من قواعد النصر في القران الكريم -32- فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 12231
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
"..ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله فهو عليه وبال " ( عبد الرحمن السعدي )
" ...عرفنا الله تعالى على قدرته التي لا حدود لها ( فعلمنا طلاقة قدرته سبحانه )َ{ ......ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً }( فاطر : 44)، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ( يس : 82 )، فهذا الكون شاهد على قدرته الباهرة، وقوته القاهرة، ولا يتطرق اليه نصب او لغوب ابدا {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } ( ق : 38 ) ( علي احمد العثمان : من كتاب : مع الله تعالى في أسمائه وصفاته )
***************
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
وبعــــــد :
وما زال الحديث موصولا حول كتاب الله الخالد، هذا الكتاب الذي وصفه نفر من الجن بقولهم { إنا سمعنا قرآنا عجبا }، كتاب فيه تحت كل آية سر دفين ، وتحت كل تركيب إعجاز مبهر يأخذ بالألباب ، وتحت كل لفظة فيضا من المعاني والمضامين ما الله به عليم، وكلما جدد الإنسان قراءته لهذا الكتاب الكريم، وجد أنه يزداد به بصيرة ومعرفة خاصة مع التدبر الذي أمرنا الله به { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها }،
علمنا الاسلام، وأخبرنا القرآن، وربانا رسول الله الملك العلام، أن الكافر والظالم والمنافق، ومن سار على دربهم من الطغاة والجبابرة والمستكبرين الذين يعيثون في الأرض فسادا في كل عصر ومصر، مهما كان لديهم من وسائل القوة والمنعة، والحيطة والحذر، ومهما تحصنوا بالحصون المانعة، ومهما ظنوا أن حصونهم ستمنع الوصول إليهم، وستحميهم من الله تعالى، ومن انتقام جبار السماوات والأرض، فإن ربك لبالمرصاد، وأن الدائرة حتما ستدور عليه، والدليل في كتاب الله تعالى زاهر وواضح ولا يحتاج للوقوف عليه إلى كثير عناء، ومن هنا القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها في هذه الحلقة :
* القاعدة الثانية والثلاثون من قواعد النصر في القرآن الكريم :
أما القاعدة فتقول : مهما علا شأن الباطل وانتفش، ومهما بلغت قوة أهل الكفر والضلال، ومهما اتخذوا من وسائل الحيطة وأساليب الحذر، ومهما تحصنوا بعلومهم، وتقدمهم، وحضارتهم التي بلغت في التقدم شأوا عظيما أذهل العقول، وأسلحتهم الفتاكة التي أصبح بإمكانها أن تشيع الدمار الشامل للأخضر واليابس، ومهما تحصنوا بحصونهم المنيعة، في عدائهم للإسلام وأهله، وفي هجومهم الشرس على مقدرات الأمة فإن الله تعالى قادر على أن يأتيهم من حيث لم يحتسبوا، وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأن يرد كيدهم الى نحورهم، وأن ينصر الحق وأهله، وأن يعلي شأنه، ويرفع كلمته على كل الكلمات، ودينه على كل الأديان، ومنهجه على كل المناهج، وسيعلم الذين ظلموا وتجبروا وتكبروا واستقووا بما يملكون واغتروا بما وصلوا إليه من تقدم وعلو سيعلمون أي منقلب ينقلبون، هكذا علمنا القرآن، وهذا ما أكده كتاب الله تعالى في العديد من المواضع، قال تعالى : {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }( الأنعام : 44 )، أي : فلما تركوا العمل بأوامر الله تعالى معرضين عنها , فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق فأبدلناهم بالبأساء رخاءً في العيش , وبالضراء صحة في الأجسام ; استدراجا منا لهم , حتى إذا بطروا , وأعجبوا بما أعطيناهم من الخير والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة , فإذا هم آيسون منقطعون من كل خير.( التفسير الميسر )،
وقال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ } ( الأنعام : 47 )، أي : قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: أخبروني إن نزل بكم عقاب اللة فجأة وأنتم لا تشعرون به, أو ظاهرًا عِيانًا وأنتم تنظرون إليه: هل يُهلك إلا القوم الظالمون الذين تجاوزوا الحد, بصرفهم العبادة لغير الله تعالى وبتكذيبهم رسله؟ ( التفسير الميسر )،
وقال تعالى : {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }( الأعراف : 95 )، أي : ثم بدَّلنا الحالة الطيبة الأولى مكان الحالة السيئة, فأصبحوا في عافية في أبدانهم, وسَعَة ورخاء في أموالهم; إمهالا لهم, ولعلهم يشكرون, فلم يُفِد معهم كل ذلك, ولم يعتبروا ولم ينتهوا عمَّا هم فيه, وقالوا: هذه عادة الدهر في أهله, يوم خير ويوم شر, وهو ما جرى لآبائنا من قبل, فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم آمنون, لا يخطر لهم الهلاك على بال.( التفسير الميسر )،
* القرآن الكريم يجسد لنا تلك القاعدة في واقعة جلاء يهود بني النضير :
وذلك في قول الله تعالى في سورة الحشر من كتابه الكريم : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ }( الحشر : 2 )،
وسورة الحشر سورة مدنية بإجماع أهل التفسير، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول هي سورة بني النضير إشارة إلى يهود بني النضير، حيث نزلت في قصة إجلائهم من بيوتهم، قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس : سورة الحشر؟ قال : أُنزِلت في بني النضير، ( رواه البخاري ومسلم )، ورواه البخاري عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الحشر؟ قال : قل : سورة النضير. (1)، وبنو النضير هم رهط من اليهود من ذرية هارون عليه السلام نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل، انتظاراً لمحمد صلى الله عليه وسلم،
- ولذلك فلقد أجمع المفسرون أن قول الله تعالى :{هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ مِن دِيَـارِهِمْ .....}، في بني النضير، إلا قولاً للحسن أنها في بني قريظة، ورد هذا القول بأن بني قريظة لم يخرجوا ولم يجلوا ولكن قتلوا،
* في رحاب هذه الآية المباركة :
0 سبب النزول :
0 خيانة بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
- قال " عطية سالم " في : " تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " (2) : " ...اتفق المفسرون على أن بني النضير كانوا قد صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يكونوا عليه ولا له، فلما ظهر يوم بدر ( غزوة بدر ) قالوا : هو النَّبي الذي نعته في التوراة، لا ترد له راية، فلما هزم المسلمون يوم " أُحد " ارتابوا ونكثوا، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكباً إلى مكة، فحالفوا عليه قريشاً عند الكعبة، فأخبر جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فأمر بقتل كعب، فقتله محمد بن مسلمة غيلة، وكان أخاه من الرضاعة، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع منهم على خيانة، حين أتاهم في دية المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري منصرفه من بئر معونة، فهموا بطرح الحجر عليه صلى الله عليه وسلم، فعصمه الله تعالى، ولما قتل كعب، أمر صلى الله عليه وسلم بالمسيرة إليهم، وطالبهم بالخروج من المدينة، فاستمهلوه عشرة أيام ليتجهزوا للخروج، ولكن أرسل إليهم عبد الله بن أبي سراً : لا تخرجوا من الحصن، ووعدهم بنصرهم بألفي مقاتل من قومه، ومساعدة بني قريظة وحلفائهم من غطفان، أو الخروج معهم، فدربوا أنفسهم، وامتنعوا بالتحصينات الداخلية. فحاصرهم صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين ليلة.
وقيل : أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له : اخرج في ثلاثين من أصحابك، ويخرج إليك ثلاثون منا ليسمعوا منك، فإن صدقوا آمناً كلنا، ففعل، فقالوا : كيف نفهم. ونحن ستون؟ أخرج في ثلاثة ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا، ففعلوا فاشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفتك فأرسلت امرأة منهم ناصحة إلى أخيها، وكان مسلماً فأخبرته بما أرادوا، فأسرع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فساره بخبرهم قبل أن يصل صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما كان من الغد غدا عليهم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة، فقذف الله في قلوبهم الرعب، وأيسوا من نصر المنافقين الذي وعدهم به ابن أبي، فطلبوا الصلح فأبى عليهم صلى الله عليه وسلم إلا الجلاء، على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من المتاع إلا الحلقة، فكانوا يحملون كل ما استطاعوا ولو أبواب المنازل، يخربون بيوتهم ويحملون ما استطاعوا معهم،
وهذه القصة أوردها المفسون في سبب نزول هذه السورة لأن عليها تدور معاني هذه السورة كلها، وكما قال الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في رسالة أصول التفسير: إن معرفة السبب تعين على معرفة التفسير (وليعلم المسلمون مدى ما جبل عليه اليهود من غدر وما سلكوا من أساليب المراوغة فما أشبه الليلة بالبارحة).
- في هذه السورة عامة، وفي الآية التي نحن بصددها خاصة يجسد لنا القرآن الكريم نموذجا فريدا من نماذج طلاقة القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود، في نصرة أوليائه، وفي خذلان أعدائه، وهو ما وقع فعلا ليهود بني النضير حيث يذكر الله تعالى لنا ما أصابهم الله به من نقمته، وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عمل به فيهم، فقال تعالى : { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ }( الحشر : 2 )
- ولنا مع هذه الآية تحديدا بعض الوقفات العجلى التي نستلهم منها بعض المعاني التي نرى أنها معاني محورية بالنسبة للقاعدة التي نحن بصددها وذلك على النحو التالي :
0 أول تلك الوقفات مع قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِم }، أي : هو الله سبحانه وتعالى الذي أخرج الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، من أهل الكتاب , وهم يهود بني النضير, من مساكنهم التي جاوروا بها المسلمين حول "المدينة ",
ولننظر كيف أسند القرآن الكريم إخراجهم إلى الله تعالى وحده، مع وجود حصار المسلمين إياهم، تماما كما قال الله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم : {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }( الأحزاب : 25 )، قال صاحب أضواء البيان (3) : " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه رد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، وأنه كفى المؤمنين القتال، وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يبين هنا السبب الذي رد به الذين كفروا وكفى به المؤمنين القتال، ولكنه جل وعلا بين ذلك بقوله : {فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها }( الأحزاب : 9 ) ، أي : وبسبب تلك الريح وتلك الجنود ردهم بغيظهم وكفاكم القتال، كما هو ظاهر ".
0 ثاني الوقفات : تسمية القرآن ليهود بني النضير بـ : الذين كفروا من أهل الكتاب : قال صاحب " الظلال " : " ..ولا يفوتنا هنا أن نلحظ تسمية القرآن ليهود بني النضير بأنهم { الذين كفروا من أهل الكتاب } وتكرار هذه الصفة في السورة، فهي حقيقة لأنهم كفروا بدين الله في صورته العليا التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان اليهود ينتظرونها ويتوقعونها ، وذكر هذه الصفة في الوقت نفسه يحمل بياناً بسبب التنكيل بهم ؛ كما أنه يعبئ شعور المسلمين تجاههم تعبئة روحية تطمئن لها قلوبهم فيما فعلوا معهم، وفيما حل بهم من نكال وعذاب على أيديهم .(4)،
0 ثالث الوقفات : قوله تعالى : {أول الحشر }: هو أول إخراج لهم من "جزيرة العرب" إلى "الشام" , فهو حشرهم إلى الشام، وآخره أن أجلاهم عمر في خلافته إلى خيبر ( تفسير الجلالين )، قال " القرطبي " في تفسيره (5) : " الحشر الجمع ؛ وهو على أربعة أوجه : حشران في الدنيا وحشران في الآخرة ؛
أما الذي في الدنيا فقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ}، قال الزهري : كانوا من سبط لم يصبهم جلاء، وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء ؛ فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا وكان أول حشر حشروا في الدنيا إلى الشام، قال ابن عباس وعكرمة : من شك أن الحشر في الشام فليقرأ هذه الآية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : "اخرجوا" قالوا إلى أين ؟ قال : "إلى أرض المحشر". قال قتادة : هذا أول المحشر، قال ابن عباس : هم أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من دياره، وقيل : إنهم أخرجوا إلى خيبر، وأن معنى {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} إخراجهم من حصونهم إلى خيبر، وآخره إخراج عمر رضي الله عنه إياهم من خيبر إلى نجد وأذرعات، وقيل تيماء وأريحاء، وذلك بكفرهم ونقض عهدهم. وأما الحشر الثاني : فحشرهم قرب القيامة، قال قتادة : تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل منهم من تخلف، وهذا ثابت في الصحيح، وقد ذكرناه في "كتاب التذكرة". ونحوه روى ابن وهب عن مالك قال : قلت لمالك هو جلاؤهم من ديارهم ؟ فقال لي : الحشر يوم القيامة حشر اليهود، قال : وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى خيبر حين سئلوا عن المال فكتموه ؛ فاستحلهم بذلك، قال ابن العربي : للحشر أول ووسط وآخر ؛ فالأول إجلاء بني النضير، والأوسط إجلاء خيبر، والآخر حشر يوم القيامة."،
0 رابع الوقفات : قوله تعالى : {....ما ظننتم أن يخرجوا ....}:، والسؤال : الخطاب لمن هنا ؟ إنه للمؤمنين، للذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ( مَا ظَنَنْتُمْ ) أيها المؤمنون ( أَنْ يَخْرُجُوا ) أي من ديارهم بهذا الذل والهوان ; لشدة ما ترون من بأسهم، وقوة منعتهم , فقد كانت لهم حصون كثيرة شديدة، حتى بلغ الأمر أنكم أنتم (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا)، وأيضا لضعف اقتداركم، وهذا يعني أن قوتهم، وحصونهم، وقلاعهم بلغت من القوة والمنعة ما أصبح معه من المستحيل أن يظن المؤمنون أن بالإمكان إخراجهم من تلك الديار والحصون، قال " القرطبي " (6) : قوله تعالى : {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} يريد لعظم أمر اليهود ومنعتهم وقوتهم في صدور المسلمين، واجتماع كلمتهم.
0 خامس الوقفات : قوله تعالى : {....وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ..}: أي بل هم كذلك (يهود بني النضير ) ما ظنّوا أن يحل بهم ما حل بهم، وما خطر ببالهم أن يخرجوا مع قوتهم وحصونهم من ناحية، وضعف المؤمنين وعدم قدرتهم من الجانب الآخر، لأنهم في موقف القوة وراء الحصون، فلم يتوقع المؤمنون خروجهم، وظنوا هم أنهم ما نعتهم حصونهم من الله ( أي من أمر الله تعالى )، فكأنهم كانوا على يقين بأن النصر بالنسبة لهم مؤكدا، وأن حصونهم ستمنعهم من الهزيمة ومن عذاب الله، قال " صاحب الظلال " : ويؤكد فعل الله المباشر في إخراجهم وسوقهم بالفقرة التالية في الآية : { ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله }، فلا أنتم كنتم تتوقعون خروجهم، ولا هم كانوا يسلمون في تصور وقوعه! فقد كانوا من القوة والمنعة في حصونهم بحيث لا تتوقعون أنتم أن تخرجوهم منها كما أخرجوا، وبحيث غرتهم هذه المنعة حتى نسوا قوة الله التي لا تردها الحصون! (7)
، قال " القرطبي " : " وكانوا أهل حلقة - أي سلاح كثير - وحصون منيعة ؛ فلم يمنعهم شيء منها " (8)
0 سادس الوقفات : قوله تعالى : { ....فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ..} أي : فأتاهم أمر الله تعالى وعذابه وانتقامه من حيث لم يظنوا أو يعلموا أو يتوقعوا، والله تعالى إذا أراد نفاد أمر أذهب من ذوي العقول عقولهم (9)،
قال " السعدي " في تفسيره (10) : " {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا }، أي : من الأمر والباب، الذي لم يخطر ببالهم أن يؤتوا منه، وهو أنه تعالى قذف فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وهو الخوف الشديد، الذي هو جند الله الأكبر، الذي لا ينفع معه عدد ولا عدة، ولا قوة ولا شدة، فالأمر الذي يحتسبونه ويظنون أن الخلل يدخل عليهم منه إن دخل هو الحصون التي تحصنوا بها، واطمأنت نفوسهم إليها، ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله فهو عليه وبال، فأتاهم أمر سماوي نزل على قلوبهم، التي هي محل الثبات والصبر، أو الخور والضعف، فأزال الله قوتها وشدتها، وأورثها ضعفا وخورا وجبنا، لا حيلة لهم ولا منعة معه.
يقول " العودة " (11) : " - أن لفظ " أتى " في القرآن الكريم يُطلق على عدة معانٍ ليس فقط معنى جاء بنفسه، وإنما قد تطلق على معنى أصابهم بسوء، أو أرادهم أو غير ذلك من المقاصد، وقوله هنا : { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } يعني : هزمهم الله من حيث لم يكونوا يتوقعون، وكما أن الله يرزق المؤمنين من حيث لا يحتسبون، وينصر المؤمنين هنا من حيث لا يحتسبون لأنهم { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا }، فكذلك هؤلاء القوم أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، ما قال : لم يحسبوا، قال : { لَمْ يَحْتَسِبُوا }، بمعنى : أن حساباتهم كانت قوية ودقيقة، وفيها إفراط ومع ذلك جعل الله حساباتهم هي السبب في هزيمتهم { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا }،
- يقول " صاحب الظلال " (12) : " ومن هذه الآيات نعلم أن الله هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، والله هو فاعل كل شيء، ولكن صيغة التعبير تقرر هذه الحقيقة في صورة مباشرة، توقع في الحس أن الله تولى هذا الإخراج من غير ستار لقدرته من فعل البشر! وساق المخرجين للأرض التي منها يحشرون، فلم تعد لهم عودة إلى الأرض التي أخرجوا منها،
ويؤكد فعل الله المباشر في إخراجهم وسوقهم بالفقرة التالية في الآية : { ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله } . .فلا أنتم كنتم تتوقعون خروجهم، ولا هم كانوا يسلمون في تصور وقوعه! فقد كانوا من القوة والمنعة في حصونهم بحيث لا تتوقعون أنتم أن تخرجوهم منها كما أخرجوا، وبحيث غرتهم هذه المنعة حتى نسوا قوة الله التي لا تردها الحصون!
0 سابع الوقفات : سلاح الرعب جند من جنود الله تعالى : قال " القرطبي " (13) : قوله تعالى : {فقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} بقتل سيدهم كعب بن الأشرف، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر"، فكيف لا ينصر به مسيرة ميل من المدينة إلى محلة بني النضير، وهذه خصيصة لمحمد صلى الله عليه وسلم دون غيره.
وقال " الطبري " في تفسيره (14) : " فأتاهم أمر الله من حيث لم يحتسبوا أنه يأتيهم، وذلك الأمر الذي أتاهم من الله حيث لم يحتسبوا، قذف في قلوبهم الرعب بنزول رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بهم في أصحابه "،
ويتساءل " العودة " : كيف أتاهم من حيث لم يحتسبوا ؟ ويجيب قائلا : " هم كانوا يستعدون لحرب شوارع، وكانوا يعدون العدة لها، وكيف نبني وكيف نعمل، الله أتاهم من منطقة كانوا عنها غافلين وهي : { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ }، هذا الذي أتاهم الله تعالى منه، من منطقة القلوب الهزيمة ما نسميها الآن بالهزيمة النفسية، هذه الهزيمة النفسية لا ينفع معها وجود السلاح النووي، وجود الصواريخ والطائرات والقوى الضخمة، المسلمون لما فتحوا " بني النضير " وجدوا ثلاثمائة وستين سيفاً، ووجدوا خمسين درعاً وخمسين بيضة، وألواناً من السلاح، وسيف " أبي الحقيق " الذي أعطاه النبي سعد بن عبادة، كان عندهم ترسانة ضخمة بقياس ذلك العصر وذلك المجتمع ؛ ولهذا الله تعالى أتاهم من حيث لم يحتسبوا { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ }، وهنا قضية قذف كأنك أمام قذيفة لأن المقام مقام حرب ؛ ولذلك استخدم لفظ { قذف } الذي يدل على السرعة، ويدل على القوة، ويدل على الاجتياح أنه ليس الرعب في زاوية في قلوبهم هذا كان موجوداً أصلاً، وإنما الرعب يحتاج كل قلوبهم، لأنه قذيفة وصلت إلى قلوبهم { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ }، والرعب ليس الخوف وإنما هو أشد الخوف الذي ترتعد منه فرائص الإنسان، ويُصبح الإنسان غير قادر على أن يُفكّر بطريقة صحيحة، وإنما جلّ همه أن ينجو بنفسه { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ }، وهذا كما قال الله في ( سورة التوبة )، وكما قال النبي عن نفسه أنه نصر بالرعب مسيرة شهر، فإذا كانت مسيرة شهر نصرته بالرعب، فما بالك بمسيرة بضعة أميال عن المدينة أن يُنصر فيها النبي بالرعب كما أخبر ربه -عز وجل- وقال : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ } ( آل عمران : 151 ) (15)،
وقد كان هذا الإخراج من الله إياهم بوعد سابق من الله لرسوله في قوله تعالى : {فَإِنْ ءَامَنُواْ بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِنْ تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِى شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وبهذا الإخراج تحقق كفاية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم منهم، فقد كفاه إياهم بإخراجهم من ديارهم، فكان إخراجهم حقاً من الله تعالى : وبوعد مسبق من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أكد هذا بقوله تعالى مخاطباً للمسلمين في خصوصهم : {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} وتسليط الرسول صلى الله عليه وسلم هو بما بين صلى الله عليه وسلم في قوله : "نصرت بالرعب مسيرة شهر" وهو ما يتمشى مع قوله تعالى : {وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}.
كما أن جملة هذا السياق هنا يتفق مع السياق في سورة " الأحزاب " عن يهود بني قريظة سواء بسواء، وذلك في قوله تعالى : {وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَـاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}، وعليه ظهرت حقيقة إسناد إخراجهم لله تعالى، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، كما أنه هو تعالى الذي رد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، بما أرسل عليهم من الرياح والجنود، وهو الذي كفى المؤمنين القتال، وهو تعالى الذي أنزل بني قريظة من صياصيهم، وورث المؤمنين ديارهم وأموالهم، وكان الله على كل شيء قديراً.(16)
0 ثامن الوقفات : قوله تعالى : { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } : ( قراءة العامة بالتخفيف من أخرب ؛ أي يهدمون، وقرأ السلمي والحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية وقتادة وأبو عمرو {يُخْرِبُونَ} بالتشديد من التخريب، قال أبو عمرو : إنما اخترت التشديد لأن الإخراب ترك الشيء خرابا بغير ساكن، وبنو النضر لم يتركوها خرابا وإنما خربوها بالهدم ؛ يؤيده قوله تعالى : {بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وقال آخرون : التحريب والإخراب بمعنى واحد، والتشديد بمعنى التكثير، قال قتادة والضحاك : كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا، واليهود يخربون من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم، وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير : لما صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلت الإبل ؛ كانوا يستحسنون الخشبة والعمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرب المؤمنون باقيها، وعن ابن زيد أيضا : كانوا يخربونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم، وقال ابن عباس : كانوا كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع موضع القتال، وهم ينقبون دورهم من أدبارها إلى التي بعدها ليتحصنوا فيها، ويرموا بالتي أخرجوا منها المسلمين. وقيل : ليسدوا بها أزقتهم، قال عكرمة : كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها" فخربوها من داخل، وخربها المسلمون من خارج، (17)،
إن قوله تعالى : {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ }، وهذا دليل على الجبن المتأصل فيهم ؛ ولهذا قال تعالى : { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ }، يقول " العودة " (18) : " ...وهذا جرى مجرى المثل، كثيراً ما يستخدمه الناس في مناسبات شتى، فلان يُخرب بيته بيده، أو الناس هؤلاء يخربون بيوتهم بأيديهم، هذا من الإعجاز، إعجاز الله تعالى في فعله، وإعجاز الله في قرآنه أيضاً، { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ } هذه القصور الضخمة التي شيدوها والبيوت التي يسكنونها أصبحوا يُخْرِبُونها أو يُخرِّبونها قراءتان هذا أولاً، كيف يخربوها ؟ لماذا يخربونها بأيديهم ؟ فيجيب قائلا :
أولاً : من باب الحسد لأنه من باب سنخرج يقولون ما فيه داعٍ أن ندعها للمسلمين مثلما بنيناها يستفيدون منها لابد أن نُخربها عليهم، فكانوا يخربونها حسداً .
ثانياً : يُخربونها لأنهم أحياناً يريدون أن يهربوا منها، فإذا حوصروا نقضوا البيت وخرجوا إلى البيت الذي خلفه .
ثالثاً : يُخربونها لأنه أحياناً يأخذون منها شيء حتى يسدون به بعض الطرق وبعض الشوارع لأنهم -كما قلت- كانوا يستعدون لحرب مدن حرب شوارع .
رابعاً : أن النبي بعدما انتهت القصة أذن لهم أن يخرجوا من البلد أن يُجلو من البلد، قالوا : إلى أين يا محمد ؟ قال : إلى الشام، وذهب بعضهم إلى أريحا إلى إذرعات، وذهب بعضهم إلى خيبر أيضاً كبني أبي الحقيق، فمن هنا أذن لهم النبي أن كل عائلة أو كل عائلتين منكم يأخذون حمل بعير إلا السلاح لا يأخذون سلاحاً ؛ ولذلك كان الواحد منهم يهدم الجدار على أساس يأخذ مثلاً خشبة موجودة في الجدار، فصاروا يهدمون بيوتهم من أجل أن يحصلوا على هذه الأشياء فأصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم، وهذا مردّه إلى الحكمة وحسن التدبير أنه قوة العدو أحياناً تصبح قوة عليه، ومثال ذلك : ما حصل أيام الاتحاد السوفيتي بعدما سقط الاتحاد السوفيتي أصبحت ترسانة الأسلحة النووية الموجودة عندهم عبئاً على الدولة وعلى ميزانية الدولة، كيف يحفظونها ؟ هذا أمر صعب من أيدي اللصوص، كيف يستطيعون أن يدمروها بدون أن تضر البشر ؟ كيف يستطيعون أن يحافظوا عليها لئلا تتسرب الإشعاعات النووية ؟ فتصبح القوة التي يفتخر بها الإنسان تصبح أحياناً وبالاً عليه، إذا الله أراد له النقص , ومن هنا قال : { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ }، قال : { وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } يعني : ويُخربون هم بيوتهم بأيدي المؤمنين لأنهم هم السبب في كل ما جرى بنقض العهد والميثاق وباعتماد أسلوب الغدر والخدعة والحيلة، وكونهم أخربوها بأيدي المؤمنين، أن المؤمنين أيضاً كانوا يساهمون في إخراب بعض هذه البيوت، لماذا ؟ من أجل مثلاً إذا اقتضت مصلحة الحرب أن يقوم المسلمون بهدم هذا الجدار أو إزالة بعض هذه الآثار فإن المسلمين كانوا يعملون ما تقتضيه أصول الحرب والقتال استعداداً للمعركة، فأصبح المسلمون يخربون بعض هذه البيوت، مع أنه من العادة أنه إذا انتصرت الجيوش تقوم بالتدمير والقتل والتحريق بل والاعتداء على الأعراض أحياناً وهذا معروف في التاريخ، لكن فيما يتعلق بالمسلمين فهم كانوا خلقاً آخر كما سوف يأتي الثناء عليهم في هذه السورة أقصد المسلمين الذين كانوا مع الرسول ؛ ولذلك لم يُنقل عنهم أنهم اعتدوا على أحد أو تجاوزوا حداً أو ظلموا ؛
0 تاسع الوقفات : قوله تعالى : {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} : أي اتعظوا يا أصحاب العقول والألباب، وقيل : يا من عاين ذلك ببصره ؛ فهو جمع للبصر، ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحصون من الله فأنزلهم الله منها، ومن وجوهه : أنه سلط عليهم من كان ينصرهم، ومن وجوهه أيضا : أنهم هدموا أموالهم بأيديهم. ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه، وفي الأمثال الصحيحة : "السعيد من وعظ بغيره" (19)،
يقول " العودة " (20) : " ......كم تحت هذا المعنى من سر عظيم ؟!! { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}، أي : يا أصحاب البصائر والعقول، اعتبروا بما جرى، خذوا منه عبرة، والسعيد من اعتبر بغيره، { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } يعني هذا فيه عبرة للمؤمنين أن يسلكوا طريقة النبي في الصدق والوفاء بالعهد والميثاق والحذر واليقظة وحسن التدبير وطول النفس والتوكل على الله في أن لا يعتمد الإنسان على قوته، فانظر هذه القوة لم تنفع أصحابها، وهذا يصلح في الجانب العسكري أن لا يعتمد الإنسان على قوته وسلاحه فأنه إذا أوتي من حيث لم يحتسب بالهزيمة النفسية وإذا وقع الرعب في قلبه لا ينفعه سلاحه، وكما تقول العرب : " المنهزم لا يلوي على شيء " يعني : لا يلتفت إلى شيء ، وفيه عبرة لصاحب المال أن لا يعتبر بماله مهما كثر، فلا يغتر ولا يتعاظم ولا يُقصّر فيما أوجبه الله تعالى عليه، وأنت ترى اليوم الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، من هم ضحاياها ؟ ليسوا فقط الفقراء والبسطاء والمساكين، بل ضحاياها البنوك الضخمة والمؤسسات الهائلة، مؤسسات السيارات، مؤسسات المال، مؤسسات النفط، الشركات الكبرى، رجال الأموال المليارديرات هم ضحاياها يوماً بعد يوم تسمع أخباراً وقصصاً وكلاماً في الشرق والغرب عن تجميد حسابات وأصول وغير ذلك، فهذا فيه درس وعبرة لصاحب المال، فيه عبرة أيضاً لصاحب العلم والدين فإن هؤلاء القوم من أهل الكتاب ومع ذلك لما أعرضوا ما نفعهم العلم الذي عندهم وإنما أصبحوا أمثولة وأحدوثة للأمم، ففيه عبرة لكل أحد حتى صاحب القوة في جسمه أو الجمال نعم يحمد الإنسان الله على نعمته عليه هذا جيد، وأيضاً الثقة بما أعطاك الله هذا جيد، لكن لا يتحول هذا إلى غرور وإعجاب أو كبر أو تقصير في حق الله أو عدوان على عباد الله، هذا هو مدار الحديث في قوله : (فَاعْتَبِرُوا)، هذا التذييل في آخر الآية جاء مناسبا غاية التناسب، حيث يطلب من المؤمنين أولي الأبصار الاعتبار والاتعاظ بما فعل الله بهم : {فاعتبروا يا أُوْلِى الاٌّبْصَـارِ} أي بإخراج الذين كفروا من حصونهم وديارهم ومواطن قوتهم، ما ظننتم أن يخرجوا لضعف اقتداركم، وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم لقوتها ومنعتها، ولكن أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب، فلم يستطيعوا البقاء،
* من ثمرات تلك القاعدة :
- إن على مسلمي اليوم وفي كل بقاع العالم أن يعيدوا حساباتهم، وأن يراجعوا حقيقة إيمانهم، وموقفهم من الدين الذي اعتنقوه، والكتاب الذي يقدسونه، والرسول الذي يحبونه ويتبعونه وعلى استعداد أن يقموا المهج والأرواح من أجل التمكين لدينه، ونصرته، عليهم أن يؤمنوا إيماننا لا يعتريه الريب، وأن يوقنوا يقيننا لا يتزعزع ولا يهتز بأن الله للظالمين والطغاة والجبابرة المناوئين للحق وأباعه، والمعادين لدين الله الحق وأهله لبالمرصاد، وأنه ناصر الدين وأهله، وأنه مهما بلغت قوة أعدائنا فإن الله سيأتيهم من حيث لم يحتسبوا،
- إن القرآن الكريم كان وما يزال يمد الصابرين الآملين في وجه الله تعالى، الذين لا يجد اليأس إلى قلوبهم سبيلاً، يمدهم بمعين من القوة لا تفيض إلا من رحمة الله وطلاقة قدرته، تتحطم أمامها قوى المخلوقين مهما بلغت، وتعجز عن إضعافها والنيل منها محاولة العالمين مهما كان تدبيرهم ومكرهم ومؤامراتهم، وما يعلم جنود ربك إلا هو...كما قال الله تعالى : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ( آل عمران : 173 – 175 )، وكما قال سبحانه : {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ( المائدة : 23 )،
- وقد لا يخطر ببال هؤلاء المؤمنين الصابرين أنهم سيصلون إلى الغاية بمثل هذا اليسر، أو تتحقق لهم الآمال بهذه السهولة، ولكن الله العليَّ يدني لهم ما بعد، ويهون عليهم ما صعب، ويوافيهم بالنصر من حيث لا يحتسبون..تماما كما يلحق الهزيمة والبوار بالذين كفروا من حيث لا يحتسبون، وإلا فلنمعن النظر في قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} ( الحشر : 2 – 3 )، ولنتدبر قوله تعالى في ذات المعنى والمضمون : {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} ( الأحزاب : 25 ) (21)،
- أن مصادر التاريخ الموثوقة، وكتب السيرة تؤكد لنا أنه لم يحصل أيّ قتال مع بني النضير وإنما كان السلاح الوحيد في معركة بني النضير هو الرعب كما أوضحنا، إذاً هناك جندي من جنود الله اسمه الرعب، وواقع الكيان الصهيوني اليوم يشي ويؤكد لكل ذي عينين أن أغلب حياتهم مبنية على الرعب والهلع والخوف الذي لا يفارقهم، ولذلك فهم كا نرى يتحصنون، بشتى أنواع الحصون والقلاع التي يظنون أن فيها أمانهم، تماما كما قال الله تعالى : {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ } ( الحشر : 14 )، ، ونحن نرى اليوم ما يعرف بـــ "القبة الحديدية " لدى الكيان الصهيوني، وما هي إلا تعبير عن الخوف والرعب من الصواريخ التي تُطلق عليهم، هذا كله بسبب أنهم في رعب دائم، كم لديهم من الأنفاق والملاجئ التي يحتمون فيها وبها ؟! كلها من الرعب، ورأينا الجدار العازل، هذا أثر رعب يسير عما حصل لآبائهم من بني النضير، الكيان الصهيوني اليوم ونحن نراه يتسلح بأعتى وأقوى وأمضى أنواع الأسلحة، نراه حينما يُطلَق صاروخ بدائي تصنيع محلي فلا يبقى أحد بعيدا عن الخنادق والحصون، فانظر كيف يعيشون في رعب كبير جداً، وما أشبه الليلة بالبارحة! إذاً الجندي الذي نصر الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة من أصحاب الحصون التي لم يظن الإنسان، لم يخطر على البا ل، لا المؤمنين، المؤمنون أنفسهم ما ظنوا أن يحلّ ببني النضير ما حلّ بهم، وهل يمكن لجندي أن يقاتِل وقلبه يرجف خوفاً ورعباً؟! أبداً، مهما ملك من أعتى الأسلحة (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) (22)،
- قلنا أن سورة " الحشر " تتحدث عن قصة يهود بني النضير، وما وقع لهم مما لم يكن يخطر لهم على بال، وتجلت لنا من خلال هذه القصة دلالة العظمة، وطلاقة القدرة، ولذلك كان من الطبيعي أن تبدأ السورة بالتسبيح لله وتنزيهه عن كل نقص قد يتوهمه الواهمون، قال تعالى في مطلع هذه السورة : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( الحشر : 1 )، والتسبيح هو التنزيه عما لا يليق بذات المنزه، يقول " الشعراوي " : " ........أن تنزيه الله سبحانه وتعالى ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً هو أمر ثابتٌ له قَبْل أنْ يُوجَد شيء، وأمرٌ قد ثبت له بعد الملائكة، وثبتَ له بعد وجود السماوات والأرض، وهو أمر طلب الله من العبد المُخيَّر أن يفعله ؛ وانقسم العبادُ قسمين : قِسْم آمن وسبَّح، وقِسْم لا يُسبِّح فتعالى عنهم الحق سبحانه لأنهم مُشْركون. (23)، وقال في موضع آخر : " .....والمتتبع لمادة (سَبَّح) في القرآن الكريم يجد أنها جاءت بكل الصِّيَغ : الماضي :{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }( الحديد : 1 )، والمضارع :{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } ( الجمعة : 1 )، والأمر في : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَىا } ( الأعلى : 1 )، فما دام الكون كله سبَّح لله، ولم ينقطع عن تسبيحه، بل ما زال مُسبِّحاً، فلما خلق الخلق أمرهم بالتسبيح ؛ لأنهم جزء من منظومة الكون المسبّح، وعليهم أنْ ينتظموا معه، ولا يكونوا نشازاً في كون الله،
أما المصدر (سبحان) فقد جاء ليدل على التنزيه المطلق لله تعالى، حتى قبل أن يخلق الخَلْق، التنزيه ثابت له تعالى قبل أنْ يخلق مَنْ يُنزِّهه كما في قوله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىا بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىا الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } ( الإسراء : 1 )، لأن المسألة عجيبة وفوق إدراك العقل، فقد جاء بالمصدر (سبحان) الدالّ على التنزيه المطلَق لله، كأنه تعالى يُحذّر الذين يُحكِّمون عقولهم، ولا يُحكِّمون قدرة الله الذي خلقهم بقانون الزمان والمكان والبُعْد والمسافة، فكُلٌّ فعل يتناسب قوةً وقدرةً مع فاعله.(24)، وهكذا فالله تعالى أهل للتسبيح والتنزيه، ينزهه عما لا يليق به كلُّ ما في السموات وما في الأرض , وهو العزيز الذي لا يغالَب , الحكيم في قَدَره وتدبيره وصنعه وتشريعه , يضع الأمور في مواضعها.
وختاما : وبعد أن تجولنا في رحاب تلك القاعدة القرآنية التي تبث الأمل في قلوب اليائسين، وتفتح أبواب الرجاء أمام القانطين، أيليق بنا أن يقول قائلنا : ماذا نصنع أمام هذه المصائب والعداوات التي تفعل فينا الأفاعيل، ونحن ضعاف وخصومنا أقوياء؟ أو يجمل بأحدنا أن يتخلف وفي صدره هذ الأمل الواسع، ومن ورائه هذا التأييد الإلهي الشامل!! الذي تكشف عنه القاعدة ومن سبقها من قواعد ذكرناها في الحلقات السابقة ؟ اللهم.. لا..وألف لا !!!!فلنؤمل في ربنا خيرا، ولنطلب العلو دائماً، ولنحذر الارتماء في مستنقع الذل والهزيمة النفسية واليأس في كافة مجالات الحياة..
ونعود فنذكر بما يلي :
- أن العداء لله تعالى ولرسوله وللإسلام وأهله عداء قديم جديد، ومنذ أن أشرقت الأرض بنور ربها بظهور خير الأنام، ونزول أول دفعات الوحي الشريف من الله الملك العلام، ومنذ أن حمل مبعوث العناية الإلهية للواء الدعوة إلى الله، وهذا العداء المستكم بدأ ولم ينتهي إلى يوم الناس هذا،
- أنه مهما بلغت قوة أعداء الاسلام، ومهما تمترسوا خلف حصونهم المنيعة، فعلى المسلمين السائرين على طريق إمامهم وقائدهم محمد صلى الله عليه وسلم ألا يغرنهم قوة هؤلاء الأعداء وتقلبهم في البلاد، وامتلاكهم زمام الأمور، فإن الله تعالى ناصر دينه، وموهن كيد الكافرين كما وعد جل جلاله،
- أنه ومهما بلغ المسلمون من الضعف والهوان، ومهما علا عليهم أعداؤهم فإن الله تعالى الذي أتى بني النصير من حيث لم يحتسبوا، لقادر على أن يجعل الدائرة تدور على أعداء هذا الأمة، والمناوئين لدين الله الحنيف،
- أن الله تعالى يأتي الكافر من حيث لا يعلم ومن حيث لا يحتسب،
- أن الرعب من أسلحة الايمان، وهو من جند الله تعالى الذي ينصر به أولياءه وينتقم به من أعدائه،
- أن على المسلمين في كل عصر مصر أن يعتبروا بما وقع لبني النضير، وأن يأخذوا الدرس من تلك الواقعة، وأن يستحضروا دوما عظمة الله تعالى، وطلاقة قدرته جل جلاله،
هذا وإلى الحلقة القادمة،،،،،،،
***********
الهوامش والاحالات :
===========
(1) - أحمد البريدي : " تفسير سورة الحشر - المجلس الأول "، دورة الأترجة، نشر من طرف islamiyyat بتاريخ 08 فبراير 2016م، المصدر :
http://islamiyyat.3abber.com/post/311536
(2) - عطية محمد سالم : " تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن "، ط2، طبع على نفقة المؤلف، الرياض، 1980م، 19 - 22،
(3) - محمد الأمين الشنقيطي : " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن "، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1983م، ج6، ص : 643،
(4) - سيد قطب : " في ظلال القران "، دار الشروق، القاهرة، ط 38، 2005م، ج7 – 159 – 160،
(5) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، ( ت : 671 هـ) : " الجامع لأحكام القرآن "، تحقيق : هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423 هـ/ 2003 م، ج18، ص ص : 2-3،
(6) – القرطبي : " نفس المرجع السابق "، ج18، ص : 3
(7) - سيد قطب : " نفس المرجع السابق "، ج7 – 159 – 160،
(8) – القرطبي : " نفس المرجع السابق "، ج18، ص : 3
(9)- قال ابن كثير - رحمه الله - في " البداية والنهاية " في معرض حديثه عن سقوط بغداد في أيدي التتار : " ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة فيها أخذت التتار بغداد، وقتلوا أكثر أهلها حتى الخليفة، وانقضت دولة بني العباس منها، استهلت هذه السنة وجنود التتار قد نازلت بغداد صحبة الاميرين اللذين على مقدمة عساكر سلطان التتار هولاكوخان، وجاءت إليهم أمداد صاحب الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه، وكل ذلك خوفا على نفسه من التتار ومصانعة لهم قبحهم الله تعالى، وقد سترت بغداد ونصبت فيها المجانيق والعرادات وغيرها من آلات الممانعة التي لا ترد من قدر الله سبحانه وتعالى شيئا، كما ورد في الاثر لن يغني حذر عن قدر، وكما قال تعالى : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر }، وقال تعالى : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال }، وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت "تلعب" بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى "عرفة"، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي "ترقص" بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب : "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم "، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة!!"..أنظر :
- إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي : " البداية والنهاية "، دار عالم الكتب، القاهرة، 1424هـ / 2003م، ج13، ص : 200،
(10) - عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي : " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان "، تحقيق : عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، 1420هـ - 2000م، ج 1 / ص 848،
(11) - موسوعة سلمان العودة : " اشراقات في قوله تعالى : هو الذي اخرج الذين كفروا من ديارهم "، المصدر :
www.salmanalodah.com/popups/print_window.aspx?article_no.
(12) – سيد قطب : " مرجع سبق ذكره "، ج7 – 159 - 160
(13) – القرطبي : " مرجع سبق ذكره "، ج18، ص : 4،
(14) - محمد بن جرير الطبري ( 224 – 310هـ ) : " جامع البيان في تأويل القرآن "، تحقيق : أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ - 2000م، ج 23 / ص 264،
(15) - موسوعة سلمان العودة : " اشراقات في قوله تعالى : هو الذي اخرج الذين كفروا من ديارهم "، المصدر :
www.salmanalodah.com/popups/print_window.aspx?article_no.
(16) - عطية محمد سالم : " تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن "، ط2، طبع على نفقة المؤلف، الرياض، 1980م، 19 - 22
(17) - القرطبي : " مرجع سبق ذكره "، ج 18، ص ص :4- 5،
(18) - موسوعة سلمان العودة : " اشراقات في قوله تعالى : هو الذي اخرج الذين كفروا من ديارهم "، المصدر :
www.salmanalodah.com/popups/print_window.aspx?article_no.
(19) – القرطبي : " مرجع سبق ذكره "، ج18، ص : 5
(20) - موسوعة سلمان العودة : " اشراقات في قوله تعالى : هو الذي اخرج الذين كفروا من ديارهم "، المصدر :
www.salmanalodah.com/popups/print_window.aspx?article_no
(21) - أبو نزار المسلم : " بين اليأس والأمل "، المصدر : http://www.startimes.com/?t=32727558
(22) – أنظر : أحمد البريدي : " تفسير سورة الحشر - المجلس الأول "، دورة الأترجة، نشر من طرف islamiyyat بتاريخ 08 فبراير 2016م، المصدر :
http://islamiyyat.3abber.com/post/311536
(23) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، ج 1، تفسير سورة البقرة، الآية رقم : 2، ص : 41، 1886،
(24) – " نفس المرجع السابق "، 2269،
************************
أ.د/ أحمد بشير، جامعة حلوان، القاهرة،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: