الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7172
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعد رحلة يوم الأمس و ما تخللها من تحسس و إكتشاف للعالم الأخر خصوصا بالنسبة لمن يسافر أول مرة خارج حدود الوطن دخلنا هذا اليوم في العمل و التدريب على أليات العمل الصحفي المحلي البداية كانت على الساعة التاسعة صباحا حيث تناولنا الفطور بالفندق و كان عبارة عن مأكولات قولونية خصوصا تلك الفطيرة التي يتم إعدادها بخليط من التفاح و المربى و هي لذيذة لكن تبقى فطائر تونس الأفضل على الإطلاق بالنسبة لي.
إثر ذلك و على الساعة العاشرة صباحا تحولنا إلى مقر جريدة بولدنسكي حيث إعترضنا العلم التونسي يرفرف فوق المبنى دخلنا بعدها إلى المقر أين تعرفنا على الزملاء الذين يعملون هناك إثر ذلك إجتمعنا بهيئة التحرير و تم إسناد العمل الصحفي الذي سنقوم به و قد تعاملوا معنا على أساس أننا من صحفيي الجريدة الذين عليهم إنجاز عملهم قبل إرسال الجريدة للطباعة و أول ما لاحظته أن مبنى جريدة بولدنسكي رائع إلى أبعد الحدود و يجعلك تقبل على العمل بصدر منشرح فرغم أن هذه الجريدة هي محلية إلا أنه لديها إمكانيات كبيرة و هذه نتائج سنين طويلة من عمل كامل فريقها الصحفي و على رأسه السيد يوراك المحرر العام و لا أبالغ حين أقول أن أكبر الصحف الوطنية في تونس لا تمتلك ما تملكه هذه الصحيفة المحلية و السرّ في إعتقادي ليس قلّة الإمكانيات في تونس بل هو غياب العقلية الإحترافية و الإخلاص في العمل الذي توفر لديهم.
مباشرة بعد الإنتهاء من الإجتماع تحولنا إلى أعالي جبال زاكوبان و قد كان المنظر جميل للغاية حيث أنك تجد نفسك على إرتفاع كبير جدا يجعلك ترى المدينة و هي تحت و أيضا المنازل المنتشرة بين الجبال و أشجار الغابات و قد كانت لنا فرصة زيارة عجوز جبلية تسكن بيت تقليدي و هي من أقارب السيد يوراك الذي أراد أن يعرفنا عليها و بمجرد وصولنا فرحت فرحا شديدا حيث قالت هذه السيدة و التي تدعى هيلانا أنه للمرة الأولى في حياتها يزورها شخص أجنبي و قد أهدتني جواب صوفية مصنوعة يدويا من صوف الخرفان و هذه تصنعها بنفسها ثم تبيعها للتجار و هو مصدر رزقها و قد أخبرتني أنها لا تأكل ألا من عرق يديها و هي تريد العمل بنفسها لتجد ما تنفقه دون منة من أحد هنا رجع بي العقل إلى تونس حيث جحافل العاطلين العمل تملئ المقاهي و إغلب في ربع عمر هذه السيدة لكن لا يملكون عشر ما تملك من إرادة في الحياة حقاً لقد كان درسا لي تعلمته من السيدة هيلانا في فن العيش بكرامة.
بعد ذلك تركنا السيدة هيلانا التي ودعتنا بحرارة و توجهنا نحو سوق المدينة و ذلك للقيام بتقرير صحفي حول صناعة الأجبان في هذه المدينة و في السوق كان لنا لقاء مع عديد تجار مادة الجبن و قد قمنا بتجميع المعلومات اللازمة و خلال هذه الجولة في السوق قام السيد يوراك بإهدائي قبعة جبلية تقليدية التي إرتديتها و هو ما جلب الإنتباه حيث أن عربي يرتدي قبعة تقليدية يعتبر شيء نادر نظرا لعدم تواجد العرب بهذه لمدينة لكن كانت تجربة جيدة حيث أعتقد أن هذه العملية كفيلة لوحدها بإثارة التساؤل لدى هؤلاء الناس عن سبب وجود هذا التونسي بهذه المناطق و هو ما يجعل من تونس مادة للإهتام لدى السكان هنا و هو جيد بالنسبة لنا خصوصا في هذا الظرف الإنتقالي حيث أن تونس تحتاج إلى جميع أصدقائها.
أتممنا عملنا داخل السوق بشكل جيد ثم تحولنا إلى أحد المقاهي أين جلسنا لإحتساء القهوة البولونية و أخذ قسط من الراحة قبل التحول إلى مبنى محافظة زاكوبان لإجراء حديث صحفي مع محافظ المدينة و على الساعة الواحدة و النصف ذهبنا إلى مقر المحافظ و أول الأشياء التس تلاحظها النظام الشديد داخل المبنى و السلاسة و السهولة في التعامل و الضحكة التي محيا الجميع و قد إستقبلتنا السكرتيرة بترحاب كبير و أجلستنا وسط قاعة للجلسات لإنتظار المحافظ الذي كان خارجا و ماهي إلا دقائق حتى جاء المسؤول الأول في زاكوبان دخل الرجل و رحب بنا حيث كان متواضعا ألى أبعد الحدود ثم بدأنا بطرح الأسئلة عليه و كانت للأمانة دون تحفظ حيث قيل لنا يمكنكم أن تسألوا ما تشاؤون و كان الرجل يجيب بكل تلقائية و قد تمحورت الأسئلة حول الوضع العام في زاكوبان و التجاذبات بين السلطة و المعارضة و للأشارة فأن المحافظ و باقي أعضاء المحافظة يتم إختيارهم بإنتخابات يشارك فيها جميع سكان المدينة و يعتبر مجلس المحافظة بمثابة حكومة محلية و قد أخبرنا محافظ زاكوبان أنه يعرف تونس جيدا و هو يزورها بشكل دوري و أنها بلاد جميلة و ينتظرها مستقبل مشرق.
إنتهت المقابلة مع المحافظ و تركناه لنتحول بعدها إلى أحد المطاعم لتناول الغداء ثم بعد ذلك رجعنا إلى مقر الجريدة و ذلك لإتمام بقية العمل و هو ما تم فعلا حيث جلست على المكتب الذي تم تخصيصه لي من قبل إدارة التحرير و كنت مطالبا بالعمل على تحضير ما طلب مني ثم إحالته إلى السيدة ماجدة المترجمة آلت ترافقني لكي تترجمه إلى البولونية حتى يتسنى لإدارة نشره في عدد هذا الأسبوع أتمت عملي و لحمد لله على الساعة الخامسة مساء لكن الملاحظة هنا أن الليل يسدل خيوطه مبكرا و الضباب دائماً يكسو المنطقة هو ما يضفي عليها جوّ شاعريّا.
تحولت بعدها إلى الفندق للراحة بعض الوقت ثم عاودوا الخروج من جديد حيث تحولنا إلى ركن من المدينة يتميز بمطاعمه التقليدية التي تقدم أطباقها على أنغام الموسيقى الحبلية التقليدية و قد كان كل شيء يحيلك على تاريخ زاكوبان سواء من خلال الطريقة التي بنيت بها المطاعم أو من خلال نوعية الموسيقى و كذلك أيضا لباس العازفين الذي كان تقليديا خالصا و هو ما يظهر مدى تعلق هؤلاء الناس بثقافتهم و بهويتهم.
إثر ذلك رجعنا إلى الفندق و قد إن قضت أولى أيام التدريب الذي كان تجربة جديدة بالنسبة لي جعلتني أستخلص بعض الأشياء لعل أهمها أن الديمقراطية فكر فإن أردنا أن نصل ببلادنا نحو الديمقراطية المنشودة علينا ببناء العقول أولا ثم أن الشعوب لن تتقدم إذا كانت منبتة أي أنها بدون هوية و بدون ماضي ترتكز عليه لبناء المستقبل.
يتبع...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: