البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ابني بدأ يكبر

كاتب المقال فتحي العابد - تونس / إيطاليا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2171


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بدأ البيت تنقصه الفوضى والإزعاج، بدأت بعض الرسومات المضحكة تختفي من على جدران المنزل أو أي ملصقات مليئة بالألوان على أبواب خزانته.

كنت قد انتقلت إلى الكتابة على الهاتف وأنا جالس ألاعبه أحيانا وأتفرج فيه حينا آخر، وحتى لايترك أثار يده اللزجة على وجه حاسوبي، فعاقبني بأن أصبح يشطب برمشة عين تدويناتي من على الهاتف التي أسجلها في صفحة معلقة، تصل أحيانا إلى 99 بين نصوص طويلة وقصيرة، انتقاما منه لأني لم ألبي له طلبه.

صرت أرى أقل من ذي قبل بقايا الخبز أو البسكويت أسفل الأريكة أو بقايا بري أقلام متناثرة في البيت.

بدأت أجلس لأقرأ كتابي، أو على حاسوبي لأكتب بعض خربشات حروفي، دون أن يأتي ابني الصغير ليقفز عليّ، أو يغلقه ويضمني ويغمرني بالحب ويلح في أن ألعب معه كما يريد لا كما هي قواعد اللعبة..

انتقلت أجلس إلى جنبه في غرفته أوقات مراجعة دروسه، ولا يهمني في تدويناتي بعدما أصبح عنده هاتفه الخاص، وألعابه الإلكترونية الخاصة به، وترك لعب لعبته المفضلة في هاتفي أو كما كان يفاجئني بتلك الرسالة (عفوا لقد نفد رصيدكم) من باقة الرسائل.

أعلم أن الحياة ستكون مختلفة، عندما يكبر ابني أكثر، والبيت سيصبح هادئا، وأنا متيقن من الآن أن ذلك لن يعجبني، لذلك آخذه معي في السيارة بوتيرة أكثر من ذي قبل غالبا دون أمه، وإن هو كارها أحيانا، لكي أنفرد به داخلها أين تنعدم مساحة الهرب لأشحنه بأرصدة كثيرة تعلمتها في حياتي، ليردها لي وهو كبير.. محدثا إياه أحيانا عن العالم الذي لايعرفه.. عن الإحترام وتقدير تعب والديه ، وخاصة أمه، لأنها هي التي تحبه من لحظة أن يفتح عينيه، وأباه الذي يحبه بدون أن يظهر في عينيه فيظلمه.

قائلا: يابني، أمك هي التي تقدمك إلى العالم، بينما أباك يحاول أن يقدم لك العالم فيشقى، هي التي تمنحك الحياة، بينما هو يعلمك كيف تحيا هذه الحياة فيجهدك، هي تحملك داخل رحمها تسع أشهر، بينما هو يحملكما باقي العمر ولا تشعر، هي تصرخ عند الولادة فلا تسمعها، وهو يصرخ بعد ذلك، فتتضايق منه ومن صراخه.

أمك تبكي إن مرضت، وأباك يمرض إن بكيت منزويا، هي تتأكد بأنك لست جائعا، بينما هو يعلمك أن لا تجوع فلا تدرك، هي تحملك على صدرها، وهو يحملك على ظهره فلا تراه.

يابني أمك تحميك من السقوط، بينما أباك يعلمك القيام بعد السقوط فيرهقك، حب أمك تعرفه منذ الولادة، بينما حب أبوك تعرفه عندما تصبح أبا..

صرت اليوم أنا من يبحث عن الجلوس معه لأحادثه وأصاحبه، لأنه عندما يكبر أكثر بحول الله وقوته، سأمشي في المغازات غير متسارع الخطى دون أن أقلق لمروري في قسم الألبسة الموقعة و"الماركات" المشهورة، لكي لا يطالبني بالشراء، ولن يدخل علي في منتصف الليل خائفا من حلم أو كابوس ليتمددّ بيني وبين أمه آمنا وظهري حماية لرأسه.

أنا اليوم ومازال ابني لم يكبر ألوم نفسي كثيرا على عقابه، إذ لم يكن يدرك سبب العقاب ويبكي قلبي فأنكب عليه وهو نائم مقبلا، ومعاتبا نفسي.

بعد خمسينيتي الأولى عرفت أن الحوار مع ابني هو طريقة لتعريفه بالعالم الخارجي وتأسيس اللغة لديه، أتعامل معه بتلقائية وتذكيره بأعيادنا وعاداتنا، ومشاهدة فيلم "كوباي" معه أحيانا، ويرى طريقة تعاملي مع أمه، مشجعا ومطمئنا إياه دائما بعد النقد، مستمدا صبري وقناعتي من تجربة شغلي كمحضّر ومفوّض من طرف السلطات القضائية لأطفال أحداث فاقدين السند العائلي، أو لهم سلوكيات منحرفة تتعارض مع قواعد المجتمع الإجتماعي الذي ينتمون إليه، بسبب سلوك والديه أو عنف وقع عليه.

أتذكر قول أحد القضاة لي: "لا تضرب طفل وتبرر بأنك تأدبه، أو لكي تبعده عن السلوك الخاطئ، حينما تضرب طفل فهذا يعني أنك تعاني من مرض نفسي أو أحقاد متراكمة في محاولة لإظهار قوتك على الأطفال".

في غدوّي ورواحي أتخيل المستقبل وأتذكر تلك المواقف كلها وغيرها الكثير، فأحمد الله، على أن رزقني الله ابنا في درجة متقدمة من الأدب والإحترام في مجتمع اختلط في" الصافي بالكرفة"..

أحاول دائما الإستمتاع بكل لحظة مع ولدي واللحظات قليل.. فأحداث اليوم هي ذكريات المستقبل.. أحاول الإستمتاع بتربيته وتعليمه كل شي، فهي تجربة ثرية حقا.. اليوم قلبه مازال لي ولأمه، أما غدا فقلبه لغيرنا، خاصة إذا لم نتركا عنده رصيدا لذلك وهو صغيرا.. أحاول الإستمتاع به قبل أن يكبر فتشاركني فيه صوارف الحياة وملاهيها وبقدر استمتاعي به وهو صغير أستمتع به وهو كبير.

{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الطفولة، المراهقة، التربية، الأسرة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-02-2020  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  بيع الجمل ياعلي
  الهدهد واللقاء الأول
  البغولية
  ابني بدأ يكبر
  ثروة العقول
  حتى لا ننسى..
  الدعوشة إعاقة ذهنية
  الجدية قيمة مفقودة في تونس
  بومباي Pompei عبرة التاريخ
  معنوية النضال
  علاقة النهضة بمنزل حشاد
  حنبعل القائد العظيم
   زرادشتية حزب الله
  بناء الإنسان
  تجديد الفهم الديني
  منزل حشاد
  لطفي العبدلي مثال الإنحدار الأخلاقي
  النهضة بين الفاعل والمفعول به
  حركة النهضة بين شرعية الحكم ومشرعتها الشعبية
  التمرد على اللغة العربية في تونس
  قرية ساراشينسكو “Saracinesco” صفحة من الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيطالية
  هروب المغترب التونسي من واقعه
  سياسة إيران الإستفزازية
  محاصرة الدعاة والأئمة في تونس
  المعارضة الإنكشارية في تونس
  حجية الحج لوالديا هذا العام
  إعلام الغربان
  المسيرة المظفرة للمرأة التونسية عبر التاريخ
  رسالة إلى الشيخ راشد الغنوشي
  الدستور.. المستحيل ليس تونسيا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د.محمد فتحي عبد العال، مجدى داود، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- محمود علي عريقات، د - محمد بن موسى الشريف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، وائل بنجدو، إياد محمود حسين ، صفاء العراقي، محمد علي العقربي، المولدي الفرجاني، د - مصطفى فهمي، أحمد النعيمي، سامح لطف الله، طارق خفاجي، محمود طرشوبي، سعود السبعاني، د. عبد الآله المالكي، سيد السباعي، علي عبد العال، الهادي المثلوثي، المولدي اليوسفي، رمضان حينوني، د- هاني ابوالفتوح، د - الضاوي خوالدية، خالد الجاف ، رافد العزاوي، عبد الرزاق قيراط ، د- محمد رحال، عمار غيلوفي، سلام الشماع، محمد الطرابلسي، د. طارق عبد الحليم، يحيي البوليني، ضحى عبد الرحمن، علي الكاش، منجي باكير، فوزي مسعود ، أحمد ملحم، الناصر الرقيق، د. مصطفى يوسف اللداوي، أ.د. مصطفى رجب، صباح الموسوي ، سليمان أحمد أبو ستة، ماهر عدنان قنديل، أحمد الحباسي، رشيد السيد أحمد، عراق المطيري، صلاح المختار، تونسي، الهيثم زعفان، د - صالح المازقي، د. خالد الطراولي ، محمد عمر غرس الله، بيلسان قيصر، صفاء العربي، محرر "بوابتي"، د - محمد بنيعيش، إيمى الأشقر، عواطف منصور، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، د. أحمد محمد سليمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عمر غازي، طلال قسومي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حميدة الطيلوش، محمد شمام ، سامر أبو رمان ، د- جابر قميحة، سلوى المغربي، صالح النعامي ، محمود فاروق سيد شعبان، ياسين أحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - عادل رضا، أبو سمية، فتحـي قاره بيبـان، إسراء أبو رمان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عزيز العرباوي، د - المنجي الكعبي، أنس الشابي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، مراد قميزة، حسن الطرابلسي، فهمي شراب، العادل السمعلي، مصطفي زهران، أحمد بوادي، فتحي العابد، جاسم الرصيف، سفيان عبد الكافي، د. صلاح عودة الله ، فتحي الزغل، عبد العزيز كحيل، محمد العيادي، د. أحمد بشير، نادية سعد، محمد يحي، خبَّاب بن مروان الحمد، حسن عثمان، كريم السليتي، أشرف إبراهيم حجاج، كريم فارق، عبد الله الفقير، محمد أحمد عزوز، رضا الدبّابي، مصطفى منيغ، عبد الله زيدان، عبد الغني مزوز، محمود سلطان، صلاح الحريري، محمد اسعد بيوض التميمي، رافع القارصي، د - شاكر الحوكي ، محمد الياسين،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز