البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

بناء الإنسان

كاتب المقال فتحي العابد - إيطاليا / تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3660


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يقول باولو كويلو وهو يحكي عن قصة صبي مع والده: ‘كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته..
وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي على خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة وقدمها لابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة ثم عاد لقراءة صحيفته.. ظانا أن الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم..
إلا أنه لم تمر خمسة عشر دقيقة حتى عاد الإبن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة!
فتساءل الأب مذهولا: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟!
رد الطفل قائلا: لا.. لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان.. أعدت بناء العالم.

كانت عبارة عفوية، ولكنها كانت عبارة عبقرية وذات معنى عميق’.
ليس بناء الفرد التونسي حلما رومانسيا، بل هو مطلب واقعي ويحتاج إلى رؤية، ومشروع، وبرنامج لتغيير الواقع، وليس لإدارة الوضع القائم بكل أعطابه.
نحن صنعنا العجلة من جديد بعد الثورة، ولكن بقينا ندير تلك العجلة بوضعها القائم بكل أعطابه.
نحن في تونس اليوم نبني مبانينا وغفلنا عن بناء من يبني تلك المباني..
هناك حقد إديولوجي أعمى بين أفراد الوطن الواحد.. يفقدنا أحيانا وجهاتنا وأهدافنا في وسط مشاغل الحياة، يفقدنا مقدرتنا على الإستماع إلى بعضنا، الإستماع إلى ما يريده الآخرون ولا يعرفونه، الإستماع إلى أنفسنا.

يقول تشرشل: نبني مبانينا ومبانينا تبنينا، ونغفل عن البعد الإنساني في ذلك البناء..
فمشروع الرؤية العامة لبناء الإنسان المعاصر موجود في المنجز الثوري سواء في تونس أو في بقية الدول العربية التي ثارت وانتصرت ولو جزئيا على اللاإنساني في دولها، مع اختلاف في التفاصيل والأولويات وبعض الخصوصيات. لكن هل يتحقق ذلك المنجز؟
رغم تميز التونسي بصفة عامة بالكفاح والعمل، ولكن يبقى الجانب الإنساني في اختبارات تربك العاقل والحليم، فعندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا بأمان شيدوا سور الصين العظيم، وقالوا: لا يمكن لأحد أن يقتحمه أو يتسلقه.
وخلال المائة سنة الأولى لبنائه تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات، ولم تكن جحافل الغزو على الأرض في حاجة لتسلق السور بل دفعوا رشوة للحارس ودخلوا من الباب.
لقد نسي الصينيون القدامى أن يبنوا الحارس وانشغلوا ببناء السور!.

نحن في تونس جربنا التجمع لستين سنة وعانينا من ويلاته لكن في أول فرصة بعد الثورة أرجعنا رموزه للحكم... رشونا واشتروا ضعاف الذمم منا بالنقود... في ظل السبات الثوري.
وبرغم ذلك، ورغم الحقد الإديولوجي الذي يخيم على بعض نخبنا، توصلنا لتحقيق ولو جزئيا الدعامة الأولى من بين الدعامتين الأساسيتان اللاتي يرتكز عليهما بناء الإنسان ومن وراءه بناء الوطن، ألا وهما: الحرية والعدالة.

والحرية أراها في أربع نقاط أرتبها كما يلي:
1 ـ الحرية السياسية، وتعني حق الشعب في اختيار من يحكم، وبناء دولة الإنسان وليس إنسان الدولة، أي إقامة ديمقراطية تسمح بالتعبير عن إرادة المجتمع، وبتداول السلطة بين الأحزاب، عبر انتخابات حرة. يكون فيه المجتمع مفتوح، متحرّر من وصاية الدولة، بعيدا عن النعرات القديمة، تتفاعل وتتلاقح فيه الأفكار والمشاريع، وأنماط العيش، وأشكال التعبير الرمزي والمادي، من دون قيود سوى ما يفرضه القانون الضامن لوحدة المصير الوطني.
2 ـ الحرية الدينية، وتعني حق كل مواطن في المعتقد، والحق في ممارسة طقوسه الدينية بحرية، مع رعاية الدولة للشأن الديني، وعدم توظيف المعتقد سياسيا.
3 ـ الحرية الإقتصادية، وتعني حق المواطن في التملك والعمل والمبادرة والمنافسة الحرة وتكافؤ الفرص، ووجود قضاء مستقل يقوم بوظيفة الحكم وتطبيق القانون على الجميع، لتحقيق المساواة.
4 ـ الحرية الفكرية، وتعني حرية القول والنشر والكتابة والتعبير بدون خطوط حمراء، ولا تابوهات سياسية أو اجتماعية، بحيث يفتح المجال للإبداع وللخلق والإبتكار، ولتطوير الشق اللامادي في حياة الفرد والمجتمع.
أما الدعامة الثانية فهي العدالة، وهي في مخاض وصراع مع قوى شر لا تريد خيرا وتقدما لتونس.
يقول ابن خلدون: ‘العدل أساس الملك’، والعدل قيمة إنسانية عامة، يكرس الولاء والإنتماء للوطن.

مررنا من عهد البايات إلى يوم حدوث الثورة بتسلسل طويل للحاجيات، بدأت بالحرية، إلى المطالبة بالعدل في تقسيم الموارد، ثم الأمن ليحيا في اطمئنان، وقد اجتهد من أدار سدة الحكم في تونس قبل الثورة أن يكون هذا العنصر في مقدمة ‘إنجازاته’.. ثم إلى العلم لفهم الواقع..
وأعتبر أن تونس في النصف قرن الأخير وصلت إلى مستوى محترم من التعليم، وخاض أبنائها في بعض ميادين المعارف، وميلهم إلى شرعية الإنجاز عجل غضبهم على الوضع القائم.

مجتمعنا قبل الثورة تجمد لمدة ثلاثين عاما في ظل سيطرة عقلية بعينها، ساعدت على انتشار الفوضى، والظلم والفساد والفقر وإهدار الحقوق، فأصبحت تونس بيئة خصبة للتطرف والتعصب والإنحدار الأخلاقي وانتشار الجرائم، بتحكم فئة معينة من الشعب في مكتسبات دولة، جراء تأتَي السلطة من ثقافة تثبت الحاكم، ليثبت الحاكم هذا المجتمع في عملية دائرية، كسرها وهمشها حلم الفرد التونسي بالرفاه، وقيم الحياة الجديدة، والميل إلى شرعية الإنجاز، وهي عناصر ساعدت على وقوع الثورة.

بالعدالة تعالج جراح المجتمع، وهي الصمام الذي يحفظ الدولة والمجتمع، فليست العبرة في عدم وجود الموارد، ولكن العبرة في أن يشعر الجميع بأن نقص الموارد حالة عامة يتأثر بها الجميع. فالتنظير للعدالة وتكافؤ الفرص واحترام الحقوق لا يشبع الناس ما لم يجدوا أن هؤلاء المنظرين قد تحولوا من التنظير إلى التطبيق العملي، فوجود القضاة الفاسدين والمسؤولين اللصوص والأطباء الذين باعوا ضميرهم يعطي للناس انطباعا بأن هؤلاء الناس خلقوا للتنظير، وأن العدالة لم تأخذ مجراها.

أتمنى أن نشارك جميعا في بناء تونس الجديدة، وهذا يحتاج لعدالة تعالج تركة الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد، وتكفل كشف الحقيقة، والمساءلة، وجبر الضرر، وإعادة فحص المؤسسات، بما يحقق إعادة الثقة في الدولة ومؤسساتها، وحفظ الذاكرة الوطنية، وإعادة الإعتبار للكرامة الإنسانية، وتأكيد مفهوم المواطنة، وبناء السلم الإجتماعي والمصالحة الوطنية، ومواصلة المشوار لتأسيس دولة القانون.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الإنسان، تأملات، خواطر، تونس، الثورة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-11-2017  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  بيع الجمل ياعلي
  الهدهد واللقاء الأول
  البغولية
  ابني بدأ يكبر
  ثروة العقول
  حتى لا ننسى..
  الدعوشة إعاقة ذهنية
  الجدية قيمة مفقودة في تونس
  بومباي Pompei عبرة التاريخ
  معنوية النضال
  علاقة النهضة بمنزل حشاد
  حنبعل القائد العظيم
   زرادشتية حزب الله
  بناء الإنسان
  تجديد الفهم الديني
  منزل حشاد
  لطفي العبدلي مثال الإنحدار الأخلاقي
  النهضة بين الفاعل والمفعول به
  حركة النهضة بين شرعية الحكم ومشرعتها الشعبية
  التمرد على اللغة العربية في تونس
  قرية ساراشينسكو “Saracinesco” صفحة من الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيطالية
  هروب المغترب التونسي من واقعه
  سياسة إيران الإستفزازية
  محاصرة الدعاة والأئمة في تونس
  المعارضة الإنكشارية في تونس
  حجية الحج لوالديا هذا العام
  إعلام الغربان
  المسيرة المظفرة للمرأة التونسية عبر التاريخ
  رسالة إلى الشيخ راشد الغنوشي
  الدستور.. المستحيل ليس تونسيا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صفاء العراقي، سعود السبعاني، محمد أحمد عزوز، د. أحمد محمد سليمان، محمود طرشوبي، سيد السباعي، مجدى داود، عبد الغني مزوز، محمد اسعد بيوض التميمي، حميدة الطيلوش، صلاح المختار، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، د - مصطفى فهمي، أبو سمية، أشرف إبراهيم حجاج، ياسين أحمد، سفيان عبد الكافي، عراق المطيري، صباح الموسوي ، محمد يحي، أحمد النعيمي، الهادي المثلوثي، فتحي الزغل، تونسي، د - صالح المازقي، كريم السليتي، إسراء أبو رمان، صلاح الحريري، طلال قسومي، حسن الطرابلسي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، الناصر الرقيق، محمد الطرابلسي، أحمد بوادي، د - شاكر الحوكي ، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، صفاء العربي، عبد الرزاق قيراط ، فوزي مسعود ، منجي باكير، نادية سعد، د- محمد رحال، خالد الجاف ، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، كريم فارق، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلام الشماع، عبد الله زيدان، د - المنجي الكعبي، أحمد الحباسي، وائل بنجدو، علي عبد العال، مراد قميزة، د - محمد بنيعيش، محمد العيادي، د - عادل رضا، سامر أبو رمان ، عبد الله الفقير، د- جابر قميحة، د- هاني ابوالفتوح، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سلوى المغربي، فهمي شراب، صالح النعامي ، د- محمود علي عريقات، سليمان أحمد أبو ستة، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د. مصطفى رجب، د. خالد الطراولي ، حسن عثمان، محمد عمر غرس الله، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، جاسم الرصيف، مصطفى منيغ، رضا الدبّابي، رافد العزاوي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحي العابد، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، عمار غيلوفي، أحمد ملحم، فتحـي قاره بيبـان، عواطف منصور، د. أحمد بشير، علي الكاش، د. عبد الآله المالكي، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، الهيثم زعفان، إياد محمود حسين ، د - الضاوي خوالدية، رافع القارصي، محمود سلطان، محمد الياسين، د. كاظم عبد الحسين عباس ، ماهر عدنان قنديل، رشيد السيد أحمد، سامح لطف الله، المولدي الفرجاني، أنس الشابي، محمود فاروق سيد شعبان، العادل السمعلي، عمر غازي، يحيي البوليني، د. صلاح عودة الله ، محمد شمام ، ضحى عبد الرحمن،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة