبة الحكم بالإعدام.

عقوبة وتنفيذ الحكم بالإعدام هو من القرارات النادرة التي لا يمكن إعادة النظر بها. أو تعويض من وقع الحكم عليه، إن توصل من حكم عليه أنه قد بالغ بالعقوبة، أو تجاهل الأسباب المخففة، ولم يمنحها حقها في قرار حكمه، أو أكتشاف معطيات وأدلة جديدة تغير من قناعة الحاكم، أو لربما ما هو أكثر مدعاة للمطالبة بإلغاء الحكم بالإعدام، عندما يكتشف القاضي أن من حكم عليه بالإعدام ونفذ بحقه، برئ براءة الذئب من دم يوسف، فيندم القاضي ولكن ندماً لا يصلح الخطأ، ويتحمل موت ضحية بريئة.

كانت فرنسا آخر دولة أوربية ألغت الحكم وتنفيذ الإعدام، في بداية الثمانينات، وكان السبب المباشر لذلك، هو اكتشاف معطيات جديدة قادت إلى إلقاء القبض على مجرم، وتبين أن هذا المجرم هو الفاعل لجريمة حكم على رجل آخر بسببها بالإعدام ونفذ به الحكم قبل عامين وهو برئ. فاستقال وزير العدل رغم أن الحادثة لم تكن في عهده شخصياً، ولكنه استقال كشخصية اعتبارية.

القضاء في أوربا دقيق إلى حد بعيد، ولكن ليس دون أخطاء، وأحياناً أخطاء كبيرة، وأعلم أن الحكومة تعمد إلى تعويض من حكم عليهم بالسجن تعويضاً سخياً، ولكن كيف يعوض من فقد حياته ظلماً ..؟ وأهله وأطفاله وأصدقاؤه ..؟

قرأت كثيراً أحكام صدرت خطأ بالإعدام أو بالسجن خطأ في دول قضاءها راق ومتقدم كالولايات المتحدة وسويسرا وأوربا، وهذه الأخطاء التي هي كثيرة في الواقع رغم النظام القضائي الممتاز الذي يتيح للمتهم الدفاع عن نفسه، وتميز الحكم وعلى الأرجح بنزاهة ودون تداخلات، ولكن رغم ذلك الخطأ ممكن ويحدث وللأسف ليس نادراً .. هذا في الدول التي تمتلك قوانين إنسانية وقضاء عادل، فما بالك في دول القضاء فيها مسيس، والقاضي إنسان من هذا المجتمع ومن ناسه وأهله ومن أهواءه ومشاربه ...! ألا يرتفع احتمال الخطأ ... ألا يتحول الحكم إلى نوع من انتقام وثأر، أليست مجتمعاتنا مشبعة بأفكار وعادات وتقاليد الثأر والانتقام ..؟

دون ريب حين يرتكب المجرم جريمة قتل، في معظم الحالات لا يكون إنساناً سوياً، أو أنه يمر خلال ارتكابه الجرم بوضع نفسي يضعه خارج المسؤولية وهذه من موانع المسؤولية، إن يكون الإنسان في غير حالته الطبيعية، بسبب وضع نفسي، أو تأزم عصبي دائم أو وقت ارتكابه الجرم، أو ربما بسبب وقوعه تحت تأثير المخدرات أو الخمر. أو بدوافع أخرى تقدرها المحكمة، لذلك هناك فصل في اجتهاد القانون الجنائي يطلق عليه " موانع المسؤولية الجنائية". وفي حالة إيقاع العقوبة القصوى "الإعدام" يكون المجتمع يجاري المجرم غضبه وانفعاله، ويخطأ ربما" كما خطأ هو "ربما". المجرم حين يرتكب فعله لا يعرف علم النفس ولا علم الإجرام، أو علم النفس الجنائي، ولكت القاضي بوصفه ممثلاً للهيئة الاجتماعية بأسرها " قد" يسمح لنفسه بارتكاب خطأ، ويقود باسم المجتمع رجلاً أو إمرأة إلى الموت مع سابق الإصرار، وبدم بارد.

لهذه الأسباب وضع المشرعون في معظم بلاد العالم حرية للقاضي في اتخاذ قراره بين حدود إيقاع العقوبة بحدها الأقصى والأدنى، دفعاً لخطأ قد يقع فيه القاضي، أو التباساً يصعب إصلاحه. ومثل هذا التحوط احتاطه حكام عبر التاريخ، وفي تاريخنا العربي الإسلامي تحديداً، فلم يكن إيقاع عقوبة القتل خياراً مفضلاً في الدول الإسلامية، وخاصة الدولة الراشدية (الخلفاء الأربعة)، استرشاداً بحديث وتوجيه للقضاة للرسول (ص) : " ادرَؤُوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مَخرج فخلُّوا سبيلَه، فإن الإمام إن يُخطئ في العفو خير من أن يُخطئ في العقوبة " حديث رواه الإمام أبو حنيفة عن أبن عباس، وحديث مماثل رواه الترمذي عن عائشة (رض) " أدرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإذا كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ".

أود خلال هذه المداخلة القصيرة، أن أدعو إلى إصلاح النظام القضائي. ومن المعروف أن القوانين تعبر عن درجة رقي المشرع واحترامه للمواطنين، والمجتمع بأسره. أدعو إلى قوانين، وإلى تنفيذ هذه القوانين بطريقة تحترم الإنسان، ولا تعتبره خصماً تنتظر منه الهفوة لتدمره. في البلدان المتقدمة "نظاماً ومجتمعاً" الدولة وسلطاتها تعاقب المخالفين، ولكنها تفعل ذلك بدون إهانة ولا اعتداء، وتحترمه من أول لحظة إلى مرحلة تنفيذ الحكم بالسجن أو غيره. في الثقافة الأوربية، الجلاد المكلف بالتنفيذ، ينحني ليهمس في أذن من سيقطع رأسه بالفأس" سامحني أرجوك، أنا أفعل هذا بأسم القانون".

لتكن قوانيننا والقائمين على تنفيذها أكثر لطفاً ورحمة وعطفاً، لنضع قوانين جيدة متحضرة تتعامل من المواطنين كبشر، ولتنفذ القانون بدقة، وبأحترام لآدمية الإنسان، لا أن يدور كل ذلك في أجواء مشحونة بالكراهية والبغضاء. وفي هذا الكل خاسرون الظالم والمظلوم، وقبل كل شيئ الوطن.

أمل أن يهب الكتاب والمثقفون إلى التفاعل

26 كانون الأول / 2018


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الإعدام، احكام الإعدام، الحقوق، القضاء، العدل،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-12-2018  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  أقفاص الأسر على مر التاريخ
  مأزق هنية
  ماذا يحدث في بلاد العم سام
  الوضع الثقافي في شبه الجزيرة قبل الاسلام
  سوف تكسبون ... ولكنكم لن تنتصروا Sie werden gewinnen aber nicht siegen
  صبحي عبد الحميد
  الخطوط الدفاعية
  غيرترود بيل ... آثارية أم جاسوسة ..؟
  أمن البعثات الخارجية
  الحركة الوهابية
  ماذا يدور في البيت الشيعي
  الواقعية ... سيدة المواقف
  زنبقة ستالينغراد البيضاء هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء
  اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي
  حصان طروادة أسطورة أم حقيقة تاريخية
  دروس سياسية / استراتيجية في الهجرة النبوية الشريفة
  بؤر التوتر : أجنة الحروب : بلوشستان
  وليم شكسبير
  البحرية المصرية تغرق إيلات
  كولن ولسن
  الإرهاب ظاهرة محلية أم دولية
  بيير أوغستين رينوار
  المقاومة الألمانية ضد النظام النازي Widerstand gegen den Nationalsozialismus
  فلاديمير ماياكوفسكي
  العناصر المؤثرة على القرار السياسي
  سبل تحقيق الأمن القومي
  حركة الخوارج (الجماعة المؤمنة) رومانسية ثورية، أم رؤية مبكرة
  رسائل من ملوك المسلمين إلى أعدائهم
  وليم مكرم عبيد باشا
  ساعة غيفارا الاخيرة الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الياسين، عواطف منصور، صالح النعامي ، حاتم الصولي، عبد الغني مزوز، مجدى داود، صلاح الحريري، سلام الشماع، منجي باكير، عبد الله الفقير، فتحـي قاره بيبـان، العادل السمعلي، يحيي البوليني، د- محمد رحال، عبد العزيز كحيل، صفاء العراقي، الهيثم زعفان، ماهر عدنان قنديل، المولدي اليوسفي، بيلسان قيصر، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - الضاوي خوالدية، أحمد بوادي، مراد قميزة، د - المنجي الكعبي، د. خالد الطراولي ، سليمان أحمد أبو ستة، ياسين أحمد، د- جابر قميحة، سامح لطف الله، د. صلاح عودة الله ، نادية سعد، د. أحمد محمد سليمان، رافع القارصي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد ملحم، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، رافد العزاوي، كريم فارق، سلوى المغربي، المولدي الفرجاني، الهادي المثلوثي، عراق المطيري، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح المختار، عبد الرزاق قيراط ، محمد عمر غرس الله، يزيد بن الحسين، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أبو سمية، سعود السبعاني، رمضان حينوني، جاسم الرصيف، د- محمود علي عريقات، عبد الله زيدان، كريم السليتي، د - محمد بنيعيش، علي عبد العال، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، أنس الشابي، رضا الدبّابي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود طرشوبي، عزيز العرباوي، أحمد الحباسي، محمد شمام ، إسراء أبو رمان، د.محمد فتحي عبد العال، تونسي، فتحي العابد، خبَّاب بن مروان الحمد، حسن عثمان، طارق خفاجي، د- هاني ابوالفتوح، محمد يحي، د. أحمد بشير، د. عبد الآله المالكي، محرر "بوابتي"، محمود سلطان، ضحى عبد الرحمن، فهمي شراب، فوزي مسعود ، د - شاكر الحوكي ، د. طارق عبد الحليم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - عادل رضا، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد النعيمي، وائل بنجدو، صباح الموسوي ، إيمى الأشقر، مصطفي زهران، عمر غازي، سيد السباعي، سامر أبو رمان ، رشيد السيد أحمد، علي الكاش، حميدة الطيلوش، طلال قسومي، محمد الطرابلسي، د - صالح المازقي، أشرف إبراهيم حجاج، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحي الزغل، محمود فاروق سيد شعبان، صفاء العربي، د - مصطفى فهمي، محمد أحمد عزوز، سفيان عبد الكافي، إياد محمود حسين ، حسن الطرابلسي، محمد العيادي، خالد الجاف ، محمد علي العقربي، الناصر الرقيق، أ.د. مصطفى رجب،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز