الأمة تريد الخدمة والإيرانيون لا يوافقون
مداخلة في مسار الحراك الشعبي
د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4428
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الاعتصام الشعبي يتسع أكثر فأكثر، وتنظم قطاعات عراقية جديدة ليصبح حركاً شعبياً، صدى الاحتجاجات تأخذ مداها في الساحتين العربية والدولية بل وتلقى التفهم لها، المؤشرات تتجمع في المنطقة، وبالمقابل لا تحرك جدي ينبئ عن تفهم الحكومة للأحتجاجات، الكتل السياسية دون استثناء عبرت عن تفهمها للموقف الشعبي، إلا الحكومة ما زالت عاجزة عن إدراك المرحلة التاريخية ومستلزماتها. فمؤشرات اليوم تدل عن استياء، واحتجاج، يتحول بمرور الأيام إلى غضب، تتعدى حدوده محافظة معينة، كما هي ليست محصورة في طيف أو شريحة معينة.
قائمة المطالب تتسع وتطول، واليوم يتحدث نواب وشخصيات وفعاليات عامة علناً عن فساد بمليارات الدولارات، واختفاء أموال عامة، ومشاريع، وهناك حديث مدعم وموثق عن عجز الحكومة مواجهة ملفات مهمة، البعض منها سيادي وله تداعياته القانونية، إذن فالمهمات كبيرة مقابل قدرات متواضعة على مواجهتها، وتلك مؤشرات سلبية بالطبع.
إذا كانت مطلب المحتجين عادلة ومحقة، وهذا بأعتراف جهات ومؤسسات سياسية داخلية وخارجية، فلماذا تتجاهل الحكومة تلك المطالب، وقد غاب عن بالها أن فرص التصعيد متوفرة، بحكم أتساع الساحات، وأتساع حركات الاحتجاج، فالحكمة تستدعي توجهاُ جدياً مخلصاً، فالمناورة ومحاولات الالتفاف تفقد المصداقية وتدفع تطور الموقف إلى زوايا صعبة، وليس من الخطأ الاحتكام إلى صندوق الانتخابات، واحترام إرادة الشعب ونتائج الخيارات الديمقراطية، لا الالتفاف عليها.
تمر المنطقة العربية برحلة دقيقة وبالغة الحساسية، فالاحتلال الأمريكي للعراق خلف آثاراً وخيمة، تخلخل من جرائها التوازن وتعرض الأمن الإقليمي لدول كثيرة لعناصر ضعف وتهديد عديدة، وإزاء هذه المخاطر التي تتناول سيادة البلدان وأمنها الاقتصادي، مالذي ينبغي أن تفعله أية حكومة ولاسيما في العراق الذي يقع في بؤرة التهديدات والمخاطر، الأمر الذي يستلزم رؤية ذات زاوية للنهوض بمهمات هذه المرحلة البالغة الصعوبة.
وأولى تلك المهمات أن تسعى الحكومة للابتعاد عن كل ما يثير الحساسيات، والهواجس لدى مكونات وطنية من فئات اجتماعية أو توجهات سياسية، وأختطاط سياسة وطنية تعمل على استبعاد عناصر الخلاف والفرقة، والتأكيد على عناصر اللقاء والعمل المشترك، وإشاعة ظروف الثقة والاطمئنان، وإتاحة الفرصة لأوسع قدر من الناس للاندغام في العملية السياسية والاجتماعية، واحتمال السلطات الحكومية الآراء التي تنطوي على مخالفة لأرائها، وغيرها كثير من مبادرات وفعاليات ترمي في نهاية المطاف عدم دفع المواطن إلى زاوية الشك بالسلطات وغاياتها، وتبقي الجسور سليمة مع السلطات الحكومية، وبالتالي تحصن المواطن من اللجوء إلى مناهضة الدولة لعدم ثقته وإيمانه بها، مما يسهل لجوء المواطن إلى أساليب ربما تنطوي على تطرف، أو تعصب، لأنه لا يجد في السلطة أي تفهم أو تطمين لهواجسه، وفقدان الثقة حالة ليست عاطفية، بل هي حالة عقلانية يساهم فيها الطرفان، السلطة، والأفراد، ولكن نصيب السلطة أكبر بحكم امتلاكها للقوة التنفيذية والإجرائية.
وليست هناك قوة بوسعها أن تخرج عشرات أو مئات الألوف من المواطنين إلى الشارع، والساحات للتظاهر أو الاعتصام أو للتعبير عن الاستياء والغضب، بوسائل التلفيق، فهذا يخالف المنطق والعقل، فلا يعرض الإنسان حريته وكرامته أو حياته مقابل حفنة من الدراهم الرخيصة حيال احتمالات الخسائر، لذلك فمن الأفضل للسلطات الحكومية مواجهة الأمر الواقع، ودراسة الموقف ووضع حلول مقبولة ملموسة، وابتداء توفير أجواء الثقة,
وفي العراق يتراجع الموقف بدرجات متسارعة، وتعرض مكوناته الأساسية للتفكك بفعل أرادات أجنبية، التي تسعى لتكريس مصالحها، أما المصالح الوطنية العراقية، فهي متناقضة مع المواقف الأجنبية، وليس هناك نتيجة محتملة سوى حتمية المزيد من الضعف والتدهور في العراق، وبالتالي فإن المطلب العاجل يتمثل بحكومة وحدة وطنية، وإلغاء الطائفية قواعد وممارسات يجري العمل بها وهي من أسباب تمزق المجتمع العراقي.
يبدو لنا بكل بساطة أن برنامجاً كهذا هو بحاجة إلى عمل سياسي كبير، لن لا تجدي معه الحلول السطحية، ولا الوساطات الأجنبية، فنحن بمواجهة أزمة عميقة نجمت عن فقدان ثقة، وعن شعور عميق بالظلم والتهميش، وهذا لن تحله تطمينات وتصريحات ولا لجان، سواء الشخصية منها أو اللجان الحكومية الروتينية، فالثغرة في العراق اليوم كبيرة ولا يقومها إلا جهد عراقي سياسي شامل، ورؤية عميقة إلى قلب الأزمة العراقية التي طالت واستطالت منذ نيف وعشرة أعوام من التدهور المتواصل.
ينبغي إعادة النظر فيما تأسس بعد الاحتلال. نعم هذا هو المطلوب إن شئنا التحدث بصراحة، من أجل التوصل لحلول حقيقية لأزمة كبيرة مستحكمة لا يتم عبر علاجات سطحية، ولابد من إدراك أن صبر العراقيون قد نفذ، ولا تجوز المراهنة سوى على الحكمة والحرص والإرادة المخلصة على أن لا تطال ألسنة اللهب أرجاء العراق، ولنتمكن جميعاً ـن نعيش في وطن هو ملك الجميع دون أدنى ريب، وليست لمن بيده البندقية ومفاتيح السجون.
ليعلم كل العراقيون أنهم سيكونون غرباء وأجانب إذا لم يتشبثوا بأرضهم، فقد خبروا وتيقنوا سطوة الأجنبي بصرف النظر عن جنسيته، ولون عينيه، كل محتل هو غاصب ومغتصب ولا يريد لبلادنا وشعبنا الخير، الرهان على فرقة العراقيين هو رهان أجنبي خبيث. ولماذا تصل أنظمتنا إلى الحلول متأخرة، بل متأخرة جداً، وبعد خسائر ربما لا داع لها. هل الأمر كله يعود أن القرار الوطني العراقي يطبق في بغداد ولكنه لا يتخذ فيها ..؟ كيف استولت إيران على قرارنا بدون أن تطلق رصاصة واحدة ..!