الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7328
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
على الساعة الثالثة صباحا كان موعدي مع رنات منبه هاتفي توقضني من النوم و بسرعة أفقت و جهزت نفسي و أنطلقت نحو مطار تونس قرطاج الدولي و ذلك لأسفار نحو بولونيا أين سأقضي أسبوع تدريب على العمل الصحفي المحلي في صحيفة بولدنسكي التي تصدر بمنطقة زاكوبان التي تقع في الجنوب البولوني و بتمويل من مؤسسة روبرت شومان.
إذن مباشرة بعد وصولي إلى المطار قمت بإجراءات السفر ثم بعد ذلك صعدت إلى الطائرة و كانت هذه المرة الأولى في حياتي التي أسافر فيها خارج تراب الوطن و مع إعلان مضيفة الخطوط الجوية الإيطالية عن وجوب الإستعداد لأن الطائرة بصدد الإقلاع سرت داخل جسمي مزيج من الأحاسيس حيث شعرت أن الوطن غالي و تسائلت في نفسي عن حال ذاك الذي تركه دون عودة فما تراه قد شعر و طائرة الذل و العار تنقله إلى بلاد بعيدة حيث لا تبلغه ريح الوطن و لا يشتمها.
ثم دخلت في موجة من التأمل العميق و شرود الفكر دون أن أشعر بالوقت حتى باغتني صوت المضيفة من جديد معلنا وصولنا إلى روما و بالتالي علينا الإستعداد للهبوط و ماهي إلا بعض الدقائق حتى حطت الطائرة بسلام و الحمد لله و في تلك اللحظة بدأت نسمات أروبا تلفح وجهي الذي لازال غبار تونس لم ينقشع عنه بعد إنها فعلا نسمات رقيقة جعلت الكثير من شيبنا و شبابنا يقدمون أعمارهم و أفكارهم و مجهوداتهم و كل شيء لديهم لأوروبا تاركين الأوطان للغير إن شاء سرقة إعمارها و الوقوف على خرابها و دمارها.
أخذتنا الحافلة إثر نزولها من الطائرة و توجهنا إلى المطار أين خضعنا لتفتيش دقيق ثم تحولنا إلى القاعة المخصصة لنا لننتظر الطائرة التي ستقلنا إلى وارسو مكثنا زهاء الساعتين و النصف بمطار روما ثم صعدنا الطائرة من جديد غير أن الرحلة هذه المرة كانت مريحة و ممتعة أكثر من سابقتها حيث أنها كانت في النهار و كانت مشاهد المدن التي نمر بها و مشاهد السحب رائعة للغاية تجعل الواحد منا يقف أمام عظمة الله سبحانه و تعالى الذي خلق فصوّر فأبدع كل شيء و أيضا قدرة الإنسان على الإختراع و بلوغ مراتب عليا في العلم و المعرفة.
و بعد قرابة الساعتين من الزمن حطت بنا الطائرة في مطار وارسو أين حملنا حقائبنا و توجهنا نحو باب الخروج و قد كانت الإجراءات أكثر سلاسة مما كانت عليه في مطار روما و بوصولنا إلى البهو الرئيسي للمطار وجدنا ممثلين عن جمعية روبرت شومان يتقدمهم السيد مارك مدير هذا المشروع التدريبي و كذلك السيد ڤينيلي و هو المنسق بيننا و بين الجمعية كما وجدنا أيضا المترجمان اللذان سيرافقننا طوال الرحلة و هما على التوالي الأنسة ماجدة و السيد بولس.
لقد كان الإستقبال ممتاز حيث توجهنا جميعا عن طريق القطار أو الميترو كما يسمى عندنا في تونس نحو مركز مدينة وارسو و قد لاحظت التواجد الأمني الكثيف و بسؤالي عن ذلك أخبرني أحد المرافقين أن هذا اليوم يصادف عيد الإستقلال البولوني و بالتالي فإن كثيرا من الأطراف تخرج للإحتجاج و هو ما يجعل الأمن يتهيأ لكل الحالات الطارئة حيث عادة ما تحدث إشتباكات و شاهدت بعض المتظاهرين الذين كانوا يرفعون الأعلام البولندية و كانوا يرددون شعارات لم أفهم معناها لكن ما فهمته أننا في تونس نسير في الطريق الصحيح مادام الجميع يتظاهر و يعبر عن رأيه بكل حرية و دون خوف.
بعد ذلك تحولنا إلى أحد المطاعم حيث تناولنا طعام الغداء و تجاذبنا أطراف الحديث إلى أن حانت ساعة مغادرة العاصمة و التوجه نحو الجنوب حيث ركبنا القطار المتوجه نحو مدينة كاركوفا و هي ثاني أكبر المدن البولندية بعد العاصمة وارسو و قد إستمرت الرحلة قرابة الثلاث ساعات و عند وصولنا وجدنا في إنتظارنا كل من السيد يوراك مالك جريدة بولدنسكي و السيدة يووانا و أيضا بعض الزملاء الصحفيين الشبان من بولونيا و كذلك من بورما هم أيضا بصدد التعلم و التدرب و قد كانت فرصة مناسبة لتجاذب أطراف الحديث خصوصا مع هذا التنوع في الإنتماء و الثقافات و التجارب إثر ذلك توجهنا صوب المدينة العتيقة أين ركبنا إحدى العربات التقليدية التي تجرها الأحصنة التي قمنا على متنها بجولة رائعة شاهدنا خلالها عديد المعالم التاريخية للمدينة مثل النصب التذكاري لتخليد ضحايا إحدى المجازر التي إرتكبها الروس في شمال بولوني كما شاهدنا أيضا القصر الذي كان يسكنه ملوك بولونيا و الذي يسمى بافيل هذا بالإضافة للعديد من المعالم الأخرى ثم و بعد هذه الجولة جلسنا داخل إحدى المقاهي حيث إحتسينا جميعا فنجانا من القوة التي تتميز بها بولونيا و كان مذاقه لذيذا جداً.
إثر ذلك مباشرة توجهنا نحو زاكوبان على متن سيارة يوراك الخاصة و قد دامت الرحلة قرابة الساعتين وصلنا بعدها إلى النزل الذي سنقيم فيه طوال مدة التربص و لعل الرحلة كانت طويلة و مرهقة إلا أنها كانت ممتعة أيضا و تتعلم منها الكثير و لعل من أكثر الأشياء التي تتعلمها من هذا الشعب البولوني أن لديه حبا كبيرا لوطنه و أنه شعب يحب النظام فعلا لا قولا فقط و هذا تلمسه في كل مكان تذهب إليه كما أنك تلاحظ شدة تفانيهم و إخلاصهم في عملهم و هذه عوامل كلها تجعل من بولونيا بلدا تنخفض فيه نسبة البطالة إلى ستة في المائة ويرتفع فيه مستوى العيش بشكل ملفت مما يجعلها تنافس القوى التقليدية في القارة العجوز لكن تبقى الملاحظة الأبرز في هذا اليوم الأول هو مدى الحب و الإحترام الذي يكنه الشعب البولوني للشعب التونسي و لثورته.
يتبع...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: