نبذة تاريخية عن الفرس حمراء الكوفة وتواجدهم في المدينة
يزيد بن الحسين - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10255
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
اسست الكوفة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستوطن الفرس في الكوفة بعد هزيمة الفرس في معركة القادسية، و كان الفرس يسمون الحمراء ( بالحمر أو بالموالي ) الاخبار الطوال (ص 296) . وقد سالوا عن أمنع القبائل العربية فقيل لهم تميم فتحالفوا معهم تاريخ الطبري
واكبر موجة فارسية استوطنت الكوفة عقيب تاسيسها و هي المجموعة الضخمة من بقايا فلول جيش الفرس ، وقد عرفت في التاريخ باسم " حمراء ديلم " فكان عددهم - فيما يقول المؤرخون - أربعة آلاف جندي يراسهم رجل يسمى (ديلم) قاتلوا معه تحت قيادة رستم في القادسية فلما انهزمت الفرس، وقتل رستم عقدوا أمانا مع سعد بن أبي وقاص، وشرطوا عليه أن ينزلوا حيث شاؤوا، ويحالفوا من أحبوا وان يفرض لهم العطاء، وقد حالفوا زهرة بن حوية التميمي أحد قادة الفتح، وفرض لهم سعد في الف الف، فتوح البلدان ص 280 (
وقد كونت هذه الجالية مجموعة كبيرة في المجتع الكوفي، ويذكر فلهوزن انهم كانوا اكثر من نصف سكان الكوفة، وقد أخذ عددهم بازدياد حتى تضاءلت نسبة العرب في الكوفة، وتغلبوا في عصر المامون حتى كانت اللغة الفارسية تحتل الصدارة في ذلك العصر فك العربية (ص 83 - 84)
ويقول الجاحظ ان اللغة الفارسية أثرت تاثيرا كبيرا في لغة الكوفة ) البيان والتبيين 1 / 19 - 20 وعلى أي حال فان الفرس كانوا يشكلون عنصرا مهما في الكوفة وكونوا بها جالية متميزة فكان أهل الكوفة يقولون جئت من حمراء ديلم " ويقول البلاذري ان زيادا سير بعضهم إلى الشام، وسير قوما منهم إلى البصرة
امتهنوا بعض المهن التي يأنف العربي ان يمارسها ويستحون منها كتصليح الأحذية مثلاً وما شابه
ذكر بعض المؤرخين المختصين بتأريخ الأمم والأقوام أن 50% من سكان الكوفة كانوا من الموالي , وقال بعضهم أن نسبة سكان الكوفة كانوا 60%
ويمكن مراجعة كتاب ( مبعوث الحسين ) لمؤلفه الباحث الأستاذ محمد علي عابدين , حيث بين الخريطة السكانية في بدايات تأسيس الكوفة .
ليعلم القارئ ومن خلال مطالعة سريعة للكتاب الموثق بالمصادر المعروفة غلبة الجنسيات الأخرى غير العراقية وغير العربية في ذلك الوقت
وذكر الشيخ فاضل المالكي في مجلسه الحسيني الليلة الخامسة , في ما يعرف بليلة مسلم بن عقيل في الحسينية النجفية في قم في منتصف التسعينيات : إن أقل مؤرخ ذكر نسبة مئوية لعدد سكان الموالي كانت النسبة هي 40%
وكان العجم في حسينياتهم يرددون الشعار اللئيم السيئ الصيت ..شعار ( ما أهل كوفة نيستيم إمام تنها بماند ) .
ولم يذكر التأريخ أن أحداً من هؤلاء الأعاجم قاتل دفاعاً عن الحسين أبدأً . في نفس الوقت نستطيع القول وبسهولة وبالبديهة أن هؤلاء الموالي قاتلوا كلهم ضد الحسين لأن الأمر من عبيد الله بن زياد قد صدر: بأن قد برأت الذمة بعد ثلاث ( أي ثلاث أيام ) ممن يبقى في الكوفة ولم يخرج لقتال الحسين
يذهب فلهوزن في الخوارج والشيعة ص211 الى :ان الموالي ...كانوا يؤلّفون أكثر من نصف سكان الكوفة وفي أيديهم الحرف اليدوية والمهن التجارية، وكانت غالبيتهم من حيث الأصل واللغة من الفرس .
يذكر البلاذري في فتوح البلدان - ج 2 - الصفحة 343 نه قد : كان مع رستم يوم القادسية أربعة آلاف يسمون جند شهانشاه. فاستأمنوا على أن ينزلوا حيث أحبوا، ويحالفوا من أحبوا، ويفرض لهم في العطاء. فأعطوا الذي سألوه. وحالفوا زهرة ابن حوية السعدي من بنى تميم، وأنزلهم سعد بحيث اختاروا، وفرض لهم في ألف ألف، وكان لهم نقيب منهم يقال له ديلم، فقيل حمراء ديلم
وينص البلاذري في الصفحة اللاحقة على ان هولاء قد اسلموا وشهدوا فتح المدائن مع سعد، وشهدوا فتح جلولاء، ثم تحولوا فنزلوا الكوفة مع المسلمين.
ويؤكد الدنيوري على ان غالب جيش ابراهيم بن مالك الأشتر في معركته الحاسمة مع عبيد الله بن زياد كان من هولاء وهم من الفرس تحديدا :
(.....فانتخب له المختار عشرين الف رجل وكان جلٌهم أبناء الفرس الذين كانوا يسمون الحمراء ).الأخبار الطوال / الدينوري -ص301
وبحسب الشيخ باقر شريف القرشي في حياة الامام الحسين –ع- ج2 ص437 : قد كونت هذه الجالية مجموعة كبيرة في المجتمع الكوفي، ........وقد أخذ عددهم بازدياد حتى تضاءلت نسبة العرب في الكوفة، وتغلبوا في عصر المأمون حتى كانت اللغة الفارسية تحتل الصدارة في ذلك العصر .
ويرى جرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي ج4 ص34 :ان لهولاء تسميات متعددة باختلاف اماكنهم بيد ان المسمى واحد وهو ( الفرس ) فهم يسمون في اليمن الأبناء وفي صنعاء خاصة يسمون بني الأحرار، وفي الكوفة الأحامرة، وبالبصرة الأساورة، وبالجزيرة الحضارمة، وبالشام الجراجمة.
لقد مارست الحكومات المتعاقبة والأرستقراطية العربية تجاه الموالي سياسة فريدة من نوعها من حيث تعصبها ولا إنسانيتها كانت بعض مظاهرها :
انهم كانوا يكرهون أن يصلوا خلف الموالي، وإذا صلوا خلفهم قالوا: إننا نفعل ذلك تواضعاً لله ، وقد صار بعض كبار التابعين يبغض المسجد اكثر من بغضه كناسة داره لا لشيء الا لان الموالي كانوا يصلون فيه !
وقد دفع هذا الامر الموالي الى تأسيس مساجد خاصة بهم تحمل اسم (مسجد الموالي ).
ذكروا ان تابعياً آخر كان إذا مرت به جنازة قال من هذا ؟ فاذا قيل عربي قال وا بلوتاه واذا قالوا قرشي قال واقوماه ،واذا قيل مولى قال هو مال الله يأخذ ما شاء ويدع ما شاء !
وبلغوا من الاسفاف حداً كانوا يقولون فيه لا يقطع الصلاة الا ثلاثة : حمار او كلب او مولى !
وكانوا لا يكنونهم بالكنى والألقاب ، ولا يدعونهم إلا بالأسماء ، ولا يمشون في الصف معهم، ولا يدعونهم يتقدمونهم في المواكب، وإن حضروا طعامًا قاموا على رؤوسهم، وإن أطمعوا المولى لسنه وفضله وعلمه أجلسوه في طريق
الخباز؛ لئلا يخفى على الناظر أنه ليس من العرب، ولا يدعونهم يصلون على الجنائز إذا حضرأحد من العرب !
وقد تخاصم عربي ومولى بين يدي عبد لله بن عامر صاحب العراق فقال المولى:
، ; لا كثر لله فينا مثلك ; فقال العربي "بل كثر الله فينا مثلك " ، فقيل له :" ايدعو عليك وتدعو له ؟"
وكانوا يمنعون المولى من المناصب الدينية الرفيعة كالقضاء بذريعة انه " لا يصلح للقضاء الا عربي "
و كانوا يستخدمونهم في الحروب مشاة ولا يعطونهم عطاءً ولا شيئًا من الغنائم أو الفيء حتى قال احد الموالي لعمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين عشرون ألفا من الموالي يغزون بلا عطاء، ولا رزق، ومثلهم قد أسلموا من أهل الذمة يؤدون الخراج وبقيت الجزية سارية المفعول على المجوس حتى بعد اسلامهم
وقد صور بعضهم حالتهم المزرية في العهد الأموي بان قال :
أبلغ أمية عني إن عرضت لها * وابن الزبير وأبلغ ذلك العربا
ان الموالي أضحت وهي عاتبة * على الخليفة تشكوا الجوع والحربا
يمكن ملاحظة تفصيل ذلك كله في تاريخ التمدن لجرجي زيدان ج4 ص71 وموارد متفرقة , الاسلام والخلافة للدكتور المصري علي حسني الخربوطلي ص109 ,وحياة الامام الحسين –ع- لشيخ باقر شريف القرشي ج2 ص135
نعم كان الامام علي -ع- وحكومته استثناء من ذلك كله قال القاضي الهندي أمير علي : وقد أظهر الامام علي منذ بداية الدعوة الاسلامية كل تقدير ومودة نحو الفرس ، الذين اعتنقوا الاسلام . لقد كان سلمان الفارسي ـ وهو أحد مشاهير اصحاب الرسول ـ رفيق علي وصديقه . كان من عادة الامام أن يخصص نصيبه النقدي في الانفال لافتداء الاسرى . وكثيراً ما أقنع الخليفة عمر بمشورته ، فعمد إلى تخفيف عبء الرعية في فارس . وهكذا.. كان ولاء الفرس لاحفاده واضحاً تمام الوضوح
ويرى فان فلوتن : ان من اسباب ميل الخراسانيين ، وغيرهم من الإيرانيين الى العلويين ، هو أنهم لم يعاملوا معاملة حسنة ، ولا رأوا عدلاً ، إلا في زمن حكم الامام علي عليه السلام .( سلمان الفارسي ص172 للسيد جعفر مرتضى العاملي )
ذكروا ان سبي الفرس لما ورد المدينة أراد الخليفة عمر أن يبيع النساء، ويجعل الرجال عبيداً للعرب،ولكن أمير المؤمنين (عليه السلام) عارض ذلك ، واعتق نصيبه ونصيب بني هاشم فلم يتم للخليفة ما اراده . دلائل الامامة ص82
يحدثنا "دلو" : في خلافة عثمان تردت اوضاع الموالي الاجتماعية والاقتصادية وزادت حالتهم سوء وذلك عندما ارادت الأرستقراطية العربية ان تجعل من السواد بستاناً لقريش فانفلت أقاربه الحكام في انتزاع أراضي الموالي وأرزاقهم واستغلال جهودهم دون رحمة مما دفعهم الى الانحياز الى جانب علي -ع- الذي أدخلهم في صفوف جيشه اذ كان منهم ثمانية آلاف وساوى بين الموالي والعرب في العطاء وكتب الى عماله يأمرهم بحسن معاملتهم ) الذات الجريحة ص90
وقصة ترجيحه-ع- قنبر مولاه على نفسه مشهورة معروفة :
فقد أتى –ع- سوق البزازين ، فاشترى ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم، والآخر بدرهمين. وطلب من قنبر، ان يأخذ الذي بثلاثة، قال: أنت أولى به يا أمير المؤمنين، تصعد المنبر وتخطب الناس. فقال: يا قنبر، أنت شابّ ولك شره الشباب، وأنا أستحيي من ربّي أن أتفضّل عليك، لأنّي سمعت رسول الله يقول: ألبسوهم ممّا تلبسون، وأطعموهم ممّأ تأكلون مستدرك الوسائل ج3 ص. 257.
كتب ابن عباس إلى الامام الحسن عليه السلام يقول له وقد علمت أن أباك عليا إنما رغب الناس (عنه) وصاروا إلى معاوية لأنه واسى بينهم في الفيء، وسوى بينهم في العطاء، فثقل ذلك عليهم انساب الاشراف ج3 ص 29 الهامش و نـقـل ابراهيم بن محمد الثقفي في الغارات - ج 2 – الصفحة 494 قول المغيرة : كان علي عليه السلام أميل إلى الموالي وألطف بهم، وكان عمر أشد تباعدا منهم وفي نفس المصدر ج1 ص70 : إن امرأتين أتتا عليا - عليه السلام - عند القسمة إحداهما من العرب والأخرى من الموالي، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهما وكرا من طعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين إني امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم؟! فقال علي - عليه السلام -: اني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيئ فضلا على بني إسحاق!
وفي الكافي ج8ص69 (فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلا من الانصار ثلاثة دنانير وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الانصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالامس تجعلني وإياه سواء ا؟ فقال: إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا).
وقد اعلن -ع- في الايام الاولى لخلافته شعاره المعروف :
( أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار....) المصدر نفسه .
وينقل الكليني في الكافي ج5 ص319 عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) : أتت الموالي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا: نشكو إليك هؤلاء العرب إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعطينا معهم العطايا بالسوية وزوج سلمان وبلالا وصهيبا وأبوا علينا هؤلاء وقالوا: لا نفعل، فذهب إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فكلمهم فيهم فصاح الأعاريب أبينا ذلك يا أبا الحسن أبينا ذلك فخرج وهو مغضب يجر رداؤه وهو يقول: يا معشر الموالي إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى يتزوجون إليكم ولا يزوجونكم ولا يعطونكم مثل ما يأخذون فاتجروا بارك الله لكم فاني قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الرزق عشرة أجزاء تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها. ...).
يبدو ان هذه الحادثة كانت قبل خلافته –ع . وقد فسح الامام-ع- المجال للموالي وقربهم وادناهم حتى اعترض عليه الاشعث بن قيس قائلا : "غلبتنا هذه الحمراء على قربك " فرده الامام -ع-رداً عنيفاً (الكامل للمبرد ص500).
===
نص مقتبس من كتاب ( فتوح البلدان ) / للبلاذري
وحدثني أبو مسعود الكوفي، عن بعض الكوفيين قال: سمعت مسعر بن كدام يحدث قال: كان مع رستم يوم القادسية أربعة آلاف يسمون جند شهانشاه. فاستأمنوا على أن ينزلوا حيث أحبوا، ويحالفوا من أحبوا، ويفرض لهم في العطاء. فأعطوا الذي سألوه. وحالفوا زهرة ابن حوية السعدي من بني تميم، وأنزلهم سعد بحيث اختاروا، وفرض لهم في ألف ألفٍ، وكان لهم نقيبٌ منهم يقال له ديلم، فقيل حمراء ديلم.
ثم إن زياداً سير بعضهم إلى بلاد الشام بأمر معاوية، فهم بها يدعون الفرس. وسيراً منهم قوماً إلى البصرة فدخلوا في الأساورة الذين بها.
قال أبو مسعود: والعرب تسمى العجم الحمراء، ويقولون: جئت من حمراء ديلم، كقولهم جئت من جهينة وأشباه ذلك.
قال أبو مسعود: وسمعت من يذكر أن هؤلاء الأساورة كانوا مقيمين بازاء الديلم، فلما غشيهم المسلمون بقزوين أسلموا على مثل ما أسلم عليه أساورة البصرة، وأتوا الكوفة فأقاموا بها.
فتوح البلدان البلاذري
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: