سامر أبو رمان - الأردن
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7215 Samirrumman@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تشير حالة الفرح والهذيان التي يعيشها العديد من المهووسين الذين جهزوا وتأهبوا لاستقبال وترتيب زيارة الحبر الأعظم لمنطقتنا إلى درجة متقدمة من الانحطاط والذل في نسيان أو تناسي من أخطأ بحقنا بكلمات طاعنة بديننا، والتي ما تزال ترن بآذاننا، ومن سبقه من أسلافه الباباوات الذين سهلوا وبرروا اغتصاب أرضنا، وقتل أطفالنا ونسائنا في فلسطين.
مسؤولون طاروا إلى روما للتجهيز للزيارة قبل أسابيع، و طوابع بريدية خاصة للمناسبة، وطقوس وملابس وصور معبرة عن هذا الحدث الجلل! واستنفار لفئات عديدة من المجتمع خفافا وثقالا، وإعلام أوجع رأسنا ليل نهار، و فتح وسائله لمتنفعين و متزلفين يمنوننا بثمار هذه الزيارة بأكل السمن والعسل من دولارات السياحة - أو بمعنى أدق فتح البلاد للفساد - بعد هذه الزيارة المقدسة!! أتذكرون سيمفونية ما سنجني من الاستسلام والخذلان مع العدو الصهيوني قبل 18 عاما.....؟
في خضم هذا الوضع الهستيري ، يبدو أنه يلزم أن نذكر هؤلاء - إن كانوا قد نسوا - بالتاريخ الأسود لباباوات الفاتيكان بحق فلسطين بعد اجتماع أعضاء مجمعة المسكوني الثاني في ستينات القرن الماضي حينما قدموا للكيان الإسرائيلي أكبر دعم ديني وسياسي بتاريخ العلاقات الكاثوليكية اليهودية بإصدار وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح (نوسترا ايتات )، ولترتكب أكبر جريمة سياسية مغلفة بشكلها الديني لتبرير اغتصاب فلسطين.
فالكنيسة الكاثوليكية ظلت طوال ألفي عام متمسكة باعتقادها بأن ما يسمى بالأمة اليهودية قد انتهى، و أن الله طرد اليهود من فلسطين إلى بابل عقوبة لهم على قتل المسيح، وأن النبوءات الدينية التي تتحدث عن العودة تشير إلى العودة من بابل، وأن هذه العودة قد تمت بالفعل على يد الإمبراطور الفارسي قورش. وظل الفاتيكان بتعاليمه وأدبياته ونشراته المختلفة ضد إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين؛ ليحافظ على جزء أساسي في عقيدته في أن هذه عقوبة إلهية لقتلهم المسيح –عليه السلام -، وقد مارس هذا عمليا بالرسائل لعصبة الأمم وإرسال الوفود للولايات المتحدة للاعتراض على تأسيس هذا الكيان بوعد بلفور وما بعده من رفض لقرار التقسيم.
ولكن جاء إعلان التبرئة ليشكل منحنا تاريخيا في العلاقات الإيجابية بين الفاتيكان واليهود، وقد تتبعت بالبحث مستخدما منهج صنع القرار السياسي لتحليل القرارات بين إسرائيل و الفاتيكان خلال فترة ما يقارب الأربعين عاما لأجد وكأن العقوبة الإلهية الأبدية هذه قد زالت ورفعت وتحولت إلى نعيم؟! فازداد التنازل الفاتيكاني لنصوصهم الدينية لمصلحة الصهيونية من خلال قرارات و إعلانات ومبادرات ولجان مشتركة وزيارات وتصريحات، والتي كان من أبرزها الاعتراف والتبادل الدبلوماسي عام 1993، ووثيقة الاعتراف بالذنب عن التقصير الكاثوليكي بحماية اليهود من المجازر النازية عام 1998.
لقد أجرمت بحق فلسطين كيانات سياسية أخرى من دول استعمارية زرعت هذا الكيان الغاصب، وأطراف عربية تواطأت وتقاعست عن الدفاع عن أرض الإسراء، وقبضت أثمان مواقفها؟ ولكن جريمة الفاتيكان لها خصوصيتها في توظيف النصوص الدينية لخدمة السياسة والصهيونية العالمية، وتغيير معتقداتهم في الحقد على اليهود والصراع التاريخي، وفي فترة حساسة في تاريخ الصراع الإسلامي اليهودي، فكانت جريمة سياسية و دينية في آن واحد.
و في ظل هذا الاحتفاء المبالغ فيه لهذه الزيارة يورد هؤلاء حجة رئيسية بالتكسب منها سياحيا؟!
وبالمقابل كيف سيستفيد اليهود من هذه الزيارة؟ سيتلقون مزيدا من الدعم السياسي من الكاثوليكية و العالم المسيحي، مستمرين باستخدام استراتيجياتهم المختلفة لذلك، مثل عقدة الذنب في المبالغة باضطهاد اليهود من قبل أوروبا، وتقصير البابا بيوس الثاني عشر إبان المجازر النازية، والتي ما فتر اليهود عن تذكير الكاثوليك بها حتى من خلال المسرح والأدب، كما حصل في مسرحية " النائب " التي دفعت الصهيونية ملايين الدولارات لتنشر بلغات عديدة؛ فأثارت ضجة كبرى في أوروبا آنذاك، وأيضا باستخدام استراتيجية الكره الكاثوليكي لليهود؛ ليستمر الفاتيكان بالدفاع عن النفس، وتقديم مزيد من التنازل لليهود، وقصة كتاب " مؤامرة على الكنيسة " الذي ألفه أحد الصهاينة تحت اسم مستعار تدل على هذا الأسلوب اليهودي القذر لصناعة ردة الفعل التعاطفية تجاه اليهود، وغيرها من الاختراقات اليهودية للتعاليم الكاثوليكية و استغلال ورقة الرعايا المسيحيين و السيطرة على الأماكن المقدسة.
كيف يرتجى تغيير ونهوض من قوم تنصلوا من آثار الجراح، و نسوا من أجرم وأخطأ بحقنا وطعن في ديننا ، و قدموا مصالحهم الدنيوية الدنيئة والقطرية الوضيعة على شريعتهم ومصلحة أمتهم؟!
--------------------
سامر أبو رمان
المدير التنفيذي /مركز عالم المعرفة للتنمية البشرية
مدير المشاريع / مركز عالم المعرفة لاستطلاعات الرأي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: