سامر أبو رمان - الاردن
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10574 samirrumman@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
خرجت من ترددي في الكتابة بالشأن الصومالي الشائك، بعد أن صرفت النظر عن الحكم على الرئيس الصومالي الجديد - شيخ شريف - فيما إذا كان قد وصل للحكم بإرادة أمريكية، أو لأنه أخف الضرر بين الطوائف الصومالية الأخرى-حسب تصنيفات الادارة الأمريكية - ، أو غيرها من جوانب الجدل.
فهي محاولة لإضاءة شمعة في الظلام الذي يعيشه الشعب المنسي الصومالي المسلم منذ أكثر من ثمانية عشر عاما من قتل وتدمير وفقر وغيرها من مظاهر الضعف، مع استثناء العصر الذهبي في الأمن عندما قادت المحاكم الإسلامية الصومال في ظل الشريعة الإسلامية، لمدة ستة شهور في عام 2006، قبل أن تتدخل القوى الإقليمية والدولية لإعادة الصومال إلى الصفر من جديد.
بُذلت جهود متنوعة لإنقاذ الصومال من حاله المأسوي، وإن كانت لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، ولا تتناسب مع حجم المصيبة، منها ما انتشر مؤخرا من رسائل ونداءات إيجابية من قبل العديد من العلماء والمفكرين إلى الإخوة الفرقاء، يذكرونهم بتحكيم شرع الله عند الاختلاف، والنظر في مقاصد الشريعة التي دعت إلى حفظ الأرواح والنفس البشرية.
وباستمرار شلال الدماء حتى اللحظة، وبعد التطورات السياسية الأخيرة، أصبح من الواجب على الجهات المخلصة أن لا تألو جهدا في تقديم مقترحات و وسائل لحقن الدماء وحفظ الأمن وتحقيق الاستقرار في الصومال، مستفيدين من علوم وتقنيات شتى، منها علم فض النزاعات الذي غدا من العلوم المهمة بأدواته وتقنياته ومراحله وابتكاراته ومواضيعه الدقيقة، والاستفادة ـ كذلك ـ من علاقته بعلم استطلاعات الرأي من حيث توظيفه في حل النزاع و استخدامه في فهم مكونات ومراحل الصراع المختلفة.
ومن هذه التقنيات ما يسمى أداة "استطلاعات السلام" (Peace Polls)، والتي تقوم ببساطة على أساس تضمين الأطراف المتنازعة في الحل من خلال تنفيذ استطلاعات رأي للشعوب داخل الكيان الجغرافي المتنازع عليه في مواضيع مختلفة من شأنها خدمة تحقيق السلام والأمن والاستقرار، كالتعرف على السياسيات المناسبة لإحلال السلام، واختيار وقياس مدى دعم الرأي العام لمقترحات وحلول معينة، و تحديد الأولويات، وتحفيز الرأي العام لمناقشة الحلول، والكشف عن جوانب واقتراحات مهمة في تحقيق السلام، مثل معرفة مدى قبول الطرف المحايد والوسيط في تحقيق الاستقرار، أو الكشف عن اقتراحات مفيدة غير متوقعة، مثل مدى اشتراط خروج القوات الإفريقية لإيقاف العنف في حالة الصومال، وغيرها من الفوائد العامة التي يمكن تحقيقها من خلال استطلاعات الرأي العام، والتي يمكن تطبيقها على حالة الصراع في الصومال.
ولهذه الأداة شروط إجرائية وتقنية تضمن نجاحها وتزيد من تأثيرها، منها: أن تتفق كل الأطراف على صياغة الأسئلة، والاتفاق أن تنشر كل النتائج بشكل علني، واختيار الزمن المناسب لتنفيذ الاستطلاع، وتطبيق الخطوات العلمية، وحسن اختيار للجهات التي يمكن أن تدعم هذا المشروع، واختيار الجهة المحايدة المقبولة من كل الأطراف، واختيار الجهة المنفذة ذات المهنية العالية، بالإضافة إلى تطبيق خطوات تهيئة مجتمع الاستطلاع، وتقنيات أثناء تنفيذ الاستطلاعات المتكررة وبعد نشر النتائج، وحتى بعد توقيع اتفاقيات السلام؛ سعيا لبناء ما يشبه الإجماع الشعبي لتأييد السلام والاستقرار، وبالتالي الضغط والتأثير على الأطراف المتنازعة.
ولتعقُّد المشهد الصومالي وأمكانية تطبيق هذه الأداة هناك ؛ تواصَلْتُ قبل أيام مع المنظر والممارس العالمي لاستطلاعات السلام د. كولن أيرون(Colin Irwin ) - الذي سبق أن استخدم هذه الأداة في أكثر من نزاع مثل: إيرلندا الشمالية، وكشمير، وسيرلانكا ، فسعدت بردِّه الإيجابي بأن لا شيء يمنع من استخدامها في المساهمة في حل الصراع. كما تواصلت مع الخبير في الشأن الإفريقي د. حمدي عبد الرحمن الذي أبدى تحمسه للفكرة في إطار إشراف عربي فاعل.
لا ينبغي الاستهانة بهذه الوسيلة أو غيرها لتحقيق الاستقرار في الصومال بحجة أن هذا الشعب فقير ومتخلف، ولا يقبل مثل هذه الأدوات الحديثة في صنع السلام ، أو أنها وسيلة تحكيم عقول البشر بدل شريعة الله (كما قد تراها بعض أطراف النزاع، مثل: حركة شباب المجاهدين، التي اتهمت الرئيس شيخ شريف بالبعد عن هدف تطبيق الشريعة). ولعل ما يخفف من حده الاتهام السابق ما جاء على لسان شيخ شريف من حرصه على تطبيق الشريعة، وإنها أولى أولوياته، عقب أول اجتماع للحكومة الصومالية الجديدة قبل أيام. فعلى العكس، يمكن أن يكون الاتفاق العام على موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية دافعا كبيرا قل أن تجده في بلد أخر - وليس معوقا- لاستخدام أداة " استطلاعات الرأي "، وخاصة في ظل إرادة شعبية تريد الإسلام وأحكامه، بعد أن ذاق الصوماليون حلاوته. و ربما لو كانت بيئة أخرى بغير هذه الخصائص لما تحمست شخصيا لاقتراح هذه الوسيلة.
وحرصا على غاية تطبيق الشريعة أثناء تنفيذ " استطلاعات السلام "، يجب أن تشرف على هذه الاستطلاعات جهات مخلصة حريصة على هذا الهدف، وليست جهات من شأنها إخراج نتائج تؤيد بناء دول علمانية ـ كما جرى في بعض النزاعات مثل العراق وغيرها.
وبالرغم من ضبابية المشهد الصومالي، وتداخله القبلي والديني، والتوازنات السياسية الحالية، والاستقطابات الإقليمية والدولية، فإن الصومال يحتاج إلى الدعم في تحقيق الأمن والاستقرار، فأية خطوة نحو السلام ستسهم في حفظ أرواح مسلمة بريئة، وتقنية " استطلاعات السلام " من أهم الوسائل المنسية التي تستحق التطبيق لتحقيق السلام المنشود.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: