الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6861
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مثلما عانى المسلمون الأوائل من كذب و بهتان الإعلام الذي كان يمثله في ذلك الوقت الخطباء المفوهين و شعراء السب و الشتم الذين غالبا ما ألبسوا الحق بالباطل و أشكلوا على الرأي العام في حسم خياره تجاه السلطة الجديدة فكانت الإشاعات و التهم الباطلة تلاحق النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام و من الذين برعوا في هذا المجال الوليد بن المغيرة و هو أحد زعماء الثورة المضادة حيث سخّر كل وقته للتصدي لدعوة النبي عليه الصلاة و السلام لأهل قريش شيبها و شبابها نسائها و رجالها للثورة على الكفر و الجهل و عبادة الطاغوت و التحرر من ظلم العبودية و الإنعتاق من شرور الفساد إلى حرية الإيمان و المعتقد و حرية الفكر و التعبير و رغم إدراك بن المغيرة للحقيقة إلا أنه كابر و ظلّ على ما هو عليه بوق دعاية للنظام القديم.
هذا النظام الذي ظلّ يصارع الدعوة الجديدة لسنين طويلة التي جاءت لتنصف المقهورين و المظلومين و تعيد الحقوق لأصحابها و قد كان الجهاز الإعلامي لهذا النظام رأس الحربة في تصديه للثوار و محاولة تشويه صورتهم لدى الرأي العام فنقيب الإعلاميين في قريش جنّد جميع الوسائل الإعلامية المتاحة من ذلك أنه كان يقوم بشراء ذمم بعض الذين يحسنون فنون الكلام لدعوة الناس في المجالس لعدم تصديق محمد و أصحابه في دعوتهم و ما هذه الدعوة إلا بث للفتنة و الفرقة بين مكونات الشعب الواحد و أن هذا الخطاب هو خطاب رجعي لا يمت لحداثة قريش بصلة تلك الحداثة المبنية أساسا على إباحة جميع أنواع المنكرات من شرب للخمور و ممارسة لشتى أنواع الرذائل التي تستهوي الكثير من الأنفس المريضة و حثه المتواصل على الحفاظ بشتى الوسائل على هذا النمط المجتمعي الحديث الذي ورثته قريش عن زعيمها و صانع حداثتها عمرو بن هشام المعروف لقبا بأبي جهل.
و لم يقتصر الأمر على التشويه فقط بل تعداه إلى مراحل أخرى و هي تجييش السلطة الحاكمة في تلك الفترة ضد معارضيها الذين أبوا إلا الإطاحة بالنظام فشنت إثر ذلك حملة كبيرة تفننت خلالها في القمع و التنكيل و التعذيب و القتل و التهجير حيث تم نفي الرسول صلى الله عليه و سلم و من بقي من صحابته على قيد الحياة إلى شعاب مكّة أملا في إنفضاض الناس من حوله لكن خابت ظنون أباطرة الإعلام فكلما أوقدوا نارا إلا و أطفئها الله و عادت عليهم بالوبال و شيئا فشيئا ترسخت قناعة لدى كل الأطراف المعادية للثورة المحمدية بأنهم لن يقدروا على مجابهتها لذلك عمدوا إلى إستعمال طريقة اللاسلم و اللاهدوء حيث كانوا يفتعلون المشاكل و الأزمات و ذلك لأرباك الوافدين الجدد للسلطة علّهم يعيقوا هذا الإنتقال السلمي للسلطة الذي تمّ دون إراقة قطرة دم واحد و ذلك بعد فتح مكّة.
لكن ذلك لم يمنع من محاسبة رموز النظام البائد قبل المصالحة ممن عبروا عن ندمهم و توبتهم و إستعدادهم للإنخراط في المشروع الثوري الجديد حيث أن الرسول عليه الصلاة و السلام قال حين دخوله لمكّة مخاطبا أصحابه " إذا وجدتم عبد العزى بن خطل التميمي، وعبد الله بن أبي سرح القرشي، وعكرمة بن أبي جهل القرشي، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صبابة الكناني، وهبار بن الأسود القرشي، وقينتان كانتا لابن خطل، كانتا تغنيان بهجو الرسول، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب بن هاشم، وهي التي وجد معها كتاب حاطب بن أبي بلتعة فأقتلوهم و لو كانوا معلقين بأستار الكعبة " و هذه دعوة لمحاسبة كبار المفسدين و الجلادين و قتلة الشهداء ثم قال قولته الشهيرة " إذهبوا فأنتم الطلقاء " و أطلق بذلك العفو العامّ عن الجميع و هذه كانت رسالة موجهة للشعب البسيط الذي عانى ويلات ديكتاتورية قريش و ليست لمن أجرموا في حق الشعب.
و رغم هذا الإنتصار للثورة إلا أن أزلام النظام البائد لم يستسلموا و حاولوا بكل الطرق إيجاد وسائل إعلامية أخرى التي جاءت نتيجة زواج مصلحة بين الرأس مال الفاسد و بين الذين أفقدتهم الثورة مراكزهم و سلطانهم فظهر نوع جديد من الإعلام و هو أخطر من الذي سبق لأنه يظهر ما لا يبطن و هم المنافقون الذين كان على رأس هذه المؤسسة الإعلامية زعيمهم عبد الله بن سلول و هذا النوع من الإعلام تولى المهمة بدلا عن وسائل الإعلام القديمة و واصل بدوه إستهداف المؤسسات الشرعية للدولة و رموزها و لعلّ أشهر الحوادث هي حادثة الإفك التي روجت لها تلك الآلة الإعلامية المضللة حتى جاء الإعلام من العليم الذي لا ينام تجلية للحقيقة و إظهارا لكذب و نفاق هؤلاء.
و لأن من عادة الثورات أن تصنع إعلامها فإن الثورة المحمدية جاءت بجيل جيد من الإعلاميين من أمثال أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا أصحاب الكلمة الحق و كذلك علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه صاحب الفصاحة و البلاغة لم يتورطوا مع النظام البائد و يتميزون بالصدق في القول و الإخلاص في العمل و ظهرت بوادر هذا العمل الإعلامي الجديد من خلال قوافل المؤمنين بالثورة و بقيمها التي جاءت أفواجا لتبايع و لتخلص لمبادئ الثورة و لحماية الشرعية و الدفاع عنها.
و لعلّ من أكثر الدلائل التي تشير إلى إنهزام الآلة الإعلامية الضخمة لأعداء الثورة ما قاله الوليد بن المغيرة في وصفه للقرآن حين سأل من قبل بقية أعداء الثورة عن حقيقة إنضمامه للثوار حيث يقول " والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق و أنه يعلو وما يعلى عليه " و هي كانت شهادة حق من عدوّ و كما ترون أيها القرّاء الأعزاء فإن التاريخ يعيد نفسه فهكذا كان حال الأجداد منذ آلاف السنين في مواجهتهم لإعلام الكذب و التضليل و تزييف الحقائق و هو لا يبتعد كثيرا عن حالنا اليوم مع حفظ الفوارق بين إعلام قريش و إعلام القروش ( الأموال الفاسدة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: