قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -2- السلوك الشاذ (اللاسوي)
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4906
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
السلوك الشاذ – اللاسوي Abnormal Behavior
باديء ذي بدء لابد أن نقرر أن " السلوك الإنساني " مصطلح يشير - بصفة عامة – إلى كل الأفعال والأقوال والنشاطات والتصرفات التي تصدر عن الإنسان سواءً كانت ظاهرة Overt أم غير ظاهرة ( خفية ) Covert، خارجية أم داخلية، وهو يتضمن ثلاث مكونات : المكون المعرفي، والمكون الحركي، والمكون الانفعالي، أما " الشاذ " فهو غير الطبيعي أو غير المعتاد، أو غير المألوف،
وهناك في الحقيقة خلاف كبير بين علماء النفس حول طبيعة السلوك الشاذ، ويعترف احد رواد وأئمة علم النفس الحديث بان " البدء في تعريف السلوك الشاذ يكون بداية خاطئة " فالعلم لا ينجح دائما في إعطاء تعريفات معقولة عن الظواهر الطبيعية حتى يصل إلى درجة معقولة من الفهم المقدم لأسبابها، فالأسهل هو أن نصف وأن نتعرف على فيل مثلا من أن نعرفه "،
ولذلك يفضل البعض من علماء النفس الميل الى وصف السلوك الشاذ اكثر من الاهتمام بوضع تعريف له بالمعنى الدقيق، خاصة وان معنى السواء والشذوذ (اللاسواء ) ومعاييرهما تختلف من مجتمع لاخر، بل وداخل المجتمع الواحد نفسه، ومع هذا فهناك انماط من السلوك الشاذ والشخصيات الشاذة يمكن تمييزها بسهولة عن غيرها من السلوكيات او الشخصيات (1)،
ومن أجل تحديد معنى السلوك الشاذ يرى البعض أن هناك مدخلان أو طريقان يمكن من خلالهما التعرف على الأشياء وتحديدها بوجه عام :
الطريق الأول : هو الذي يصف الأشياء من خلال أضدادها..أي تعريف الشيء بضدده ونقيضه، فنحن نعرف الأبيض – مثلا - لأنه غير الأسود، ونصف الرجل بأنه ليس طفلا..وبهذا المعنى يكون السلوك الشاذ.. ما هو ليس بسليم أو بسوي.. وإن كنا نحتاج هنا أيضا لان نتفق على أوصاف محددة لما نعتبره سليما وصحيحا في الحياة.
أما الطريق الأخر : فهو تعريف الأشياء بالنظر إليها من الداخل.. من خلال وصف متعلقاتها الأساسية، فنحن – مثلا - لا نكتفي بأن نصف الرجل بأنه ليس طفلا (كما في المدخل الأول) بل علينا أن نصف ما يتعلق بسلوك الرجل من نضوج انفعالي وقدرة على استخدام اللغة والاستقلال والقدرة على الضبط الحركي والمشي..... إلى غير ذلك،
وفي هذه الحالة يجب التعرف على السلوك الشاذ من خلال وصف أنواع معينة من السلوك " تكون غالبية الناس مستعدة للموافقة على أنها سلوك مضطرب أو شاذ " (2)
ويعرف بعض علماء النفس السلوك الشاذ بأنه : " السلوك الذي يحسب كعلاقة او دليل على الاضطراب النفسي أو الانفعالي، ويتدرج من مشكلات التوافق المغري أو البسيط إلى الاضطراب العقلي الشديد والعصاب والذهان أو الاضطرابات الشخصية " (3)
هذا ويرتبط مفهوم السلوك الشاذ ( اللاسوي ) لدى علماء النفس بمصطلح " العلاج السلوكي " Behavioral therapy أو " تعديل السلوك " Behavior Modification باعتباره المنهج الذي يعتمد في تناوله للسلوك المضطرب على أساس من نظرية التعلم، والمسلمة الرئيسية التي نسلم بها هي أن الإنسان يتعلم أن يستجيب بطريقة شاذة لبيئته.. إلى أن يتحول هذا الشذوذ إلى عادة وأسلوب حياة نطلق عليه فيما بعد بحسب اتجاه هذا الشذوذ وأعراضه المصطلحات اﻟﻤﺨتلفة للاضطرابات النفسية والعقلية،
ويرى العديد من علماء النفس أن الشخص المضطرب Troubled person ( اللسوي ) نفسيا بأنه لا يختلف في طبيعته عن الشخص العادي Normal Person .. فليس هناك فرق بين المضطربين والأسوياء إلا في مقدار ظهور السلوك الذي نعتبره شاذا، والفصامي.. والعصابي والجانح - بهذا المعنى - ليسوا من طبيعة بشرية مختلفة.. ولكنهم بشر يختلفون في بعض أوجه السلوك فقط، وفي أن التصرفات التي لا تحقق لهم ولا لمن حولهم السعادة والرضا أكثر بكثير عما هي عليه بين من نطلق عليهم أصحاء أو أسوياء، والحقيقة أن جوانب السلوك الشاذ أو المضطرب متسعة في غاية الاتساع وتشمل طائفة كبيرة من الاضطرابات النفسية والعقلية. على أن بعض هذه الاضطرابات نادر (كحالات المرض العقلي أو الجنون) على حين أن بعضها يشيع شيوعا كبيرا في اﻟﻤﺠتمع مما يجعلها موضوعا جديرا بالاهتمام كالقلق والكآبة والجريمة.
وفي مجال الممارسة العملية نجد أن الاضطرابات النفسية تتفاوت فتشمل تلك الحالات التي تتراوح من مشاعر الكدر والضيق والتعاسة والملل وتمتد لتشمل الحالات العقلية الخطرة التي تتطلب عادة اللجوء للطبيب النفسي أو إلى المصحات للعلاج النفسي والعقلي. والشخص المضطرب نفسيا بشكل عام ضعيف الفاعلية في عمله وفي علاقاته الاجتماعية ولو أن هذا لا يمنعه في كثير من الأحيان من ابتكار كثير من الأفكار الجديدة الهامة ومن أن يكشف عن بعض الجوانب من التصرفات لا تختلف عن العادي (4) ،
وفي مجال علم الاجتماع والدراسات الاجتماعية يعرف السلوك الشاذ بأنه : " عبارة عن الانحراف عن نماذج السلوك المتوقعة، أو السلوك الذي يتعارض مع قيمة مقررة، ولا يهدف لتحقيق غاية بعينها، ويختلف السلوك الشاذ اجتماعيا أو نفسيا باختلاف الثقافات، أو المراحل التاريخية فيها، أو المواقف الاجتماعية،
أو هو : هو ذلك السلوك الغير اجتماعي يقوم على عدم مواجهة الاخرين ويكون للشخص ضعف في المواصفات الشخصية،
وذلك استنادا إلى أن " اللاسواء " من الوجهة الاجتماعية : هو الخروج عن القواعد المرسومة اجتماعيا ( المعايير التي ارتضاها المجتمع ) من قبل فرد أو مجموعة أفراد ينتمون لنفس الجماعة، ويسلكون غير سلوك الجماعة.
وجدير بالذكر أن علماء الاجتماع قللوا من استخدامهم لهذا المصطلح في الوقت الذي لا يزال مستخدما على نطاق واسع في الدراسات النفسية،
وقد ظهرت في علم الاجتماع مصطلحات اخرى تؤدي نفس المعنى مثل : الإنحراف Deviance في مقابل الامتثال Confomity لوصف قطبين من السلوك متعارضين اجتماعيا
ولا يعني السلوك الشاذ ان صاحبه منحرف اجتماعيا بشكل لا يستطيع معه ان يواجه مواقف متعددة باستجابات ناجحة اجتماعيا، ذلك لان السلوك الشاذ مرتبط بموقف معين واذن فانه في مواقف اخرى يمكن ان يكون السلوك متوافقا، وفي هذا الصدد يقال ان هناك في الثقافة مواقف قد تشجع السلوك الشاذ، ومواقف اخرى تشجع السلوك السوي (5)،
ويعرف " قاموس علم النفس والعلوم المرتبطة " السلوك الشاذ بأنه : " هو السلوك الذي ينحرف عن ما يعتبر طبيعيا من الناحية الثقافية أو العلمية، وعادة ما يشير إلى السلوك غير القادر على التأقلم والتوافق Maladaptive Behaviour "،
" Abnormal behaviour: Behaviour which deviates from what is considered normal, culturally or scientifically, usually refers to maladaptive behavior" (6)
- " السلوك الشاذ "هو اى سلوك يبدوا غريبا او غيرمألوف او غير معتاد، يسبب للشخص نفسه او للاخرين مشاعر ضيق وضجر، وقد يكون سلوكا خطيرا على الشخص نفسه، او على الاخرين والمحيط من حوله "
وتجدر الاشارة إلى حقيقة مؤداها أنه ليس من السهل تحديد الخط الفاصل بين السلوك السوي، والسلوك الشاذ ، فهناك أكثر من معيار أو محك يستخدم للتمييز بينهما، على أن معظم المعايير المستخدمة في هذا الصدد بها مواطن ضعف، ووجهت لها انتقادات عديدة، مما يجعل الاعتماد على أحد تلك المعايير أمرا غير مناسب من الناحية العلمية والموضوعية، كما أن كل نظرية من نظريات علم النفس تضع أوصافاً مختلفة عن الأخرى في تعريف السلوك الشاذ، ولكن ما يميز السلوك السوي عن الشاذ هو عدة معايير، وليس معيارا واحدا،..
محكات السلوك الشاذ :
ولعل من الملائم الإشارة إلى أن بعض علماء النفس تمكنوا من وضع وتحديد بعض المحكات والمعاييرللسلوك اللاسوي أو الشاذ ( على اعتبار ان السلوك الشاذ هو الانحراف عن اى معيار منها ) ونوجز تلك المعايير فيما يلي (7) :
- المحك الثقافى الاجتماعى Cultural and Social standard ويعني أن السلوك الشاذ هو السلوك الذى لايتفق مع معايير المجتمع وتقاليده السائده،
- المحك الاحصائى : Statistical standard هو السلوك الذي ينحرف عن المتوسط الحسابي،
- المحك الباثولوجى ( المرضى ) : Pathological standard ( patients) السلوك الشاذ عبارة عن مجموعه من الاعراض كالمحاوف والوساوس المتسلطة والاكتئاب عند المرضى النفسيين واعراض الهلاوس والاعتقادات الخاطئة،
- محك سوء التوافق Mis-adjustment standard هو السلوك اللاتوافقي،
- محك التعاسه الذاتية Self – unhappy standard ويرى ان افضل معيار للحكم على الشخص وسلوكه احساس الشخص نفسه بالضيق وبوطاة المشكلات اى يكون الشخص نفسه مصدرا للشكوى،
- المحك البحثى والادارى : research and administrative standard حيث ينظر إلى السوك الشاذ على أن هو الذي يتعرض صاحبه للعلاج النفسى او التردد على عيادة نفسية، او مستشفى نفسى،
المحك متعدد الاوجه multi-faceted standard ويرى اصحاب هذا الاتجاه ضرورة الاخذ فى الاعتبار كل المحكات السابقه مجتمعة، او بعضها ( أكثر من محك ) دون الاقتصار على محك واحد منها عند الحكم على درجة شذوذو السلوك
وختاما نشير إلى بعض الملاحظات المرتبطة بالسلوك اللاسوي منها :
- أن بعض العلماء ( وخصوصا في علم النفس والدراسات الانسانية ) يميلون إلى اعتبار البدء بوصف السلوك السليم أو العادي ( السوي ) مَدْخلاً مهما لفهم السلوك الشاذّ ( اللاسوي )، بالرغم من صعوبته،
- تتعدد مجالات اللاسواء في السلوك الانساني، وإن كان الغالب في هذا الصدد هو حالات اللاسواء النفسي، إلا أن هناك أيضا :
اللاسواء الجسمي أو الفيزيقي،
اللاسواء العقلي،
اللاسواء الاجتماعي،
اللاسواء الأخلاقي،
اللاسواء العقدي والروحي،
- أن الخدمة الاجتماعية كمهنة تعمل مع حالات السواء واللاسواء، وتهدف ضمن ما تهدف إلى تعديل السلوك اللاسوي عن طريق برامج التدخل المهني، ومن خلال العمل الفريقي مع التخصصات والمهن الأخرى،
- أن من مؤشرات السلوك اللاسوي : التحرر الاجتماعي، قصور التحكم الذاتي، عدم القدرة على تحمل الإحباط، الألم الذاتي أو الضيق(الحصر الدائم)، ظهور علامات وأعراض معينة، عدم تناسب السلوك مع الموقف ( الاستجابة مع المثير )، مع غرابة في السلوك، وعدم معقوليته وصعوبة التنبؤ به،
****
الهوامش والاحالات :
===============
(1) – أنظر :
- هانز أيزنك : " الحقيقة والوهم في علم النفس "، ترجمة : قدري حفني، ورؤوف نظمي ، دار المعارف بمصر، القاهرة : 1969م،
- - عبد الستار ابراهيم : " العلاج النفسي الحديث قوة للانسان "، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد رقم (27)، مارس : 1980م، ص : 27،
(2) - عبد الستار إبراهيم، وآخرون : " السلوك الإنساني : نظرة علمية "، دار الكتب الجامعية، القاهرة، ١٩٧٧م،
(3) - جابر عبد الحميد جابر - علاء الدين كفافي : " معجم علم النفس والطب النفسي "، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988م، ص 7،
(4) - عبد الستار ابراهيم : " العلاج النفسي الحديث قوة للانسان "، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد رقم (27)، مارس : 1980م،
(5) - أنظر :
- محمد عاطف غيث : " قاموس علم الاجتماع "، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1979م،
(6) - M.S. Bhatia ,: "Dictionary Psychology And Allied Sciences" , New Age International Puplishers,New Delhi, 2009,
(7) – أنظر :
- شيلون كاشدان : " علم نفس الشواذ "، ترجمة : أحمد عبدالعزيز سلامة، مراجعة : محمد عثمان نجاتي، دار القلم، الكويت، 1977م،
- نادر فهمي الزيود : " نظريات الإرشاد والعلاج النفسي "، دار الفكر، 2008 م،
************
أ.د/ أحمد بشير، جامعة حلوان، القاهرة،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: