د. ضرغام عبد الله الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7509
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في مقالنا السابق حول إيران، كتبنا أن ألحان الأوبرا الافتتاحية (Overture) قد ابتدأت تعزف، وها قد ابتدأت الحركة (Tact) الأولى... الانتفاضة لم تقمع بل هي تتجذر وتأخذ مدى أعمق وأكثر وعياً ..!
الغرب يحبس أنفاسه...
الغرب في غاية الحذر ...
التصريحات الأوربية تتوجس وتطلق عبارات متأنية .. رقيقة .. مهذبة .. ويتجاهلون قدر الإمكان أو بالأحرى يغلسون ..!
هم يراقبون الموقف في إيران بدقة بالغة، يريدون التغير، ولكنه تغير أنيق لا ينطوي على تحولات جوهرية، ولا يخل بالاتفاقات، وبتوازنات الشرق الأوسط، وما أدراك مالشرق الأوسط ... لا أحد يريد تغير كبير، ذو طابع جوهري، الشعب الإيراني فقط يريده تغيراً لا يشاهد بعده وجه الملالي ..
ربما يتساءل البعض لماذا نمنح عنوان المقالتين رموزاً اوبرالية..
ولم لا ...؟ فكل شيئ يدور كالأوبرا والأوكسترا تعزف، والشعوب تدفع الثمن، والحركات القادمة ستكون أكثر قوة وعنف، لأن الأمر يتعاظم في أعين اللاعبين والمتفرجين. هي فكرة سطحية بدائية لمن يعتقد أن الانتفاضة انتهت، بل أن الجديد الخطير فيها أن المطالبة الشعبية وصلت إلى سقف جديد، (تجاوزت مسألة إعادة الانتخابات) الشعب لا يريد إعادة الانتخابات، ولا رئيس وزراء جديد، بل حتى مرشد جديد، بل نظام جديد .. نظام يحترم الإنسان بصرف النظر عن دينه وطائفته، وما مدون في هويته.
نظام الملالي لا يسانده اليوم سوى رعاع وغوغاء الشارع الإيراني، ومن يقبض راتبه ووظيفته لقمع الناس والسذج يعتقدون أن من لدية جهاز أمن قوي ينام ليله دون خوف ..
إيران درة ثمينة في تاج المخططات والمؤامرات في المنطقة، لذلك لا أحد يريد عملاً متهوراً خارج السيطرة يأتي بما لا يحمد عقباه. أمريكا والغرب ليس مهتم بالديمقراطية وحقوق الإنسان، هذه مصطلحات للتسويق السياسي ولتصدير الأزمات .. عباءة يفصلونها وفق مقاسات دقيقة.
الولايات المتحدة جاءت بالملالي، لأن ذلك يخدمها في استراتيجيات عديدة في مقدمتها التصدي لحركة التحرر العربية، ولعب دور الممزق السياسي والديني في المنطقة، أي دور غير مشرف يطلق عليه: صانع مشاكل (Troublemaker)، والأمر أستنفذ مداه، أو خرج عن مداه، وصار لابد من طاقم ملالي جديد، ربما بقيادة مرشد جديد، قد يكون رفسنجاني، أو إلغاء وظيفة المرشد. ولكن هل سيقبل الشعب الإيراني بذلك ..
الأمر يعتمد على لعبة على الشد والسحب ..
وبعد سنوات من السحق والتدمير، أتضح بكل بساطة أن الشعب قد سأم لعبة الملالي، وأن العباءة قد جرى احتقارها علناً، وصور المرشد الأعلى وكانت له مرتبة مقدسة اليوم لم تعد كذلك، فقد قذف الشبان صوره بالحجارة ومزقوها وأهانوه علناً .. الشعب يريدها هكذا، دعونا نعيش مثل سائر شعوب الأرض، كلها لها أديان ...!
العباءة الإيرانية مطلوبة ومرغوبة أمريكياً وغربياً أولاً ولا يتصورون الشرق الأوسط بدونها. فليتخيل القارئ، كيف يكون الشرق الأوسط مع إيران ديمقراطية ليبرالية ..؟ ليتني أرى غرفة إدارة العمليات في وزارة الخارجية الأمريكية، فأنا أستطيع أن أتصور وأستمع لما يدور فيها من حوارات ومناقشات. وزارة الخارجية هم حمائم القرار السياسي الأمريكي، الاستخبارات العسكرية والبنتاغون، هم صقورها، المخابرات الأمريكية CIA تقبل ما يؤدي إلى المطلوب والمقبول.
ما هو المطلوب ..؟
المطلوب بدقة: تغير تحت السيطرة Change under Control لا يتوهمن أحد أننا نريد حكماً ديمقراطياً في إيران، وإلا فإن نظاماً كهذا قد يصبح قنبلة الشرق الأوسط. نريد أن يبقى الملالي في الحكم، الملالي حصاننا الرابح، بل هم حصان طرواده العصر في العالم العربي والإسلامي.. كيف ..؟
ألم يدخلوا جوف الحصان ولم يخرجوا منه إلا عندما أذنا لهم في العراق وأفغانستان بسبابتنا أن تعالوا، وهم يؤدون دورهم هناك بكل دقة وانضباط، نعم تأخذهم الحماسة أحياناً فيخرجون عن النص، ولكن عموماً هم أدوا ما طلبناه منهم، حتى أن كرزاي راض عنهم اشد الرضا، ولا يفهم ما سر غضب الأمريكان على نظام خامنئي، ومن هو كرزاي، الذي لا يرى أبعد من قصره المحروس من قبلنا في كابل، ولكن ما لمانع فليثرثر كما يشاء وليستقبل احمدي نجاد وليغدق عليه كرم الضيافة، ولكن في الأخير نحن نقرر كيف ستدور اللعبة.
فيعملوا القنبلة الذرية، ما المانع ..؟ إذا كانت لن تستخدم ضد إسرائيل، وبالطبع هي كذلك، فهذا ما يجمع عليه عقلاء ومجانين إيران على حد السواء، واستخدامها كسلاح سياسي هو أمر مقبول أيضاً، ولكن للولايات المتحدة قواعد صارمة جديدة في التعامل في موضوعات كهذه: لك أن تصبح قوياً، بل نحن نريدك أن تكون قوياً و(نساعدك) بل وعسكرياً أيضاً، لكن بشرط أن نستخدم قوتك ما نشاء، وأن تكون أداة في يدنا، سلاحنا ينبغي أن يكون في خدمة استراتيجيتنا. هناك من لم يستوعب الدرس التركي التي عندما غزت قبرص قطعت عنها المساعدات العسكرية، فاضطرت تركيا أن تستخدم في (فيلق إيجة) معدات وأسلحة من صنع تركيا فقط، وحرصت الولايات المتحدة أن تتأكد من ذلك حتى طلقة المسدس.
لسان حال الأمريكان يقول: نحن لا ننكر أنهم خدمونا، ولكنهم، وكطبيعة الفرس عبر التاريخ، وهي خصلة لصيقة بهم لا يستطيعون عنها فكاكاً، عندما ينال شيئاً يطلب المزيد. وهم نسوا أنهم ما حصلوا على امتياز واحد في المنطقة إلا بعد أن قطف لهم الأمريكان الموزة من أعلى الشجرة وقشروها وقالوا لهم هنيئاً مريئاً، وهكذا صار الصائعين والضائعين حكاماً في العراق، وهكذا صار حسن نصرالله بطل الأمتين العربية والإسلامية بعد أن عجزت إسرائيل عن هزيمته في حروب الحفلات التنكرية، لأنه يمتلك ألفين صاروخ، يا للمعجزة .. ترى كل هذه الجيوش العربية ليس لديها ألفين صاروخ كاتيوشا .. التي صوتها المدوي أكثر من فعلها. وإسرائيل ميتة من الرعب .. ياللمسرحية التافهة .. هي مسرحية التي يجوز أن يرتدي الراقصون ما يشاءون من ثياب، لك أن تصبح أكبر جنرال في العالم مجاناً، لك أن تصبح طرزان عصرك، إذا تعرف إطلاق صيحات الغابة المسكونة بالجن والعفاريت، يلعب فيها من هب ودب حتى الضب، وآخرين أدركوا أن العروبة بضاعة كاسدة، وغيروا الموجة على الطائفية ..! يحسبونها شطارة، ولسان حالهم يقول: بلا عروبة بلا بطيخ.
العراقي يقول عندما يرى أن محدثه فقد صبره: تجيك السالفة، أي تأتيك القصة ...!
ملاحظة: حررت هذه المقالة قبل تظاهرات طهران يوم 21/ تموز ...!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: